المواطن عبد النبي يجلس في برلمانه الخاص، سرقت الحكومة حواشته فإحتلّ صينية مرور، يجلس في منتصف النهار، يرتاح قليلا من عناء شتم الحكومة، ليشرب كوبا من الشاي ناولته له إحدى بائعات الشاي التي تعسكر قريبا منه للإسترزاق من بعض المواطنين الذين يحضرون لسماع شتائم المواطن عبد النبي في الحكومة، فيشعرون ببعض الراحة لأنّ أحدهم يستطيع التعبير بنفس ما يجيش في نفوسهم، تنهال عليه أسئلة ساخرة من بعض المارة الذين يعتقدون أن الرجل اشترى صينية المرور التي يقيم فيها ويمارس عمله كبرلماني متطوع، ولأنّ الوطن كله كان معروضا للبيع السريع، فلن يندهش أحد لبيع صينية مرور! كان يرد دائما بعبارته التي من فرط كثرة استخدامها في الحياة اليومية، باتت ردا قياسيا على كل الاسئلة التي لا يجد لها إجابة: وقعت ليك بي كم الصينية دي؟ بالقديم ولا بالجديد؟ الساعة هسع كم؟ بالقديم ولا الجديد الدولار عامل كم الليلة؟ بالقديم ولا الجديد عندي موعد الليلة مع دكتور الاسنان الساعة سبعة مساء! بالقديم ولا بالجديد؟ في مسرح في الساحة الخضراء، قريبا من صينية عبدالنبي الذي جذبته الضوضاء، تجمّع عدد من المواطنين بسبب شائعة وجود مناسبة حكومية مفتوحة بها طعام وشراب. تقدّم كوز من العيار الثقيل (وزن الدبّابة) تفوح منه رائحة اللحم الأحمر الحرام، حين همّ بصعود السلم الخشبي القصير للصعود الى المنصة الخضراء، تحطّم السلّم الخشبي وسقط الكوز وتدحرج متمرغا في النجيلة حتى أصبح لون جلبابه أخضرا، بسبب التمرغ الحاد في النجيلة، نتيجة ثقل وزنه، لولا رهق الجوع وضعف (البطاريات) لسمع بعض الحضور صوت (كواريك) النجيلة حين (هرسها) الكوز (الجقة). بدا (طويل أخضر قيافة) كأنه من (حيران) أحد الطرق الصوفية، وحين رفع يده طالبا المساعدة إتضح أنّ يده أصبحت أيضا خضراء من غير سوء. إحتاج الأمر لعشرين رجلا من العصبة أولي القوة لرفعه من الأرض الخضراء، ووضعه فوق أرض المنصة، رفع يده الخضراء ووضعها فوق أرض الطيبين (ربما تمهيدا لبيعها) طلب كرسيا يجلس عليه ويخطب. تساءل أحد الجوعى: هل سيخطب أم سيصلي؟ حضر المواطن عبدالنبي بحثا عن حل لمعضلته، أصيب بصدمة حين وجد الكوز الضخم، لكنه طمأن نفسه قائلا: يجعل سرّه في (أتخن) خلقه! قبل أيام ذهب الى حواشته كالعادة فوجدها مليئة بالغرباء. جيت لقيت ناس قُصار صُفر، شغّالين في الحواشة، أنا من بعيد قايلهم نمل، قلت ليهم الحاصل شنو، جابوا واحد منهم بيتكلم عربي، قال لي الحواشة الحكومة باعتها لينا، الحكومة عاوزة منك قروش عشان كدة صادروا المعروضات! وقف في إحدى صواني الحركة يشتم الحكومة، شتم رجال اللجان الشعبية، فلم يرد عليه أحد، شتم الشرطة فلم يهتم به احد، شتم القاضي الذي أمر بشطب البلاغ، لم يهتم به أحد، فشتم المعتمد الذي رفض تسلّم عريضته وكاد يعتدي عليه بالضرب لولا تدخل بعض الناس، ثم شتم مجلس الوزراء الولائي، ومجلس الشعب الولائي، ومحافظ مشروع الجزيرة. لم يحرّك أحد ساكنا فشتم الوالي، ثم شتم مجلس الوزراء الاتحادي، وشتم مجلس الشعب الاتحادي، والهيئة العامة للإستثمار، ومؤتمر الحوار الأبدي، ثم بدأ يشتم مساعدي الرئيس فإستغرق عدة أيام من الشتم، قبل أن ينتقل الى نوّاب السيد الرئيس، شتم النائب العاشر شتيمة الألفاظ: (العاشر في شنو؟ هي مدرسة؟ إنشاء الله يعشّروك بالكلب!) ثم شتم على التوالي: النائب التاسع والثامن والسابع والسادس والخامس والرابع مشترك والثالث والثاني، وإختتم بالنائب الأول. حين شعر أن الجميع كانوا مشغولين بالنهب العام ولم يهتم أحد لمصالح مواطن مظلوم، قرّر تصعيد القضية الى أعلى مستوى: شتم السيّد الرئيس! (عامل فيها مشير! والله وكيل عريف كتير عليك! الكضب عندك اسهل من شراب الموية، بقيت مزارع عشان مرتبك ما مكفيك؟ المراسلة بتاعك مشتري بيت في الخليج بخمسة مليون دولار ) وختم خطبته القصيرة بالدعاء السرّي: اللهم سلّط عليه أوكامبو! ما أن فرغ من نطق حرف الواو في آخر كلمة أوكامبو، حتى توقفت عدة عربات حول الصينية، خرج منها أعداد هائلة من البلطجية إلتفوا من حوله مثل النمل الصيني الذي إحتلّ حواشته وحتل فيها، وإقتادوه الى إحدى عرباتهم، كانوا خليطا من الأمن الشعبي والأمن الوطني والأمن الاجنبي والأمن الوقائي والجهاد الالكتروني والجهاد اليدوي، والدعم السريع. أوقفوا العربات في منطقة نائية وسحبوه خارجا في الخلاء، ضربوه ضرب غرائب المتمردين، وتركوه هناك بين الحياة والموت. عاد بعد عدة أيام ليمارس ديمقراطية صينية المرور بعد أن تأكد (بصورة عملية) من الخطوط الحمراء التي يجب عليه عدم تجاوزها، يمكن شتم الجميع، لكن يجب أن تتوقف دائما قبل (أبّو كبير) بعدة أمتار! شعر ببعض الهدوء وواصل الشتم من أسفل السلم بعد أن أطمأن لفعالية نظام الرقابة القبلية الذي إبتدره . وجده طلاب الجامعة الذين خرجوا احتجاجا على قتل ميليشيات الحكومة أحد زملائهم، يشتم الحكومة ويصف مسئوليها بلصوص الأراضي والمال العام، فرفعوه على الاعناق ما ان استقرّ فوق أعناقهم حتى نسي القضية الوطنية وتذكّر قضيته: يسقط لي كه تشيانغ! (رئيس جمهورية الصين)! فأنزله الطلبة أرضا على الفور. حكى لجاره في الساحة الخضراء مشكلته، اشار الرجل الى الكوز الماكن وقال: الزول الضراعه خضراء دة يمكن يقدر يرجّع ليك حواشتك! قال عبد النبي: وين في كوز ضراعه خضراء؟ قال الجار: يمكن أمه زمان كانت بتدعي تقول ليه ربنا يخضّر ضراعك! وأهو ربنا إستجاب لدعائها! أنا خايف بعد يرجّع حواشتي من الصينيين، يخت يده الخضراء فوقها أعلن الكوز الأخضر: بالله جيب لي المكرفون دة، بعيد مني شوية، قبل أن يصيح: الله اكبر.. الله أكبر. قاطعه المواطن عبد النبي: القديمة ولا الجديدة؟ لم يهتم الكوز بالرد عليه، كان معتادا على تجاهل منتقديه ممن فازوا بالتزوير في برلمان الحكومة، فطبيعي الا يكترث لبرلماني صينية المرور، علّمته التجارب أن من أحتاجوا لأصوات مزورة أكثر تضمن لهم الفوز هم الأعلى صوتا في البرلمان! وأن من فازوا بأصوات الموتى هم الأكثر هدوءا والأكثر نوما تحت قبة البرلمان، كأنّ الموتى يصيبونهم بعدوى الهدوء الشديد! او كأنّ الوفاء الشديد للموتى الذين دعموهم بأصواتهم يحتّم عليهم الدخول في موات برلماني! أبشروا ايها المواطنون الثوّار الأحرّار: اليوم نعلن لكم إفتتاح: المصنع (النووي العالمي) لإنتاج طائرات الدرون! إنتظر الكوز الأخضر حتى يلتقط أنفاسه ويعطي فرصة للجمهور ليهلل ويكبّر إحتفالا بثورة الدرون الطائر. لكن الحضور كلهم بقوا في أماكنهم وكأنّ على رؤوسهم الدرون! يا اخوانا الحاصل شنو ما تصفقوا، ما فيش ولا حتى تهليلة! أعلن المواطن عبد النبي نيابة عن الحضور: والله بالجوع ما قادرين! أحسن تخلص من كلامك كله عشان نحاول نصفّق ونهلّل ونخلص مرة واحدة، لأنّ أكتر من مرة واحدة بيبقى صعب شوية معانا! نحن قايلين في عشاء! الموضوع طلع درون! والدرون بي كم اليومين ديل؟ قال الكوز الشبعان ببساطة وكأنه يتحدث عن (طرّادة): عشرة مليون دولار بالقديم ولا الجديد؟ والدرون دة بيعمل شنو؟ بيطير! وليه عشرة مليون دولار بالقديم بيطير براه ولا شنو؟ فعلا بيطير براه! يطير يمشي وين؟ بيستعملوه العلماء! قصدك هيئة العلماء؟ عشان يشوفو بيه هلال رمضان يعني؟ لأ أنا قاصد علماء الأرصاد عشان يتنبأوا بالجو! والجو داير ليه درون بعشرة مليون دولار بالقديم، أديني مية أنا بوريك الجو بكرة، كتاحة وحر، جاف حار صيفا ، حار ممطر خريفا! المجاري طافحة والكهربا قاطعة، دي الدرون ذاته ما يقدر يعرفها! بعدين افرض بكرة قلت لي في مطرة مثلا حأعمل شنو؟ في واحد زمان سأل قدام واحدة عجوز قال ناس النشرة الجوية في التلفزيون ديل مالهم دايما شينين وعيانين! العجوز قالت عشان بيدخلوا في كلام ربُنا! بعد اسبوع في كتاحة وبعد تلاتة يوم في مطر! يعني الدرون بيكلف عشرة ملايين دولار بالقديم، ولا دي شاملة الضرائب والزكاة ودمغة الجريح ورسوم القناة الفضائية! قال الكوز ساخرا بضيق من إلحاح المواطن عبد النبي، كثرة أسئلته وقِلة تهليله: لو داير واحد أنا بديك بخمسة! طيب ما تدوني درون بدل الحواشة ونكون كدة (درون)!
للحصول على نسخ بي دي اف من بعض اصداراتي رجاء زيارة صفحتي
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة