يقول هايدغر في كتابه "الوجود و الزمن" ، "ليس هناك تعريف لشرح الوجود أوضح من تعريف الوجود عن نفسه". انتهى الاقتباس.
الوجود موجود منذ الازل و الى الابد. ليس هناك محرك اول، و للوجود قوانينه الفيزيائية التي ادى تفاعلها الى ولادة كل ما نعرف من مكونات كونية كبيرة و صغيرة. الازل ، و الأبد، هما تصوران فلسفيان قديمان، استبدلهما علماء الرياضيات اليوم بمفهوم اللانهاية. فكرة ان الكون سرمدي، اي لا بداية له و لا نهاية، طرحها فلاسفة اليونان، منذ اكثر من الفي سنة. كما و طرحها الفلاسفة العرب، ما قبل ظهور الاسلام، و الذين سموا ب "الدهريين". و الدهريّة هو اعتقاد فكري ظهر في فترة ما قبل الإسلام، ويشتقّ المصطلح من الدهر، لاعتبارها الزمان، أو الدهر ، هو السبب الأول للوجود، وأنّه غير مخلوق، ولا نهائي. و ترى الدهريّة أن المادّة لا تفنى. و هي بذلك سبقت لافوازيه في فكرة قانون حفظ المادة.
لكن السؤال الأصعب، كان دوماً، ما هو العدم؟ اختلفت الاجابات حول هذا السؤال بين الفلاسفة و العلماء. منهم من كان يرى العدم على انه اللاشيء المطلق، او اللاوجود، او الفراغ المطلق، السكون المطلق ... الخ. و منهم من اعتبر العدم شيئاً موجوداً، لكنه يختلف عما تعنيه الكلمة لغوياً. دوما كان الفلاسفة، ثم العلماء ، و ذلك بعد ان انفصلت العلوم عن الفلسفة بسبب توسع المعلومات، هم أهل الذكر، و هم المرجع في العلوم. و ان اردنا ان نعرف شيئاً عن العدم، علينا ان نعود اليهم فيم كتبوا في الماضي، و يكتبون اليوم ،من بحوث تتعلق بهذا الشأن، خاصة لما يتوفر لديهم من أدوات و اجهزة تمكنهم القيام بأمور يعجز عنها بقية الناس. و نقصد بالعلماء، اولئك المتخصصين المحترفين اصحاب الشهادات العليا، و الذين يعملون في المخابر و المؤسسات البحثية العلمية، خاصة منهم علماء الفيزياء و الكوزمولوجي (علم الفضاء)، كما في وكالة ناسا الفضائية و غيرها .
أما بالنسبة لمفهوم العدم الفيزيائي فهو يختلف عن مفهوم العدم الفلسفي. فقد توصل علماء الفيزياء خلال الخمسين سنة الاخيرة الى نتائج علمية مبهرة، يصعب على عقل الانسان العادي تصورها او تقبلها. العدم بحسب اشهر فيزيائي هذا العصر هو مزيج محتدم من الجسيمات المتناهية الصغر ، و التي تظهر فجأة الى الوجود ثم تختفي خلال زمن قياسي متناه في القصر، بحيث ان الاجهزة العلمية حالياً تعجز عن قياسها، لكنها تقيس الاثار المترتبة على وجودها. و هكذا اصبح الفرق بين العدم الذي يعني الفراغ المطلق، و العدم بالمعنى الفيزيائي ضئيل جداً، لدرجة يقارب الصفر تقريباً. تبين للفيزيائيين ان ليس هناك عدم مطلق، و ان ما كنا نعتقده عدماً فيزيائياً هو وجوداً محتدما بالطاقة لا فراغات فيه. و الطاقة كما اثبت العلماء هي شكل آخر للمادة، اذ يمكن ان تتحول المادة الى طاقة ، او تتحول الطاقة الى مادة. و نقصد بالمادة، اي شكل من الكائنات التي عرفناها ، مثل الحجارة و السوائل و الغازات و الطاقة الحرارية و الكهراطيسية و ... الخ. لم يتوقف الامر على ذلك. فقد تحدثت النظرية الوترية في الفيزياء عن ان الذرات في المادة ، بدءًا من أصغر الكائنات ، وانتهاءً بالنجوم البعيدة، تتكون من أوتار دقيقة مهتزة وبحسب هذه النظرية فإن الكون ما هو إلا سيمفونية أوتار فائقة متذبذبة. فالكون هو ذبذبات موجية نفهمها على انها حواس مثل السمع و البصر و الشم و الذوق.
تلك الأوتار الدقيقة تمتد في كل الإرجاء و تشكل غشاءاً هائلاً متعدد الأبعاد، عماد ذلك الغشاء هو جسيم اصغر من الفوتون الذي نسميه جسيم الضوء، و اسمه الغرافيتون. وبحسب نظرية الأوتار فان الغرافيتونات هي وحدات طاقة جذب محمولة على أوتار حلقية من غشاء كوني متمدد عن حلقة جذب ذات طاقة عالية لكنه من عالم مجاور ومتداخل مع غشاء الكوني الكهرطيسي الذي هو من عالمنا.
اي ان توزع المادة- الطاقة في الكون يترك تأثيره في كل زاوية من الفراغ، وبالتالي لايوجد فراغ في الكون.
عام 2006 اكتشف العلماء ان الكون لا يتوسع فحسب، بل ان حركة هذا التوسع تتسارع. هذا التطور لايمكن توضيحه إلا من خلال ان "الثابت الكوني" الذي قدمه إينشتاين هو صحيح او ان هناك قوة اخرى مساوية له وتدفع الكون نحو التوسع. بمعنى آخر فأن قوة الفراغ (العدم)هي التي تسير الكون ديناميكياً.وو
وصلت النظرية الوترية الى القول أن تلك الاغشيه، التي تحدثنا عنها، تواجدت قبل وجود الكون مما يعتبر دليل على وجود الوقت قبل الاكوان وقبل السينجيولاريتي. و هي (اي النظرية الوترية) قد سددت صفعة للتصور السابق بان لم تكن هناك زمان قبل الانفجار الكوني( Big Bang)، بل توصلوا الى ان لايوجد هناك شيء اسمه سينجيولارتي( اي، تلك المفردة الكونية الاولى، و التي كان الوجود مكثف فيها، ثم انفجرت ذات لحظة من عمر الوجود ليتمدد الكون بعدها و تتكاثف المادة و تتشكل الشموس و الكواكب و المجرات) ، بل أن الزمان مستمر حتى قبل الانفجار وقوانين الفيزياء موجوده حتى قبل الانفجار. بالتأكيد يصعب تصور هذه الامور الا من خلال المعادلات الرياضية.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة