ومن المامبو الى بلده جمهورية السودان الشقيقة وطبيعة العلاقات الكويتية ـ السودانية والتي مرت بمحطات وأزمات عابرة او طارئة (حميمة او ضدية) إضافة الى المصالح المشتركة، غير إننا ككويتيين لا يمكن أن ننسى التدهور المريع الذي وصل الى القطيعة أثناء الاحتلال العراقي الغاشم (تألم الكويتيون) لأن السودان أيّد العدوان العراقي على الكويت، لكنني استطيع أن أقول بكل ثقة وصراحة وشفافية «إن موقف الشعب والشارع السوداني» غير حكومته، وأنا كنت ضمن وفد المعلمين الشعبي الذي زار الخرطوم واطلع عن كثب على حقيقة الموقف السوداني الذي كان يقوده بلا أدنى شك د.حسن الترابي الى أن تمت في فبراير عام 2000 زيارة الرئيس عمر البشير ضمن وفد وزاري كبير ولقاؤه سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد، رحمه الله، ما أزال كثيرا من الترسبات العالقة في جسد علاقة البلدين الشقيقين.
ونفخر على الدوام بدور وزارة الخارجية وسفرائنا الأماجد الذين تركوا أكبر الأثر في السودان وشعبه، كان سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد قد احتل قلوب أهل السودان طيلة عمله الدبلوماسي وهناك دور كبير للدبلوماسيين الذين خلفوه وعلى رأسهم الأخ السفير عبدالله السريع ـ بو صالح ـ طيب الله ثراه ومثواه.
ولأنني عشت ادوار هذا الجانب الشعبي وشاركت فيه منذ اوائل الثمانينيات في «مجاعة الأبيض» التي أصابت السودان وشاركت منظمات العمل الخيري والجمعيات واللجان وبإشراف وزارة الأوقاف وبالتعاون مع لجنة مسلمي افريقيا (جمعية العون المباشر) في تسيير حملة اغاثة بإشراف العم يوسف جاسم الحجي والعم عبدالله المطوع ـ رحمه الله ـ وخالد السلطان رئيس جمعية احياء التراث السابق والمهندس طارق العيسى وآخرين.
واذكر في الثمانينيات والتسعينيات قابلت الشيخ محمد هاشم الهدية وهو أمير جماعة انصار السنة منذ عام 1956 وحتى وافته المنية 2007 وكان معجبا جدا بشخصية الشيخ عبدالله المطوع - بو بدر - رحمه الله.
واليوم هناك دور متنامٍ لـ«الرحمة العالمية» و«احياء التراث» وجمعية العون المباشر و«عبدالله النوري» و«النجاة».. وغيرها من جهود الأفراد المحبين للعمل الخيري بالتعاون مع الجمعيات واللجان السودانية.
والأكيد أن د. عبدالرحمن السميط ترك أثرا رائعا، والعم محمد ناصر الحمضان، وجاسم العيناتي، والشيخ نادر النوري، وآخرين يصعب حصرهم.
وهناك دور كبير للهيئة الخيرية الإسلامية العالمية في انشاء المدارس (مدارس الرؤية) وهي اسهام كويتي يدعم التعليم بالسودان، وقد عملت في هذا المشروع ابان عملي كمدير للإعلام بالهيئة الخيرية الاسلامية العالمية وزرت والاخ مبارك القريان وحامد التركيت ووليد المشاري وابراهيم عبدالقادر وآخرون.
هذا المشروع التربوي الذي اقيم في شرق الخرطوم في ضاحية اركويت.
وفي شهر نوفمبر 2016 استقبل محافظ الفروانية الدينامو النشط الأخ الشيخ فيصل الحمود في مكتبه بالمحافظة والي ولاية النيل الأبيض بجمهورية السودان الشقيقة د.عبدالحميد موسى والوفد المرافق له بحضور السفير السوداني لدى الكويت محيي الدين سالم، وهذا يؤكد على طبيعة العلاقات الكويتية ـ السودانية الحميمية والدور الكويتي الداعم للسودان وقضاياه.
هناك حراك سياسي سوداني بدأ عقب انفصال الجنوب، ما أدى الى أزمة سياسية (شمال مسلم وجنوب مسيحي).
النخب السياسية والثقافية بدأت تنظر الى فترة حكم الرئيس البشير التي تربو على 25 عاما على أنها سبب كاف لطلب التغيير في ضوء المتغيرات السياسية في المنطقة، ثم بدأت مرحلة جديدة من الإضرابات الفئوية وأساتذة الجامعات حتى ظهرت حركة «قرفنا»!
اليوم المشهد السوداني عصيان مدني شامل ونشاط محموم من ناشطين تشجعهم الأحزاب في محاولة للضغط على الحكومة كي تتراجع عن سياساتها وقراراتها، ما جعل الأجهزة الأمنية في مواجهة الحركة الاحتجاجية.
