|
المنعطفات الحادة للعلاقة السودانية السعودية في ظل الإنقاذ زين العابدين صالح عبد الرحمن
|
المنعطفات الحادة للعلاقة السودانية السعودية في ظل الإنقاذ زين العابدين صالح عبد الرحمن عندما إندلعت الثورة الإيرانية عام 1979, و قال الإمام الخميني قولته المشهورة أنهم بصدد تصدير الثورة, أرقت هذه المقولة مضاجع النظم السياسية في الخليج, خاصة إن جميع دول الخليج بها مواطنيين يدينون بالمذهب الشيعي, كما هناك دول عربية أخرى أيضا فيها مواطنون يدينون بالمذهب الشيعي, حيث تواجد الأغلبية الشيعية في دولتين العراق و البحرين, و قبل الثورة الإيرانية كان هناك خلافا كبيرا حول الحدود بين العراق و إيران زمن الشاه محمد رضا بهلوي, و توصل البلدان لإتفاق في الجزائر, أنهي بموجبه النزاع علي الحدود, و لكن كان العراقيون يعتقدون رغم إنهم وقعوا علي الإتفاق و لكنه كان مجحفا, و بعد الثورة و بعد أن أخذت أقوال الخميني حول الثورة تنتشر و سط المجموعات الشيعية, شن العراق حربا علي إيران كان الهدف الأساسي الضغط علي النظام الجديد, و الحد من قدرته في انتشار أفكاره, إن كانت في العراق أو في الخليج, و وجد العراق موقفا مساندا قويا من دول الخليج و عددا من الدول العربية في حربه ضد النظام الجديد في إيران, في هذا الأثناء رغم إن العلاقات العراقية السودانية كانت سيئة في عهد الرئيس جعفر نميري, و لكن بادر الرئيس نميري بالوقوف مع العراق بل أرسل كتائب مقاتلة, إلي جانب أنه قطع علاقاته الدبلوماسية مع إيران. عقب الانتفاضة أعيدت العلاقات الدبلوماسية بين السودان و إيران, و في مقال كنت قد كتبته حول الإستراتيجية الأمنية السعودية " لمركز إبحاث الديمقراطية و الدراسات الإستراتيجية" و نشر في "جريدة المهاجر " التي تصدر في أستراليا جاء في إحدي فقراته الأتي ( و إذا عدنا للنشاطات الإيرانية في السودان, نجد إن النشاطات الإيرانية في السودان, قد بدأت بصورة مكثفة بعد الانتفاضة عام 1985, إلا أنها استطاعت أن تتقلقل وسط المثقفين السودانيين, و خاصة الذين مرجعيتهم إسلامية, حيث ركزت إيران في علاقاتها في بداية الأمر علي حزب الأمة, و كانت تعتقد النخبة الإيرانية التي تدير دولاب العلاقات الشعبية مع السودان, و المتمثل في المستشارية الثقافية, إن حزب الأمة من خلال إعلاء راية الجهاد عند الأنصار, هو الأقرب إليها, و كونت جمعية الصداقة السودانية الإيرانية عام 1986 أغلبية عضويتها من حزب الأمة, و كانت تتم دعوات من خلال الجمعية لبعض النخب السودانية, في الصحافة و الإعلام لزيارة طهران لحضور أعياد الثورة, و التي تقام كل سنة في 11 فبراير, و كنت قد حظيت بدعوة من تلك الدعوات عام 1987, و لكن تغيرت الوجهة الإيرانية عقب انقلاب الإنقاذ عام 1989, حيث تم تشكيل جديد لجمعية الصداقة خرج منها جميع أعضاء حزب الأمة, و جاء أعضاء من التيار الإسلامي, و بعض من هؤلاء استطاعوا أن يتبنوا عملية الحوار بين المذاهب, ثم تكوين بعض " الحسينيات " و هي عبارة عن مجموعات تتدارس الفكر الشيعي, و لم تقف فقط علي نخبة مثقفة, بل امتدت حتى لبعض صناع القرار, لكي تتشكل العلاقات الجديدة بين البلدين, و التي دعمتها مجموعات الدفاع الشعبي المشاركة فيما يسمي بعمليات الجهاد في جنوب السودان, خاصة إن في تلك الفترة كان الدعم الإيراني العسكري للسودان قد بلغ ذروة سنامه. و استطاعت إيران في ظل الظروف الصعبة التي كان يعيشها السودان, و مازال, يسمح لها باستقطاب الكثير من النخب عبر نشاطات مختلفة, و هي المتكون حصريا علي السودان أنما في أغلبية الدول العربية, خاصة في مصر و موريتانيا و فلسطين و لبنان و المغرب, إضافة إلي منطقة القرن الأفريقي) و بالفعل استطاعت إيران أن تنفذ مقولة الخميني بتصدير الثورة من خلال الأطروحات الفكرية, أي أنها جنحت إلي الوسائل الناعمة للوصول إلي أهدافها, من خلال صفوة المجتمع. عندما أعلن العراق وقف إطلاق النار في الحرب مع إيران, و من ثم وافقت إيران بعد ضغوط من المجتمع الدولي, خرج العراق من الحرب ملئ بالديون, و اقتصاد متدهور, و بنيات أساسية تهدمت نتيجة الحرب التي استمرت ثمانية سنين, كان العراق يبحث عن تمويل لترميم الدولة المنهكة, و طلب مبالغ خرافية من دول الخليج و خاصة الكويت, و قبل غزو العراق للكويت كانت هناك اعتقادات عند النخبة العراقية الحاكمة و غير الحاكمة, إن الكويت صنيعة استعمارية بريطانية قطعت من أرض العراق, لذلك لم يتردد صدام حسين في غزو العراق, عندما توهم إن سفيرة الولايات المتحدة قد ألمحت إليه إن بلدها لا تتدخل, و حدث غزو العراق. في السودان كانت الجبهة الإسلامية قد أحدثت إنقلابها في 1989, و كان مؤتمر الشعب العربي قد بدأ يتخلق, لذلك لم يتردد نظام الإنقاذ في الوقوف مع العراق و غزوه للكويت, و كان في إعتقاد النخبة الإسلامية الحاكمة إن دخول صدام الكويت هي بداية لدخول بقية دول الخليج, و من ثم ورثت ريع بترولها, هي كانت البداية التي سمحت فيها السلطة " ليونس محمود " أن يشن هجوما عنيفا عبر الإذاعة السودانية في تعليق سياسي يومي خصص ضد المملكة العربية السعودية و الكويت و بقية دول الخليج, حتى أنتهت عاصفة الصحراء و خسر العراق أغلبية قواته المسلح, و فرض عليه عقوبات رادعة, و تمت محاصرة نظام صدام حسين, و التحكم في ريع بتروله, و أصبحت الدولة الغنية و صاحبة أكبر إحتياطي نفطي في العالم دولة فقيرة تعيش علي الكفاف, في الجانب الأخر بدأت الدول التي وقفت مع العراق تطلب الصفح و الغفران, و منهم نظام الإنقاذ الذي تمت محاصرة النظام من قبل الولايات المتحة و فرضت عليه عقوبات, و بعد أن حصلت المفاصلة, و خرج الترابي من الحكم, حملت النخبة التي بقيت في السلطة موقف السودان في حرب الخليج للدكتور الترابي, و طافت وفودها علي دول الخليج تطلب العفو و الغفران. ثم جاءت حرب الخليج الثانية و سقط نظام صدام حسين, و بدأت ملامح جديدة تتشكل في المنطقة حيث وقع العراق تحت النفوذ الإيراني, ثم تمددت إيران أكثر من خلال تحالفاتها مع النظام في سوريا و حزب الله و تخلق الهلال الشيعي, في هذا الأثناء كانت النخبة التي أرتبطت من الإنقاذيين بإيران تفرض وجودها داخل مؤسستين جهاز الأمن و المخابرات, حيث المجموعات التي تدربت في إيران و أيضا داخل القوات المسلحة, و بدأت رحلة التعاون بين الدولتين عبر الأجهزة العسكرية في السودان مع الحرس الثوري الإيرانيو ثم انتقلت إلي عمليات تصنيع إستراتيجية, و تبادل للمعلومات و غيرها من التعاون المشترك. و لم توقف إيران دعمها للسودان, و لكن إيران نفسها وجدت إشكاليات مع المجتمع الدولي حول مشروعها النووي, و فرض عليها عقوبات اقتصادية شديدة جعلتها تعجز في إنجاز برنامجها السياسي في المنطقة, ثم جاءت ثورات الربيع العربي أدت إلي تغير في الخارطة السياسية في الشرق الأوسط, بعد سقوط أنظمة محورية في المنطقة مما جعل الفرصة أكبر أمام إيران لكي تصبح لاعبا محوريا تستطيع بنفوذها أن تكون أحد أعمدة المنطقة الرئيسيين, إلي جانب تركيا التي دخلت المنطقة إيضا من خلال رايتين مناصرة القضية الفلسطينية, و و التخلي عن الشراكة الإستراتيجية التي كانت تربطها مع إسرائيل, إلي جانب بناء تحالفات مع الحركات الإسلامية الصاعدة و التي بدأت تضع يدها علي أنظمة حكم مهمة و محورية في المنطقة, في الجانب الأخر تقف دول الخليج العربي إستثناء دولة قطر التي بدأت تميز نفسها كلاعب أساسي في التغييرات المرتقبة, و تقود حلفها من خلال الدعم المادي و السياسي الذي تقدمه للنظم السياسية الجديدة, فدول الخليج بقيادة المملكة العربية السعودية كانت في البداية تراقب التغييرات التي تجري في المنطقة, و هي تغييرات ضد مصالحها و إستراتيجياتها الأمنية, و عندما بدأ التحرك في سوريا ضد نظام بشار الأسد, و بدأ النظام في قمع المواطنين, و تحولت الثورة إلي ثورة مسلحة, دخلت المملكة العربية السعودية بقوتها بهدف الوقوف مع الشعب السوري من جانب, و الدفاع عن مصالحها الإستراتيجية من جانب أخر, و سقوط النظام السوري سوف يؤدي إلي كسر حلقة الهلال الشيعي, و خلق توازن للقوة داخل لبنان تحجم من قوة حزب الله, و بالتالي محاصرة النفوذ الإيراني في المنطقة. بدأ سيناريو كسر حلقة الهلال الشيعي و محاصرة النفوذ الإيراني في التراجع بعد وصول الإصلاحيين في إيران للسلطة, و الوصول لاتفاق مع الغرب بشأن المشروع النووي الإيراني, الأمر الذي سوف يرفع العقوبات المفروضة علي إيران, و يعزز قوتها الاقتصادية, و التي سوف تساعدها علي مواصلة إستراتيجيتها في نشر أهداف ثورتها, هذا من جانب, و من الجانب الأخر بدأت كفة ميزان النظام في الحرب الأهلية في سوريا تميل لصالح نظام بشار الأسد, بعد التوصل لتفاهمات بين روسيا و الولايات المتحدة عدلت مسألة دعم الثوار في سوريا بالسلاح من قبل الغرب و الولايات المتحدة, و الضغط علي المعارضة السورية بالجلوس في حوار مع النظام في مؤتمر " جنيف 2" و هذا التحول كان متوقعا باعتبار كان معروفا إن سوريا تمثل موقعا إستراتيجيا مهما بالنسبة لروسيا و تواجدها في البحر الأبيض المتوسط " أي قاعدتها العسكرية في طرطوس" و ليس في مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية أن تدخل في نزاع إستراتيجي عنيف مع روسيا, حتى لا تثير روسيا قلاقل للولايات المتحدة في منطقة جنوب شرق أسيا و المحيط الباسفيكي,و أيضا أن لا تعطي فرصة لتمتين العلائق العسكرية الروسية الصينية و تنشيط مجموعة "منظمة شنقهاي" في أن تزيد قوة في مواجهة المصالح الأمريكية, هذه التحولات الإستراتيجية جلها تصب في مصلحة إيران و تعزيز نفوذها في الشرق الأوسط. في خضم هذا الصراع الإستراتيجي حسم السودان موقفه, و فضل أن يقف إلي جانب إيران و أيضا مع روسيا, و رغم إن السودان لا يملك مقومات لعب دور إستراتيجي بحكم حالة الإنهيار السياسي الذي تعيشه البلاد, و الأزمات الاقتصادية الطاحنة, لذلك نجد إن النظام يحاول أن يتعامل مع دول الخليج برأسين. الرأس الأول أن يبني تحالفات و سياسات تضر بالمصالح الأمنية و الإستراتيجية لدول الخليج, و خاصة المملكة العربية السعودية بهدف الضغط عليها و ممارسة الابتزاز, و الرأس الثاني للمساومة و طلب الإعانات و المنح و القروض و مطالبتها باستثمار أموالها في السودان, هذا التناقض في السياسة الخارجية السودانية أدي إلي تخريب العلائق مع دول الخليج. في الدراسة السابقة التي أعديتها حول " الإستراتيجية الأمنية للمملكة العربية السعودية" قلت فيها (تنظر المملكة العربية السعودية لتقلبات السياسة الخارجية السودانية من خلال زاوية أمنية في غاية الأهمية, و هي علاقة السودان بإيران, و الزيارات المتكررة لبعض البوارج العسكرية الإيرانية لميناء السودان, إضافة لعلاقة تسليح بين البلدين, و كان وزير الخارج السوداني علي كرتي قد انتقد زيارة البوارج الإيرانية, و قال أنهم في وزارة الخارجية ليس لديهم أية معلومة عن إن البوارج العسكرية الإيرانية سوف تزور ميناء السودان, و هذه الزيارات سوف تؤثر سلبا علي علاقاتنا مع الأخوة في دول الخليج, و هذا يعني إن هناك جهات داخل الدولة قد أعطت الموافقة, و هي جهات أعلي من مجلس الوزراء, ما دام السيد وزير الخارجية لا يعلم. و في أكتوبر عام 2012 عندما ضربت القوات الإسرائيلية مصنع اليرموك للصناعات العسكرية, و الذي ساهمت إيران في بنائه قال وزير الخارجية الإيراني في مقابلة صحفية مع صحيفة الشرق القطرية, إن هناك ثلاثة دول في المنطقة كانت علي علم بدخول الطائرات الإسرائيلية الأجواء السودانية, و ضرب أهداف داخل السودان و لكنها لم تخبر السودان, و هذا التصريح يحمل بين طياته إشارات أقلها إن يكون هناك توترا لعلاقات السودان مع تلك الدول, و يشير وزير الخارجية الإيراني في حديثه للمملكة العربية السعودية. و اعتقد هي إشارة ضمن إستراتيجية إيرانية تبلورت منذ حياة الإمام الخميني. و إذا نظرنا للقضية من الجانب الأمني و الإستراتيجي للمملكة السعودية, نجدها تشعر إن الإستراتيجية الإيرانية تسعي من أجل أن تحاصر المملكة, بتحالفات عسكرية و مذهبية, من خلال السودان في البحر الأحمر و حماس, و في الجنوب تواجد الحوثيين في اليمن, و البحرين في الشرق, إضافة إلي العراق في الشمال, هذا الحلف الذي بدأ يتشكل من خلال نزاع الحوثيين في اليمن مع السلطة المركزية, و محاولة فرض نفوذهم في الدولة, و محاولات استلام الشيعة للسلطة في البحرين, و النفوذ القوي لإيران في العراق, و لاسيما هناك وجود للشيعة في المناطق الشرقية للمملكة العربية السعودية, و إذا أكمل الحصار حلقاته, و استطاعت تيارات الإسلام السياسي الوصول للسلطة في عدد من الدول, و كان قد تم بالفعل في كل من تونس و مصر. و إذا تمكن التيار من ترسيخ ذاته, سوف تكون المملكة ساحة كبيرة لصراع سياسي لتيارات الإسلام السياسي, و التي لا تخف أنها تفتح حوارات حول المذاهب و بناء علاقات وطيدة مع إيران, لذلك نجد إن المملكة سارعت في تأييد استلام الجيش للسلطة في مصر, و قدمت دعما ماليا كبيرا, الهدف من الدعم و تغيير السلطة هو تفكيك هذا الحلف, الذي يريد أن يطبق الخناق علي المملكة. إذن المملكة العربية السعودية سوف تتضرر أكثر في توطيد العلاقات السودانية الإيرانية, حيث النخبة الحاكمة في السودان همها الأول هو بقائها في السلطة باية ثمن, و بالتالي ليس لديها أية مبادئ تستند عليها, و يمكن أن تبيع البلاد لمن يدفع أكثر لكي تحتفظ النخبة بكرسي الحكم, في ظل معارضة سياسية ضعيفة, و مؤسسات عسكرية أصبحت كالأطلال, لا تقدر علي حماية سيادة البلاد, بل هي نفسها جزء مهم في اللعبة الإستراتيجية في منطقة البحر الأحمر, و التي تسمح لإيران بالدخول و التواجد العسكري في المنطقة,بل هناك معلومات إن النظام يخطط أن يكون ميناء سواكن مقرا عسكريا دائما لسلاح البحرية الإيراني و الروسي, و هذه السياسة تتعارض مع المصالح السودانية المستقبلية في أن يكون البحر الأحمر منطقة خالية من التواجد العسكري, و منطقة سلام لمنفعة الشعوب التي تقع علي البحر, و لكن سياسة حكومة الإنقاذ أن يكون البحر الأحمر منطقة توترات لوجود عسكري أجنبي في المنطقة. إذن السياسة الخارجية السودانية التي تقوم علي التخبط هي تضر بالعلاقات السودانية السعودية, و هي علاقات وطيدة نشأت و نمت من قبل انتاج النفط في المملكة, و مرتبطة بالمناطق المقدسة و خاصة إن الشعب السوداني شعب تغمره الثقافة الصوفية التي تقوم علي حب النبي صلي الله عليه و سلم و آل البيت, و رغم إن المملكة العربية السعودية تدين بالوهابية التي تنتقد الثقافة الصوفية, و لكن ذلك لم يعكر صفو العلاقة أو يخدشها, و استمرت العلاقة في تطورها منذ إن كان السلطان علي دينار يرسل كسوة الكعبة, ثم ظهور النفط في المملكة, و انتقال عشرات الآلاف من السودانيين للعمل هناك, و وجدوا ترحيبا و استقبالا من أهلهم في أرض الحجاز, و زادت العلاقة قوة و متانة, و لكن هذه العلاقة بدأت تشهد توترات منذ إن جاءت الإنقاذ للسلطة و تكوين ما يسمي " مؤتمر الشعب العربي" حيث بدأت المنعطفات الحادة في العلاقة. و ما تقوم به جريدة الصحافة السودانية بالهجوم علي المملكة العربية السعودية, و تصيد المقالات التي تنتقد المملكة و نشرها في الصحيفة, ليس بعيدا عن أهل القرار في السودان, و ليس بعيدا عن معلومات جهاز الأمن و المخابرات, و هي عقليات تبني دائما إستراتيجياتها علي انفعالات و ردة فعل صبيانية, حيث يعتقد هؤلاء ممارسة الضغط علي المملكة لكي تعدل سياسة تلفزيون " القناة العربية " و هي ما تسميه المعاملة بالمثل, و هي تعتقد إن أهل القرار في المملكة السعودية يقفون لجانب سياسة " قناة العربية" حيث يعتقدون إن قناة العربية تريد الإطاحة بنظام الحكم في الخرطوم, و لهذ الفهم يحاول جهاز الأمن و المخابرات شن هجوم إعلامي علي المملكة, و في نفس الوقت يطلب الرئيس عمر البشير مقابلة وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل في الكويت, و الذي اعتذر عن المقابلة بسبب زحمة مقابلاته, و أيضا فشل الدكتور مصطفي عثمان إسماعيل رئيس المجلس القومي للإستثمار في قناع السعوديين بل الرأسماليين الخليجيين لاستثمار أموالهم في السودان و يعترف بفشله, و هذا قمة التناقض في السياسة, أن تشن هجوما علي دولة و حكامها و في نفس الوقت تطلب منهم يد المساعدة. بعد وصول إيران لإتفاق مع الغرب بشأن برنامجها النووي, و رفع العقوبات الاقتصادية عنها, و عن أرصدتها المالية في الغرب, و تسوية القضية السورية, سوف تشهد المنطقة صراعا إستراتيجيا عنيفا بين محورين رئيسيين السعودية و إيران, خاصة إن إيران سوف ترفع من دعمها لتحقيق أهدافها الإستراتيجية في المنطقة, و سوف يكون السودان أحد الأدوات الإيرانية في منطقة القرن الأفريقي و شرق أفريقيا, و اعتقد إن السعوديين مستوعبين لذلك الصراع القادم, و بالتالي هم يستعدون إليه في ظل إنشغال لاعبين أساسيين حلفاء للمملكة السعودية في المنطقة بسبب احوالهم الداخلية, و تركيا التي فقدت أجنحة طيرانها في المنطقة, بعد تراجع الحركات الإسلامية, الأمر الذي يجعل المملكة سوف تقود المواجهة في التصدي للنفوذ الإيراني في الشرق الأوسط, في ظل تقلبات السياسة الدولية, الأمر الذي لن يكون في صالح إعادت العلاقات الطبيعية بين السعودية و السودان, في ظل النظام القائم, و سوف تزيد التوترات بين الجانبين أكثر, إذا قدمت إيران معونات اقتصادية عاجلة للنظام في الخرطوم, و نسأل الله أن يقي الشعب السوداني. ملحوظة هناك أسئلة تحتاج إلي إجابات هي التي تحدد مستقبل العلاقات السودانية السعودية في ظل النظام القائم و الأسئلة هي:- 1 – ما هي الخطط الإستراتيجية الإيرانية بعد الانتهاء من الأزمة السورية, و كيف سوف يتعامل النظام السورى مع الدول التي ساندت الثوار ؟ 2 - ما هو مستقبل العلاقات الإستراتيجية السودانية الإيرانية, و كيف تستطيع أن تستفيد إيران من هذه العلاقات و ما هي الأدوات المتوفرة التي سوف تستخدمها في تمدد نفوذها في المنطقة ألمر الذي يجعلها علي مقربة من الحدود السعودية؟ 3 – هل توجه مصر لروسيا و إحياء العلاقات بينهما من جديد, بعد التوتر الذي أصاب العلاقات المصرية الأمريكية, سوف يمهد للتقارب بين القاهرة و طهران, و يكون سببا في دخولهما " منظمة دول شنقهاي" مما يباعد بين القاهرة و الرياض, أم إن تقارب القاهرة مع موسكو مجرد تكتيك و مناورة للضغط علي واشنطن و ستظل القاهرة في حلفها مع الرياض لمواجهة تمدد النفوذ الإيراني و حلفائها في المنطقة؟ 4 – ما هي قدرة كل من السعودية و إيران التكتيكية و خلق أدوات جديدة في الصراع خاصة إن إيران بدأت في صناعة أدواتها بشكل واضح و جلي في عدد من المناطق في الوقت الذي حافظت السعودية علي أدواتها القديمة في صراع النفوذ و المصالح؟ هذا ما سوف نجيب عليه مستقبلا و نسال الله التوفيق.
|
|
|
|
|
|