يحتار المرء في إخيتار الكلمات الملائمة لوصف حال السودان هذا البلد غير المحظوظ، الذي ظل يتراجع يوما بعد آخر، والتراجع هذا ليس حكرا على النظام الكريه الجاثم على صدرنا شعبنا مدة تجاوزت الربع قرن، فحسب.. وإنما هو واقع حال، ألم بالمعارضة السياسية السودانية بكل مسمياتها، وعناونيها، وميادينها، وآلياتها، وبرامجها، وأساليب عملها، ومؤيدها وأنصارها، حتى أؤلئك المثقفون.. أصبحوا، بلا وجه أو لسان، لا شك أن من تربى في محاضن النضال يفهم معنى، وجه، ولسان.. أي ان يكون لهم موقفا معارضاً، ولسانا ناقداً، لا بغرض التعويق والهدم، وإنما، بغرض التقويم وتصحيح الفهم، ليتلائم موقف المعارضة مع تحديات المرحلة التي تواجه البلاد.. أقول هذا إنطلاقا من دور المثقفين في نشر الوعي السياسي والثقافي والإجتماعي، المؤثر، في المجتمعات الحية.. لكن الحيوية هذه.. يبدو إنها قد خمدت إن لم نقل إنها هدمت إلى الأبد.. وهذا لا ما نرجوه ونحسبه، في وطن حرائره أنجبنا عملاقة في الفكر والثقافة والفن من النساء والرجال، يعول عليهم في تشق طريق المعرفة حينما تتكاثف الغيوم وتدلهم الخطوب، لذلك أقول: ما أحوج بلادنا لدورهذه الفئة من الناس، في وقت ملء الساحة السياسية والثقافية الجهلاء والغوغاء الانتهازيون.. وهؤلاء نراهم في الصحف، وفي مواقع في الانترنيت، والفضائيات، والمؤتمرات، يقولون كلاما لا رابط فيه بين العقل واللسان..! لذلك عمى الخراب والدمار والفقر والبؤس واليأس والشك..! وأصبح الناس، لا يثقون في أحد، وهذا مؤشر قلق.. يصور مستوى الإنحدار الذي تسير فيه بلادنا .. ولعل ما تشي به الأخبار هذه الأيام، من أن ثمة خلافات، ربما تعصف بالجبهة الثورية، والآمال التي عقدها البعض من الناس عليها وعلى شعاراتها، ووعودها للشعب بأنها قد وعت الدرس لذا لن تلدغ من الحجر مرتين.. ونتمنى من كل القلب ذلك. لأن اية مساومة مع النظام من طرف من أطرافها، هي بداية خاطئة ستقود حتماً إلى نتيجة خاطئة، لان سنوات حكم هذا النظام المشوؤم، تشبه الصحراء الجدباء، فحتماً الزارع الفطن، لا يضيع وقته، ولا بذره في صحراء جدباء وقحطاء.. وربما تلك الصحراء القحطاء الجدباء يرجى منها أن تثمر زيتونا وعبنا، وقحماً وتمراً ان توفرت لها مقومات الحياة والنماء من بذور، ومياه، ورعاية ودارية، وخبرة، وشمساً.. لكن هذا لا يرجى من نظام، مثل نظام الإنقاذ، الذي توفرت له كل مقومات الشموخ والعزة والكبرياء، وما نقوله: ليس بدافع غدغدت المشاعر وإثارت العواطف السطحية، وإنما فيه مخاطبة للعقل الراحج ، وحقائق يدعمها الواقع في بلادنا الغنية بثرواتها، الطبيعية، وقدراتها البشرية، سواء في البوادي أو الحضر.. لكن بسبب غياب العقل المدبر، والإرادة الفاعلة، والضميرالحي اليقظ، أصبح إحتمال أن تجود علينا الصحراء القاحلة، أكثر صحة، ووروداً، وتحققا.. من إحتمال أن يتعافى الوطن في ظل حكم هذا النظام البائس التعيس.. حتى لو تصالح معه كل من يخالفونه الرأيفي بلادي. إنطلاقا من هذا الفهم والإدراك لطبيعة هذا النظام، نقول: للمعارضة السياسية السودانية عموماً، ولأخوتنا في الجبهة الثورية، تساموا فوق التباين في وجهات النظر، والخلافات البسيطة التي تحدث في الحياة، من أجل الوطن، وعزته ومنعته، وأعلموا ان اي طريق آخر هو سير في الإتجاه الخاطيء، لذا أعملوا معاً، بل أفتحوا عقولكم، وضمائكم، لكل وطني شريف، وأستعينوا به إمراة إن كانت أو رجلاً، لتوفير مقومات الخلاص، وإلى الأبد، من هذا النظام المجرم، لنبني عقلاً، وإرادة، وحكمة، من سنوات الكفاح والنضال، تكون لنا جميعاً، زاداً يعنينا في لم الصفوف، وشد عضلات القلوب وأعصاب الروح والعيون، لنرنو بها للأفق البعيد، لنبني وطناً، يرضي تضحيات شهداءنا، شهداء الحرية والعدالة، الذين إستشهدوا من أجلها. التحية لهم.. لإنهم أكرم منا جميعاً. لذلك نقول: ان المرحلة ليست مرحلة مساومات رخيصة، وإنما مرحلة صدق مع الذات ومع الآخر في مسيرة النضال الصاعدة والمتصاعدة باذن الله، وإرادة شعبنا، لذا نحن لا نحتاج لكلمات ، بل لهزّات ضمير جديدة ومزيد من التضحيات تهدم جدار الخوف في داخلنا.. وتعطي شعبنا الأمل بزوال هذا النظام بلا مساومات أو أنصاف حلول..!الطيب الزين أحدث المقالات
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة