هل بات وشيكاً أن نرى ذوبان جليد المنهج الوهابي السعودي المتشدد الذي يمثل المرجعية الفكرية للسلفية الجهادية بمختلف مسمياتها والتي فرخت لنا تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام كنموذج للتنظيمات الجهادية المتطرفة في المنطقة؟ ثمثل زيارة المرجع الديني الشيعي العراقي مقتدى الصدر التي وصفت بـ"النادرة" للسعودية بدعوة رسمية من الديوان الملكي السعودي دفقة مداد على خارطة الفكر الوهابي الذي ترتكز عليه السعودية كصمام أمان في حماية التوحيد والعقيدة. وسيلتقى صاحب الجبة السوداء بولي العهد السعودي وهيئة كبار العلماء هناك. معروف عن الرجل انه يتزعم التيار الصدري الذي يشغل 34 مقعدًا في البرلمان العراقي و أنه الأب الروحي لاثنين من أبرز فصائل مليشيا "الحشد الشعبي" في العراق، هما "سرايا السلام" و"لواء اليوم الموعود". وهذه الزيارة هي الأولى للصدر منذ 11 عامًا، حيث كانت آخر زيارة له للملكة في 2006.
ومابين زيارة مقتدى الصدر وزيارة ترامب جبال من التباينات والتضاد فالكاتب البريطاني "روبرت فيسك في مقال له بصحيفة"الإندبندنت" البريطانية يقول: "ما نعرفه جميعاً بأن الهدف من زيارة الرئيس الأميركي إلى المملكة العربية السعودية ليس لصالح الشيعة وأن السنة من المسلمين الحاكمين يملكون ثروات هائلة ويرغبون بتدمير الشيعة من المسلمين في إيران وسوريا وحزب الله في لبنان وكذلك الحوثيين في اليمن وكله تحت مسمى محاربة الإرهاب. ومابين الإرهاب الذي يستند للمرجعية الوهابية وبين الإرهاب الذي يستند للمرجعية الشيعية تقاربات مغنطيسية متنافرة تزداد كلما اردنا الربط بينهما. فالشيعة بمسماها العريض هي الإرهاب في نظر من يسمون أنفسهم بالسلفيين.
فيما ذكرت "العربي الجديد" أن زيارة الصدر لن تكون محصورة ببحث الشأن العراقي وملف المدن المحررة من تنظيم "داعش" فقط، بل ترتبط بملف سعودي حساس للغاية، وهو تدخله في تهدئة الوضع المشتعل داخل محافظة القطيف، وتحديداً مدينة العوامية التي يحظى الصدر بشعبية واسعة فيها. ومدينة العوامية التي تقع شرقي البلاد ذات أغلبية شيعية وهي مسقط رأس الزعيم الشيعي نمر النمر. جدير بالذكر أن السعودية تواجه خطر المد الشيعي في عدد من المدن بوتيرة متزايدة كالماء تحت الهشيم، وهو مايثير مخاوف المملكة من إنفجار بركان عقائدي يهدد النسيج المجتمعي والعشائري الذي تحكم المملكة قبضتها حوله، وتسعى جاهدة لتيمم وجهه شطر المذهب الوهابي، و الذي ترى اميريكا أنه آن الآوان أن تخلع المملكة عباءته ويعاد تطريزها وتزيينها وفق ما يتماشى مع رؤية أميريكا للعالم الإسلامي. وهو الأمر الذي تريد المملكة إصلاحه مع الإبقاء على صبغة العباءة لكي لا تلاحظ الزعامات الدينية أن هنالك تفييراً ملموساً يطرأ عليها.
تقول مصادر مقربه من الصدر انه يسعى لنسف فكرة أن العراق يدور في فلك إيران، و أن "الصدر من زعماء الشيعة القلائل في العراق الذين يطالبون بضرورة إقامة علاقات متوازنة مع كل دول الجوار". وكان الصدر غاضب على السعودية من إعدامها للزعيم الشيعي نمر النمر، ومما وصفه بقمع الشعب البحريني من قبل الجيش السعودي في عملية "درع الجزيرة". هل سنرى في مقبل الأيام انصهاراً بين المذهبين المتنافرين وانفراجاً في العلاقات وتقارباً فكرياً وسياسياً بينهما أم أن الأمر إصطياد في الماء العكر وإستغلال للعلاقة الباردة بين الصدر وإيران؟
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة