تمور الساحة السياسية السودانية بالعديد من التحركات ،في ظل حالة السيولة التي تمر بها الساحة ،بجهتي الحكومة والمعارضة ،فهناك تحالفات تتخلق ،وتحالفات تشهد العديد من الخلافات ،وتحالفات تشهد موتا سريريا، وكان اول تخلق لتحالف جديد خرج الى العلن ،هو ما اعلن عنه نهار الثلاثاء بمقر حزب حركة الاصلاح الان ،والذي اعلن من خلاله الموجهات العامة للتحالف الذي اطلق عليه (قوى المستقبل للتغيير) ،ويضم 41 حزباً ويتألف التكتل السياسي الجديد، من ثلاثة أجسام هي "تحالف القوى الوطنية"، و"القوى الوطنية للتغيير "قوت" و"أحزاب الوحدة الوطنية"، شارك بعضها في الحوار الوطني في وقت سابق، أبرزها حركة (الإصلاح الآن) و(منبر السلام العادل) وبعض فصائل الحركات الاتحادية التي توحدت مع الحزب الليبرالي تحت مسى (الاتحادي الديمقراطي الليبرالي) .
وأطلق عضو التكتل فرح العقار، نداءً لقوى المعارضة في الداخل والخارج باللحاق للكيان الجديد الذي وصفه بانه يمثل "منصة" ليس فيها قديم ولا قادم ولا مؤسس، وأن الكيان يعد في مرحلة التأسيس لبدء صفحة جديدة تتجاوز إخفاقات الماضي .
صحيح ان الكيان تبنى خيار الانتفاضة الشعبية ،ولكن يبدو انها ليست فعلا اصيلا مستقبليا للتحالف ،ففي حديث غازى صلاح الدين ابرز قادة الكيان الجديد ،نجد انه نادى بالعمل من أجل الحل الإستراتيجي ،وليس التكتيكي والاتفاق على نظام حكم فاعل..كما نادى بحوار وطني شامل، وقال إن مضي الحكومة في طريق المكايدة والمكابرة لن يؤدي سوى لمزيد من الشقاق للسودانيين .
ان يكون الحوار الوطني هو العمود الذي يقوم عليه التحالف الجديد امر مفهوم ،نسبة لان الكثير من القوى المنضوية فيه خرجت من عباءة الحوار الذي دعت له الحكومة في الخرطوم ،وكانت هذه القوى تمثل جانب (المعارضة) في مقابل معسكر احزاب التوالي التي اصطفت مع الحكومة في حوار (الوثبة) .
وقد يقول قائل لماذا هذا التوقيت بالذات لإعلان هذا التحالف ،نجد الاجابة واضحة في حديث عضو الكيان، عبد القادر إبراهيم، وهو يعلن رفض التكتل الجديد لأي نتائج ل(اللقاء التشاوري الذي دعت له الآلية الأفريقية رفيعة المستوى بين الحكومة والحركات )دون استصحاب موقف الكيان، وقال سنرفض اي نتائج جملة وتفصلاً .
وكان الرئيس امبيكي دعا لحوار استراتيجي في اديس ابابا ودعا له الحكومة ،والحركة الشعبية ،وحزب الامة ،وحركة العدل والمساواة ،وحركة التحرير مناوي ،و كانما قادة التحالف يقولون نحن هنا ،ولا يمكن تجاوزنا ،وهو ما ظهر في دعوتهم للسفير البريطاني والامريكي ،ونجد ان من دون جميع احزاب (المعارضة) في الخرطوم كان حضور ممثل حزب الامة القومي لافتا جدا ،وان كان الامر مفهوم في سياق ان الكيان الجديد حمل اسم (قوى المستقبل ) ،وهو الاسم الذي كان يبشر به الامام الصادق المهدي في جميع تصريحاته ، بانه يسعى لبناء (قوى المستقبل) ،بالرغم من هذا الاسم غير معلوم ان كان الامام يقصد به قوى (نداء السودان ) التي هو عضو في مجلسها الرئاسي ،ام هي هذا التحالف الجديد الذي ترك الباب مواربا لهيكلته ،بما في ذلك منصب (الرئيس)! .
غياب ممثلين لتحالف (قوى الاجماع الوطني) الذي يرأسه ابوعيسى ،وينشط فيه الحزب الشيوعي ،وحزب البعث ،والمؤتمر السوداني ،ايضا هو امر مفهوم في سياق الحوارات التي كان يجريها مختار الخطيب السكرتير السياسي للشيوعي مع الصحف الفترة الماضية ، والتي كان يعبر فيها عن رفض مغلظ لضم (حركة الاصلاح الان ) بقيادة غازى صلاح الدين لقوى الاجماع ،باعتباره (اسلامي شارك النظام )،وبالضرورة الرفض يمتد الى (منبر السلام العادل ) الذي يقوده الطيب مصطفى ،كما ان قوى الاجماع ترى ان هذا (تحالف ضرار) .
ولكن مع هذا فان حضور ابراهيم الشيخ الرئيس السابق لحزب المؤتمر السوداني ،كان علامة فارقة لا يمكن تجاهلها ،صحيح ان ابراهيم الشيخ لم تعد لديه صفة تنظيمية داخل ديار حزب المؤتمر ،لكنه قيادي تاريخي في الحزب ،و اذا قرانا حضوره هذا الى جانب التصريحات التي ادلى بها خلفه في الحزب المهندس عمر الدقير لصحيفة الوان ،والتي عبر فيها عن رايه تجاه تحالف قوى الاجماع بالقول :"تحالف قوى الاجماع يضم قوي مهمة ونحن حريصين علي أن نكون جزء منه، لكننا لسن راضين عن أداء التحالف سياسياَ، ونفتكر أنه قد تحول الى جسم معطوب وليس له حراك وسط الجماهير، وذلك ناتج لخلاف في بعض القضايا، وقد طرحنا في الحزب قيام مواجهة شفافة وأمينة وصادقة لمختلف الاطراف المكونه لقوي الاجماع ، لكي يتم تجاوز هذه الخلافات في الرؤي الاساسية والتي تتعلق من الموقف من نداء السودان وغيرها، فإما أن يلتئم الصف علي رؤية واحدة وأما أن يتم فراق بأحسان"، ويقول الدقير انهم شرعوا في اتصالات بالقوي المكونة للتحالف لطرح وجهة نظرهم هذه بدون أستثناء حتي نتجاوز حالة العطب والقعود التي يمر بها التحالف.
عدم الرضا الذي يشعر به رئيس الحزب عمر الدقير ،ومع تأكيده على سعيهم لإصلاح (عطب) التحالف ،لكنه لوح (بفراق باحسان ) ومن غير المعلوم ان كان حضور ابراهيم الشيخ ياتي في سياق (الضغط) على قوى الاجماع ،ام هو (يضع طوبة ) في صف الفراق بالاحسان الذي سماه الدقير! .
ولم يكن زعيم حزب المؤتمر الشعبي بعيدا عن (جبانة التحالفات الهايصة ) هذه ،اذ ان الرجل سبق له وان بشر بفكرته الجديدة التي عكف عليها لسنوات ،و اطلق عليها (النظام الخالف ) ،حيث كشفت صحيفة (الصيحة ) عن لقاءات ومشاورات مكثفة قام بها الترابي في اليومين الماضيين شملت بعض ﻗﻴﺎﺩﺍﺕ ﻭﺭﺅﺳﺎﺀ ﺍﻷﺣﺰﺍﺏ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺑﻬﺪﻑ ﺷﺮﺡ ﺗﻔﺎﺻﻴﻞ ﺃﻃﺮﻭﺣﺘﻪ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ ،ﺑﺪﺃﻫﺎ ﺑﻠﻘﺎﺀ ﺭﺋﻴﺲ ﺣﺰﺏ ﺣﺮﻛﺔ ﺍﻹﺻﻼﺡ ﺍﻵﻥ ﻏﺎﺯﻱ ﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﺣﺰﺏ ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﺍﻟﻘﻮﻣﻲ ﺃﻣﻴﻦ ﺑﻨﺎﻧﻲ ﺧﻼﻝ ﺍﻷﻳﺎﻡ ﺍﻟﻤﺎﺿﻴﺔ.
حسنا الترابي يعمل على جمع الاحزاب الاسلامية في منظومة واحدة ،وان يبدا عملها بعد الفراغ من مرحلة الحوار الوطني ،وهو ما يعني ان الرجل يعلم تفاصيل (نهايات الحوار ) ،ويعمل على ترتيب الساحة لما بعد ذلك .
ولم يكن اليسار بعيدا عن مقاومة ما يرسم له الترابي ،وليس عاطلا عن التعاطي مع حالة الفوران وتفكك وتشكل التحالفات الذي يسود الساحة ،وهو ما نلحظه في المقالات التي سطرها عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي عبدالقادر الرفاعي بصحيفة (الميدان ) حسب ما اعتقد ،والتي وجدت سبيلها الى المواقع الالكترونية ،ووسائط التواصل الاجتماعي ،وحازت على قدر من النقاش والجدل ،والتي لأول مرة في تاريخ الحزب الحديث نسبيا ،يدعو فيها قيادي في الشيوعي السوداني الى قيام حركة تحرر (عربية ) جديدة، وبحسب الرفاعي :ان هذه الحركة الجديدة تتجه في المقام الأول الي اقامة جهاز تنظيمي يهدف أول ما يهدف الي الافادة من المنظمات الشعبية فى الوطن (العربي) لقيادة القوى الاجتماعية المسحوقة والمتضررة من النخب الحاكمة .
تكتسب اهمية دعوة الرفاعي من انها تاتي من قيادي من ضمن القيادة التي تقود الحزب حاليا ، لكن للنظر في الاحزاب التي يرى انها ستشكل الحركة الجديدة نجد انه يقول:" هذه القوى يمثلها تنظيمات الشيوعيين والناصريين والبعثيين والشخصيات الوطنية والديمقراطية . كما لابد من العناية تنظيميا بالتنظيمات الشعبية وهى غير الاحزاب والتنظيمات العقائدية وتضم تلك التنظيمات النقابات العمالية والمهنية والجمعيات العلمية والاتحادات العامة والمحلية".
وان كان الرفاعي يدعو الى حركة تحرر (عربية) على مستوى الوطن العربي فمن باب اولى انه يسعى لتطبيق هذه الدعوة في السودان ،وان هذا التحالف الجديد الذي يدعو له القيادي بالشيوعي وعماده سيكون البعثيين والناصريين والشيوعيين هو اعادة لفكرة (وحدة اليسار ) التي كانت يتم الدعوة لها في السابق من قبل عدد من قادة اليسار في السودان ، نقطة الخلاف الوحيدة هي دعوة الرفاعي تستند الى (العروبية ) ولكن مع هذا يبدو ان وحدة اليسار صارت ضرورة ملحة في ظل سعي الاسلاميين للاصطفاف في (النظام الخالف ) الذي يدعو له الترابي .
لكن يظل السؤال المحوري هل كل هذه (المماحكات والتحالفات ) الايدلوجية وغيرها ،تجد اهتمام في الشارع السوداني المطحون بنيران الغلاء ،واللهث خلف لقمة العيش ،ام يا ترى يردد رجل الشارع السوداني مقتبسا من الاية الكريمة " الهاكم التحالف حتى زرتم المقابر السياسية ،كلا سوف تعلمون ،ثم كلا سوف تعلمون ،ثم لترون ماذا سيفعل الشعب بهذه الاطروحات " دعونا ننتظر ونرى وان غد لناظره قريب.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة