|
اني مدين لهذا ( الفارس) بحياتي بقلم خضرعطا المنان
|
mailto:[email protected]@gmail.com
(( أكد انه صامد وقوي ومتماسك – كعادته دوما- كاشفا عن تبرمه من حديث الناس حول حتمية لجهة كونه معتقل من اجل قضية بلد بكامله وليس امرا شخصيا .. وطالب الجميع بالحديث حول القضايا الوطنية ومستقبل البلد بدلا من صحة فرد )).
هذا ما ابلغتنا به- - عقب اخر زيارة له - ابنة استاذنا الفاضل/ القانوني الضليع/ والمناضل الجسور (فاروق ابوعيسى) المعتقل في سجون عصابة الاقزام المتأسلمين وبطل (ليلة المتاريس) الاكتوبرية الشهيرة 1964 والتي غيرت وجه التاريخ في بلدنا المنكوب.
انه موقف مشرف لا يصدر الا من رجل بقامة وطن وموقف تنحني له الرؤوس اجلالا واعزازا وتقديرا .
الشاهد انه وقبل نحو ثلاث سنوات كنت قد التقيته للمرة الثانية حينما استضافتهما – هو ورفيقه في الهم وشرف الاعتقال استاذ الاجيال الدكتور امين مكي مدني – رابطة القانونيين السودانيين في قطر حيث كانت ليلة حفلت بدروس عظيمة لها مغزاها ودلالاتها حول الدستوروالقانون في (دولة الانقاذ المتهالكة !!) بالسودان .. ووسط حضور سوداني متميز كنت قد اشرت في مداخلة لي يومها مذكرا بتلك الحادثة ( موضوع مقالي ) التي اقول عنها دائما بأنني مدين بحياتي الى ( ابي نهلة ) والقانوني الضليع ابوعيسى .
وقعت الحادثة في العام 1997 وفي اوج عنفوان طيب الذكر المرحوم ( التجمع الوطني الديمقراطي ) والذي كان (ابوعيسى) احد اعمدته وركائزه الصلبة حينما قررت السفر من العاصمة الدنماركية (كوبنهاغن) الى (القاهرة) لملاقاة والدتي العزيزة – اطال الله عمرها ومتعها بالصحة والعافية – والتعرف عن قرب على بعض من رموز(التجمع) والذين كان اغلبهم إما مقيما بمصر او متنقلا بينها وارتريا وهو ما تحقق لي بالفعل ابان تلك الزيارة حيث تشرفت بلقاء العديد من تلك الرموز من مدنيين وعسكريين وزملاء وزميلات ممن فضلوا شرف العمل في صحيفتين معارضتين آنذاك هما: ( الاتحادي الدولية ) و( الخرطوم) قبل ان يتأنقذ صاحب الاخيرة ويسير بها في ركب صحافة الانقاذ التي اضحى رؤساء التحريراليوم (اراجوزات) تتبارى في ( كشف حال ) بعضها البعض !!.
ولتحقيق هذين الهدفين ( لقاء الوالدة ورموز من التجمع ) كان لابد لي من الحصول على تأشيرة زيارة لمصر الامر الذي تعثرحينما طلبت مني السفارة المصرية بالعاصمة الدنماركية ضرورة انتظاري لما بين اسبوعين وثلاثة حتى تصلهم موافقة الجهات الامنية هناك على اعتباران دخول اي صحفي اجنبي يتطلب بالضرورة مثل تلك الموافقة ( كان نظام مبارك - شأنه شأن اي نظام ديكتاتوري – يعتمد في بقائه واستمرار حكمه على الامن اساسا) .
ولما كانت مدة الاجازة الممنوحة لي من عملي لا تحتمل مثل هذا الانتظار فلم اجد امامي بد من الاستعانة بالاستاذ (فاروق ابوعيسى) الموجود بمصر استنادا الى موقفه القوي والنبيل والداعم لي حينما تم سحب جواز سفري السوداني عن طريق سفارة الانقاذ بأبوظبي بقرار من السلطات في الخرطوم :
وكان (ابوعيسى) قد ارسل لي رسالة باسم الامانة العامة لاتحاد المحامين العرب وهو( امينه العام آنذاك) يتعهد فيها هذاالاتحاد بتبنيه الكامل لقضيتي .. وهذا ما دفعني للاتصال به في (القاهرة) طالبا منه مساعدتي في الحصول على تاشيرة زيارة لمصر فطلب مني ارسال صورة لوثيقتي الثبوتية عبر الفاكس وبعدها لم تمضي 48 ساعة حتى كانت التأشيرة – عبر الفاكس ايضا – بيدي مرفقة بمذكرة تقول بان التأشيرة الاصل ستكون بمطار القاهرة .
وصلت القاهرة فجرا قادما عن طريق (فرانكفورت) الالماني .. واسقبلني الرجل استقبالا طيبا ثم قام بعدها الفريق عبد الرحمن سعيد (نائب رئيس التجمع الوطني الديقراطي) آنذاك بتوفير شقة لي ووالدتي بحي مصر الجديدة حيث كان يقطن هو و اسرته ايضا .. وما ان سددت الايجار وسلمني المالك المفاتيح حتى فوجئت مساءا باتصال من شخص قال ان اسمه (سعيد حجازي) كاشفا لي بانه ضابط برتبة (مقدم) بأمن الدولة في مصر وطالبا مني ضرورة حضوري في التاسعة من صباح اليوم التالي الى مباني جهاز امن الدولة ( ليس ببعيدة عن ميدان التحرير ) الشهير.. واذكر ان كل ما تمكنت من قوله هو انني رجوته ان يوضح لي سبب هذا الاستدعاء .. فكان رده : ( بكرة تعرف كل شئ ).
اصدقكم القول بأنني بعد هذه المكالمة / القصيرة / المفاجئة فقدت القدرة تماما على التفكير لبعض الوقت خاصة وانني اجهل كليا سبب هذا الاتصال ومن من ؟؟ امن الدولة .. واين؟؟ في مصر.. خاصة وان معلوماتي – بحكم الاطلاع والمتابعة – عن هذا الجهاز سيئ السمعة تقول بأن الداخل لمبانيه مفقود وان الخارج منه مولود كما هو شائع بين كافة قطاعات الشعب المصري .
تقافزت – إثر هذه المكالمة رغم قصرها – الى ذهني عشرات الاسئلة وتلك الصور المؤلمة والممارسات الوحشية التي كان يقوم بها جهاز امن الدولة بحق الاخوان المسلمين منذ قيام ثورة 23 يوليو 1952 .. وهي ممارسات وردت في مذكرات وكتابات بعض هؤلاء ( الضحايا !!) امثال شيخ الفتنة ( يوسف القرضاوي) وغيره .. وعندها ازددت خوفا واضطرابا مما دفعني للاتصال فورا في ذلك المساء بمنزل الاستاذ (فاروق ابوعيسى) وعبرت له عن مخاوفي تلك وجهلي التام لأسباب استدعائي من قبل هذا الجهاز سيئ السمعة خاصة وانه لم تمضي على وصولي البلد اكثر من 48 ساعة. طمأنني الرجل وهدأ من مخاوفي قليلا وبصوت الواثق ورجاني ان اذهب في موعدي المحدد وسأجد الامورعلى مايرام .. دون اية تفاصيل .
قبل الموعد بنحو ساعتين خرجت الى الشارع حيث ارتبك سائق سيارة الاجرة في بادئ الامر حينما طلبت منه التوجه الى مباني امن الدولة وظل صامتا / واجما طوال المشوار– رغم خفة الروح والنكتة التي عرفت بها هذه الشريحة من اخوتنا المصريين .
وصلت مباني الجهاز وهناك وجدت المدخل بابا صغيرا كباب اية غرفة ولكنه بالداخل – كما اكتشفت لاحقا- متسع ( حوش) اشبه بمجمع سكني متكامل وحركة كخلية نحل لا تهدأ ابدا ( اناس ودراجات بخارية وسيارات بمختلف الموديلات والاحجام) .
عند دخولي من هذا الباب وجدت نفسي مباشرة امام موظف الاستقبال الذي تسلم وثائقي الثبوتية وبطاقتي الصحفية ثم قام احدهم بتثبيت شارة بلاستيكية مغلفة مكتوب عليها كلمة ( زائر ) وقام بمرافقتي الى الداخل حيث وجدت المقدم (سعيد حجازي) جالسا بمكتبه في انتظاري فنهض مرحبا بي وطلب مني الجلوس ثم سألني اذا ما كنت ارغب في شرب شيئ فشكرته وفي عجالة وتهلف سألته عن سبب استدعائي فصمت الرجل برهة ثم – ودون ان يجيبني – ادار رأسه نحوجهاز الحاسوب الذي امامه ثم قرأ قليلا وكتب ما كتب وفي عجالة اخرى كررت عليه سؤالي حول سبب استدعائي .. ولا جواب .
لم يمضي وقت طويل حتى نهض الرجل واقفا وقائلا لي : ( خلاص انتهت الجلسة ومافيش اي حاجة وبلغ تحياتي لأستاذنا ابوعيسى واخبره بأني ساتصل به ) .
مع رفض (سعادته) توضيح الامر بالنسبة لي خرجت مشوشا ومسرعا وغير مصدق وحشرت نفسي داخل اول سيارة اجرة صادفتني واتجهت مباشرة الى مكتب الاستاذ (ابوعيسى) بالامانة العامة لاتحاد المحامين العرب الواقع حي المهندسين.
هناك وجدته في انتظاري وهو مبتسم كعادته ومرحبا بي وعلامات الارتباك لا تزال واضحة على ملامحي وعلمت منه ان ( حجازي) قد اتصل به بالفعل بعد مغادرتي مكتبه وانا في طريقي الى حي المهندسين .
الواقع ان من يعلم او قرأ عن مدى وحشية وفظاظة رجالات امن الدولة في مصر بحق من يقع في قبضتهم وتاريخهم التعذيبي/ الوحشي يمكن له ان يتخيل ماكان يمكن ان يحل بي لولا التدخل المباشر من هذا الرجل القامة الذي نأسف ان يكون اليوم محبوسا – وهو مريض - في سجون عصابة من اقزام لا تعرف حجم او قدر هذا الرجل ورفيقه المناضل الكبير( امين مكي مدني) اللذين يعتبرحبسهما وصمة عارفي جبين – ليس افراد هذه العصابة المتهالكة فحسب – وانما في جبيننا جميعا ونحن نعيش في هذا الزمن الانقاذ الردئ.
عموما علمت لاحقا ان القضية اساسا تتعلق بمقال ناري كنت قد نشرته بصحيفة القدس العربي اللندنية قبل اشهر قلائل من حضوري لمصر وكان بعنوان: (حلايب المفترى عليها ) مؤكدا على سودانيتها بالادلة والوقائع مستعينا ببعض كتابات المؤرخين والمختصين ممن تتناولوا هذه القضية قبلي .. وكانت وقتها وسائل الاتصال الاليكترونية الحديثة إما في رحم الغيب او في بداياتها دون ان تتمكن اية صحيفة من ان تكون موجودة على (الانترنت) كما هو الحال اليوم .
وحري بنا هنا ونحن نتحدث عن المناضل (ابوعيسى) ان نشير الى ان الرجل كان مستهدفا من قبل النظام منذ امد بعيد وليس بسبب ( نداء السودان ) فحسب :
http://www.sudaress.com/sudaneseonline/28871http://www.sudaress.com/sudaneseonline/28871
اخيرا : اني اعتذر – مثل الملايين من الشرفاء ومحبي هذا السودان- اليك يا (ابا نهلة) ورفيق دربك الكريم ونحن عاجزين عن مجرد رفع صوتنا رفضا لماحاق بكما من ظلم ووقاحة وغدر وخيانة من (عصابة الاقزام) .. ولتعذراننا ايها الصنديدان وغدا تخرجان مرفوعي الرأس و موفوري الكرامة وتتمددان فخرا في كتب التاريخ.
وحتى ذلكم الحين سنظل نحلم بعودة (انتفاضة سبتمبرية ) جديدة كما حدث العام 2013 :
|
|
|
|
|
|