قال الأمين العام المكلف في المؤتمر الشعبي في كلمته في مؤتمر حزبه لولاية الخرطوم ( إن موافقة حزبه علي الحوار الوطني، كانت من أجل الحريات، و أن صبر حزبه علي الحوار و استمراره جاء من أجل الاستقرار في البلاد،) و أضاف قائلا ( من الأولويات وضع الحريات في التعديلات الدستورية، و ينبغي أن تنفذ و لا سبيل أصلا لعدم تنفيذها) و الذي يطالب بالحريات و يعتقدها تمثل قضية محورية عنده، يجب عليه أن يتصدي لممارسات النظام أثناء الحوار الوطني، لتهيئة بيئة الحوار، حيث كانت تصادر الصحف، و يمنع البعض من الكتابة، تأكيدا علي أن القوي التي تمارس ذلك داخل النظام، كانت تريد أن تؤكد إنها صاحبة الكلمة الفصل في ذلك، و كانت قيادات المؤتمر الشعبي قد أهملت قضية الحريات، و لم تلتفت لمصادرة الحريات و الصحف، كان بعض من عضويتها منغمسين في حالة من الغزل مع المؤتمر الوطني، كان من الصعب التفريق بين خطاب الشعبي و الوطني، و كان في مقدرة الشعبي أن يمارس ضغطا علي الحزب الحاكم لمنع مثل هذه الإجراءات و لكنه لم يفعل. الأمر الذي يؤكد إن الشعبي لا يبحث عن قضية الديمقراطية بقدر ما يبحث عن الثأر من الذين أطاحوا بقيادته في المفاصلة، و الأن رفضه للعصيان المدني الذي يعتبر تعبيرا سلميا لسياسات الحكومة، يؤكد ما تزال قضية وحدة الإسلاميين مقدمة علي قضية الحريات و التحول الديمقراطي، و هي التي تعطي شكوكا في موقف الشعبي، و حتى الشعارات المرفوعة عن الحريات سببها مجموعات الضغط داخل الحزب، و لا تمثل برنامجا سياسيا. من السهل جدا الحديث في الغرف المغلقة عن الحريات، و توصيفها بأنها تمثل جوهر القضية، و إن المؤتمر الشعبي لا يساوم فيها، و لكن خارج تلك الغرف تمارس سلوكا أخر، يتحول الخطاب لرجاء، و تزلف للنظام لكي يستجيب لمطالب القوي السياسية في بسط الحريات، و هل ترشدنا قيادة الشعبي الي مصدر تاريخي واحد، يشير إن هناك نظاما شموليا في دول العالم قد استجاب لصوت العقل، و تنازل طواعية من شموليته، لكي يفتح منافذ تتنفس من خلالها القوي السياسية هؤاء الحرية، لقد تبخرت قضية الحرية منذ أن بدأ المؤتمر الشعبي يكرس جل وقته في مغازلة الوطني، فالحرية كما قالت عنها الأحداث التاريخية لنضال الشعوب تنتزع انتزاعا، لأنها مطلب أول ما تفعله تقلص صلاحيات ممنوحة لأشخاص و مؤسسات تكون أكثر من ما يجب أن تكون، و ينزع سلطات عن قيادات و تحكم حكم القانون و توزيع للسلطات، الحرية تعمل علي كشف العيوب و اجتراح للأخطاء، و ممارسة نقد ضد ممارسات بالية و انتهاكات لقوانين، لذلك لا يمكن أن تمنح منحا، و إذا تصدق بها، فإنها لا تنمح إلا بمقدار يحدده المانح، و في النظام الشمولي لا يمكن أن يتنازل الحاكم عن الصلاحيات التي منحها لنفسه، و من وراء هذه الصلاحيات هناك جيش جرار يعمل كل من أجل مصالحه الخاصة، و أهل المؤتمر الشعبي يدركون ذلك فليست المفاصلة ببعيد، و هم لا يناضلون من أجل التغيير الديمقراطي، إنما يبحثون عن الاستبدال، عمرو بزيد، أنظر لكل الخطابات الخارجة عن الحزب، لا تجدها مضمنة قضية الديمقراطية، إنما دغمسة غير مفهومة المقصد و الهدف، الأمر الذي يزيد الشكوك. إن حديث الأمين العام للمؤتمر الشعبي عن الحرية الهدف منه تزين الخطاب، و لكنه ليس مبدأ راسخا، فالتزين نفسه فرضته قوي الضغط داخل التنظيم، حيث هناك تيارات مختلفة حول قضية الحرية و