|
الوعي الاجتماعي والولاء الوطني سبيلنا لبناء الدولة السورية حسن عثمان
|
الوعي الاجتماعي والولاء الوطني سبيلنا لبناء الدولة السورية حسن عثمان بالرغم من اختلاف وجهات النظر حول واقع وحقيقة الأزمة السورية (الشامية) بدايتها ونهايتها، وكثرة ماشاع ويُشاع عن حلول لتجاوزها والاسترسال بالترويج لهذه الحلول وربطها بأمور عديدة، وبمحاور مختلفة إقليمية ودولية وغيره. كل ذلك لايبدو أو لم يُظهر أنه ناتج عن فهم للحالة السورية قبل الأزمة وبالتالي عدم القدرة أو عدم التمكن من إيجاد الطريق الملائم لتجاوزها. الأزمة الشامية شبيهة بحالة أخواتها في العراق ولبنان وفلسطين والأردن. فالشام وبقية كيانات الأمة السورية تعاني أزمة قديمة ومشاكل عديدة تجاهلها السياسيون والمثقفون، أو تهربوا منها لخطورتها واحتياجها للجرأة والشجاعة للتصدي لها ومواجهتها، ولو تطرق البعض لهل بخجل، في حين عمد قسم آخر منهم لتكريسها وتغذيتها بالتعاون مع رجال الدين لما لها من مكاسب على الصعيدين السياسي والمالي. صحيح أن الأزمة الشامية اشتعلت بترخيص خارجي (اقليمي ودولي)، إلا أنّ هذا الاشتعال جاء مرتكزاً على نقاط ضعف عانى منها الكيان الشامي سابقاً ولم يلتفت لها منذ إعلان الاستقلال المرسوم له وفق خريطة سايكس – بيكو. حيث وجد التآمر (أياً كان مصدره) البيئة الخصبة الجاهزة ليتطور ويتوغل بكل أبعاده ويفتك بالبلاد طولاً وعرضاً. كما أنّ استمرار هذه الأزمة مُرتهن أيضاً بوجود هذا الوهن وهذا الداء الفتاك الذي يحاول الكثيرون تجاهله والقفز من فوقه على أنه غير موجود. والتعويل على أطراف خارجية وانتظار فيتو من هنا وهناك، ومبادرة من ذاك الاتجاه، ومؤتمر من اتجاه آخر لإنهاء الأزمة. بالمختصر ودخولاً في الموضوع، لم يكن لينال منّا الإرهاب والتطرف الديني لو كان هناك مناعة وتحصين داخلي بانفتاح ووعي اجتماعي واسع يشمل كافة أرجاء الكيان الشامي وغيره من كيانات الأمة السورية. لقد عانت البلاد منذ عدة عقود خلت من مواجهة وصدام لأفكار دينية مستوردة من الخارج ومدعومة من دول إقليمية مباشرة ومن العدو اليهودي بصورة غير مباشرة، حيث وجدت على أرضنا السورية مكاناً ملائماً لنزاعها، ناشرة بلائها وسمها بين أفراد المجتمع لتكون درجة الخطورة مرتبطة بمستوى وشدة الوعي الاجتماعي والولاء الوطني المتوفر. وهذه الملائمة جاءت من خلال تغليب الولاء الديني للكثير من أفراد مجتمعنا على ولاءهم الوطني والقومي، ما جرّ أولئك الأفراد للارتباط بصورة مباشرة أو غير مباشرة بدول اقليمية داعمة لهذه الأفكار الدينية المخدرة لطاقاتهم وعقلهم. حتى أنه لم يعد يجدوا في بلادهم ما يشبع رغبتهم الدينية، فانتقل ولاء هؤلاء الأفراد على سبيل المثال إلى السعودية، تركيا، مصر، ايران وتونس وأبعد من ذلك وفقاً لمصدر هذه الأفكار وموقع رجال الدين المشيعين والمتبنين لها فتجاوزوا حتى الحدود الاقليمية. وزاد من متانة ارتباطهم هذا، الأموال والهبات والحضن الدافئ الذي رافق هذه الأفكار التي لا تناسب مجتمعنا بأي شكل من الأشكال، حيث كان ذلك في ظل غياب واضح للحضن الوطني، وتردي في مستوى الحياة الاجتماعي والمعيشي. لقد كان لهذه الأفكار تأثيرها الذي غلب وتفوق على تأثير أفكار وتعاليم المدارس الدينية في بلدنا مما يدل على ضعفها وسوء برامجها التعليمية وافتقارها للتوجه الوطني ونشر الوعي الاجتماعي. حيث يتحمل رجال الدين من كافة مذاهب الطوائف الملامة الكبيرة في حدوث هذا الاختراق وعدم القدرة على السيطرة على هؤلاء الأفراد وتقوية شعورهم الوطني والقومي. طبعاً تتحمل قيادة البلاد كامل المسؤولية في تجاهلها شبه التام لأطراف البلاد، وغيابها عن التجمعات السكانية العشوائية غير المنتظمة في مراكز المدن، والتي تمّ الغزو من خلالها، وتمركز الإرهاب فيها. فقد وجدت هذه الأفكار الإرهابية المتطرفة ملاذاً وحضناً دافئاً لها في أطراف البلاد التي تعاني من إهمال ثقافي واجتماعي وتردي معيشي واضح. وهذا ما نشاهده واضحاً في المنطقة الشرقية وشمال البلاد وأقصى جنوبها. ليس من شيء ليس له نهاية، فالأزمة حتماً زائلة ولكن بأي شكل وبأي خريطة ؟ إنّ زوال الأزمة سيكون مؤقت ومرحلي اذا لم نقف ونواجه الحقيقة، هذه الحقيقة التي رفضها أخوتنا في لبنان ويرفضها أخواننا في العراق وكذلك فلسطين. الحقيقة التي تقول بوجوب أن تكون حياتنا، حياة اجتماعية وطنية، لا تشوبها أي شائبة من الحواجز الدينية الطائفية والمذهبية وكذلك الحواجز العرقية والعشائرية. هذه الحقيقة التي أدركها الغرب فأنقذت أمريكا من حروبها وأوروبا من اقتتالها. هذه الحياة التي عاشها أجدادنا في الهلال الخصيب فسخّروا ووفروا طاقاتهم وأفكارهم لبناء وتشييد الحضارات الأولى في العالم. صحيح أننا نواجه حالياً أبشع وأفظع أنواع التطرف الديني والهمجية البشرية التي أباحت القتل والذبح والاغتصاب والتنكيل. كذلك إننا نعاني من انغلاق وتعصب ديني مذهبي عرقي عشائري بمستويات مختلفة لم يصل لحد القتل والتكفير العلني لكنه موجود ويعيق تقدمنا وتطورنا ويحد من مواجهتنا لعدونا اليهودي الناظر بابتسامة وارتياح لما نعانيه من تفكك اجتماعي وما سنؤول إليه من تشرذم وافتراق. لا أعتقد أنه يوجد في العالم بلد مضحك ومبكي بنفس الوقت مثل لبنان من خلال تبنيه لنظام سياسي واجتماعي طائفي ومذهبي بامتياز. حيث لا يمكن له لا الآن ولا بعد ألف سنة من تطوير نفسه ولو ادّعى ما يدّعيه زعماؤه السياسيون والطائفيون وما يتفلسفون به كل يوم. ولا يوجد مثال أكبر من لبنان عن دور التفكك الاجتماعي في انهيار الدولة وضعفها وانقسامها واختلافها حتى في تحديد من هو العدو. حيث نشاهد الأجواء مهيئة لاشتعال النزاع والقتال بأي لحظة. صحيح أنّ العراق لا يعاني هذه الحالة السيئة نفسها تماماً، وكذلك لا تظهر الصورة في الكيان الشامي بهذا الشكل المفضوح للحياة الطائفية والمذهبية، إلا أنّ الأزمة أظهرت أنّ هذه حقيقة موجودة نعاني منها ولا بد من تجاوزها. فلا تكفي المجاملة وتبويس اللحى وربط الهلال بالصليب لتجاوز هذه الكارثة ولا يكفي العناق ومسك الأذرع لأصحاب العمامات والطرابيش المختلفة أمام الإعلام لنقول أننا موحدين. لنكون أكثر وضوحا،ً ولكي لا يتهمونا بالحديث عن أشياء غير موجودة وغير حقيقية. نقول: لا يمكن لنا أن نكون دولة قوية متقدمة متطورة ونحن نشترط في دستور البلاد على اسلام رئيس الجمهورية على سبيل المثال (أي من يعتنق االرسالة المحمدية لأن الاسلام مصطلح ينطبق على كل من هو مسيحي ومحمدي وكل من من كان موحداً)، فلا يمكن أن نتحدث عن وحدة وطنية وهكذا بند موجود في الدستور. كذلك لا يمكن الحديث عن وحدة وطنية وتماسك بنيوي للدولة ونحن نتحدث عن طائفية البلاد ومذهبها، وأن نخصص لكل مجموعة قانون أحوال شخصية خاص بها، بحيث تصبح الطائفة هي الوسيط الذي ينظم علاقتنا بالدولة. كما أن وجود مادة للتربية الدينية في المؤسسات التعليمية، التي تعمد على تمييز أبناء المجتمع كلاً بحسب طائفته، تلعب دوراً في التفكك الاجتماعي حيث ينظر المواطنين لبعضهم البعض بألوان مختلفة. إنّ اشتراط الاسلام (بالمعنى الرائج) على رئيس الجمهورية تُعرّض غير المسلم للشعور بنقص في مواطنيته والاحساس بتمييزه عن غيره، كذلك الافتقار لقانون أحوال شخصية خاص بالدولة سيميز المواطنين عنوة عن بعضهم البعض، مما سيعيق وحدتهم واندماجهم ويخفف من قوة ارتباطهم، وسينعكس سلباً على حياتهم الاجتماعية التي من المفترض أن تسير بشكل طبيعي، الأمر الذي سيضعف الولاء الوطني لصالح الولاء الطائفي والمذهبي. لا يكفي من رجالات الدين بشتى طوائفهم ومذاهبهم أن يبرهنوا عن وحدتهم الوطنية بتبادل الزيارات وتبويس الخدود في المعابد المختلفة خلال الأعياد، في الوقت الذي يخدعون الناس بزرعهم للحواجز الدينية بين المواطنين متجاهلين بأن ليس هناك أي قانون لا انجيلي ولا قرآني ولا كتاب آخر ما يمنع تزاوج الناس مع بعضهم البعض. فإن كانوا صحيح مؤمنين بالوحدة الوطنية وبحياة اجتماعية هادئة راقية فلينزعوا ما اختلقوه من حواجز وعوائق باسم الدين تعيق هذا الزواج الذي أباحه الله لعباده وحرّموه زوراً باسم الانجيل والقرآن. فليس هناك ما يمنع هذا الزواج الطاهر غير مانجده مكتوباً في كتب العقيدة اليهودية التلمودية التي لا تمت لديانة النبي موسى (ع) السماوية بأي صلة. إنّ هذا التهور الديني والتعصب الأعمى والذي يُسخّر لأغراض شخصية سياسية ومادية امتد لمساحات أضيق لينتقل من مستوى الطائفة إلى المذهب إلى فروع المذهب ...