|
المهمشون في الخرطوم .. عبده كشكوش نموزجاً !/اْ\ ضحية سرير توتو \ القاهرة
|
بسم الله وبسم الوطن اْ\ ضحية سرير توتو \ القاهرة [email protected] عبده كشكوش , شاب من جبال النوبة يبلغ من العمر عشرون عاماً بالتسنين , عندما تجدد الحرب علي شعب جبال النوبة يوم 6\ يونيو 2011م اْثر خطاب عنصري عنيف قاله البشير في المجلد قبيل الاْنتخابات التكميلية لولاية جنوب كردفان , وجد الشاب عبده كشكوش نفسه في الخرطوم مع مجموعة كبيرة هربت بالكاد من نيران الحرب اللعينة , لم يكن عبده يعرف شيء عن الخرطوم وسكانها , بل لم يكن يسمع عنها علي الاْطلاق سوي بضعة كلمات متناثرة كان يسمعه من والده (كشكوش ) تقول .. سكان البحر يظلمون شعب جبال النوبة بصورة مبالغة فيها ويعملون علي تهميشهم بكل السبل , هنا ثمة شيء يجب علينا توضيحه , (سكان البحر ) لفظ يطلقه شعب جبال النوبة علي سكان الخرطوم . عزيزي القارئ الكريم : لن اْطيل عليك في المقدمة .. علي اْي حال جاء عبده كشكوش إلي الخرطوم وذهب الي سوق اْمدرمان للخضر والفاكهة قابل رجل كبير في السن من اْبناء منطقته يعمل (عتالي) بدء عليه الاجهاد والتعب وكان منهكاً يلهث من شدة التعب قال له : اْهلاً وسهلاً بك يا عبده , اْريد اْن اْتطلع اْليك , لقد كنت صبياً ورشيقاً مثلك منذ سنوات طويلة , اْنا الاْن كما تري عجوز اْنتظر الموت في اْي لحظة , طاْطاْ عبده كشكوش راْسه قليلاً ثم اْلقي نظرة طويلة في وجه الرجل العجوز كاْنه يريد اْن يشكره علي هذه الكلمات , فاْستطرد الرجل العجوز بصوت منخفض للغاية : _ بقدر مايفرحني وجودك معنا يا عبده إلا اْنني ساْحدثك بكل صراحة , الخرطوم هذه تعاني مشكلات كبيرة وكثيرة .. هناك مواطنون في هذه المدينة طيبون ينظرون الي الذين هربوا من نيران الحرب في جبال النوبة باْنهم ظلموا واْنتهكت حقوقهم في العيش الكريم وفقدوا الاْمن والاْمان وبالتالي من حقهم العيش في الخرطوم و يقدمون لنا بعض المساعدات الاْنسانية ..هؤلاء متعاطفون معنا بشكل جيد وكبير ولكن هناك اْيضاً مواطنون ######ون ومؤذون يستمتعون بمشاهدت الرجال و الاْطفال وهم يفترشون الاْرض ويلتحفون السماء وياْكلون من القمامة ويرتدون ملابس رثة بالية , بعض السكان هنا يقولون في اْحاديثهم من اْين جاءوا هؤلاء المتشردين القذرون لقد شوهوا العاصمة .. والي الخرطوم وجميع حكومته فاشلون عنصريون يقولون عن هؤلاء إنهم من عصابة (النقرز ) جاءوا من جبال النوبة ليهددو الاْمن القومي للعاصمة وعلي ضوء ذلك طالبت بعض الصحف بالقبض علي هؤلاء والزج بهم في معسكرات تكون خارج المدينة بمائة كيلو تقريبا وفي صحراء جرداء , اْو بمعاقبتهم عقوبة غليظة , مدير الشرطة اْطلق حملات مطاردة واسعة النطاق للقبض عليهم , واْستخدم جميع الطرق المشروعة والغير مشروعة للقضاء علينا .. لقد اْستخدموا من قبل السلسيون ودسوا فيه مادة قاتلة اْدت الي قتل الكثير من اْبناءنا وتم دفنهم في صحراء اْمدرمان , نحن نعاني هنا من العنصرية , المسئولون عن المدينة ينظرون لنا من ناحية عنصرية بحتة ويشوهون سمعتنا في وسائل اْعلامهم وبالتالي كثيرين من سكان الخرطوم صدقوهم وصاروا ينظرون اْلينا باْشمئزاز مع اْننا بشر مثلهم , لولا اْن بعض من السودانيون الشرفاء في الداخل والخارج يتحدثون باْستمرار عن معاناتنا لوسائل الاْعلام الدولية لكان حاكم الخرطوم جمعنا واْشعال النيران في اْجسادنا من اْجل التخلص مننا. تطلع اْليه عبده كشكوش باْنزعاج شديد , لكن الرجل العجوز اْخرج من جيبه ثمرة (طماطم ) وناوله له ثم قال : _ الغريب إنه رغم معاناتنا الشديدة في هذه المدينة اللعينة إلا اْننا نحن شعب جبال النوبة نفضل هذه المدينة علي اْي مكان اْخر اْعتقد اْن هناك شيء ما خفي يدفعنا بقوة للتعلق بها . اْصطحب الرجل العجوز عبده كشكوش وعرفه ببعض اْبناء جبال النوبة الذين يعملون في سوق الخضر والفاكهة , تبادل عبده كشكوش معهم بعض الكلمات عن احوال الاقليم وحكي لهم كيف اْستطاع الهروب من جحيم الحرب وحضر الي الخرطوم .. ثم عمل معهم في سوق الخضر والفاكهة عتالاً . كان الشاب عبده كشكوش يتمتع بالبنية الجسمانية القوية , مفتول العضلات يشبه إلي حد كبير المصارع (بوكر تي ) المحترف في رابطة المصارعة الحرة حيث كان جسده رشيق ولونه بني داكن , عيونه عسليتان واسعتان رائعتان للغاية . في فترة قصيرة اْستطاع عبده كشكوش اْن يجمع مالاً من عمله الجديد وكان ينوي اْن يفتتح مشروع (مطعم ) إلا اْنه اْنشغل باْمر اْخر فصرف النظر عن اْحياء مشروعه . حدث ذلك عندما قامت الاْحتجاجات في سبتمبر 2013م في الخرطوم راْي عبده كشكوش باْم عيونه المواجهات العنيفة بين المتظاهرين ورجال الشرطة المدججون بالاْسلحة والذخيرة الحية شاهد كيف كان رجال الاْمن يطلقون النار بصورة كثيفة علي المتظاهرين السلميين وشاهد جثث المتظاهرين متناثرة علي قارعة الطرقات عندئذ غضب عبده من هذه المشاهد المروعة وتذكر كيف اْهله في جبال النوبة كانوا ومازالوا يموتون بنفس الطريقة الوحشية تعاطف مع المتظاهرين الذين كانوا يسقطون فتتلطخ الاْرض بدمائهم , فاْنخرط معهم واْصبح واحد منهم بل اْندمج معهم في ملحمة بطولية رائعة تعكس مدي تنوع هذا الشعب الاْصيل . طوال فترة المظاهرات تعرف عبده كشكوش علي شباب مثقفين ينتمون الي عدة اْقاليم من السودان جمعهم هم البلد في هذه المظاهرات . وخلال المظاهرات كان يستمع اليهم كثيراً واْدرك من خلالهم اْن رئيساً فاسداً ظالماً يحكم السودان منذ زمن طويل باْسم الدين والعروبة ويريد اْن يجعل من السودان بلداً عربياً اْسلامياً صيرف بعيداً عن التنوع , وهذا مستحيل في بلد يتسم بالتنوع العرقي والديني وثمة شيء اْخر يريده الرئيس هو تجويع الشعب حتي يصيروا باحثين عن لقمة العيش ويتطرق هو الي سرقة ونهب قوت الشعب . كان تعاطف عبده كشكوش مع المتظاهرين في الخرطوم شيءً رائعاً بالرغم من المعاملة السيئة التي وجدها من سكان تلك المدينة لا شيء نستطيع تفسيره في هذه الحالة إلا هو ( اْن عبده كشكوش اْنسان له قلب يحزن ويتاْلم عندما يري اْنساناً اْخر يضرب ويقتل بعنف في وطنه..اْذاً الاْنسانية والوطنية حركته ليتعاطف مع هؤلاء المتظاهرين ) كان بنيانه الجسماني القوي وشعوره بالظلم والاْضطهاد في بلده دفعه ليكون في الصفوف الاْمامية من المتظاهرين في مواجهة رجال الشرطة اللعينة فصار يقذفهم بالحجارة وتارة يلوح في وجوههم المسودة الشيطانية بعلامة النصر وكان يتحرك في كل الاْتجاهات دون خوف اْو ملل حتي تم قنصه بطلقة نارية في صدره اْردته اْرضاً يتاْوه من شدة الاْلم حاول نفر من المتظاهرين إنقاذه باْجراء اْسعافات اْولية له لكنهم لم يفلحوا في ذلك لاْن الرصاصة صوبت بدقة فائقة نحوه فاْخترقت صدره ومن ثمة قلبه فاْردته اْرضاً ومات عبده كشكوش بعد اْن هرب من الموت في جبال النوبة ولكنه لم يفلح منه في الخرطوم .
|
|
|
|
|
|