|
المصالحة العرقية والرخاء الاقتصادي بقلم: د. يوسف بن مئير رئيس مؤسسة الأطلس الكبير
|
11:10 PM Apr, 25 2015 سودانيز اون لاين يوسف بن مئيــر-El Harti, Gueliz, Marrakech, Maroc مكتبتى فى سودانيزاونلاين
ينطوي جزء كبير من حياتي المهنية على تطبيق المبادئ والأساليب الديمقراطية والمشاركة في عملية صنع القرار من أجل تحفيز وتحقيق وإنجاح مبادرات التنمية البشرية. ونحن محظوظون لأن تلك الأساليب تتمتع بدرجة عالية من النجاح، ما يؤدي لأحداث منافع اقتصادية – اجتماعية وبيئية. ومن المثير للاهتمام أنه حينما نتصدى لدراسة مثل تلك الخبرات، يظهر لدينا عامل مشترك بشكل شبه ثابت – ألا وهو النزاع.
ففي حال المغرب، على سبيل المثال، حيث نقوم، في المناطق الريفية على وجه الخصوص، بتسهيل خلق حوار مجتمعي لتنفيذ المشاريع التنموية، عادة ما ينشأ الخلاف من تصادم الأفكار بشأن ماهية مكونات التنمية الاجتماعية المطلوبة والضرورية وأي المبادرات يجب أن تحظى بالأولوية.
وفيما يتعلق بالأوضاع المشابهة في أرجاء المعمورة – حيث أسباب الخلاف المجتمعي – غير عرقية – توجد هنالك طرق وأساليب راسخة وثبتت نجاعتها لمساعدة المجتمعات المحلية على تحديد أهدافها، والعمل والخروج من أتون الخلافات وتحقيق طيف واسع من الاحتياجات البشرية العملية.
مع ذلك، هنالك أيضاً في جميع أنحاء العالم مجتمعات لا تستطيع السير على مثل ذلك السبيل من التخطيط التنموي المشترك لأن لديهم إحساس بنوع من الصراع متجذر بشأن العرق أو الجنس بحيث يحول بين الأطراف المختلفة والدخول حتى إلى نفس الغرفة وتبادل النقاش بشأن علاقاتهم مع بعضهم البعض.
في هذه الحالات أيضاً، يمكن لمنهجية التشاركية أن تطبق من أجل كسر وإذابة الحواجز الأليمة والعميقة التخندق والمساعدة في إحداث المصالحة من خلال تمكين الأطراف المختلفة من تبادل حكاياتها، والاعتراف بالآخر والتعبير عن الندم. وهذه العملية، في حال تحققها، يمكن أن تؤدي إلى وضع كان في السابق لا يمكن تخيله، ولا حتى في الأحلام، لا تتجسد به فقط علاقات جديدة ومثمرة في معاهدات واتفاقيات وإنما يجري تفعيل تلك العلاقات من خلال التعاون والتخطيط والتنفيذ من أجل التنمية.
إن فتح وابتداء نقاش شامل هو الخطوة الأساسية الأولى نحو ما يمكن أن يؤدي منهجياً إلى تعاون متعدد الأعراق والأجناس من أجل الرخاء والسلام. و من الأمثلة الناجحة على تطبيق هذه المنهجية من التصالح مبادرة. السير قدماً معاً "Race Together" التي أطلقها "ستاربكس" "Starbucks" في عام 2014 لتشجيع الحوار في المجتمعات المحلية حول مسائل العلاقات بين الأعراف في الولايات المتحدة. ويشمل التمرين التشاركي التطوعي – الذي يعيد الخطاب الاجتماعي والسياسي بشكل مناسب إلى أجواء المقهى النهاري الحديث الذي كان يعتبر تقليدياً مركز الالتقاء للحوار والنقاش، يشمل التعبير والتحدث عن الخبرات الحياتية الشخصية والاستماع إلى خبرات الآخرين وقصص حياتهم كما تشكلها جوانب ومظاهر الهوية العرقية لكل منهم. وقد ألقى رد الفعل السلبي في وسائل التواصل الاجتماعي ضد "ستاربك"، لمجرد دعوته للمجتمعات المحلية الأمريكية لمناقشة مسائل تتعلق بالعلاقات العرقية بين الأجناس المختلفة، تركيزاً حاداً وواضحاً على الحواجز التي تعيق التقدم الموجود في هذا المجال.
حتى يمكن لمثل هذا المشروع أن يحدث أثراً اجتماعياً حقيقياً أي أن يجعل من الممكن بناء قاعدة واسعة وكبيرة من المعرفة العاطفية المحيطة بكل الجوانب، على سبيل المثال، من الفهم العميق للمشاعر التي يشعر بها الأمريكيون الأفارقة إزاء مآسي مثل حادثة فيرغوسون "Ferguson" فإن هناك حاجة لأن يتم تحفيز وتشجيع إثارة النقاشات الفردية ملايين المرات.
يتطلب التقدم إلى مستوى أعلى عاملين آخرين هما – التدريب واسع النطاق للقائمين على التسهيل وإجراءات أو مقاييس تحفيز اقتصادي. العامل الأول يمكن أن يتضمن، على سبيل المثال، قيام مكتب البيت الأبيض للشراكة القائمة على الأديان والجوار بتحويل البرامج التدريبية للأفراد من الجماعات والمجتمعات المحلية الدينية كي يصبحوا من مسهلي إجراء الحوار العرقي داخل المجتمع المحلي. والعامل الثاني يمكن أن يشمل الاستثمار في نقاشات قاعات المجلس البلدي حول العلاقات بين الأعراق والأجناس من أجل جسر فجوة الانقسامات بحيث يمكن مشاركة الجميع في المساعدة في مشاريع التنمية المحلية وإنجازها.
إذا أردنا للعملية أن تتحقق على المستوى الوطني، فإن النتيجة – أي حوار المصالحة المؤدي إلى تخطيط تنموي مشترك، يمكن أن تعزز الضغط المتصاعد من القاعدة إلى المستوى الأعلى على القادة على مستوى الوطن للسعي بكل إخلاص لإيجاد سياسات الفرص المتكافئة لدى كافة المجموعات المختلفة والمتنوعة.
خلال مسيرة التحضير لانتخابات آذار/ مارس 2015، كان الناخب الإسرائيلي محروماً من حق التصويت حينما لعب رئيس الوزراء لعبة الكراسي الموسيقية مع أحزاب أقصى اليمين الذين ينتمون لنفس العرق عل نغمة ابتداءات العرقية والسياسية الموصومة والبدائية. أليس من السخرية أن يحظى بعض من أولئك المتطرفين اليهود من ذوي الأصول الأوروبية "بامتيازات الرجل الأبيض" في المجتمع الإسرائيلي، إضافة إلى عدم تقديرهم الكامل لبني دينهم من المواطنين اليهود القادمين من الدول العربية والذين هم أنفسهم كانوا يعانون من التمييز العرقي والعنصري في المؤسسات المختلفة؟ إن الوضع في إسرائيل يقدم مثالاً عن الجانب المتأصل للأنظمة القائمة على تفوق الجنس الأبيض؛ وهي تتحكم بقوة العلاقات بين أفراد نفس المجموعة العرقية أو التي تنتمي لنفس الجنس إضافة إلى علاقاتها الخارجية مع الجماعات الأخرى.
عند هذا المستوى العالمي والمتقدم والذي تكون هنالك حاجة به إلى علاج الانقسامات العرقية، يمكن أن يقوم بدور الطرف الثالث كل من المنظمات غير الحكومية، والمراكز الثقافية والأفراد الذين ينسقون اجتماعات المجتمع المحلي، بما يضمن أن يتم حضور كافة الأطراف والاستماع إلى كل منها، هذا أمر ضروري من أجل أن تصبح حركة المصالحة المحلية قوة اجتماعية متماسكة ومتصاعدة وواسعة النطاق مما يمكن الجماعات الأكبر حجماً من كسب نفوذ ودرجة تحكم أكبر بالأحداث التي تشكل حياتهم.
عملياً، أفراد الجماعات المتصارعة الذين لديهم رغبة في المصالحة بحاجة للاجتماع معاً والمناقشة بشكل مباشر وفي أماكن تواجدهم – أي داخل المجتمعات المحلية ذاتها- حيث يكون بوسعهم التعرف على صعوبات بعضهم البعض وبناء علاقات متبادلة أفضل فيما بينهم. ويتوجب على الولايات المتحدة، إضافة إلى الشعوب الأوروبية والأسيوية السعي، لذلك لتمويل وتعزيز كل فرصة ممكنة للحوار الإسرائيلي الفلسطيني داخل المجتمعات المحلية وإزالة المعايير المعيقة والمقيدة (بما في ذلك تلك المتعلقة بالتطور التكنولوجي المشترك) التي تعيق أن يتم توجيه الدعم للمشاريع التي تشمل تعاون كلاً الطرفين.
نفس الأمر يمكن أن يقال بشأن علاج الانقسام السني الشيعي الذي يجتاح أجزاء كبيرة من الشرق الأوسط ويثير الاضطرابات فيها. أن الحوار المباشر المحلي بين الأطراف والجماعات العرقية والدينية التي يهدد العداء المستحكم بينها نسيج المجتمع بأكمله، يبقى هو الخيار الوحيد القابل للتطبيق الفوري وفي نفس الوقت يؤدي في النهاية للقبول والدوام.
ويمكن لتحفيز والحفاظ على المحادثات محلية النطاق وعمليات المصالحة بطريقة إبداعية وإستراتيجية موسعة أن تشجع وتقوي التيار التصاعدي الحركة داخل المجتمعات وأن تزيد من الميول نحو إيجاد أنظمة إدارة عامة اتحادية أو لامركزية. وحينها سيتم تمكين المستويات [الإدارية] الفرعية، وإعطائها المزيد من السلطات الإدارية النافذة. علاوة على ذلك، ومن خلال التحالفات والتأييد والدفاع عن المطالب، ستكون تلك القوى في وضع يمكنها من الضغط وتشكيل المستويات الوطنية في صورتها المتنوعة والأكثر شمولاً. ونحن نشهد هذه الظاهرة في الوقت الراهن داخل الحزب الجمهوري الأمريكي مع تزايد الضغط من الولايات والأعضاء الأصغر سناً في جميع أرجاء البلاد من أجل خلق منصة وطنية تعترف بالمصالح والاهتمامات الإنسانية للأمريكيين. [GLBT] ذوي الميول الجنسية غير الطبيعية
يجب ألا ينتظر تنفيذ عمليات المصالحة التي تؤدي للتنمية البشرية والنمو والرخاء الاقتصادي (قرار) القيادة المستنيرة الوطنية (والعالمية)- حقيقة لا يمكنها ذلك، إذا أخذنا بالاعتبار الحاجة المستعجلة والطارئة على مستوى العالم لها. في الحقيقة أن إنجاز هذه المهمة تقع في أيادي كل واحد منا في الوقت الحاضر.
د. يوسف بن مئير رئيس مؤسسة الأطلس الكبير.
Ferguson
مواضيع لها علاقة بالموضوع او الكاتب
- دموع الفرح: العلاقة الإنسانية التي تؤدي للتنمية البشرية بقلم د. يوسف بن مئير رئيس مؤسسة الأطلس ال 04-09-15, 07:11 PM, يوسف بن مئيــر
- كيف تزرع مليار شجرة في المغرب بقلم يوسف بن مئيــر 03-15-15, 02:03 AM, يوسف بن مئيــر
- التنمية البشريّة في بلدان الرّبيع العربي تداعيات اللآمركزيّة للحكومات الوطنيّة في سياق التنمية البش 03-03-15, 04:09 AM, يوسف بن مئيــر
- التحفيز على المشاركة بقلم د. يوسف بن مئير 02-13-15, 01:00 AM, يوسف بن مئيــر
- نظام اللآمركزيّة المغربيّ: خطوة خطوة بقلم يوسف بن مئير 01-19-15, 02:42 AM, يوسف بن مئيــر
- المغرب ووحدة الجنوب - جنوب بقلم د. يوسف بن مئير رئيس مؤسسة الأطلس الكبير 01-09-15, 06:38 PM, يوسف بن مئيــر
- الحياة الجبليّة بمناسبة عيد الجبل 2014 بقلم يوسف بن مئير 12-15-14, 01:12 AM, يوسف بن مئيــر
- إعادة التفكير جذريّا ً: التوفيق بين أولويّات الناس والمانحين بقلم يوسف بن مئير 11-29-14, 00:26 AM, يوسف بن مئيــر
- المغرب: تحفيز التنمية البشريّة من خلال الحفاظ على التراث الثقافي بقلم يوسف بن مئير 11-17-14, 04:19 AM, يوسف بن مئيــر
- إشراك الشباب في الديمقراطيّــة بقلم يوسف بن مئير 11-03-14, 05:37 AM, يوسف بن مئيــر
- رؤى لتنمية الفقــراء....يوسف بن مئيــر 10-27-14, 04:03 AM, يوسف بن مئيــر
|
|
|
|
|
|