|
المنشور 3/2014م ومخالفة الدستور نفسه بقلم : سعيد أبو كمبال
|
المنشور رقم 3/2014 صادر عن بنك السودان المركزي في 13 مايو 2014م وينص على الاتي : 1- حظر تمويل العربات والبكاسي بكافة انواعها بإسثتناء : أ/ الشاحنات ب/ الحافلات والبصات سعة (25) راكب فما فوق . 2- حظر تمويل الأراضي والعقارات ويشمل ذلك شراء الأراضي وتطوير الأراضي وشراء وتشييد المباني وشراء الشقق ويستثنى من ذلك : أ/ التمويل الذي منح للسكن الشعبي والسكن الاقتصادي عبر المحافظ التمويلية المخصصة لهذا الغرض بواسطة الصندوق القومي للإسكان والتعمير . ب/ تطوير الأراضي للأغراض الزراعية بما في ذلك تجهيزات أعمال الري . وجاء في الصحف ان القصد من اصدار المنشور هوتوجيه التمويل الى القطاعات الانتاجية وتحقيق التوازن الاقتصادي . وقد كتبت مقالين حول المنشور قلت فيهما ان المنشور يتعارض مع المادة (6) (ب) و (6) ج/ في قانون بنك السودان المركزي ولايوجد له مبرر اقتصادي معقول ويقفل ابواب الرزق الحلال امام اعداد كبيرة من المواطنين وستكون للمنشور تأثيرات سلبية كثيرة و كبيرة وفيه فتح لنوافذ الفساد . وقد دار حوار جاد ومثمر حول المقالين الذين كتبتهما حول المنشور يومي 24 و 31 مايو 2014 م في المنتدى الاقتصادي الراتب مساء كل يوم سبت بدار الخرجين بجامعة الخرطوم . وكان اقوى المؤيدين لمنشور البنك المركزي والمعترضين على ما كتبت زميلي في الدراسة وصديقي الاستاذ عبد الله المهتدي الوسيلة الذي كان حتى وقت قريب من كبار المسؤولين ببنك السودان المركزي وهو شخص مشهود له بالجدارة المهنية العالية والاستقامة الاخلاقية التي جرت عليه الكثير من الخصومات والمضايقات. وقد اتفق معي فيما ذهبت اليه الاستاذ محجوب عروة الاقتصادي والناشر والكاتب الصحفي المعروف والاستاذ محمود احمد محمد سليمان جحا المعروف اختصاراً بمحمود جحا وهو رجل يتمتع بقوة الذاكرة وغزارة المعرفة والشجاعة في المجاهرة بآرائه والدفاع عنها . و أتمنى ان تتيح البرامج الحوارية في القنوات التلفزيونية الفرصة لامثال الوسيلة وعروة وجحا لكى تناقش القرارات الحكومية من زوايا متعددة حتى تكتمل الصورة فعلاً . واود ان ارد في هذا المقال على الذين يقولون إن بنك السودان المركزي يملك سلطة اصدار المنشور حسب ما تنص عليه المادة (41) في قانون تنظيم العمل المصرفي الصادر في العام 2004 التي تقول : يجوز للمحافظ متى رأى ذلك مناسباً أن : 1- يمنع أي شخص بصفة عامة وأي مصرف على وجه الخصوص من الدخول في عملية أو عمليات مصرفية . 2- يأمر بعدم التصديق بالتمويل او القروض فوق مبلغ معين بدون إذن مسبق منه . 3- يقرر حداً أقصى أو أدنى لحجم التمويل الممنوح لانواع التمويل المختلفة . 4- يقرر حداً اقصى للقيمة الاجمالية للتمويل والقروض التي تمنح من وقت لاخر . 5- يصدر توجيهات للمصارف عامة في ما يتعلق بالاتي : أولاً : الغرض الذي من اجله يمنح التمويل والاغراض التي لايجوز منح التمويل لها . ثانياً : الهامش الذي يجب الاحتفاظ به فيما يتعلق بالضمانات المختلفة مقابل التمويل الممنوح . ثالثاً : الحد الاقصى لمبلغ التمويل الذي يمكن منحه لاي شركة او شراكة او مجموعة اشخاص أو فرد . رابعاً : الحد الاقصى للضمانات والتعهدات التي يمكن ان تعطي نيابة عن أي شركة أو شراكة أو مجموعة أفراد أو فرد . خامساً : هامش الربح والشروط التي يجوز بموجبها منح التمويل أو الضمانات أو التعهدات . سادساً : أي مسائل اخرى يرى انها لازمة او مناسبة . وكما يلاحظ القاري الكريم تعطي المادة (41) محافظ بنك السودان المركزي سلطات كبيرة جداً وبدون ضوابط و معايير تحدد متى يكون تقدير المحافظ مناسباً او غير مناسب او اعطاء الشخص المضرور من قرار المحافظ الفرصة للتظلم للمحافظ او لاي جهة اخرى محايدة ومستقلة. ونحمد الله ان هذه المادة قد ابطلت او على الاقل ضبطت بالدستور وقانون بنك السودان المركزي الصادر في 2002 م والمعدل حتى 2012م . ماذا يقول دستور جمهورية السودان لسنة 2005م ؟ يقول الدستور في المادة (202) ( 2) : (تكون مسئولية بنك السودان المركزي الاساسية ومناط تكليفه ، تامين استقرار الاسعار ، والمحافظة على استقرار سعر الصرف ، وكفاءة النظام المصرفي ، واصدار العملة . ويعتمد تنفيذ السياسة النقدية على آليات السوق بدلاً من التخصيص الاداري للاعتمادات . ) وارجو ان يلاحظ القاري الكريم ما تنص عليه المادة بالقول : ( ويعتمد تنفيذ السياسة النقدية على آليات السوق بدلاً من التخصيص الاداري للاعتمادات.) وكما يقول المختصون فى القانون يسود النص الذي يرد في قانون اصلي على النص الذى يرد في قانون فرعي وتسود نصوص الدستور على النصوص التي ترد في كل القوانين الاخرى . وماذا يقول قانون بنك السودان المركزي ؟ يقول قانون بنك السودان المركزي لعام 2002م المعدل حتى 2012م حول مسئوليات البنك الاساسية في المادة (6) (ب): (وضع السياسة النقدية وتنفيذها اعتماداً في المقام الاول على آليات السوق .) وهذا النص ادخل في القانون بعد العام 2005 م ولهذا يسود على النصوص السابقة له بناء على القاعدة القانونية التي تقول بان يسود النص اللاحق على النص السابق . ولكن ماذا تعني آليات السوق ولماذا ؟ ماهي آليات السوق market mechanisms؟ تعني آليات السوق حرية كل الناس في القيام بكل الانشطة الاقتصادية المشروعة دينياً وعرفياً laissez-faire وتفاعل قوى الطلب والعرض بدون قيود و موانع لتحديد ماذا ينتج ولمن وكيف وكم وأين ومتى وباي سعر يباع ويشترى في سوق تتميز باندياح المعلومات والتنافس وعدم الاحتكار .
ولكن لماذا آليات السوق ؟ أثبتت تجربة الحياة العملية أن آليات السوق هي التي تحقق إنتاج ما يريده الناس وبالكميات الكافية والجودة العالية والأسعار المنخفضة لان آليات السوق تطلق طاقات كل الناس وتستجيب لفطرتهم البشرية ودوافعهم الأساسية لأننا كلنا أنا وأنت أيها القارئ الكريم و غيرنا من الناس يدفعنا للعمل والإجتهاد فيه حصولنا نحن وليس الآخرين على المنافع و المكاسب التي تنتج من العمل الذي نقوم به. لأن الله قد زين لنا حب الشهوات كما يقول في كتابه الكريم.وتدفعنا المنافسة الى الارتفاع بجودة السلع والخدمات التي ننتجها وتخفيض أسعارها. و الناس أدرى من أي وزير أو محافظ أو موظف حكومي بما ينفعهم وما يضرهم ولا يحتاجون للوصاية على تصرفاتهم بإسم المصلحة العامة. فهى تتحول في معظم الأحوال إلي إعطاء سلطات لأشخاص يمارسونها لتحقيق مصالحهم هم وليس مصالح الناس . ولكن لماذا يصر السيد عبدالرحمن حسن عبد الرحمن هاشم (اختصاراً عبدالرحمن هاشم ) علي التصرف بمقتضى نصوص قد أبطلت بما ينص عليه الدستور نفسه ؟ لماذا يخالفون الدستور ؟ أعتقد أن هناك أربعة أسباب أساسية وراء مخالفة ادارة بنك السودان المركزي للدستور و القانون : أولاً : أشك جداً في ان يكون العاملون في البنك المركزي وخاصة كبار المسؤولين قد قرأوا وتدارسوا وناقشوا النصوص التي وردت في الدستور وقانون بنك السودان المركزي التي أوردتها أعلاه لفهم معانيها ومقاصدها وكيف تطبق . ثانيا : يميل الناس دائما إلى القيام بما يعرفون وما اعتادوا عليه. وقد اعتاد العاملون ببنك السودان المركزي علي التحكم الاداري واصدار الاوامر والموانع. فقد كان التحكم والتدخل الحكومي الفج في عمل الأسواق شائعاً حتي في الاقتصاديات الرأسمالية الغربية وقد تم التحول إلي ما يسمى بسياسات العرض supply side policies والابتعاد عن سياسات التحكم في الطلب demand management في السنوات الأخيرة من القرن الماضي وصار التركيز علي تقليص دور الحكومة في الاقتصاد وإطلاق طاقات القطاع الخاص وخاصة بعد الإنهيار المدوي للمعسكر الاشتراكي . ثالثا : لا يوجد في السودان وللأسف الشديد إشراف علي العاملين في الأجهزة التنفيذية للتأكد من التزامهم بتطبيق القوانين واللوائح التي تحكم عملهم بنزاهة وعدل وفاعلية وكفاءة . ولذلك لا يهتمون بمعرفة تلك القوانين وما تنص عليه وكيف تطبق .والإاشراف كما يعرف القارئ الكريم هو مسؤولية الاجهزة التشريعية في المركز والولايات . رابعا : لا تنفصل الحرية الاقتصادية عن الحرية السياسية ومن الصعب تصور وجود آليات سوق بالمعنى المتعارف عليه في ظل نظام حكم شمولي يقوم علي تمكين وتقوية الأنصار وادعياء الولاء ومحاربة وإضعاف الأعداء . والمال هو المصدر الأساسي للقوة. الخلاصة:- انني لا اتوقع أن يقوم السيد عبدالرحمن هاشم بالغاء المنشور 3/2014 أو تعديله لانني وكما قلت سابقا اشك جدا في أن يكون المنشور قد صدر بقصد توجيه التمويل لقطاعي الزراعة والصناعة أو لتمويل السكن الشعبي وكل ذلك يقال لدغدغة المشاعر . والمنشور مسنود من السيد / بدر الدين محمود عباس وزير المالية والاقتصاد الوطني ورئيس مجلس إدارة الصندوق القومي للإسكان والتعمير الذي أعطاه المنشور الحق لاحتكار تمويل العقار وذلك علي الرغم من حديث السيد/ بدر الدين عن التحول الى الاقتصاد الحر في برنامج في المواجهة مساء السبت31مايو2014م . وقد خالفت ادارة بنك السودان المركزي الدستور والقانون وفشلت في القيام بمسؤولياتها الاساسية وخاصة تأمين استقرار الاسعار واستقرار سعر صرف العملة السودانية ولكن لا نتوقع أن تساءل أو تحاسب ( ودقي يامزيقة ) .
|
|
|
|
|
|