|
المهدي من التكريم إلى التجريم - بقلم يوسف الجلال
|
بانقضاء يوم أمس، تكتمل دورة العام، ويكون قد حال "الحول" على ذكرى توشيح رئيس حزب الأمة الصادق المهدي، بوسام الجمهورية من الطبقة الأولى، على يد رئيس الجمهورية المشير عمر البشير، في احتفائية الذكرى (58) لاستقلال السودان. ففي ليلة (31 ديسمبر) من العام الماضي، قامت الحكومة السودانية بتكريم المهدي حفيد صانع الاستقلال، مع غريمه رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي "الأصل" محمد عثمان الميرغني، وهو أيضا حفيد أحد صُنّاع الاستقلال.
في تلك الليلة كان كل شيء متوقعاً، إلا تكريم السيدين ابني السيدين، فقد كان ذلك أمرًا لا يخطر على بال أحد، لأسباب تاريخية وسياسية، ثم ان الأجواء لم تكن على درجة عالية من الصفاء بينهما وبين المؤتمر الوطني. لكن مع ذلك فقد تمكنّت الحكومة من تسويق فكرة التكريم لأحفاد الاستقلال، فجاء المهدي إلى القصر الجمهوري، وهناك تم توشيحه بالوسام المار ذكره، بعد ان تضوّع عطر الاستقلال وملأ جنبات المكان.
لكن ما هي إلا ساعات محدودة حتى وجد المهدي والميرغني نفسيهما نهبًا للانتقادات الحادة من مكونات حزبيهما، بحجة أنهما موشحان أصلاً بهذه التواشيح، ومُوسَّمان بتلك الأوسمة. وأبعد من ذلك فقد جنح كثيرون إلى عقد مقارنة بين حزبي الأمة والاتحادي الديمقراطي وبين المؤتمر الوطني، وهي المقارنة التي انتهت بأن الأخير لم يكن من أحزاب الاستقلال، بل حتى الأصلاب التي تناسل منها، لم تكن جزءاً من عملية انعتاق السودان.
وهذا كله شأن لا يعنينا في شيء، لكونه وجد حظه من التناول، لكن ما يهمنا هو أن المشاعر التي جعلت الحكومة تُكرِّم المهدي والميرغني، وجعلت من المهدي يدلف إلى باحة القصر، أسهمت بعد (27) يومًا في ظهور مبادرة الوثبة التي طرحها الرئيس البشير، لتكون منصة لانطلاق الحوار الوطني، لإنهاء الأزمة السودانية، ولوضع حد لمشكلات الوطن الممتدة منذ الاستقلال، وحتى يوم الناس هذا.
لكن تلك الروح والمشاعر أُزهقت سريعاً، وحلت ملحها روح عدائية، فتحول المهدي من مربع التكريم إلى مربعات التجريم والتخوين. بل إن الرجل المكرّم زار معتقلات جهاز الأمن بعد أن فارقها لأكثر من عشرين عاماً، بعدما أبدى بعض الملاحظات على قوات الدعم السريع.
الشاهد أن التكريم تحوّل إلى نقمة بعد أن ظل المهدي طريدًا تلاحقه لعنة المنفى الإجباري، لكونه لا يستطيع الدخول إلى وطنه ووطن أجداده، بعد أن توعدته الحكومة بإجراءات جنائية قاسية، على خلفية توقيعه اتفاقية (إعلان باريس) مع الجبهة الثورية، وذلك بعد أن جزم الرئيس البشير بأن المهدي سيخضع إلى محاكمة جنائية حال قدومه إلى السودان، وأنه ما من سبيل لإفلاته من يد العدالة.
الآن تحتفل الحكومة بذكرى الاستقلال، بذات التفاصيل، مضافاً عليها وجود الترابي. لكن شيئاً - يعد من مكونات تلك الاحتفائية الراتبة - غاب عن المكان والمناسبة. ذاك هو الصادق المهدي، الذي غاب معه فاروق أبو عيسى وأمين مكي مدني، على الرغم من أنهما لم يوقعا يومًا في دفتر حضور احتفائية القصر بالاستقلال. فهما حبيسان في ليلة الاستقلال، ومثلهم كثيرون.. فيا للهول..!
|
|
|
|
|
|