المستجدات التي حدثت الأسبوع المنصرم كانت مفاجئة للجميع ، إذ أقدمت الحركة الشعبية على إطلاق سراح أسرى الحكومة وقد وجدت الخطوة إرتياحا في الأوساط السياسية والمواطنين وكذلك الأوساط الأقليمية والدولية ، ولم تمض أيام حتى ردت عليها الحكومة بخطوة مماثلة إذ أصدر رئيس الجمهورية عفواً شمل مائتين وستة وخمسين محكوماً بعضهم كان محكوماً بالإعدام ، وإستحقت كل من الجبهة الثورية والحكومة الإشادة بهذه الروح التي رفعت من تيرمومتر التوقعات بأن يمهد هذا العمل الطريق إلي تسوية سياسية تحقق السلام . ما حدث في الإسبوع الماضي مقرؤاً مع تسآولات لنا في مقال سابق في هذا المكان عن الحوار وهل مقصده إيجاد مخرج للأزمة ومشاكل البلاد أم لتوزيع المناصب ؟ قلنا لماذا تكون المشاركة مربوطة بمكافأة توزيع المناصب ؟ ، لأننا نعتتقد أن العمل من أجل الوطن يجب ألا يرتبط بمكافأة مادية من أي نوع إلا بالعرفان ، وحفظ الحق ، وتمنينا أن يرتفع كل من شارك في الحوار إلي مستوى الحدث ، وأن تكون أحدى توصيات الحوار أن تُرفع التوصيات إلي رئيس الجمهورية بعد تكوين لجنة لمتابعة التوصيات وأن يذهب كل إلي حال سبيلة إنتظارأ لإستكمال مطلوبات الحوار التي لم تستكمل وهي إطلاق سراح المعتقلين سياسيا والتوصل إلي إتفاق مع الذين لم يشاركو في الحوار من أحزاب معارضة في الداخل والخارج والحركات المسلحة ، هذا إذا كانت النية صادقة لأن تكون هذه آخر المحطات للحرب اللعينة التي أنهكت الجميع الحكومة والمعارضة والشعب المسكين . ويبدو أن المشاركون في الحوار من تلكم الأحزاب التي قال شاهد من أهلها هو المؤتمر الشعبي أنها لا ينطبق عليها مسمى أحزاب - لا تريد أن يفسد عليها من لم يشاركوا في الحوار فرحتها بقسمة الكيكة من الأحزاب ذات الوزن والحركات الأصل .، بدليل أنهم ظلوا يستعجلون تكوين الحكومة لينالوا حصتهم من المكافأة قبل حدوث تطورات تعصف بالكيكة قبل تقسيمها . وإذا وجدنا لهؤلاء العذر لأنهم أصلا لا يهمهم شيء سوى أن يحصلوا على تلك المناصب والمكاسب ، والتي لن يحصلوا عليها إلا بهذه الطريقة ، فإذا ما حصل ما ذكرناه فما بال المؤتمر الوطني الذي شبع منسوبوه من المناصب وغيرها حتى التخمة لا يتريثون وإفساح وقت لعل وعسى إن يكون فيه خيراً كثيراً . وهاهي التطورات المفاجئة تضع المؤتمر الوطني بين فكي رحى ، فالخطوة التي أقدمت عليها الحركة الشعبية بإطلاق سراح الأسرى لديها ، قذفت الكرة في ملعب الحكومة ، مما أربك الحكومة ، إذ لم تكن تتوقع أن يحدث ذلك في هذا الوقت التي تجري فيه مشاوراتها لتكوين الحكومة الجديدة ، ولحسن الحظ كان رد فعل الحكومة إيجابياً عليها حيث أصدر رئيس الجمهورية عفواً علي مائتين وستة وخمسين محكوماً من منسوبي الجبهة الثورية ، هذا التحول المفاجيء يفترض أن يجعل المؤتمر الوطني يفكر في أن يعيد النظر في حساباته ، فماذا عليه أن يفعل إذا ما تطور هذا الموقف لخطوات إيجابية تجاه السلام هل يقول للأطراف جملته المحفوظة " الباب مفتوح للإلتحاق بالحوار ؟ " . ذلك لن يكون ردأ موفقاً على أية إشارة من الطرف الآخر ، ولإعطاء فرصة للسلام ولا نقول للممانعين ، فليكّون المؤتمر الوطني له حكومة مهام محدودة تشرع في مهام إصلاح الدولة ، ومعالجة القضايا التي تتعلق بمعاش المواطنين ، ويؤجل ما أتفق عليه من مخرجات الحوار لفترة محددة ، فإذا حدثت في هذه الأثناء التطورات المأمولة خلال ما تبقى من العام كان بها وإن لم يحدث شيء إيجابي ، فقد أراح ضميره . الذين لا يزالوا لديهم بعض حسن الظن بالمؤتمر الوطني يقولون أن المؤتمر الوطني يريد من الحوار وأحزابه ورقة ضغط في يده حتى لا يبتلعه الممانعين إذا ما تمت تسوية سياسية ، ليكّون منهم أغلبية في الحكومة والمجلس الوطني يناطح بها ، لكن ذلك يأتي بنتيجة ليست في صالح المؤتمر الوطني . ثم لماذا يربط المؤتمر الوطني دائماً أطروحاته للسلام بإستمرارية وجوده قابضا على السلطة وحده والبقية تابعين ؟ وهو بهذه الطريقة يؤكد الإتهامات له بأنه لم يكن في يوم من الأيام حريصا على البحث عن سلام حقيقي مستدام ! ولماذا يفضل المؤتمز الوطني أن يحول مفهوم السلام والذي هو إسم من أسماء الله عز وجل ، من مفهوم تجريدي ينطوي على معاني جليلة وسامية إلى مفهوم مادي نخضعه لرغباتنا والمكاسب المادية ، فمخرجات السلام يجب أن تتوجه إلي تلك المعاني السامية من صون الأرواح بوقف الإحتراب ، وإفشاء العدالة ، والمساواة ، والتسامح ، وإحترام وتقبل الآخر ، لا إلي مفهوم يتعامل بعقلية السوق .
على أية حال تلك الخطوة الحضارية من الجانبين بعثت الأمل لدى الحادبين على الوطن وإحلال السلام من داخل وخارج البلاد بإعتباره أولوية مقدمة على باقي الإعتبارات الجارية حالياً ، ويتسآل هؤلاء الحادبين ومعهم المواطن اليائس ، هل يستثمر الطرفان – الحكومة والجبهة الثورية والأحزاب المعارضة – هذه الأجواء التي أحدثتها عملية إطلاق أسرى الحكومة والعفو عن المحكومين من منسوبي الجبهة الثورية لإحداث إختراق كبير في عملية السلام ؟ فهذه الروح الجديدة مطلوب الدفع بإتجاهها بقوة ، وأن هذه الخطوة التي جاءت بعد مماحكات من الطرفين كانت منتظرة منذ البداية لإنطلاق عملية إرساء سلام حقيقي والتي سيترتب عليها نتائج تقود لتسوية شاملة وسلام مستدام .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة