|
المستر لويس وليام براون (1908-1994) بقلم الطيب علي السلاوي
|
11:36 PM Oct, 19 2015 سودانيز اون لاين الطيب علي السلاوي-الولايات المتحدة مكتبتى فى سودانيزاونلاين
لن اكون مبالغا لو ذكرت ان التعليم الحديث فى السودان لم يشهد فى تاريخه الطويل بين رجال التربية والتعليم(من غير السودانيين)معلّما فذا ذاع اسمه وطافت شهرته الآفاق بفضل ما بذل واعطى وهدى وارشد ونال رضامن التقاه وعرفه من السودانيين وغيرهم الى جانب حبهم واعزازهم وتغنوا بتذكارمحاسنه ومكارم اخلاقه وحبه للتعليم والعمل على ترقيته فى السودان خلال تسعةعشرسنة قضاها بينهم فى ى السودان ( 1936-1955) فى تفان وتجرد فريد ونكران ذات منقطع النظير وترك من الآثار اخلدها ومن البصمات ابقاها فى كل موقع وفى نفوس كل من سعدوا بالجلوس الى حلقات درسه او زاملوه فىه او فى اى من المؤسسات التربوية السودانية ألأخرى التى عمل بها- كلية غردون التذكارية والمدرسة الثانوية الصغرى الزراعية فى مدينة الدويم قبل حنتوب - الصرح الشامخ – آخر محطات بذله وعطائه الوفيرفى السودان والذى كان الرباط بينهما يكاد يكون مقدسا..لآ احد غيره من ذاع اسمه وتحدث عنه كباروقدامى السودانيين ولا يزالون وكلما التقى نفرمنهم ودارالحديث بينهم عن التعليم والمدارس الثانوية خاصة وحنتوب على اخص الخصوص فى عهدها الزاهي وعبر تاريخها الطويل..الآ وكان بين من تناولته احاديثهم ذاكرين سيرته العطرة الطيبة هو معلم الاجيال"المسترلويس وليام براون- هيدماسترحنتوب"تسع سنين متصلة 1946-1955) وسيظل يتحدث عنه الكثيرون من قدامى طلابه فى كلية غردون التذكاريه(رحم الله من انتقل ومد فى ايام من لا يزال ينتظر) منذ ان جاء الى السودان فى عنفوان شبابه وهوقاب قوسين اوادنى من الثلاثين حينما سعد به طلاب الكلية معلّما لمادة العلوم الطبيعية فى عام 1936بعد تخرجه فى جامعة لندن وعمله لسنوات قلائل فى احدى ماعرف فى بريطانيا بأسم"القرامرسكوولز" التى هى نوع من المدارس تماثله وقع الحافرعلى الحافرمدارس السودان الثانوية الكبرى الداخلية من حيث ما توفرفي القرامر سكوولز وانتقل الى مدارس السودان من المواد الدراسية التى تشمل- مع اللغتين - الرياضيات والعلوم الطبيعية فضلاعن التاريخ والجغرافيا ومواد اخرى كالرسم والاعمال اليدويه الى جانت المناشط الصفّية واللآصفية والرياضية بانواعها بعد ان كانت تلك "القرامرسكوولز تختص فقط بتعليم اللغات الكلاسيكيه فى بداية الامرحينما كان هدفها الاساسى تدريس اللغات اللاتينيه ثم صارت لاحقا مدارس ثانوية اكاديمية يتوفر فيها تعليم اللغات الاوروبية مع المواد الدراسية الاخرى.
فيما علمناه من الاستاذ عبد الحليم على طه اثناء قيادته لمجموعة المعلمين المشرفين على طلاب السنة الاولى عام 1949اثناء الرحلتين التنويريتين اللتين درجت ادارة المدرسة على اتاحة الفرصة لطلاب السنة الاولى فى بداية شهورالصيف(مارس وابريل) لزيارة منطقة خزان سنارلمجموعة من الطلاب وزيارة اغوار مشروع الجزيرة الفيحاء لمجموعة اخرى ومن ثم تتبادل المجموعتان مواقع الزياره .. حدثنا استاذ الاجيال(عليه فيض من رحمة الله)عن المستر براون واختياره لقيادة العملية التربوية والتعليمية فى حنتوب - عندما مال ميزان كلية غردون وحان غروبها- ان الرجل حالما تم ابلاغه بموافقة الحاكم العام على ترشيحه - شمّرعن ساعد الجد وهوالمغامربطبعه المقدام المواجه للصعوبات بوجه باش ديدنه واسلوبه فى الحياة وما رايناه قط طوال اربع سنوات او سمعنا انه فى يوم من الايام شكا من اى نوع من المتاعب. فى سعيه لأكتمال الترتيبات لبداية الدراسة فى المكان الزاهى الذى خلب لبه فى اسرع وقت ممكن وكانت الدراسة قد بدأت واستقرت الى حد كبيرفى وادى سيدنا منذ يناير1946 آثرالمستر براون ان يستوطن حنتوب قبل ان تكتمل مبانيها ليكون فى موقع الحدث موجها ومشرفا وشاحذا همم العاملين حاثا لهم لبذل المزيد من الجهد فى سعي لبداية الفترة الدراسية الثانية فى موعدها فى نهاية اغسطس 1946 فى الموقع الجديد ولكن تاتى الرياح بما لا يشتهى السفن فقد حال فيضان عام 1946 الشهيردون اكنمال المرافق الضرورية لبداية الدراسة فى التاريخ المحددأ مما اجبرالحنتوبيين الاوائل البقاء مكرهين لا ابطال فى حالة من عدم الاستقرارالنفسى والدراسى الى اكتوبر فى مدرسة امدرمان الاميرية الوسطى مشاركين طلابها وطلاب مدرسة التجارة الثانوية الصغرى مبانى المدرسة والادوات وفى ذات الوقت ظل الرجل فى ترحال دائم بين حنتوب وكلية غردون يشرف بنفسه وبعون من شارك فى اختيارهم من معلمى الكلية لحمل الامانة التربوية معه يشدون من ازره على نقل نصيب حنتوب من احتياجاتها اللوجستية اعدادا للانطلاقة التعليمية فيها.فكان المستر براون منذ البداية القدوة والمثل الذى يحتذى به صبرا ومصابرة وتحملا لصعوبات الحياةاليوميه فى تلك البقعة الريفيه التى لم يكن قد الفها الكثيرون من المعلمين السودايين ناهيك عن الاجانب ولكن تمثلا بالمقولة "أف ذير أز أ ويلل ذير أز أ ويى" وبما ان المستر براون كان خبيرا بمثل تلك الحياة الريفية لما عاش تجربة سابقة في موقع كان اشد منها فسوة فى فترة عمله ناظرا للمدرسة الثانوية الصغرى الزراعية التى كانت تتبع لمعهد التربية فى بخت الرضا قبل اختياره ل"نظارة"حنتوب التى هى بطبيعة الحال على مرمى حجر و"فركة كعب" من مدينة ودمدنى ثانى اكبرالمدن السودانية وحاضرة المديرية وحظيت بقدركبيرمن التقدم والعمران والحضارة اضعاف ما كان متوفرا فى منطقة بخت الرضا فى ذلك الزمان. فقد واصل الرجل تقديمه كل لحظة طوال سنى اقامته التسع فى الصرح الكبيرلزملائه المعلمين والعاملين على حد سواء ولطلابه ما يفوق التصورمن التجرد ونكران الذات والثبات والاقدام على مواجهة كل المتاعب الحياتية اليومية والاندفاع للعمل الدائم الذؤوب فى ابتسامة لا تغيب عن وجهه ويرسل الطرف واعذب الحديث مستهينا كل صعب واجهاد.
ومن ملحمة الاستاذ عبد الحليم على طه الحنتوبية "ابواتى الكبار" التى انطلقت فى الآفاق فى امسية يوم "الآباء"عام 1949يتبين بجلاء للمتامل فى ابياتها شخضية المستربراون بتمكنه واقتداره وسعة افقه وهمته العالية حين يخاطبه الاستاذ عبد الحليم " يا التحت البرج من همّتك بنقيس00حيرانك كتاردبّرامورك وسيس..حنتوب سبحتك جرالالف يا لويس00حوّط مكتبك النصرى عندوحديس" فقد جعل الاستاذ عبدالحليم "همة"مستربراون معيارا لقياس همم الرجال والتفانى فى العمل كنموذج فريد للمعلّم الحق والادارى الذرب المبادرلأداء كل عمل يمكنه ان يقوم به بنفسه.حقيقة كان "العمل" المتواصل هو ديدنه طوال ساعات النهار وجزء كبيرمن المساء والليل.فهوطوال فترة بقائه لتسع سنوات فى حنتوب-الى جانب مسؤولياته الادارية المدرسية اليومية الى جانب كل ما كان له صلة بتامين حياة الطلاب واهل القرى المجاورة - كان يدرّس مادة العلوم لطلاب سنة اولى"نيوتن" العالم الفيزيائى الشهيرالذى كان براون مفتونا به ومن غلاة المعجبين ب شخصه وبعلمه ولعله مثلما كان عنده من اعجاب بالرحالة"ماجلان"كان طلاب فصل ثالثه ماجلان يسعدون بتدريسه ايضا ويتواصل عطاؤه داخل المعامل وينداح عاما بعد عام الى طلاب رابعه ابن خلدون ولكنه فى عام 1952آثرعليهم شباب رابعه "فارادى"- العالم الفيزيائى البريطانى (براون كان بيدرّس 16 حصة اسبوعيا يقل عددهاعن حصص رئيس الشعبة فقط باربعة من الحصص- ما حل مكانه فى اى منها معلم آخر ألآ اذا كان هو خارج حنتوب فى رحلة عمل تعليمى ادارى اقتضته الوظيفة والاعباء).هذا فضلا عن مشاركته صباح ايام الاثنين فى تنشيط اجسام طلاب سنة رابعه على ميدان الحرازه. وما ان تنقضى ساعات الدوام النهارى عند الواحده وخمسة وثلاثين دقيقه يتوجه المستربراون الى قاعة الطعام لتناول وجبة الغداء مع الطلاب متناولا نفس اصناف الطعام مما يقدم للطلاب(شأنه شان معظم الآباء فى سوابق الازمان الذين يحرصون على تناول تلك الوجبة مع اسرهم وابنائهم. بالله يا جماعة الخيرهل فى ابوّة اكثرمن كدا!) وما ان تحين الرابعة عصرا لآ بد ان نرى المستربراون"منتشرا"بين الميادين متفقدا اومشاركا ابناءه ضروب الرياضة المختلفة. فهوفى بداية العام الدراسى الاول يقود مسيرة اختراق الضاحيه ظهيرة كل يوم"اثنين" وفى موسم العاب القوى يظل المستر براون ينافس الطالبين حكيم بخيت وشرف الدين مصطفى (رحمة الله عليهما) واآخرين من رفاقهما القفزبالعمود وكثيرا ما تفوق عليهم وهوالمتحدى صمويل سبت قاو فى القفزالطويل ورمى الجلّه ويسعد احمد ابراهيم دريج بمنازلته فى اقفزالعالى بدون زانه وهو فى مقدمة المشاركين زملاءه المعلمين مبارياتهم مع فريق "الفيرست اليفن" مدافعا تارة ومهاجما احيانا اخر.وهو المعلّم والمدرب الطلاب على تعلم وممارسة السباحة عندانحسارمياه النيل الازرق فى مارس وابريل من كل عام..ويعود الى منزله(رقم 10)فى الخامسة والنصف مساء ليغادره بعد ساعة زمنية عائدا الى المدرسة مرتديا البنطلون والقميص ذى الاكمام الطوال واحينا رباط العنق(آخراناقه) ويظل يتجول بين حجرات الدراسة جميعها متفقدا ومتوقفا هنا اوهناك عند هذا او عند ذاك مجيبا سائليه من الطلاب عما خفى عنهم اواحتاجوا الى شرح له فى اى مادة من المواد الدراسية(ما عدا اللغة العربية!) فهوالعليم المتمكن من ناصية مادة الرياضيات عموما والهندسة على وجه الخصوص يفك طلاسم نظريات " فيثاغورس وابولونيوص والانترسيبت ثيورم"لمن استعصت عليهم ويقف مع آخرين عند اقواس"اكس آند واى" فضلا عن المعادلات الآنية "السيمالتينيص ذات ال 2 أنّنونز"والعادية ذات "الانّنون" الواحد وهوالعارف الخبيربتاريخ اوروبا عبرالقرون والأزمان و بالعلاقات الدولية فى مجملها وما ارتبطت به وتشابكت مع اجزاء العالم المختلفه.وهو العليم بسحرالامكنة وحياة اهليها وسبل كسب عيشهم وبما كانت عليه احوالها"كنتوريا"وفضائيا ومثلماكان يشارك رفاقه المعلمين الاشراف على الجمعيات المدرسية فانه استأثر لنفسه الاشراف على جمعية الفلك..الراجل كان دائرة معارف متحركة.. بعد انتهاء ساعتى"المذاكره" او امتحان الاربعاء يعود براون الى داره بلسان حال يقول له مذكرا "ان لنفسك ولآسرتك عليك حقأ" فينام قريرالعين استعدادا ليوم آخرحافل بالمزيد من البذل والعطاء.
( بالاختصاركدا يعنى)..حنتوب كانت على الدوام فى نهار او فى مساء تسيطر تماما على ذاكرة وذهن ووجدان المستر براون..ولم يكن هيمانا الآ بها..عاشقا ومتحمسا لها وساعيا الى مساعدة طلابها ومعلميها واهل القرية المعطاءة وعونهم ما امكنه ذلك ومشاركا لهم فى كل منشط اكاديمى او رياضى.فضلا عما كان يفيض فى نفسه من احاسيس فياضة بابوته للطلاب..رايناه ذات صباح بعد انتهاء حصة التربية البدنية (الجمباظ) قبيل الثامنه وهو يتقدمنا فى طريقه الى المدرسة – رايناه يشارك واحدا من صغار الطلاب حجما حمل "شنطة" ملابسه الحديدية الصنع..براون يمسك بطرف والطالب يمسك بالطرف ألآخر يسيران نحوالداخليات..اسرعنا للحاق بهما ليحل احدنا مكان براون فى مساعدة الطالب صاحب الشنطه..ولكن الرجل- المستر براون طلب منّا مواصلة سيرنا الى المدرسه للحاق بالحصة الثانيه التى كانت قاب قوسين اوادنى من بدابتها وانه(المستربراون)سيواصل مع الطالب الى الداخليه.عند وصولهما الى داخلية الزبيرالتى كان الطالب احد ساكنيها علمنا ان براون رافق صاحب الشنطة الى داخل العنبروبدلآ من مغادرته العنبرفوجىء الطالب بالمستربراون يحمل عنه الشنطة ويرفعها الى سطح دولاب ملابسه متمنيا له وهو يغادرالعنبر ال"قود لك"! كان المستر براون يشاهد فى طريقه الى منزله بعد الاجتماع الصباحى مواظبا على ذلك الحال كل صباح يدلف الى داخل"الشفخانه"متفقدا المرضى من كانوا طريحى الفراش من الطلاب رافعا من روحهم المعنوي ومخففا عنهم آلامهم ومحدثا العم مصطفى عامر- مساعد الحكيم -عليه الرحمة مستفسراعن احوالهم او ان كان منهم فى حاجة للانتقال الى مستشفى ودمدنى وغيرها مما يعنّ له من الموضوعات ذات الصلة .
ولعلى سبق ان سردت ماكان باديا على وجه المستر براوان من اسى عميق وحزن عظيم عقب نهاية مباراة كرة السلة بين فريقى حنتوب وخورطقت عام 1952 وهو يهنىء لاعبى فريق الخور الخصيب - بعد نهاية المباراة - على فوزهم غير المتوقع ولسانه يكاد يتوقف عن النطق وهو يغالب دموعه مشاركا طلاب فريق "الباسكت"الحننوبى والكثيرين من الحنتوبيين احزانهم لفقدانهم نتيجة المباراة لصالح فريق خورطقت بفارق نقطة واحدة نتجت عن رمية "باكووردية" عشوائية ارسلها "النطاسى الكبيرلاحقا" عثمان عبد الكريم الشهير بالجوكر وهومتجه الى الجنوب نحو مرمى فريقه لتجد الكرة طريقها الى داخل الحلقة الحديدية من"بورد"مرمى الفريق الحنتوبى شمالا وهى تنداح بين اطراف الشبكة المثبتة على الحلقة الحديدية متزامنة تماما مع اولى رنّات جرس مسترفوكسلى(الميقاتى الحاذق الحافظ لكل ثانية من زمن المباراة) وهو يعلن نهاية لقاء"الكر والفر"ذاك..تلك مباراة فريدة فى مسارها ظلت طوال زمنها المحدد سجالا بين الفريقين. نقطة هنا واثنتان هناك فتشتعل حرارة اللقاء وترتفع معها هتافات الحنتوبيين مؤآزرين فريق مدرستهم الذى كانت مهارات افراده وحماستهم الدافقة لا تقل بأى حال من الاحوال عن مهارات ابناء الخورالخصيب الذين كانوا جليا يفيصون حماسة فايقة واصرارا بينا للفوزعلى حنتوب تعزيزا لأنتصارهم على فريق وادى سيدنا عصارى اليوم السابق باحساسهم انهم ألأعلون رغم حداثة صرحهم وهم يخوضون اول تجربة تنافسية لهم ضد رفاقهم فى الصرحين الكبيرين.وكانت اللحظة الحاسمة باحرازنقطة الترجيح قاصمة ظهرالفريق الحنتوبي ومؤازريه مع معلميهم جميعا وفى عقر دارهم كمان يا حسره! .
عرف من سعدوا بالجلوس الى حلقات درس المستربراون ما كان قد حباه الله وما اكتسبه من وافرمهارات التدريس القدح المعلّى فضلا عن غزارة معلوماته وتعمقه فى تفاصيل تفاصيل المنهاج الدراسى وفوق هذا وذاك تأنيه فى الشرح والتوضيح والاعادة لما يستعصى فهمه على بعض من الطلاب الى جانب ما كانت حصصه تفيض بروح الفكاهة والدعابة رغم ما كانت تبدوجلية للعيان شخصيته الحازمة وكلماته القاطعه وبفضل ما كان يوفره من تغييروتجديد للبيئة التعليمية داخل المعمل سواء كان الطلاب جلوسا على المدرّجات او وقوفا فى القسم الخاص بالعمل التطبيقى من المعامل. كان يتبسم فى صمت لتصرفات بعض الطلاب. لن ننسى عندما حل مكان السنى افندى عباس ذات صباح اغر يدرسنا ونحن طلاب مستجدون الفرق بين سرعة ارتفاع درجة الحرارة فى الماء واليابسه حينما طلب من كل مجموعة من الطلاب القيام بتسخين قدر من الماء وكمية من الرمل كل على حدة ومن ثم قياس درجة حرارة الماء وحرارة الرمل. فرغنا جميعا وعدنا جميعا الى المدرجات ما عدا اثنين من الرفاق ظلآ واقفين ينتظران ارتفاع درجة حرارة الرمل.عاد المستر براون الى حيث كانا الزميلان ينتظران دون جدوى اذ لم تدب الحرارة فى الانبوب الملىء بالرمل. سمعناه ونحن من على المدرجات يصرخ فى وجهيهما ثم ينفجر ضاحكا لما وجد الزميلين وقد وضعا مقياس الحرارة داخل الرمل معكوسا..قاعدته حيث الزيبق الى اعلى.عرفنا المستر براون سباقا الى القيام بكل عمل يمكنه اداءه بنفسه(كان يتسلّق الى اعلى البرج لاعادة دوران عقارب الساعة اذا تأخرت عن مسايرة الزمن الذى هو يمضى احيانا تاركها متوقفة فى واجهاتها الاربع..والمستر براون على الدوام هو المبادرلملء الشواغرمن حصص مادة العلوم اوغيرها فى حالات غياب معلميها مما كان يتيح له المزيد من فرص التعرف على الطلاب وعلى اداء المعلمين.. كان قريبا جدا من زملائه وطلابه حقيقة ومجازا ..يعطى كل اهتمامه ويصغى بكل حواسّه الى كلمات كل من يدلف الى مكتبه طالبا منه رأيا اوعونا او مشورة.
.لعل شيئا مما نظمه استاذ الاجيال عبدالله الشيخ البشيرعن المعلمين ينطبق الى حد كبيرعن الرجل:" حمل ألأمانة وهى عبء فادح وهفا بها وبنى لها واقاما.. واعطى عطاء القادرين مثورا بين الصدور امجادا واحلاما" لم يكن فى حزمه ذرة من قهر ولم يكن فى توقيعه العقوبة البدنية ايلاما فهى عنده ملاذ اخيرعلى من اضطرلتوقيعها عليهم دون اى رغبة فى ايلامهم او اذلالهم فهو يوقعها فى داخل مكتبه مع اغلاق الباب مقارنة بالآخرين من المعلمين بريطانيين اوغيرهم ممن عرفوا بتجهم الوجوه وفظاظة الالفاظ والاحساس بالبرم وعدم الرغبة فى البقاء فى حنتوب.وذلك عند لقائهم بمن يتوعدونهم من الطلاب بالعقوبة البدنيه فى ذلك المكتب الواقع بين مكتبى أمين المدرسة "البيرسر"وشعبة اللغة الانجليزيه – مكتب الاريكة الواحدة - حيث تنال مؤخراتهم اقسى انواع لسعات الضرب التى تفيض اذلالا فوق حرارة وقعها والمها على اجسادهم رغم توجيهات المستر براون المتكررة(كما علمنا فى لواحق الازمان) لكل المعلمين فى احتماعه الاسبوعي بهم فى منتصف نهاركل خميس– كان يذكّرهم بالتقليل ما امكن من اللجوء الى استخدام العصا ألآعند الضرورة القصوى بعد ان يصبح النصح والارشاد غيرذى جدوى مع توخى الحذرألآ يصاب اى من الطلاب باذى بدنى.و جاء على لسان البعض ممن تعرضوا للعقوبة البدنية على يدى المستر براون انه كان يوقع العقوبة البدنية بطريقة هى الاقرب الى الطريقة المنصوص عنها "شرعا" اذ لم تكن ذراعه يفارق او يرتفع قيد انملة عن جنبه الايمن ولاترتفع يده الآبالقدرالذى يمكنه من انزال الضربات على جسد المتلقى للعقوبة فى هدوء نفس بعيدا كل البعد عن اى انفعال او احساس برغبة فى اشباع رغبة لاذلال او تشفى. وكان فى توجيهاته للمعلمين يقول ان اساس العقوبة البدنية عنده لا تخرج عن اطار "لفت نظر" اشد لهجة من اللسان بغية تقويم سلوك انحرف عن جادة الطريق وللكف عن خروقات للائحة اوقانون تكررت اوتماد فى الخروج عما توافق الناس عليه.. ولم تكن ضرباته تزيد عن الثلاث باى حال من الاحوال ختامها كلمات يوجهها الى الطالب معتذرا "أنى جد آسف ان اضطررت لذلك" وهو يبتسم بما يوحى بصدق كلماته.(الجديربالذكران توقيع العقوبة البدنية فى حنتوب - الى زمان متأخركان يتم بايدى المعلمين فقط دون غيرهم اذ لم يكن مسموحا ان يطلب المعلمون من اى من العاملين تنفيذها(علما بان حنتوب فى ذلك الزمان كانت خلوا من "الصولات"الآ من"شاويش" محمد محمود (عليه الرحمة فى الفردوس الاعلى) الذى لم يكن قدومه الى حنتوب الآ لآداء اعباء ومهام محددة تتصل فقط بالتدريب العسكرى للراغبين من طلاب السنتين الثالثة والرابعة وبما يتصل به من رعاية وحفظ ونظافة المعدات العسكرية اضافة الى ما تم اسناده له لاحقا من مهام تتصل ايضا بالحفاظ على الادوات والمعدات الرياضية واعداد احتياجات طلاب الداخليات لممارسة الانشطة الرياضية وفق جداولها الزمنىة المرسومة مما كان يجعله فى شغل شاغل وىظل فى موقع عمله شرقى داخلية المك نمربعيداعن المدرسة طوال النهارالآ اذا تم استدعاؤه او جاء من تلقاء نفسه لقضاء امرما يتصل بالتدريب العسكرى او بالآدوات والمعدات الرياضية.
لم يكن حب المستر براون وشغفه بالتعليم وتفانيه واخلاصه للسودان يقتصرعلى تعليم السودانيين داخل المعامل او ادارة المدارس فقد كان يسعى لجذب انظارالمتميزين طلابه للانخراط فى مجال التعليم وذلك بحسن حديثه وتعامله ..وليس ادل على ذلك ألآ محاولته التى لم يكتب لها النجاح مع رئيس داخلية "ابولكيلك"(الدكتورالكبير)- حدادعمركروم(اول دفعتو- حفظه الله ومتعه بالمزيد من الصحة والعافيه) الذى ما ان وصل الى والده خبرالاستعانة بابنه لتدريس مادة الرياضيات فى بداية عام 1950ألآ وانتفض الشيخ عمركروم– عليه فيض من رحمة الله) وارسل برقية غاجلة الى المستربراون تقول"الحديد يواصل تعليموحتى النهاية"ولعل براون كان قد تمكن فى اوقات سابقة من اقناع نفرمن نوابغ طلابه فى كلية غردون بالعمل فى مجال التدريس(البروفسيرمحمد ابراهيم خليل– متعه الله بالمزيد من الصحة والعافية – نموذجا .. برضوهو كان اول دفعتو)الذى بدأ حياته معلما للرياضيات والعلوم بالمدارس الوسطى قبل عمله فى الصحافة ثم التحاقه بجامعة الخرطوم لاحقا ودراسة القانون.البروف خليل ظل يواصل مساره التعليمى استاذا مقتدرافى كلية القانون بجامعة الخرطوم وعميدا لها فى لاحق من الزمان قبل مواصلة عطائه الثرفى مجالات المحاماة والسياسة استوزارا واستشارات قانونية اوترؤسا للمؤسسات الدستورية.
تميز المستربراون بوفيرمن مزايا القيادة والريادة واحقاق الحق فى مواضعه فضلاعن قوة ذاكرته واختزانه اسماء زملائه من المعلمين والكثيرين من طلابه.وكانت التسع سنوات التى ظل ممسكا بدفة قيادة المسيرة التعليمية والتربوية فى حنتوب مع بقاء نفرمن شباب زملائه المعلمين بها سنين عددا فاقت عند بعضهم العشرمنها كانت اساسا متينا لأستقرارالنظم التربوية ورسوخ التقاليد الحنتوبية عبر السنين حتى بعد رحيله الى بلاده مما جعل ادارة حنتوب لمن خلفه من المعلمين امرا ميسورا ولم تكن تحتاج الى جهد كبيرحسبما جاء على لسان معلم الاجيال احمد بشيرالعبادى الذى كان اول الجالسين من المعلمين السودانيين على كرسي المستر براون تحت البرج عام 1955(رحمة الله عليه فى اعلى عليين) المستربراون كان حريصا على اتاحة الفرصة لرفاق دربه من المعلمين كبارهم وصغارهم (كما علمنا فى لاحق من الزمان)للحصول على المزيد من التاهيل اكاديميا وتربويا فضلاعن التدريب المتواصل وتجديد المعلومات والخبرات سواء داخل السودان او خارجه وكانت حلقات درسه متاحة لكل راغب فى حضورها معه فقد كان يدعوبعض معلمى مادة العلوم (فى كلية غردون ابّان فترة عمله فيها) و فى حنتوب للحضور خاصة عند قيامه بتجربة علمية يرى ان فى مشاهدتهم لها فائدة للجميع مثلما كان يحثهم على حضور حلقات درس بعضهم البعض هذا الى جانب حرصه على اشراكهم فى اتخاذ كل القرارات التربوية والتعليمية المتعلقة بالمسيرة والحياة فى حنتوب ويفسح المجال لكل منهم للتعبيرعن وجهة نظره وبما يراه دون حجرعليه. ولذا صدق الاستاذ عبد الحليم على طه فى قوله: "حيرانك كتاردبّرامورك وسيس".(اشارة بطرف خفى انك قدمت ما فيه الكفاية من التدريب لمن عملوا معك وهم ألآن مستعدون لحمل المانة من بعدك) لما عاد للسودان مدعوا لحضورالعيدين الفضى والذهبى لمعهد بخت الرضا عامى 1959و1984 واليوبيل الفضى الحنتوبى(1971) كان يلقى من زاملوه من المعلمين هاشا باشا فى وجوههم ذاكرا الكثيرين باسمائهم دون تلعثم اوتردد ويربط الاسماء بالمواد التى كانوا يدرّسونها. وبما كان يتمتع به من قدح معلّى من العدل والانصاف والصدق مع النفس ومع الآخرين خاصة عند كتابته التقاريرعن اداء زملائه وعن طلابه المتقدمين للالتحاق بالكلية الحربية وكلية "البوليس"على وجه الخصوص.كان دواما يتوخى المصلحة العامة واضعا نصب عينيه مستقبل المؤسستين حرصا منه على ان يكون الملتحقون بهما والذين سيتولى منهم القيادة والريادة فى مستقبل الايام طال الزمان او قصرهم من المتميزين حقا فى كل جوانب حياتهم اداء وخلقا وانهم من كانوا بحق واستحقاق اهلا للالتحاق بهما بما يتناسب مع قدراتهم وسلوكهم العام.فقد جاء فى الخبرانه(بعد استشارة المشرف على فرقة التدريب العسكرى وتيوترالداخلية)كتب تقريرا عن احدهم من طلاب فرقة التدريب العسكرى اشتمل على كلمة واحدة فقط لخّص بها مستربراون بما كان لديه من بعد نظر واقتدارعلى تقييم شخصيات طلابه والعاملين معه بكل صدق وشفافية دون انحياز هنا او هناك فقد كانت تلك الكلمةهى السبب الاساسي فى الحيلولة دون التحاق ذلك الطالب بالكلية الحربيه. (ليت نظار المدارس فى لاحق من الزمان حذوا حذوه وساروا على نهجه رغم ان الكثيرين ممن تولوا مسؤوليات ادارة المدارس من بعد تجربتهم العمل فى حنتوب بين يدى المستربراون او فى معية من تعاقبوا على ادارة الصرح العظيم من بعده حملوا الى مواقع عملهم التى انتقلوااليها الوفيرمما توفرلهم اكتسابه من خبرات وتجارب ادارية رفيعة المستوى و"همّة" عالية صدق معلّم الاجيال عبد الحليم على طه (رحمه الله) فى وصفها بالمعياروالمقياس الذى يقاس بها وعليها.ولذا يمكن القول ان آثار وبصمات المستربراون بقيت فى ابعاد اللانهائية مثلما امتد تاثيرحنتوب على المدارس الاخرى وتواصل اندياحه عبرالحقب والازمان فى اغوار الابديه مما جعل بعض الرفاق ممن جمعوا بين الحسنيين – الدراسة فى حنتوب والعمل فيها – يطلقون السنتهم بالاشادة بمعلميهم والتغنى بايام عيشهم فى ربوعها والتفاخر بامجادها فقالوا "الماقرا فى حنتوب وما اشتغل فيها..لا قرا ولا اشتغل..ضيّع وكتو ساكت"!
لن انسى لقاءنا بالمستر براون عام 1954 فى مكتب الجغرافيا فى معية الاستاذهاشم ضيف الله – وكنا مجموعة من طلاب كلية الخرطوم الجامعية (انذاك) من خريجى حنتوب. جئناها مصاحبين فريق الكلية الجامعية لكرة القدم.وكنا قد سجلنا له زيارة فى مكتبه تقديما لفروض الولاء والطاعة واوفاء لشخصه ولكنه كا ساعتها فى احد المعامل يقدم درسا لفصل من الفصول.. حينما عاد الى مكتبه بعد انتهاء زمن حصتي العلوم المتتاليتين وحالما تم ابلاغه بزيارتنا له فى مكتبه - سارع هوهاشا الى لقائنا عندماعلم اننا فى معية الاستاذ هاشم فى مكتب شعبة الجغرافيا وقد كنا على وشك العودة الى مكتبه(بالله موش قمة التواضع! يجىء بنفسه للقائنا!..تواضعه تجلى فى جلوسه على الارض مرتديا بدلة كامله بين الاستاذين الجليلين الراحلين الى رحاب ربهما فى الفردوس الاعلى- ابراهيم احمد وعبدالفتاح المغربى فى صورة نادرة التقطت لمجموعة من معلمى كلية غردون التذكارية (افنديه ومشائخ واجانب) عام 1938-وحالما اغلق باب النملية ودلف الى داخل مكتب الجغرافيا ظل يحدٌق فى وجوهنا وطفق يشدعلى ايدىنا فردا فردا ويكاد يطيرفرحا وهويحاول استرجاع اسماء بعضنا ومرحبا مرددا كل حي ن"آهلا آهلا اهلا..كيف هالكم..شرّفتونا كتيرالنهارده".كم عجبت عند لقائنا فى بخت الرضا عام 1959 فى مناسبة ألأحتفال بالعيد الفضى انه كان لا يزال يذكرلقائى به فى مكتبه عام 1952عندما كان يطالع خطاب قسم شؤون الخدمة الذى كان قسما من اقسام مصلحة الماليه آنذاك والموجه لشخصى الضعيف اشادة بعملى فيه اثناء العطلة الصيفية فى ذلك العام (وقد ذكرت القصة بين تذكارى سيرة المستر (وود معلم الرياضيات) حينما سالنى المستر براون انذاك(1952) ان كنت ساعود للعمل مرة اخرى فى فسم شؤون الخدمة بعد اكمالى الدراسة ثانوية كانت او جامعيه. حالمّا اجبته (سوونر أور ليتر)انى لا محالة ملتحق بالعمل فى وزارة المعارف . فكان تعليقه “Now since I see you in Bakht Ruda, you seem to have stuck to your guns and kept your word; hopefully now teaching in Hantoub! (طالما انى القاك الآن فى بخت الرضا هذا يعنى انك بقيت على كلمتك ,وآمل ان تكون ألآن تعمل فى حنتوب" (والله لم اصدق اذناى)!
لم يكن دورالمستربراون ينحصرفى التدريس والادارة المدرسية والهداية والارشاد فحسب بل امتد فى عام 1946الى المساهمة فيما رآه فى حينه يصب فى مواعين تحسين التعليم فى السودان والأرتقاء بمستواه وذلك بتقديمه مقترحا يرمي الى احداث قدرمن التقدم والتطورالتربوى يفضى مستقبلا الى نماء اقتصادي واجتماعي كبيرفقد حدثنا الاستاذ العزيزالراحل عوض الكريم سناده (عليه فيض من رحمة الله) فى عام 1949عن "البراون بلان – مشروع براون" وهو ما اكده لاحقا المسترهودجكن فيما سطره مؤبنا المستر براون(فى صحيفة الانديبيندينت بتاريخ اربعتاش تموز1994 - فقط ثلاثة اسابيع بعد انتقال براون الى دار الخلود والقرار)فقد كان المشروع يختص بتجويد "كيف النظام التعليمى فى شمال السودان" اكثر من التركيزعلى الكم - التوسع فى التعليم" وكما افادت البروفسيرفدوى عبدالرحمن على طه ان المشروع كان يرمى "لأعادة تنظيم مدة الدراسة فى المدارس الوسطى والثانويه وذلك بتغيير النظام التعليمى من(4–4–4) الى(4 سنوات مرحلة اولية– ثم عامين مرحلة وسطى تتبعها اما(4) اربعة اعوام فى مرحلة ثانوية صغرى زراعية او تجارية او مهنية) او ستة(6) اعوام فى مرحلة للتعليم الثانوى (الأكاديمى) الكامل وبذلك يرتفع مستوى الدراسة فى المرحلة الثانوية حيث يتم اعداد الطلاب للدراسة الجامعية بصورة افضل الآ ان "البراون بلان" لم تجد طريقها للتنفيذ وصرف النظرعنها عندما تغلّبت النظرة الى اعطاء الاولوية للكم- التوسع فى التعليم فى بلد كالسودان يصبوللتقدم ويتطلع اهله الى انتشارالوعى ورفع الجهل عن اكبرعدد من ابنائه. فكانت النيجة ان ارتفع عددالمدارس الوسطى ارتفاعا كبيرا اضعاف ما كانت عليه مثلما زاد عدد المدارس الثانوية قبل مغادرة المستربراون عام 1955 الى ثمان.اذ برزت الى حيزالوجود صروح مماثلة للثلاث مدارس الكبري (وادى سيدنا وحنتوب والخورالخصيب) تم انشاؤهافى بورتسودان وعطبره والخرطوم والفاشرمع الثانوى الصناعى فى معهد الخرطوم الفنى وكان الاعداد لانشاء المزيد يسيرعلى قدم وساق – ثانوية فى مدينة ودمدنى لتليها اخريات فى مروى وسنار وبربرتتابع افتتاحها عاما بعد عام الآ ان مدارس البنات الثانوية ظل عددها على ما هوعليه – هى مدرسة امدرمان الثانوية تشكو"الوحده" الى عام 1958حينما حظيت بافتتاح شقيقتها مدرسة الخرطوم الثانوية ومن بعدها مدرسة ودمدنى فى عام 1961 ثم الابيض فى عام..1962
جاء فى الخبرنقلا عن المسترهودجكن (اخرعميد بريطانى لمعهد التربية فى بخت الرضا)ان المستربراون كان يتشاركه روح المغامرة والانطلاق لمعرفة كل مجهول ولتحقيق كل ما كان يراه جديدا يجب الالمام به وتجريبه علما بان المسترهودجكن كان قد تمكن من الطلوع الى فمة جبال الهملايا فى عام 1938مما نتج عنه فقدانه لأطراف بعض اصابع يديه وقدميه التى تجمد الدم فيها من شدة البرد.فلاغرو انه ومستر براون قاما بتسلّق جبال التاكا فى عام 1941واعادا التجربة فى العام التالى مصطحبين اثنين من طلاب كلية غردون.لماعاد مستر براون الى موطنه عام 1955 مرّة اخرى واصل احب الاعمال الى نفسه - "التدريس" عائدا الى المعامل والحياة بين الناس والعيش فى اقرب البيئات الى مزاجه هى"البيئة التعليميه "والى ان تخطى السبعين من عمره كان يدرّس مادة الفيزياء وتولى رئاسة شعبتها فى"كلية لآنسينق" وظل فى حراك متصل دون كلل او ملل بين التدريس والابحاث والاطلاع المستمر. عاد الى افريقيا مرتين فى عقد الثمانينات من القرن العشرين..تلبية لدعوة تلقاها من القائمين على امرالعيد الذهبى لمعهد التربية فى بخت الرضا عام 1984حينما سعدت بمرافقته اثناء فترة اقامته فى بخت الرضا استفسرته عما اذا يرغب فى زيارة "المكان الطيب" لكنه اعتذرلضيق وقته واضاف بعد لحظات وفى نبرات صوته بعض حنين واسى "انها بكل تاكيد لم تعد هى حنتوب التى عرفتها" لعله آثران تظل حنتوب فى وجدانه على ماكانت عليه فى سوابق الازمان "صورة وذكرى". وحسبما افاد المستر هودجكن ان زيارالمستر براون الثانية الى افريقيا كانت بصحبة مجموعة من زملائه معلمى كلية لانسينق ونفر من طلابها الى نهر "الشاير" الذى يجرى شمال "بحيرة نياسا" حيث سعدوا كثيرا بالتجديف على مياه النهروبسحرالطبيعة الخلاّبة وبلقاءعدد كبير من سكان تلك المنطقة الساحرة من ارض افريقيا التى احبها المستربراون وبادله الكثيرون من اهلها وابنائها حبّا بحب ووفاء بوفاء تمثل بجلاء فى دعوة الرئيس القائد جعفر نميرى- ابن حنتوب البار(عليه فيض من رحمة الله فى الفردوس الاعلى) لاستاذه لمشاركته تلبية الدعوة الملكية فى قصر"بكينقهام" التى تلقاها من الملكة اليزابيث لتناول وجبة غداء اقامتها على شرفه فى اول زيارة له الى بريطانيا وهو رئيس لجمهورية السودان.. فيا له من معلم وياله من طالب ويا له من وفاء. وطالما افاد المستر هودجكن بقدرمن المعلومات عن المستربراون تجدرالاشارة الى ان المسترهودجكن عند مغادرته السودان نهائيا عام , 1954 كآخرعميد بريطانى لمعهد التربية فى بخت الرضا تنازل عن مكافأته المالية عما تبقى له من خدمة لحكومة السودان البالغ قدرها ثمانية آلاف من الجنيهات السودانية ما كان يوازى سبعة آلآف وثمانئة جنيها استرلينيا وهبها لوزارة المعارف.
الحديث عن ذلك المكان الزاهى الجميل يطول ولا يتوقف.. مكان ساحر بكل المقاييس كان لعيشنا فيه مذاق وطعم خاص ونكهة فريدة تلقاك - يا رعاك الله – مع اول نسمة هواء عليل تستنشقها حالما تغادروسيلة العبور اليه سواء كانت "بنطون"او"الهدهد"وتضع اولى خطواتك على ارض الضفة الشرقية من النيل الازرق الخالد اوحال عبورك الجزيرة الرمليه سيرا على الاقدام ومن بعده "خواضة"المياه الضحلة المستوى حاملا حذاءك بين يديك تجاهد انفاسك طلوعا الى اعلى الهضبة من ارض حنتوب الفيحاء. تتنوع الاسباب والاحساس بالسعادة(واحد) فى ذلك المكان وهو يغمرالنفوس بما فيه من"براح"حقيقى وطبيعى ومعنوى يعطى القادمين اليه دفعة قوية نحو الانطلاق فى الآفاق العلمية والحرية فى مناخ جديد وبلقاء نفركريم من المعلمين الاخيار(رحم الله من انتقل الى رحاب ربه يجنى الخلد والاجرمن رب غفوركريم) معلمون احسن اختيارهم لحمل العبء وهوفادح..وغرسوا فى نفس كل من جلس الى حلقات درسهم او اصاب منهم قدرا من نصح او هداية وارشاد ولاء لحنتوب منقطع النظيرووفاء لايعرف الحدود. والذى لا يتطرق اليه الشك ان كان للمستربراون ورفاقه الاوائل من كبار المعلمين سودانيين وبريطانيين احبوا السودان واهله واوفوا لهم وفاء منقطع النظير..كان لهؤلاء ولاولئك غيرهم الفضل كل الفضل فى خلق تلك البيئة التعليمية والتربوية الفريده المليئة بروح المسؤولية الذى شملت كل معلمى حنتوب وعم كل طلابها وعمّالها وغرس فى وجدانهم وعقولهم كل احاسيس الحب لها والحرص عليها والاشادة بها والتغنى بمزاياها وتذكارايام عيشهم فى ربوعها والتجوال فى ارجائها الرحبه مع التشوق الى العودة اليها ماعرفنا له مثيلا(دون مبالغة او تعصب)لدى من درسوا فى اى من المؤسسات التربوية الاخرى دليلنا البادى للعيان هو منظمة خريجى حنتوب وما تقدمه من حين آخرمن لقاءات وانشطة متعددة تعيد ذكريات ذلك الماضى"الذى كان لنا ومنه كانت تنساب المنى نحو سودان جديد)الى جانب تواصل التابعين من اجيال حنتوب بآبائهم من الذين سعدوا قبلهم بالعيش فى ربوعها وكان من بين اسباب ذلك الحب والوفاء للصرح العظيم – توافد اعداد غفيرة من الشخصيات الوفية التى جاءت لتعمل فيه معلمين وعاملين وبقوا فيه سنين عددا فاقت العشرسنوات وزادت عليها حافظوا جميعا على تقاليدها ونظمها النادرة الفريدة لعلى افضت فى تذكار سيرة من سعدت بلقائهم وجلست الى حلقات درسهم اولم اجلس.