الخ. وهذا ينطبق أيضاً على التعصب العرقي الذي لا يبتعد عما نشاهده في التطرف الديني. فكل من يريد أن يتحدث ويدعم الوحدة الوطنية وبخاصة رجال الدين وزعماء الطوائف فليقدم وطنه على صفته الدينية. لأن ما من عاقل إلا ويعرف ويدرك أنه بالوطن السعيد فقط تسعد الطائفة وليس العكس، وبالوطن القوي تقوى الطائفة ويعز الدين ويرتفع ويسمو وليس خلاف ذلك. فالولاء الوطني الصافي هو القوة الجبارة التي نتمكن بها من بناء دولتنا ومواجهة الغزو الأجنبي والأفكار اللعينية التي يحاربنا بها. من يريد أن يفكر بحل جذري للأزمة السورية وبناء الدولة السورية فعليه أن يؤسس لوعي اجتماعي وطني وقومي يبدأ بالتخلي عن كل ما يمنع انفتاح الناس على بعضهم في المجتمع والاحتفاظ بالصفة الدينية في مكانها المناسب، في الوقت المناسب الذي يجده الشخص ملائماً وواجباً للوقوف بين يدي الله، خالياً صافياً قلبه من أي كره أو بغضاء أو تعصب حمّله إياه رجال الدين وألصقوه زوراً وبهتاناً بالله (سبحانه) ورسله وأولياؤه وهم منها براء. كيف يمكن للوهابية التكفيرية والأفكار الاخوانية أن تغزو أرضنا وبلادنا وتجد حضناً بها، لولا انقسامنا الديني وصراعنا الخفي وضعف ولاءنا الوطني والقومي؟ كيف يمكن للعدو اليهودي المسيطر على هذه الجماعات التكفيرية من أن يحتل بلادنا ويوجه من يدّعي المقاومة (حركة حماس) ليخرب البلاد ويقتل العباد بناءً على التعصب الديني والمذهبي؟. هل كان يمكن للدولة العثمانية من استعبادنا عدة قرون لو لم يكن الدين سبباً لضعفنا وتخاذلنا واستسلامنا للسلطان (خليفة المسلمين)؟. كيف تمكنت الدول الأوربية الاستعمارية من استعمارنا وتفكيكنا لكيانات متنازعة لو لم تستغل تفككنا الاجتماعي وتعتمد على تعصبنا الديني وتحولنا إلى قطاعات دينية، تمكن الشرفاء من وطننا والمخلصين فقط من تجاوزها وانهائها والاكتفاء بخريطة سايكس- بيكو كبديل أفضل من الكانتونات الدينية. ستنتهي الأزمة عاجلاً أم آجلاً ولكننا نأمل النهاية التي تسمح لنا ببناء بلدنا وصولاً لدولة قوية معافية. علينا أن نخطو خطوة جريئة نحو التثقيف الوطني القومي المتفوق على الغلو الديني، علينا أن نخطو خطوة جسورة نحو الانفتاح الاجتماعي، نحو مجتمع خالٍ من الحواجز الدينية بشتى اشكالها وكذلك الحواجز الاثنية البالية. خطوة تسمح لنا بايجاد مجتمع تفوق ولاءه الوطني والقومي على أي ولاء آخر، ويكون حضن الوطن هو الحضن الأدفئ والأئمن من أي حضن آخر، ومجتمع آخر. هذا الانفتاح الاجتماعي ليس كفراً بالله والحاداً به ولا تجاوزاً لما جاء فيه الأنبياء والرسل، ولكنه بكل تأكيد تعديل للانحراف الديني للذينٍ تاجروا ويتاجرون بالدين ويستخدمونه غطاء لمصالحهم الشخصية السياسية والاقتصادية وغيرها مما يشبع ملذاتهم وجشعهم. هذه الخطوة كان الأوربيون جريئون في الاقدام عليها ولكنها كانت الخطوة الصائبة والصحيحية في تخطي مراحل الجهل والتخلف والتنازع والتناحر والاقتتال. فأمامنا شواهد واضحة ماضية وحاضرة عن مجتمع اجتماعي وطني متطور متقدم، ومجتمعات دينية مفككة متنازعة متخلفة تدور في مكانها، تابعة وتتبع لدول لها مصالحها القومية والوطنية الخاصة بها، فتتقاذفها وفق ما تتطلبه هذه المصالح والاحتياجات. [email protected]
|
|
|
|
|
|