وأمتنا بحاجة الى ثقافة جديدة، فالمطالبات السلمية يجب أن تنتهي دائما كما في الغرب بصورة سلمية وإلا تفقد فائدتها لأن السلطة ان تدخلت بقواتها تؤذي المواطنين المسالمين وكم من فرد متهور أضر بناس كثر برعونته وحماقته!
يشهد السودان حراكا سياسيا جامحا وحالة من الغضب الشعبي، بينما حكومة البشير تحاول جاهدة المناورة والتهدئة، بينما تعمل أجهزة التواصل الاجتماعي (الميديا) على استغلال هذا السلاح الإلكتروني في حربها مع السلطة الحاكمة، بينما نستمع «نحن العرب» الى اخواننا السودانيين في إذاعة B.B.C بتصريحات قوية مناهضة للرئيس البشير ونائبه الجديد الذي تم تعيينه مؤخرا في محاولة لتنفيذ مخرجات الحوار الوطني والمجتمعي الذي دار عبر السنوات الماضية، فيما اتخذت السلطات السودانية قرارات اكثر صرامة بفصل كل من طبق العصيان المدني، اضافة الى الاعتقالات وإغلاق وسائل الإعلام وحجبها بحجة تجاوز الخطوط الحمراء!
هناك أزمة منذ تقسيم السودان وانفصال الجنوب عنه، والمراقبون للشأن السوداني يرون ان المشهد السوداني الراهن لا يختلف كثيرا عن الماضي وان استبعاد الأحزاب الفاعلة عن الحوار الوطني وفق سياسة «فرق تسد» يتطلب الآن دعوة جديدة وصادقة لكل أركان المعارضة ومعالجة الأزمة بقيام حكومة انتقالية وفق الدستور.
لقيام دولة مدنية يحكمها سيادة القانون ويفسح المجال لمناخ ديموقراطي واعطاء الأحزاب مزيدا من الحريات وصياغة دستور جديد واستعادة ثقة المواطن السوداني باشتراكه في اختيار نظام الحكم ووضع الجميع امام مسؤولياتهم امام هذا الحراك الشعبي الشبابي السياسي.
ان زيادة الضغط على الشعب السوداني من الممكن جدا ان تولد انتفاضة سلمية بتجديد العصيان المدني واستمراره وتشير كل القراءات الراهنة الى ان التطورات السياسية والاقتصادية التي يشهدها السودان قد تتطور الى مسارات مثل الانتفاضة الشعبية او المواجهات او الانتقال السلمي الجزئي، وكلها مربوطة بقدرة المعارضة على التفاوض، وكذلك قدرة النظام في المحافظة والسيطرة على مؤسسات الدولة لاسيما الجيش.
انا دائما انظر للسودان بنظرة الكثير من الأمل فالشعب السوداني من اكثر الشعوب العربية ثقافة وهو الآن يعمل وفق نهج وطني بعيدا عن القبلية وصراعاتها، وما احوج السودان الى الحوار الوطني الحقيقي بين المؤتمر الوطني في جميع الاحزاب السودانية المعارضة.
لقد عانى المجتمع السوداني من مآس فظيعة عاشها اللاجئون في الحروب الأهلية او من دول الجوار، مما يتطلب حلولا شاملة ودائمة لأزمات السودان المتعددة ومن أبرزها النزاعات والأزمات والنزوح السكاني والتصحر وتغير المناخ البيئي، والإقليمي والكوارث الطبيعية وتدهور الاراضي الزرعية وازالة الغابات والجفاف والسدود والتلوث الصناعي وضعف الادارة البيئية.
يبدو السودان في ظل الحراك السياسي بحاجة الى الجلوس على طاولة الحوار الوطني والتفاوض مع الحركات المسلحة والقوى السياسية وتوحيد السودان بعد انفصال جنوبه عن شماله ويستحسن ابعاد كل الواسطات وجمع الفرقاء والمعارضة والحركات للتشاور حول مستقبل السودان واستعراض كل السيناريوهات المحتملة تجنبا لحدوث اسوأ السيناريوهات!
الناظر للسودان يجد ان الناس تأثرت كثيرا بالأسعار وتدني نزول الجنيه السوداني وسيطرة الدولار.كل الحراك السياسي السوداني ينتهي بطلب حكومة انقاذ تحل المشاكل والأزمات تحقيقا للتنمية.
ملفات سودانية في انتظار الكفاءات والاهتمام بحل القضايا لتحقيق الاستقرار السياسي وتحسين الوضع المعيشي للمواطنين والاهتمام بالانتاج الزراعي وتوطين كل القطاعات الاقتصادية بمزيد من الاهتمام والمتابعة ليتحقق الأمن الغذائي على مستوى السودان، والعين السودانية اذا ما خانتها البوصلة على دول مجلس التعاون الخليجي العربية لأنها القادرة على دعم الاقتصاد السوداني.
المراقبون يرون ان على الحكومة القادمة للسودان ان تبتعد عن الترضيات السياسية والاستفادة من الكفاءات السودانية المستقلة بغض النظر عن الانتماءات الحزبية والعودة للمجالس الاستشارية في كل القطاعات الحكومية لتحقيق مشاريع استثمارية ناجحة.
الرئيس أحمد الميرغني: رئيس السودان في الفترة من 6 مايو 1986 الى 30 يونيو 1989 عندما أسقطت حكومته المنتخبة ديموقراطيا على يد الرئيس الحالي عمر البشير وهو زعيم الطائفة الختمية ذات النفوذ في السودان.
عاد الميرغني الى السودان في 8 نوفمبر 2001 بعد 12 عاما من اللجوء إلى مصر وتوفي 2 نوفمبر 2008 وهو عضو في الحزب الوطني الاتحادي.
الصادق المهدي: رئيس حكومة السودان في الفترة (1967 ـ 1969 و1986 ـ 1989) سياسي محنك ومفكر وامام الأنصار ورئيس حزب الأمة، وجده هو محمد أحمد المهدي القائد الذي أسس الدعوة والثورة المهدية في السودان.
بدأ العمل موظفا في وزارة المالية ثم تطور في الوظائف حتى انخرط في صفوف المعارضة ثم رئيسا للسودان في فترتين بدأت الأولى في 1966 والأخيرة 1986.
عبدالرحمن سوار الذهب: هو خامس رئيس لجمهورية السودان، ولد في 1934 في الابيض وشغل منصب رئيس هيئة الأركان في الجيش السوداني في عهد الرئيس جعفر النميري، وتم إبعاده عن الخدمة تعسفيا في عام 1972 وأرسل ليعمل في قطر، وحاز جائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام، تسلم السلطة في عام 1985 بصفته أعلى قادة الجيش ثم قام بتسليم السلطة الى الحكومة المنتخبة في العام التالي، وهو واحد من العسكر القلائل في الوطن العربي الذي يعتلي دبابة ثم يسلم الأمور للجهات المدنية منهيا حكم العسكر!
ورغم ان البشير يعين أول رئيس وزراء للسودان منذ 28 عاما إلا ان هذا الاختيار لم يأت بتوافق شعبي وحزبي وسياسي لأن القوى السياسية التي لم تشارك في الحوار لم تقبله أو ترفضه لأن هذا المنصب ظل خاليا منذ ان غادره رئيس حزب الأمة الصادق المهدي بعد وصول عمر البشير الى السلطة بانقلاب عسكري، وكان بكري صالح احد الضباط الذين شاركوا في الانقلاب بقيادة البشير.
وحتى هذه اللحظة لا أجد ان استحداث منصب رئيس وزراء يرضي طموحات السودانيين لأن ردود الفعل كبيرة ولأن كثيرا من الناس يعتقدون ان قرار استحداث المنصب الجديد هو إلغاء عملي للحوار الوطني الحقيقي ومخرجاته!
المطلوب من رئيس الجمهورية تفهم طلب المعارضة بإجراء انتخابات وإنهاء حالة الحرب والصراعات ووضع ملفات التنمية والاستقرار على أجندة الأولوية.
والمطلوب كما يطلبه السودان وشعبه حكومة وفاق وطني وبرنامج زمني محدد تنفذ فيه مخرجات كل الحوار الوطني الذي دار على مدار الشهور الماضية، وهو «سودان جديد» منتظر بتعديلات دستورية يتم الاتفاق عليها من كل الأحزاب وعملية انتخابات نزيهة نحو الديموقراطية وآليات العمل الوطني المرتجى.
في الجمعة ٧ ابريل ٢٠١٧ تفرض السودان تأشيرة دخول على المصريين من الرجال من سن ١٨ إلى ٥٠ ويبقى السؤال: لم؟!
يقول مصطفى عثمان إسماعيل وزير خارجية السودان السابق في مذكراته: إن الرئيس البشير كان ضد احتلال الكويت، ود.حسن الترابي مع الاحتلال العراقي.
واختتم مذكراته بالقول: الكويت أفضالها على السودان كثيرة لا تحصى، فهي من أكثر الدول تقييما وتقديرا للخبراء السودانيين الذين ساهموا في بناء وإنجاز نهضة وإعمار دول الخليج، ويذكرون ذلك في كل ملأ.
وفي ضوء زيارتي للسودان في ديسمبر 1990 ضمن وفد المعلمين الكويتيين، أستطيع أن أؤكد أن ما كتبه صحيح 100% في هذه الجزئية!