|
المحور الإيراني السوداني ...تأبّط شرّاً !بقلم الفاضل عباس محمد علي
|
الفاضل عباس محمد علي 30 سبتمبر 2014
(في المكشوف، دعونا نحافظ على علاقات جيدة مع دول الخليج، ولكن علاقتنا بإيران علاقة استراتيجية، ويجب أن تدار سراً من قبل المخابرات العسكرية والأجهزة الأمنية.) د. مصطفى عثمان إسماعيل، الأمين السياسي لحزب المؤتمر الوطني السوداني الحاكم، 31 أغسطس 2014.
هذا ما قاله الدكتور م ع اسماعيل وزير خارجية السودان السابق في اجتماع مفصلي خطير للقيادات العليا السياسية والعسكرية والأمنية قبل شهر بكلية الدفاع الوطني بالخرطوم، ولقد تسربت وقائع الاجتماع للبروفيسير إريك ريفز بكلية سميث فى نورثامبتون، ولاية ماساسوشيتس بالولايات المتحدة، وهو ناشط حقوقي لديه إهتمام خاص بالمسألة السودانية، ينعكس بانتظام في موقعه الإلكتروني //Sudanreeves. وقام البروفيسير ريفز بنشر مضابط الاجتماع المذكور بموقعه فى 24 سبتمبر 2014، وقامت بترجمته ونشره كل من صحيفة (الراكوبة sudaneseonline.com) و (حريات sudaneseonline.com) يوم 27 و 28 الجارى. وفيما يتعلق بالعلاقات السودانية الإيرانية، قال المتنفذون السودانيون الحاضرون بذلك الاجتماع الآتي: • (دول الخليج تمتلك معلومات ضعيفة للغاية عن الجماعات الإرهابية، وتريد منا التعاون؛ ونحن لن نضحى بعلاقاتنا مع الإسلاميين ومع إيران لتحسين العلاقة مع السعودية ودول الخليج. الممكن فقط هو علاقات تخدم مصالحنا من حيث الاستثمارات وسوق العمل.) الفريق يحيى محمد خير، وزير الدولة بالدفاع، ص 12. • (هناك عشرون ألفاً من الجهاديين، وخمس عشرة منظمة جهادية تشكلت حديثاً في المغرب ومصر وسيناء وفلسطين ولبنان والعراق ودول الخليج، مع حضور ملحوظ في أوروبا وإفريقيا، و لا أحد يملك قاعدة بياناتهم أكثر منا؛ ونحن نقوم بالإفراج عن معلومات محدودة فقط للأمريكان، والثمن المقبوض هو ملف الحركات المسلحة السودانية.) الفريق أول عبد الرحيم محمد حسين، وزير الدفاع، ص 24. • (يمكننا خلق مشاكل جمة لهذه الدول "الخليجية" من قبل المتطرفين الإسلاميين، لكننا لن نستخدم هذا الكرت الآن.) الفريق هاشم عبد الله محمد، رئيس هيئة أركان القوات المسلحة، ص 17. • (إيران أكبر حليف لدينا وعلاقاتنا قوية مع كل الحركات الإسلامية في جميع أنحاء العالم.) فريق أمن الرشيد فقيري، مدير الأمن الشعبي، ص 9. • (علاقاتنا مع إيران لديها ارتباط بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين. ووفقاً لذلك، يجب أن نتشاور مع إيران وتلك الجماعات الإسلامية قبل اتخاذ أي خطوة خاصة بعلاقتنا مع السعودية، لأنه لا يمكن الوثوق في المملكة التى تعرف أننا في وضع يمكننا من تهديد نظام الحكم فيها.) الفريق عبد القادر محمد زين، منسق الخدمة الوطنية، ص6. • (سرّ قوّة حكومتنا يكمن في الإدارة المرنة للتحالف مع النظام الشيعي الإيراني من جهة، والتحالف مع الجماعات الإسلامية السنية من جهة أخرى.) الفريق صديق عامر، مدير المخابرات العسكرية، ص 10-11. • (العلاقة مع إيران هي واحدة من أفضل العلاقات التى تمت في تاريخ السودان، والمساعدات التى تلقيناها من إيران تفوق الوصف، والقواسم المشتركة بيننا كثيرة للغاية.) الفريق أول عبد الرحيم محمد حسين، ص 26.
هذا طرف مما جاء في اجتماع القيادات السودانية برئاسة الفريق أول بكرى حسن صالح النائب الأول لرئيس الجمهورية، والمرشح لخلافة البشير. وفي حقيقة الأمر، كانت هناك شواهد أخرى عديدة لمتانة العلاقات السودانية الإيرانية منذ أول أيام حكومة الإنقاذ التى جاءت للسلطة عبر إنقلاب عسكري فى 30 يونيو عام 1989. • كان الرئيس رفسنجاني هو أول رئيس أجنبي زار السودان في أول أيام النظام، عام 1991، على متن طائرتين بوينج 707 مكدستين بالخبراء العسكريين والمهندسين وضباط المخابرات وجماعات الاستثمار؛ ومنذ البداية دخلت إيران على خط حرب الجنوب بطائراتها وذخائرها الكيميائية وطياريها، وفتحت الحسينيات والمراكز الثقافية بالعاصمة القومية، وشرعت على الفور في الاستثمار والتجارة والتصنيع العسكري وتجنيد المثقفين السودانيين للفكر الشيعي (مع حوافز مالية مهولة). • ولقد أصدرت مجلة "نيوزويك" ملفاً مكتنزاً عن العلاقات السودانية الإيرانية المتطورة بسرعة البرق في عدد 24 فبراير 1992. • في عام 2007 حزمت إيران أمرها نحو رفع مستوى التعاون العسكري مع السودان إلى أعلى الدرجات الممكنة، تحسباً للضربة التى كانت تتوقعها من إسرائيل ومن الجيش الأمريكي لمرافقها ومصانعها العسكرية، وكذلك لضمان عدم انقطاع الإمدادات العسكرية عن حماس وحزب الله. وفي خطوة هدفت إلى نقل جزء من تلك الصناعات للسودان، وقعت إيران في تلك السنة اتفاقية مع الحكومة السودانية، ملامحها كالآتي: (كما جاء في التقرير الذى نشره الباحث السويدي قالن رايت Galen Wright فى 6 مارس 2010 بموقعه ذا آركنستون The Arkenstone):
1. سوف تصبح الحكومة الإيرانية المورّد الأساس للسلاح للسودان، بديلاً عن الصين ودول شرق أروبا التي كانت حكومة البشير زبونة لها منذ مجيئها للسلطة عام 1989. 2. تصنيع السلاح والذخيرة الإيرانية ب"مجمع الصناعات العسكرية" في قلب الخرطوم، الذى اطلق عليه بعد ذلك إسم "مصنع اليرموك"، والذى قامت إسرائيل بدكه عشية عيد الأضحي المبارك، يوم 23 اكتوبر 2012. 3. تصبح اتفاقية الدفاع المشترك السابقة جزءاً من هذا الاتفاق.
هذا، ولقد ساد شعور قوي وسط المراقبين بالخرطوم آنئذ، غذّته مؤخراً الضربة الإسرائيلية، بأن الإتفاق المذكور تضمن بنوداً سرية، ربما كان واحداً منها تخصيب اليورانيوم؛ وفى الواقع كان المصنع محاطاً بالسرية المفرطة والإجراءات الأمنية الصارمة. وعلى كل حال، لم تحل تلك الإجراءات دون الضربة الإسرائيلية التى سوّته مع لأرض بست طائرات إف 16؛ ولاذت الحكومة السودانية بصمت القبور خوفاً من المزيد من النبش الذى قد يكشف سر التخصيب، أو غيره من البنود السرية.
• جرّت العلاقات العسكرية المشبوهة بين طهران والخرطوم المزيد من الخسائر والمشاكل للسودان:
1. في عام 1998 تعرض مصنع "الشفاء" للأدوية بقلب الخرطوم بحري لضربة صاروخية من قبل الأسطول السادس الأمريكي من البحر الأحمر، للظن بأن الشفاء يساهم في تصنيع الأسلحة الكيميائية، (وكانت الجهة المشرفة على ذلك المصنع هي حكومة صدام حسين، بالتعاون مع الخبراء الإيرانيين!). 2. في يناير2009 تعرضت قافلة شاحنات سودانية بالحدود الشمالية الشرقية المتاخمة لمصر لغارة إسرائيلية أبادتها تماماً، وقتلت أكثر من مائة شخص بها، لاتهامها بنقل أسلحة إيرانية لمنظمة حماس بغزة. 3. يوم 5 أبريل 2011 هجمت طائرة إسرائيلية بالصواريخ على سيارة لاندكروزر ببورتسودان، مما أدى لمقتل شخص فلسطيني وآخر إيراني متهمين بتهريب السلاح إلى غزة. 4. وحدثت غارة إسرائيلية أخرى يوم 22 مايو 2012 بمدينة بورتسودان، توفى من جرائها ناصر عبد الله تاجر ومهرب السلاح المعروف. 5. ثم جاءت ضربة مصنع اليرموك في 23 أكتوبر 2012، متزامنة مع زيارة أمير قطر لقطاع غزة التى فرحت بها حماس كثيراً، وحفّتها بضجة إعلامية مدوية كان لقناة "الجزيرة" القدح المعلي فيها. 6. بعد ثلاثة أيام من تلك الضربة قامت ثلاثة قطع من الأسطول العسكري البحري الإيراني بزيارة لميناء بورتسودان، واستقبلتها السلطات السودانية بترحاب شديد، كأنها رد على ضربة اليرموك، أو كأنها مداعبة خبيثة للعربية السعودية وتذكيرها بأن العدو الإيراني موجود بسواحلها الغربية كذلك، متسوراً بحليف سني. وعلى كل حال، ساهمت تلك الزيارة في استيقاظ قرون الاستشعار لدي العربية السعودية، وأخذت العلاقات السودانية السعودية والخليجية تسير من سيء إلى أسوأ منذ تلك الأيامٍ.
من كل ذلك، نستنتج أن ثمة محور شرير يضم إيران والسودان وحماس وحزب الله والحوثيين، وفى أعماقه تنظيم الإخوان المسلمين العالمي...غارق في التآمر ضد بلدان الشرق الأوسط العربية؛ وهنالك العديد من الأدلة التي تشير إلى العلاقات العضوية الوثيقة بين هذا المحور وبين تجليات الإرهاب الإسلاموي البارزة حالياً فى عمليات داعش، ولدى الحوثيين باليمن، وبوكو حرام بغرب إفريقيا، والحركات الإرهابية الإخوانية بليبيا، وبمجمل الصحراء الكبري الإفريقية. وقد تولي تنظيم القاعدة الإخواني السلطة في شمال مالي بالعام السابق بالعنف والقهر "الداعشي"، حتى تدخل الجيش الفرنسي ودحره من تمبكتو وغيرها من المدن المحتلة بذلك الجزء من العالم؛ فأين ذهبت فلول الإرهابيين التى فرت أمام الفرنسيين؟ إن المنطق يشير إلي ما يحدث في ليبيا، حيث تكثف نشاط المنظمات الإرهابية مباشرة بعد غيابها عن الساحة المالية. كما نشطت هذه المليشيا في الآونة الأخيرة بالسودان كذلك، حيث بعثت الحياة مجدداً فى قوات (الجنجويد) بغرب السودان، وهي المليشيا المدعومة من حكومة الخرطوم التى كانت قد فجرت الصراع بجنوب دارفور عام 2003، ثم ضعف أثرها خلال العقد المنصرم، ليظهر مرة أخري بولايتي دارفور وكردفان، وكذلك في العاصمة السودانية بمسمي (قوات الردع السريع)، وهي مليشيا مستنسخة من الجنجويد، ومرادفة للقوات المسلحة، أطلت فجأة كأنها من السماء، وأحاطت بالعاصمة المثلثة السودانية إحاطة السوار بالمعصم، وأعلنت أنها جاءت لحماية النظام من أي انتفاضة أو هبّة جماهيرية كالتى حدثت في سبتمبر من العام الماضي، والتى كادت أن ترسل نظام البشير إلى مزبلة التاريخ. وواضح جداً أن محور الشر المذكور وراء القلاقل المستمرة بكافة جنبات الشرق الأوسط، وسيظل كذلك حتى يتمكن من استخلاص الإمارة الإسلامية التي بشر بها سيد قطب، والتي ما فتئ الإخوان المسلمون يستشرفونها؛ ثم لما تنشأ تلك الدويلة، يستطيعون أن يفرضوها كأمر واقع، (مثل دولة إسرائيل)، عن طريق صفقة ما مع الغرب، وبالتعاون مع الدول صاحبة حق النقض في مجلس الأمن، وهي بالتحديد روسيا والصين؛ ثم يتظاهرون بالاعتدال والمرونة في بادئ الأمر حتي يقوى عودهم، ثم ينطلقون لجهاد باقى العالم باعتباره (دار الحرب)، بالمفهوم الداعشي / السيد قطبي. ورغم أن مثل هذا السيناريو يبدو خيالياً ومسرفاً في الرومانسية، إلا أن مذكرات هيلارى كلنتون وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة التى رأت النور مؤخراً تشير إلى إمكانية وقوع مثل هذا الكابوس، طالما أن بعض أركان الطبقة الحاكمة الأمريكية تتمتع بكل هذه السذاجة وبراءة الأطفال، إذ قالت السيدة هيلارى إن الحكومة الأمريكية لم تكن تمانع في (بل شجعت) قيام تلك الإمارة التى خصصت لها سيناء أرضاً وموقعاً. ولحسن الحظ، استعجل الإسلاميون النتائج، كدأبهم دائماً، وشرعوا بالفعل في إقامة تلك الدولة بسوريا وشمال غرب العراق، بعيداً عن الاعتدال والمرونة المفترضة، فانفضح أمرهم وتجلت مساوئهم وانكشف وجههم القبيح لكل البشرية من أول وهلة، مما اضطر الحكومة الأمريكية لقلب ظهر المجن لهم، ولقيادة الجهد الحربي الراهن الهادف لإبادتهم من الوجود، ولكنسهم تحت البساط (مع أسرار التورط الأمريكي المتوهم والحقيقي) . غير أن التصدي للجماعات الإسلاموية الإرهابية يجب ألا يأخذ طابعاً عسكرياً وأمنياً صرفاً؛ فلا بد من استئصال الإيديولوجية الإخوانية من جذورها، كما لمح لذلك الرئيس أوباما في خطابه الأخير بالأمم المتحدة. ولا بد من السيناريوهات والإجراءات التالية: • شن حملات سياسية وفكرية مكثفة ومضطردة ضد نظريات الإخوان المسلمين عبر الإعلام بكافة أشكاله، وفي الجامعات والمساجد ومؤسسات النفع العام والمنتديات وأماكن تجمع المثقفين بجميع الدول العربية التى تيقظت لخطر الإخوان المسلمين، والتي تقف على الجانب الصحيح من التاريخ حالياً، مثل مصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة والجزائر. أي، يجب ألا تتولى تلك الحملة الأجهزة الإعلامية والأمنية لوحدها، ولكن لا بد أن يساهم فيها القطاع الواعى من الشعب، بقيادة مثقفيه ومهنييه ونقابييه وشبابه وطلابه ونسائه. • تمكين المثقفين في هذه الدول من الإفصاح عن مكنوناتهم المشبعة بالوطنية والقومية العربية والديمقراطية الليبرالية، في مقابل الفكر الإخواني الإرهابي، وفتح كافة قنوات الإعلام والنشر لهم، وتشجيعهم علي تكوين المنظمات المهنية والمؤسسات النقابية والجماهيرية الفعالة التى ترعى حقوقهم، وتمنحهم منابر يتصدون من فوقها للقضايا الوطنية، مثل سرطان الإرهاب الإسلاموي، ويدخلون من خلالها في علاقات رفاقية وتضامنية مع المنظمات المشابهة بباقي العالم الحر. • وياحبذا لو شرعت الدول المعادية لفكر الإخوان المسلمين في توسيع مواعين الديمقراطية، على بساط من حقوق الإنسان، حتى تتيح المجال لطاقات شبابها ونسائها كي تتفجر بمحض إرادتها، لصياغة مستقبل الحرية والتقدم والعدالة الاجتماعية، مع الاحتفاظ بالمميزات الثقافية والإرث الحضاري لكل بلد، مثلما فعلت اليابان التى تبنت الحضارة الغربية منذ نهاية القرن التاسع عشر، وتبنت الديمقراطية الليبرالية بعد هزيمتها في نهاية الحرب العالمية الثانية، فأصبحت دولة صناعية عصرية متقدمة، دون أن تفقد سماتها الشرقية المميزة. وكذا الحال بالنسبة لماليزيا، الدولة الإسلامية الديمقراطية (إلى حدود كبيرة)، التى تشكل نموذجاً أقرب لوجدان الدول العربية المتطلعة للتنمية الاقتصادية المستدامة وللعصرنة، مع الاحتفاظ بالتراث الديني والثقافي وبالتقاليد الراسخة والقيم البدوية الرفيعة التى ما زالت تتمسك بها كثير من المجتمعات العربية بهذه المنطقة. • دعم النظام والشعب المصري الذى سطر بحروف من نور أول صفحة في سفر القضاء على الإخوان المسلمين، بالطرق السلمية الحضارية، وليس بالقمع وحده - كما ظل يفعل نظام حسني مبارك وقبله السادات وجمال عبد الناصر، دون جدوي - ، إذ خرجت تلك المنظمات الإرهابية وهي أقوي عوداً بعد عشرات السنين من القمع والحبس بالصحراء الغربية. وليكن الدعم الاقتصادي والمعنوي دائماً مكافأةً لكل من يلحق الهزيمة بفكر وتنظيم الإخوان المسلمين، ويتوجه نحو التنمية الجادة، ونحو كل ما يخدم مصالح شعبه الحقيقية، بعيداً عن الشعارات الجوفاء والإيديولوجيات الهلامية. • رفع اليد كلية عن نظام البشير الإخواني - الضلع الثاني في المحور الشرير الذى يسعي لتسليم الشرق الأوسط برمته للإمبراطورية الشيعية الفارسية التوسعية، التى تستخدم الإخوان المسلمين حالياً كمخلب قط وحصان طروادة. والسلام.
|
|
|
|
|
|