لحزب الأمة القومي خطاب جديد، يسعى للموازنة بين العقدية الجهادية ومتطلبات المرحلة، إذ يعلن تبني دولة المواطنة والديمقراطية، أو ما يسميها الإمام الصادق المهدي بـ(العولمة الحميدة)، لكن التخليط الذي شاب رؤى المؤسِس غالباً ما يصفِّد المهدويون جميعاً داخل مفاهيم الإسلام السلفي.. لعل أزمة الحزب في الحاضر تتلخص في تماهي قيادته مع الإسلام السياسي بمنهجيته التي تتأسس على قاعدة الحشد لوعاءٍ جامعٍ تحت مبدأ الحاكمية لله.. ينتسب حزب الأمة إلى تيار عقدي تضطره الضرورة غالباً إلى التماهي مع الجهاديين في كل زمان ومكان، كلما ارتفع النداء باسم الشريعة. في نفس الوقت يتبنى الحزب شعارات المواطنة والتعددية، إلخ، في المناسبات التي تستدعي وجوده بين صفوف المعارضة. جاء في برنامج المؤتمر السادس للحزب: (أن رؤية الحزب الفكرية تشكلت حول مقولة السودان للسودانيين). أنظر: برنامج حزب الأمة، المؤتمر السادس، أبريل 2003، ص7.. هذا القول خطأ لأن جذور الحزب تلتحق تاريخياً بثورة الدروايش فى القرن التاسع عشر..هذا تقرير يُقال في سياق مراوغة الخطاب السلفي المستهجَن بعد الحادي عشر من سبتمبر. لكن الكيان الانصاري، لايكاد يتمترس عند هذه الرؤية حتى يعود إلى التحالف ضدها، فلا يصبر على معارضة الشمولية ويهرول دوماً إلى أحضانها. وعلى أية حال، فإن الحكم على المهدية بأنها ثورة سلفية أو تجديدية فيه إهدار للبعد التاريخي، لأن منطق التغيير لا يغربل الأفكار أو يركن إلى آراء محددة ساعة فوران الظرف الثوري. لقد تحرك المهدي فكرياً بين معسكر ابن عربي والشعراني كأئمة للتجديد الصوفي، ومعسكر (الإسلام العام) ممثلاً في ولاء الناس لنموذج دولة المدينة، فخرجت المهدية من بين هذين القوسين كأفكار استقرت في ذهن قائدها انطلاقاً من بيئته المحيطة. وتمرحلت المهدية كرؤية وكيان حتى عصرنا هذا، فكانت ثورية عقدية في عهد الإمام المهدي، وزعامة أبوية في عهد السيد عبد الرحمن،، وخلال تلك المرحلة تحوَّل الزخم الثوري العقدي إلى حزب سياسي ثم أُدخلت نسبياً في عهد الإمام الصادق المهدي في ثوب المؤسسية الديمقراطية ، خصماً على الطائفية، لتزحف ببطء على ما تبقى من ذيول الأبوية الماثلة في توريث الزعامة. ولم يتمكن المهدي من شرح رؤيته الكلية للمهدية لإنغماسه في العمل العسكري لأربع سنوات انتقل بعدها دون أن يقول الكلمة الأخيرة، الأمر الذى أجهض الوجه الفكري للثورة، فجاءت التجربة كتغيير عنيف للأوضاع السياسية في القطر. وبعد رحيل المهدى انقلبت التجربة إلى ملك قبلي عضوض..و يصعب الفرز في تجربة المهدية بين ماهو صوفي وماهو فقهي، بين ماهو اجتماعي وما هو روحي، لأن الثورة كانت وليدة بيئة السودان الثقافية التي تختلط فيها الرؤى والأفكار كاختلاط الأنساب والأعراق، فالمهدية من واقعها ذاك هي تداعيات القائد وفهمه للتعاليم الدينية، كما بدت فى مناشير المهدية التي تخرج في مناسباتها، ولا تأتي تلك التعاليم والمناشير في كمال الفكرة التي وجدت حظاً من الدرس والتمحيص، لأن أجواء الثورة لا تسمح بمثل تلك السياحة الفكرية..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة