|
المدارس الخاصة ... سجّل الآن واحصل على الزي المدرسي مجاناً ..!
|
المدارس الخاصة ... سجّل الآن واحصل على الزي المدرسي مجاناً ..!
محمد أحمد إبراهيم [email protected] السعودية – الرياض
الخصخصة .. أو الخوصصة .. مصطلح اقتصادي يعني في مفهومه البسيط ، تحويل الملكية العامة إلى ملكية خاصة باستبعاد رأس المال العام ، وتمكين رأس المال الخاص من "الاستحواذ " على بعض الخدمات العامة التي عادة ما تقدمها الدولة . والخصخصة هي عكس التأميم الذي يعني مصادرة الملكيات الخاصة لصالح الدولة وهو ما يتم عادةً عقب الانقلابات "الثورية" والثورات "التصحيحية" في الدول النامية . الخصخصة ليست غاية في حد ذاتها بل هي وسيلة للوصول إلى الهدف النهائي؛ وهو تطبيق آليات السوق الحر والنظام الرأسمالي .. وتحتاج دائما إلى اقتصاد قوي ومتماسك يتحمل الآثار الناتجة عن تطبيق هذه السياسة ، كما أن الدولة لا تترك دورها الرقابي على القطاع الخاص حتى لا يستأسد على المواطن العادي ويحرمه من حقوقه الأساسية في الخدمات العامة كالتعليم والصحة ، التي عادةً ما تكون من مسؤوليات الدولة في شكل قطاعها العام . عندنا في السودان ،هزت الخصخصة أبوابنا الاقتصادية- المتهالكة أصلا - بعنف ، ودخلت دونما استئذان لتشكل واقعا جديدا فرض نفسه بقوة على واقع الحياة السودانية بكل ما فيها من سلبيات وإيجابيات وطالت من ضمن ما طالت ، العملية التعليمية بالدولة ، والتي كانت في يومِ ما من مفاخر القطاع العام من حيث المناهج والمباني والكادر التعليمي الذي يتولى العملية بكفاءة واقتدار ومسؤولية لا تقل عن مسؤوليات رؤساء الجامعات في هذه الأيام ، ودونك أي خريج من خريجي "خورطقت" أو "حنتوب" أو "وادي سيدنا" ليحكي لك عن عظمة تلك المدارس في تلك الفترة بكل ما تحمل كلمة "عظمة" من مدلولات ، ليحكي لك عن قدسية المعلم وقوة المناهج وعراقة النظام والقوانين ... ولكن ...! أصاب تعليمنا ما أصاب سياستنا ... واقتصادنا .. وضرب التهميش والإهمال العملية التعليمية ، وصارت قبضة الدولة تتراخى شيئاً فشيئاً عن هذه المهمة ، حتى رفعت يدها تماما منها أو كادت ..! وأصبح التعليم من المهن الطاردة أو مهنة من لا مهنة له .. ! وأصبح المعلم بدلا عن كونه "معلم للأجيال" إلى "معلم الله" .. ! وهجر معظمهم المهنة ليمارس مهن أخرى يسد بها رمقه ، ويقابل بها احتياجات الزمن الذي لا يرحم . وكم شاهدنا أستاذاً كان نابغةً في مجاله ، يفتح محلا للجزارة ... أو مطعماً .. أو يقود ركشة .. أو صاحب "فرّاشة" في موقف مواصلات عام ، وهو الذي كان في يوم ما ، يطأ الثرى مترفقاً من تيهه .. ويترك له طلابه "الشارع" يتوارون منه خجلا وهيبةً ، وقد يكون نصيب أحدهم علقة ساخنة إذا رآه معلمه وهو يلعب الكرة مع أقرانه في الوقت الذي يفترض فيه أن يؤدي واجباته الدراسية ... أما حال المدارس الحكومية ، فقد صار يغني عن السؤال ، أسوار مهدمة ، وفصول يرى الناظر من داخلها ضوء الشمس في رابعة النهار ... تخلو حتى من المقاعد التي يضطر الطلاب إلى جلبها معهم من بيوتهم صباحاً ... وإرجاعها في آخر اليوم ... مثلها مثل كراساتهم وكتبهم ! وأثاثٌ أكل عليه الدهر وتجشأ .. ! وطلابُ يبحثون عن منهج السنة الدراسية المقرر من قبل الوزارة "بسوق الجمعة" أو "سوق الواطة" من باعة الكتب القديمة وباعة الكتب المتسربة من الوزارة .. ! وسط هذا الجو الخانق والكئيب ... تطل علينا المدارس الخاصة بمبانيها الفارهة ، وأثاثها الأنيق ، وطلابها النجباء ، الذين صرف عليهم أهلهم عدة ملايين من الجنيهات السودانية لينالوا التعليم الذي أخفقوا في الحصول عليه من "مدارس الحكومة" أو قل الحكومة التي فشلت في القيام بواجبها التعليمي كاملا نحوهم ... ! وأصبحت تتسابق هذه المدارس في تقديم "خدماتها المرفهة " للطلاب ، وضجت الإعلانات في أجهزة الإعلام لتعلن عن مدرسة "فلان الخاصة" وأكاديمية "فرتكان التعليمية" .. والتي يتوفر فيها إضافة إلى المباني الراقية والأثاث الفخيم ، أجهزة الكومبيوتر ، وصالات الترفيه الرياضي والترحيل الخاص بالطلاب ، هذا بجانب "نخبة" من بقايا المعلمين الذين ركبوا السفينة ولم يكونوا من المغرقين .. ! وبعض المدارس تقدم الزي المدرسي "مجاناً" لغرض ترويجي على غرار العبارة الإعلانية الشهيرة "اشترك الآن" ، أو "اشتر الآن" .. واحصل على "كذا" مجاناً " .. الزي الذي لا يشبه بأي حال من الأحوال "زي الوزارة" الإلزامي "التعيس" الذي يبدو أن الوزارة قد اختارته "لينسجم" مع واقع الحال .. ! الدولة فرحت بالتعليم الخاص أيما فرح .. كيف لا وهو يدر عليها مبالغ "محترمة" تبدأ في جبايتها ابتداء من مصاريف التأسيس لتستمر بعد ذلك في شكل "ضرائب" و "رسوم" و "عوائد" جعلتهم يدعون صباح مساء لصاحب هذه الفكرة "اللبونة" التي تمطر عليهم ذهباً ودنانير .. ليس هذا هجوما على التعليم الخاص ... فمن حق أهل الدثور أن يذهبوا بالأجور .. وهذه سنة الله في الكون ، ومن حقهم أن يتلقى أبناءهم أفضل خدمة تعليمية متوفرة ... تتناسب ووضعهم المعيشي ، بغض النظر عن من يقدمها .... والتعليم الخاص موجود في عدد كبير من الدول ولكن ..! ما أخشاه هو أن تنشغل الحكومة بالمدارس الخاصة ذات "الضرع الحلوب" عن مدارسها ذات الطلاب الذين يحملون الكراسي جيئةً وذهاباً ، وينظرون إلى ضوء الشمس من خلال أسقف فصولهم المتهالكة .. ولسان حال الدولة معهم : "المشتهي الحنيطير يطير ..! " ما أخشاه هو أن تنشغل الوزارة "بالجباية" عن مراقبة تلك المدارس الخاصة وضبط العمل بها ، بتحديد عدد ساعات الدراسة في اليوم ، ومراقبة المنهج المقرر ، وإرسال مفتشين أو موجهين كما كان يفعل سابقا في المدارس الحكومية ، والتأكد من تأهيل المعلمين تربوياً ... الخ من الضوابط التي يحددها خبراء التعليم . أما المدارس الحكومية ، فلهم الله ، وتكفي الطرفة التي تروى عن طالب السنة الخامسة الذي جاء إلى منزلهم صباحا راجعا من المدرسة فابتدره أبوه سائلاً عن السبب فقال إن "فصلهم" قد "تهدم" بفعل الأمطار وتم تسريحهم في إجازة لحين بناء الفصل ، وأثناء حديثه مع ابنه دخل الابن الثاني الذي يدرس بالسنة الأولى في نفس المدرسة ، فاستغرب الوالد وسأله : "ديل فصلهم وقع .. إنت الجابك شنو ؟ " فأجابه ببراءة : " نحن ما كنا قاعدين في ضل الفصل حقهم ... ! " ولا تعليق ... !
|
|
|
|
|
|