|
انقلاب.. وهاكم الدليل..! (مُنع من النشر) - بقلم يوسف الجلال
|
عندما حسم الدكتور غازي صلاح الدين أمره؛ وقرر إنهاء فترة الأسبوعين التي أمضاها بالخارج، يبحث عن إصحاح للروح والجسد، نصحه مقربون، بتمديد فترة النقاهة، وقالوا له إن شيئا في السودان لن يتغير لو أمضيت أسبوعاً آخر، ففعل. لكن حينما عاد الرجل إلى السودان، وجد أن كل شيء قد تغير. ووجد أن مياها كثيرة مرت، ليس تحت الجسر، بل عبرت من فوقه، وغمرته بالكامل. لذا لم يجد العتباني وصفاً لائقاً في حق التعديلات التي حُشرت حشراً في الدستور، غير أنها "انقلاب دستوري في وضح النهار". بل أن العتباني بشّر السودانين باستبداد مؤسسي، لم يره الشعب من قبل. بعدما شرعنت التعديلات الدستورية الأخيرة للقمع والقهر والطغيان السياسي. الثابت، أن غازي أفرغ كل ما في جوفه من خلال مقاله الذي حمل عنوان "من نماذج مَأسَسة الاستبداد". وبدا واضحاً أن الرجل الذي فاصل المؤتمر الوطني قبل عام وأكثر، أنفق طاقة الانتظار كلها؛ ولم يعد يحتمل، لذا صوّب انتقاداته الحادة في اتجاه "إخوان الأمس"، بلا استثناء، بما فيهم البقرات المقدسة. للوهلة الأولى، قد يتوهم الكثيرون أن توصيف العتباني قاسياً في حق التعديلات الدستورية، لكن حين يتفحصون التوصيف جيداً، سيجدوا أن أقسى منه، قد جرى - قبل ذلك - على لسان رئيس منبر السلام العادل الطيب مصطفى، الذي وصف التعديلات الدستورية بأنها "أكبر انقلاب دستوري في تأريخ السودان". وأيضاً جرى على لسان بعض قادة المعارضة، مثل القيادي بالحزب الشيوعي صديق يوسف، ونائبة رئيس حزب الامة مريم الصادق. حسناً، فمن المؤكد أن مثل هذه التوصيفات الناقدة للتعديلات الدستورية، لن تُعجب أنصار الحزب الحاكم، وبالتالي سينبري كثيرون منهم لتفنيدها. لكن قطعاً، لن يجد هؤلاء أسانيد منطقية، لتقف عليها دفوعاتهم، لأن قادة حزب الأمة كشفوا أمس، عن تلقيهم إخطاراً رسميا، يفيد بأن حزبهم على شفا حفرة من "الحل أو التجميد"، عقاباً لرئيسه الصادق المهدي الذي مهر وثيقة (نداء السودان) مع الجبهة الثورية. نعم، فقد بعث مجلس شؤون الأحزاب رسوله، إلى دار الأمة (الأحد) الماضي، ليحشر في صندوق بريد الحزب، خطاباً، يطالب فيه "الأحباب"، بالرد على شكاية جهاز الأمن، الساعية لحل وتجميد نشاط حزبهم. الآن هل عرفتم لماذا، ستغوص أرجل المنافحين عن التعديلات الدستورية الأخيرة، في وحل التناقضات السريعة؛ والأخطاء الكبيرة..! قد يقول قائل، إن لجوء جهاز الأمن إلى مجلس شؤون الأحزاب شاكيا، محمدة في حد ذاتها، لكونه - بذلك – قد تخلى عن المخاشنات السياسية والأمنية. وقد يكون هذا صائباً بدرجات متفاوتة، لكنه ليس صحيحاً بصورة مطلقة. وعليه، فسيقول غازي صلاح الدين والطيب مصطفى وصديق يوسف ومريم الصادق وآخرون، إن حل حزب الأمة أو تجميد نشاطه بمثابة بيان "للانقلاب الدستوري"، وأن الأمر ينقصه – فقط - المارشات العسكرية. وقد يكون هذا صائباً بدرجات مطلقة؛ وليست متفاوتة، فالناظر إلى اتجاه الحكومة لتجميد نشاط حزب الأمة، سيجد أن الخطوة – بأي الوسائل والطرق جاءت – ستُبطئ عجلة التوافق السوداني. وإنها ستعيد سنوات الإنقاذ الأولى، التي حلت فيها الأحزاب مجتمعة، وحظرت فيها العمل السياسي والحزبي. وهذا يعني أن القرار الذي يصفه الكثيرون بالمتهوِّر، ليس غريباً على الحكومة، فسبق أن صادرت "الإنقاذ" دار الأمة، وأحالتها إلى هيئة للثقافة والفنون. أما أعجب ما في القصة كلها، فهو أن مساعد رئيس الجمهورية العميد عبد الرحمن الصادق، وهو نجل زعيم الحزب المُهدد بالحل، مضى أمس إلى منفى والده الإجباري بالقاهرة، لتفعيل مبادرة "الإصلاح" التي أطلقها "الابن" من أجل عودة "الوالد" للخرطوم.. فتعجب يا صاح..! مُنع من النشر بأمر الرقابة الأمنية القبلية؛ المفروضة على صحيفة (الصيحة)
|
|
|
|
|
|