واختم سلسلة ذكرياتى عن المكان الذى سحر كل من جعل له رب العباد نصيا فى العيش بين ارجائه وسعد بالجلوس الى حلقات درس كل من رفع قدره اميرالشعراء وكاد ان يكون"رسولا" من بين الاخيار من خلق الله..المعلمين الابرارالذين حملوا الامانة ورفعوا رايات العلوم والمعارف عالية خفاقة وشحذوا الهمم وافاضوا علي طلابهم بالوفيرمن علمهم وتجربتهم وخبراتهم وما غرسوه من قيم سامقة ومثل عليا فى نفوسهم وصرنا وما ننفك وسنظل "عبيدا" لهم ولمن سبقوهم من المعلمين فى مراحل التعليم المتعاقبة. مثلما ابتهجنا بلقاء رفاق درب وزملاء صبا كرام امتدت الصلات والعلاقات بيننا عبرالزمان ونعمنا بأباء وباخوة كرام قل ان يجود الزمان بمثلهم- العاملين فى ارجاء الصرح العظيم الى جانب اهل القرية المعطاءة الغر الميامين الرحمة والمغفرة من رب غفوركريم على كل الذين انتقلوا الى دارالخلود والقرارممن سبقوا او لحقوا بالأباء الكرام شيخ ابوزيد احمد ومعلم الاجيال شيخ صالح بحيرى وكل من شارك وساهم من آل الكارب الكرام البررة فى قيام الصرح الكبيرفى ذلك البقعة الطاهرة. ورحم الله جيل المعلمين الاوائل ألأأباء المؤسسين (الفاوندينق فاظرز) الذين أزروا المستربراون فى بداية المسيرة الظافره..احمد محمد صالح .. نصر حاج على..النصرى حمزه..عبدالحليم على طه.. امين زيدان.. شيخ عبدالله عبدالرحمن..السنى عباس..عبدالمنعم فهمى..رحمةالله عبدالله ومن جاء بعدهم من منظومة الرجال ألأوفياء الذين ينطبق علىهم قول التربوى الامريكى هنرى آدامز( المعلمون يؤثرون فى اللانهائية ومن العسير معرفة اين ومتى يصل ذلك التاثيرالى منتهاه" " "Teachers affect Eternity. It is next to impossible to know when or where that effect comes to an end"
ولعل ابيات للاستاذ العزيز الراحل معلم الاجيال عبدالله الشيخ البشيربما اجراه عليها احد الاخوة من قدامى الحنتوبيين من تعديل( هو فقط ليتناسب مع الصرح الكبير)توحى لنا وللتابعين من الاجيال المزيد من الاعزاز والاجلال والاكبارلمعلمينا الاخيار:
(صاحوا فى ابنائهم "الى المعالى"00 فاقبلوا وتنادوا اليها عجالى) ( واضحت حنتوب بفضلهم ديارا00 فاض صرحها اعزازا واجلالا ) (لمن فجّروا من علومهم بحارا00 جاشت امواجهاعذوبة وزلالا ) (واوقدوا للمعارف نارا تتوهج 00 فى الهضاب العاليآت قبسا يتلالا)
فى الختام آمل ان يكون ما سطرته من ذكريات اعادت الى رفاق الدرب من قدامى الحنتوبيين ذكريات ماض كان بكل المقاييس وافر الاشراق مثلما ارجو ان تكون هذه الذكريات حافزا للتابعين وتابعى التابعين من الاجيال (الذين شهدوا نهاية الصرح الشامخ ولسان حالهم كلسان حال اهل منطقة حلفا وهم يغادرون ديارهم قائلين "الله يجازى اللى كان السبب"(رغم الفارق الكبير فى حالتي الرحيل) بس كل المنى ان يشمروا جميعا عن سواعدهم ويكتبوا ولو النذراليسيرما تختزنه ذاكرتهم عن اماكن دراستهم ومعلميهم ومن قدموا لهم العون والمساعدة من عاملين وموظفين لنجاح المسيرة التعليمة فى تلك الاماكن الى جانب تذكار رفاق دربهم..فى النهاية ان ذلك بحقق ما يمكن اعتباره تأريخاوتوثيقا لتاريخ تلك المؤسسات التربوية وللتعليم فى البلاد.. الشكراجزله والتقديراوفره موصولان لكل من اطلع على ما كتبته واثلج صدرى بما جاءنى من تعليقات مباشرة منهم شاكرين. مما اسعدنى ان وجد بعضهم فيما سطّرت قليلامن امتاع ومؤانسه. تصدق الآمال وتطول الآجال وباذن واحد احد نلتقى فى اسعد الاوقات وابرك الساعات فىاحتفال حريجى الصرح الكبير ببلوغه السبعين من العمروقد عاد سيرته الاولى باذن واحد احد من بعد اثنين وعشرين عاما من عمره المديد..كما آمل ان التقى مع رفاق درب آخرين سعد بزمالتهم فى صرحين تربوىين شامخين كانت لنا فيهما ايام زاهيات فى سوالف القرون وسوابق الأزمان..مدرسة ودمدنى الاهلية الوسطى وجامعة الخرطوم.
أحدث المقالات
- تآكل صبر الوسطاء الافارقة على خلافات السودانيين ! بقلم د . على حمد ابراهيم 10-18-15, 05:17 PM, على حمد إبراهيم
- هيومن رايتس .. قوات الدعم السريع ورجال بلا رحمــة ! بقلم عمر قسم السيد 10-18-15, 05:13 PM, عمـــر قسم الســيد
- ياسر عرمان :نشاز العزف المنفرد!! بقلم حيدر احمد خيرالله 10-18-15, 05:11 PM, حيدر احمد خيرالله
- هل إنتقلت رئاسة قيادة الجبهة الثورية لجبريل إبراهيم بعد عملية قيصيرية..؟ 10-18-15, 05:09 PM, عبد الوهاب الأنصاري
- مقارنة مجحفة..!! بقلم نور الدين محمد عثمان نور الدين 10-18-15, 05:07 PM, نور الدين محمد عثمان نور الدين
- حمدنا الله، آخر الرواد المسرحيين بقلم صلاح شعيب 10-18-15, 01:06 PM, صلاح شعيب
- أحمد قابل البشير- و إيه يعني ؟! بقلم عثمان محمد حسن 10-18-15, 01:04 PM, عثمان محمد حسن
- حق الإجتماعات والمواكب العامة بقلم نبيل أديب عبدالله 10-18-15, 01:03 PM, نبيل أديب عبدالله
- وتلومون الصغيرة إن قالت بري.. بري.. بري! بقلم كمال الهِدي 10-18-15, 01:00 PM, كمال الهدي
- الغرباء في عاشوراء : خالق المسيح قادر على أن يخلق رطبا في الشتاء بقلم أكرم محمد زكي 10-18-15, 12:59 PM, اكرم محمد زكى
- الانتفاضة الثالثة انتفاضة الكرامة (9) قطاع غزة والمساهمة في الانتفاضة بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي 10-18-15, 12:58 PM, مصطفى يوسف اللداوي
- ستات العرقى ... !!قريمانيات .. بقلم الطيب رحمه قريمان 10-18-15, 12:47 PM, الطيب رحمه قريمان
- الصوفي يبيع الساعات..!! بقلم عبد الباقى الظافر 10-18-15, 12:44 PM, عبدالباقي الظافر
- وطن (ولي)!! بقلم صلاح الدين عووضة 10-18-15, 12:43 PM, صلاح الدين عووضة
- (أبرد شوية) بقلم الطاهر ساتي 10-18-15, 12:41 PM, الطاهر ساتي
- عندما يحتفى بالعملاء.. منصور خالد نموذجاً 2 بقلم الطيب مصطفى 10-18-15, 12:38 PM, الطيب مصطفى
- النظام و تعمد صناعة الفقر في مناطق النزاع بقلم أحمد حسين سكويا 10-18-15, 03:02 AM, أحمد حسين سكويا
|
|
|
|
|
|