|
الوحدة السودانية...مجرد شعارات
|
الوحدة السودانية...مجرد شعارات
يوهانس موسى فوك
أن التحاشي بانفصال جنوب السودان، والاستسلام لقدر نتائج تقرير المصير الذي أقرته برتوكول مشاكوس الموقع فى20يوليو 2002 بين الحكومـة السـودانيـة والحركة الشعبية لتحرير السودان، قد فرض نوعا من التحول الاساسى والجذري نحو اليسار في الراى العام السوداني وبالتالي العربي والاسلامى، وعاد الشارع السياسي العربي يفكر بعقلين وينظر في الاتجاه نفسه الذي ينظر إليه أهل الشمال والجنوب ـ نحو جنوب السودان ـ بعد أن كانت هذه المنطقة الغنية بالنفط والمعادن والثروات الطبيعية، الحلم الطوباوى لكل العرب.
وما أستطيع أن أجذم به هو أن المناخ الفكري في شمال السودان، وحتى في مصر اليوم لم يعد رافضا فكرة احتمال انفصال جنوب السودان كما كان قبل عدة سنوات بل أضيف أكثر وأقول أن البعض منهم ذهبوا بالفكرة إلى تحتيم الانفصال.
وبإمعان النظر في هذه الافتراضات نجد أن الاعتقاد والتمنيات في هذه المرحلة لا يفيد السودان بالحقيقة الناصعة، لطالما الكلمة الفاصلة تعود إلى المواطن الجنوبي العادي والبسيط الذي سيكون بيده الفأس والقرار بقطع الصلة بين الشمال والجنوب أو إبقاءها. ولكن مع هذا لا يفوتنا الإجابة على السؤال الوحيد الذي ربما يبدد هذه الشكوك: ماذا قد يثير حماسة المواطن الجنوبي ويدفعه إلى تفضيل الوحدة عن الانفصال؟؟ وبطريقة أوضح: ما هي الدوافع التي تساعد على جعل الوحدة جذابا لدى هذا المواطن الذي له فكرة سيئة عن الوحدة؟؟ اهى الوعد مرة ثانية بالتنمية والوظائف؟؟ أم الحكم الذاتي؟؟.
لقد قرأت كتابا لصديق لي ـ الأستاذ/ جون قاى نوت، وهو كاتب جنوبي ناجح، تناول فيه هذه الإشكالية بعنوان (العزلة...الوحدة والانفصال)...تأرجح الفكر السياسي في جنوب السودان. وغدة سعيه حثيثا في تدوين التاريخ السياسي بمنهجية واضحة وأمينة.ومن خلال هذا التاريخ البسيط يتبين لنا أن الجنوبيين قبل أن يتحولون إلى كتلة انفصالية كانوا يطرحون على الطاولة الشمالية قبل وبعد استقلال السودان، مطالب بسيطة جدا يتمثل في أهمية الأخذ في الاعتبار، ضرورة قيام نظام فدرالي في السودان حتى يتثنى للجنوبيين حكم أنفسهم بأنفسهم، وان تتضمن هذا المطلب في الدستور المقترح بوضوح. ولكن، وللأسف الشديد قوبل هذا المطلب البسيط بالرفض من قبل الشماليين الذين أعلنوا في بيان، التالي أن مطلب لقيام نظام فدرالي في البلاد تمت مناقشته ووجد انه لا يصلح في السودان") هذه العبارات التي لا تعطى المدلول الصحيح لمعانيها دون مراعاة لمصالح وشعور الآخرين، دفع الأب ساترنينو لوهورو رئيس الكتلة الجنوبية في البرلمان ال! سوداني بالفاء خطابه الغاضب إلى الجمعية قائلا:
السيد الرئيس،،
ليست للجنوب نوايا سيئة تجاه الشمال. أن الجنوب يطالب فقط بإدارة شؤونه المحلية في ظل السودان الموحد. وليست للجنوب نية في الانفصال عن الشمال. فإذا كان الأمر كذلك فانه لا قوة على الأرض تستطيع منع الجنوب عن المطالبة بالانفصال. يطالب الجنوب بإقامة علاقة فدرالية مع الشمال وهو حق لا شك أن الجنوب يتمتع به نتيجة لمبدأ حق تقرير المصير الذي يعطيه المنطق الديمقراطي للشعوب الأحرار. سينفصل الجنوب عن الشمال حتما بطريقة مباشرة أو غير مباشرة متى أراد الشمال ذلك، من خلال سيطرة الشمال على الجنوب سياسيا واجتماعيا واقتصاديا".
والجير بالذكر أن البرلمان لم يواصل مداولات تلك الجلسة في ظل الظروف المشحونة والمشوشة والمضطربة، لاسيما وان الكتلة الجنوبية بعد أن الغوا هذه الكلمة أعلاه غادروا القاعة. وكانت النهاية تسليم السلطة من قبل حزب الامه إلى الجيش وبالتالي تشلل الحياة البرلمانية، وتفكيك الأحزاب السياسية وإعلان حالة الطوارى.
أن الماضي يلحقه الحاضر، ففي ظل المفاوضات التي تجرى على قدم وساق في نيفاشا والتي تعبر عن برلمان سوداني حقيقي، باعتبار إنها تتناول القضايا التي قد تجعل السودان موحدا أو لا تكون، نلاحظ أن المطلب الجنوبي الوحيد التي لها علاقة بإشكالية الوحدة والانفصال، قد قوبل كذلك بالرفض من قبل الحكومة السودانية. وهى المطالبة بفصل الدين عن الدولة، لإقامة دولة فدرالية علمانية في ظل سودان جديد موحد. واسمحوا لي أن أقول هذا التلميح لا تصريح: من السذاجة الاعتقاد أن الجنوبيين سيختارون الوحدة ، أو سيفكرون بعقليتها في ظل الشريعة الإسلامية. كما سيكون إجحافا بحقهم أن اعتقدنا أن الجنوبيين انفصاليين. ناهيك من أن لا اعتقاد بان ثمة من لا يزالون مؤمنين بان الوحدة سيتحقق في ظل سياسات هذه الحكومة تجاه أبناء دارفور.
وقد يعتبر البعض، لاسيما المتربصين دائما لاى حديث حول الانفصال بان كلامي تنظيرا من قبل كاتب جنوبي يحن إلى أهله ويميل إلى الأفكار المتطرفة. ولكني أقول: اعرف اهلى واعرف أفكارهم، وما يضرهم لا ينفعني. كما أن ما أقوله يجرى الحديث حوله في الشارع الجنوبي، وقد تعلمت الدرس من تاريخهم السياسي . والتاريخ لا يمدح ولا يمزح.
لنفترض ـ بتفاؤل لا نملكه ـ لنقول:أن السودانيين بجميع اتجاهاتهم وألوانهم السياسية، يمتلكون الرغبة الوطنية الأكيدة في التعايش السلمي داخل الوطن الواحد والاعتراف ببعضهم بعضا بغض النظر عن اختلاف الأعراق والثقافات والأديان والايدولوجيات السياسية. وان الانفصال لم يعد من يفكر به.
فإذا كانت السودان قد بلغت هذه الدرجة من النضوج: لماذا إذاً لا نحافظ عليها من الاختلال ويخرج الراى العام السوداني ويصيح بأعلى صوته منبهاً أو معارضاً أو محذراً صيحته المعارض لتطبيق الشريعة الإسلامية بعد إدراك الجميع أنها النقطة التي تدب الخلاف بين الشمال والجنوب، حتى يكون ذلك بمثابة تأنيب للضمير الشمالي المصر في السابق على تطبيقها،وبعد الإدراك كذلك ان الشريعة الإسلامية ستضرب بعرض الحائط وحدة السودان.
ولنسال سؤالا مختلفا: هل يمكن لهذه الوحدة التي ننشد إليها أن تكون مغايرة تماما وبديلة للصورة التي أعدتها ويعدها الحكومة السودانية الحالية؟؟ ما سبب هذا الاهتمام المفاجى من الدول العربية لقضية جنوب السودان وبشعبه، بعد أن كانوا ينظرون إليها كمحدد الثاني بعد إسرائيل لأمنهم القومي ؟؟ هل أدرك الجميع بان الجنوب كان على حق؟؟ وهل الوحدة السائدة حاليا بين الشمال والجنوب يمر بتجربة قابلة للتقييم ومشجع على الاستمرار أم أن الوحدة لم يتحقق بعد؟؟.
لندع الكتاب، والمفكرين، والساسة، والمثقفون، وحتى الرجل العادي يعلق على هذه الأسئلة، حتى يشير إلى الوحدة كيفما يشاء، بشرط أن يكون حذرا يتطرق إليها لان إذا بشعارات الانفصال ـ ونحن نحسبها شعارات الوحدة ـ قد رفعت، وربما شعارات حماسية وحدوية قد رفعت كذلك، ولكن لمجرد أنها شعارات وحسب ، فالشعارات التي تعبر عن الوحدة الحقيقة لم يعد هناك شبان يرفعونها، لان الوحدة أمر يرحبون به، ولكن لم يعد هناك من يرغب في التضحية من اجلها، لان ثمن الوحدة غالى جدا جدا.
لذا اسمحوا لي أن أعلن لكم وفاة الوحدة، وتعفن جثتها.واى حديث حولها مجرد شعارات، وعلى الجميع محاولة أحياها قبل فوات الأوان، والا سيكون الزمن وحده كفيل بتكذيبي!!
|
|
|
|
|
|