الديمقراطية، و الذين مع دولة الحزب الواحد هم الأغلبية، و تبريرهم إنهم لا يريدون التفريط في دولة الحركة الإسلامية، رغم نقد البعض لها، هناك البعض الذي يعتقد أن فتح باب الحريات سوف يكون وبالا علي القوي الإسلامية، و تحميلها كل أخطاء الإنقاذ، كما إن الحرية نفسها ربما تدخل تيارات أخرى مناهضة للحركة الإسلامية تؤدي إلي عزلها، كلها تبريرات بهدف الحفاظ علي النظام علي ذات المنهج، و البعض يقول فقط يجب أن يتغير الممثلون علي خشبة المسرح. كما إن الأمين العام المكلف يؤكد إن دعوتهم لبسط الحريات فقط لأنها تعد مطلبا للأمين العام الراحل الدكتور الترابي، حيث يقول في ذات كلمته ( يجب أن تشمل التعديلات الدستورية الحريات التي كتبها شيخ حسن و برأ بها ذمته) فهي مرتبطة بالشيخ حسن و ليس كبرنامج سياسي للمؤتمر الشعبي، الذي عجز تماما أن يقدم اجتهادا فقهيا حول قضية الحرية و الديمقراطية، و هي تعتبر له كعب أخيل، فرغم دعوات التصحيح، و رايات الإصلاح و لكن تظل قضية الديمقراطية تمثل المنطقة المظلمة في صحيفة المؤتمر الشعبي، و لم يوضح المؤتمر الشعبي في أية نظام يريد أن يطبق بسط الحريات، سيظل المؤتمر الشعبي يطالب بتحقيق الحريات و يظل المؤتمر الوطني يماطل في الاستجابة، ليس لأنه رافض فقط، لأنها غير موجود في ثقافته، و لم تكن يوما في سجله السياسي، فالحريات هي مصطلح لم يدخل يوما في قاموس المؤتمر الوطني، و هي غريبة عليه، و بالتالي لا يعرف كيف يوظفها بروتكوليا، كما إن المؤتمر الوطني قد حضن العديد من الذين غادروا مؤسساتهم القديمة، و هؤلاء أفضل لهم العيش في نظام شمولي من نظام مفتوح يفقدهم مصالحهم الخاصة. فالحريات معركة ليست سهلة و ليست شعارات يعود إليها الناس عندما يريدون ممارسة ضغط علي قوي سياسية، أنما الحريات نظام سياسي اجتماعي متكامل يتطلب استحقاقات كثيرة، ليس بمقدور النخبة الحاكمة التنازل عنها، كما إن الذين يطالبون بها يجب أن يكون مدركين لأبعادها السياسية و الاجتماعية. فمنذ خطاب الوثبة و كانت القوي السياسية قد طالبت بتهيئة المناخ لكي يصبح ملائما للحوار و بسط الحريات، ظل المؤتمر الوطني و المؤسسات التي تؤتمر بأمره تمارس سلوكا ضد بسط الحريات، الأمر الذي يؤكد إنها مجرد شعارات الهدف منها استمالة البعض، قيل إن تهيئة المناخ سوف توسع دائرة الحريات، قال المؤتمر الوطني يجب أن توضع علي طاولة الحوار، ثم جاء الحوار و فتح ملف الحريات و قال الحزب الحاكم إن مخرجات الحوار مجرد توصيات يجب أن يجيزها المؤتمر، جاء المؤتمر و اعتبرها من القضايا الخلافية، و قال يجب أن توضع في منضدة البرلمان، و لكنها لم توضع، ثم بدأ القول يجب النقاش حولها بعد توسيع البرلمان لكي يبت فيها بصورته الجديدة، كل هذه المناورات من قبل المؤتمر الوطني، سكت عنها المؤتمر الشعبي، و استمر في حالة الغزل لأنه هو نفسه غير جاد فيها، و لا تيذكرها إلا بعد ما يتحرك البعض داخل الكتلة التي تسمي نفسها قوي الوفاق الوطني و يطمئنهم، ثم تجئ في الخطاب السياسي حسب الحاجة. فالمؤتمر الشعبي نفسه غير حريص بقضايا الحريات. الغريب في الأمر إن العقليات الإسلامية في كل المنطقة لا تتعظ من التجارب، و تعتقد إن قدرتها علي المناورة افضل من سابقاتها. و نسأل الله حسن البصيرة. نشر في جريدة إيلاف الخرطوم.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة