|
المؤتمر الدستورى .. لماذا!
|
د.مهدى محمد خير ظل الأنسان .. الفرد .. المواطن , فى السودان ولفترة طويلة .. آخر أهتمامات الدولة والساسة والسياسات. جُرد من أبسط حقوقة.. ومن مواطنتة .. وحتى من آدميتة . صار من أرخص السلع المعروضة فى دائرة العرض والطلب فى ساحة الوطن , صار لا يساوى .. شيئا. حتى هذا الجهد والأهتمام الذى يُبذل من أجل الذباب والناموس.. فقده هذا المواطن المظلوم.. النكرة.. الذى أصبح... هو الوسيلة لتحقيق الأهداف الدنيئة والتافهة فى دائرة العسكر والحرامية.. هذه العجلة الشيطانية من ديموقراطيات مخدجة وعسكريات ظالمة مدججة شلت البلاد وأقعدتها, ومنذ أمد.. قتل فينا حتى الأحساس بالزمن , أصبح ماضينا وعلى الدوام.. أسعد من حاضرنا, ومستقبلنا دائما يحيطه القلق والخوف والريبه . أصبحنا فى أتجاه ضد نواميس الكون وقوانين الطبيعة.. كل الدنيا حولنا تتقدم وتنمو وتتطور, إلا نحن.. أبينا إلا أن.. ننكمش ونتخلف ونتدهور. فقدنا كل الثقة.. وليس بعضها.. فى الدولة ورجالها ومؤسساتها وسياساتها , وفى الأحزاب السياسية وقادتها وبرامجها, وفى العدالة وهيبتها ونزاهة قضاتها, وفى الأعلام وحرصه على الحقيقة والشفافية. صارت كل الدولة .. فردا واحدا.. جاهلا .. ظالما.. يكاد الغباء يسيل من جوانب فمه, فظا وغليظ القلب.. يفرض نفسة قسرا... حتى على من أنكروه وأنفضوا من حوله. وصار رجالها حفنة من القتلة والمجرمين لا هم لهم سوى قتل وقهر وذل الناس وكسر هممهم .. لا يهتز لهم جفن وهم ينتزعون كسرة الخبز من فم طفل أنهكه الجوع وشله المرض .. يسرقون وينهبون.. وفى وضح النهار, ليثروا ويكنزوا.. ويتطاولوا فى البنيان. صارت مؤسساتها حكرا وخدمة للأفراد والبيوتات والشلل , سخروها.. لتمديد حكمهم.. وأمداد ظلهم.. وظلمهم للناس.. مؤسسات بلا سياسات جل همها أن تحشد مجموعات المنتفعين وفرق الهتيفة , لتًكبر وتهَلل للقتلة واللصوص وقطاع الطرق.. مؤسسات لم ولن يكون الوطن ومواطنه يوما.. من أهتماماتها أو ضمن أجندتها. أحزابنا السياسية "الديموقراطية".. صدئة ومهترئة ..أنقاض وخرابات , رُهنت لأفراد وأسر بعينها, بلغ قادتها أراذل العمر وضمرت أدمغتهم التى أدمنت الهزيمة والفشل وهم شباب, ولا زالوا يلحٌون ويصرون على قيادتها. أحزاب حشرت نفسها.. وبأرادتها, فى أنفاق مظلمة.. تتلمس فيها طريقها بالأبخرة والأدعية وبركات الأسياد. أحزاب تفتقد أبسط مقومات المؤسسات الحزبية القادرة على تفعيل وتطوير الممارسة الديموقراطية داخل أروقتها. أحزاب بلا برامج سياسية أو أقتصادية أو ثقافية واضحة ومحددة . أحزاب بلا مراكز أبحاث أو مكاتب متخصصة فى شتى ضروب المعرفة والتنمية التى تؤهلها لقيادة البلاد لتزيح هذا التخلف المستفحل فى أركان الوطن عكسا لرؤيتها فى إيجاد الحلول العلمية والعملية لها . أحزاب أنعدمت فيها كل قنوات التواصل والأتصال بقواعدها وعضويتها.. فأصبحت الحفنة العاجزة التى تقودها.. فى قلاع محصنة.. غير معنية على الأطلاق بتأهيل أو تدريب كوادر وقيادات شابة أكثر نشاطا وذكاء.. جاهزة لتولى مهامها فى قيادة الحزب أو المعارضة أو أجهزة الدولة من خلال ديموقراطية الحزب أو الأنتخابات الوطنية العامة. نظامنا القضائى أضحى مشاركا أساسيا فى الظلم على المواطن والوطن... أضحى جهازا من أجهزة الدولة الأمنية ويدا حديدية باطشة تستغلها السلطة الحاكمة لقمع المعارضين السياسين وأخراسهم وسجنهم وتعليقهم فى المشانق. يَعينهم.. ومن كوادره الحزبية.. من أغتصب السلطة وخرق القانون .. ينصًبهم من على رأسة حكم بالأعدام لخرقه للدستور وتقويضه لنظام أختاره الشعب.. قضاة يجتمعون ويتأمرون مع السلطة ليلا .. ليحاكموا مناهضيها نهارا... قضاة بلا هيبة.. بلا أحترام.. وبلا تأهيل.. ضاعت معهم كل معانى العدالة. أعلامنا يكذب.. ويتحرى الكذب , يتحدث فى كل شئ إلا الحقيقة البسيطة المجردة. كل أحزان وآلام ومآسى شعبنا.. نقرأها.. ونسمعها.. ونشاهدها فى أركان الدنيا الأربعة .. إلا فى أعلامنا .. وكأنه لكوكب عطارد. له مقدرة مذهلة فى تجاهل وأخفاء جسام المصائب وأهوالها التى تحل بالبلاد.. وظيفته الأولى والأخيرة هى تخدير الناس .. وخداعهم.. وتحويل أنتباههم من جرائم النظام المتواصلة ضد المواطن والوطن. عاش الناس وعلى كل الأصعدة هذا الفشل المتواصل .. ليله بنهاره.. تعبوا من الأنتظار ويئسوا من الحل .. فكفروا أو كادوا بالمواطنة.. وأتجه البعض لينفض.. اليوم ..الغبار عن طائفتة وملته . نسوا أو تناسوا الوطن .. ومَحوروا كل قضاياهم حول القبيلة... أصبح هذا البعض.. ينادى بأنه الأحق بهذا الوطن .. وما عداه دخيلا .. وغازيا .. ومهاجرا. وقفوا من دون أن يشعروا مع أعداء الوطن الحقيقين والذين سعوا وبلا رحمة ولا يزالوا لتمزيقه وتفتيته وتوسيع الجروح الغائرة.. فى جسده.. جنوبا وشمالا وشرقا وغربا. وما كان لهذا أن يحدث أو حتى أن يذكر, وما لهذا قدم الوطن.. ومن جميع ملله وطوائفه ومن أركانه الأربعة مناضلى حريته وأرتال شهدائة ... لم يمت أبطال الجبهة الشعبية لتحرير السودان من أجل جنوب السودان وحده.. بل قاتلوا وضحوا وماتوا وبالآلاف فى الجنوب والنيل الازرق وجبال النوبة والشرق.. من أجل السودان وكل السودانيين.. ولم يقدم شيخ السبعين.. الأستاذ محمود نفسه ويبتسم لشانقيه.. فداء للجمهوريين أو تضحية من أجل رفاعة.. بل مات من أجل السودان وكل السودانيين.. ولم يتلقى محمد عثمان كرار الطعنة الغادرة فى خاصرته من أجل طوكر أو مؤتمر البجا .. بل نزفت دماؤه الطاهرة من أجل السودان وكل السودانيين. وما هتفت حناجر الثمانية والعشيرين شهيدا وهم يتلقون الرصاص فى صدورهم, فى رمضان سوى"عاش كفاح الشعب السودانى" . وماتت أول شهيدة للحركة النسائيه والوطن التايه أبو عاقله ومات سليم محمد أبوبكر... طلاب جامعة الخرطوم من أجل السودان وكل السودانيين.. ولم ولن تسيل دماء أبناء الغرب اليوم.. سوى للسودان وكل أهله. شًرفوا وقيًموا بحق.. شجاعة ونضال ودماء شهدائكم.. كل شهدائكم.. من ذكرناه منهم ومن لم نذكرهم.. فقد ماتوا لتحيوا أنتم.. ماتوا من أجل السودان الواحد الذى يسع الكل.. ويساوى الكل.. وينمى الكل. شَرفوهم وأحفظوا السودان موحدا .. شَرفوهم وحَصنوا أنفسكم وأبنائكم من بعدكم بتثبيت حقوقكم الدستورية الأساسية .. فلن يمَن عليكم بها من أستغلكم وشردكم وسجنكم وعذبكم وقتلكم.. طالبوا بها وأنتزعوها أنتزاعا. أسعوا جميعا وبجهد لا يعرف الكلل لأقامة المؤتمر الدستورى للسودان وكل السودانيين... ناضلوا وقاتلوا من أجل دستور حقيقى يحميكم ويحفظ حقوقكم ومواردكم وثرواتكم.. وشاركوا جميعكم فى صنعه. أجعلوا المُواطنة هى الأساس .. ثبَتوا قيم الحرية والتعددية والديموقراطية وحقوق الأنسان فى دستوركم الجديد.. مرة واحدة والى الأبد.. أجعلوها كل حياتكم.. وعلموها لأسركم وأطفالكم ليعيشوا من بعدكم حياة أقل تعاسة منكم. أجعلوا أحزابكم السياسية.. أحزابا ديموقراطية حقيقية .. تمارس الديموقراطية ممارسة كاملة فى داخلها قبل أن تحكموا بها الناس. طوروها.. وأجعلوها صورة من صور الدولة الدستورية فى هياكلها وفروعها ومكاتبها وتخصصاتها وأبحاثها من أجل المواطن والوطن. أجعلوا لوائحها الداخلية لوائح دستورية معنية بالتداول فى قيادة الحزب ولفترة زمنية واضحة ومحددة. وًسعوا قنوات التواصل والأتصال والتداخل بقواعدكم وأشركوها فى صنع البرامج السياسية . دربوا وأهًلوا الكوادر الحزبية الشابة وقدموها لتقودكم بلا تمييز أو محسوبية.. فصلاح الأحزاب السياسية من صلاح الدولة الديموقراطية وديمومتها. أنشئوا وثبتوا.. لوطنكم ولأنفسكم .. نظام قضائى ومؤسسات دستورية عدلية.. قوية .. نزيهه .. مؤهله تأهيل حقيقى .. مستقلة وبالكامل عن كل أجهزة الدولة الأخرى.. نظام قضائى يحفظ دستوركم الجديد ويدافع عنه ويحميه ويصونه.. نظام قضائى يكون... القوى عنده ضعيفا حتى يأخذ الحق منه.. والضعيف عنده قويا حتى يرد الحق له. أنشئوا وثبتوا.. لوطنكم ولأنفسكم.. مؤسسات أعلامية.. شجاعة .. حرة.. مستقلة... ومحمية بالدستور. مؤسسات أعلاميه تسعى للحقيقة .. كل الحقيقة.. وليس شيئا غيرها.. مؤسسات أعلامية تجعل الشفافية ديدنا للحكم والحاكمين .. مؤسسات أعلامية تسعى لتنمية المواطن السودانى وحمايته وحماية حقوقه الدستورية الأساسية.. أيا كانت.. ملته.. وديانته.. وثقافته .. مؤسسات أعلامية تكون أنذاركم المبكر وخط دفاعكم الأول ضد كل أنواع الأنحراف والظلم والفساد. إن هذا الوطن هو وطن جميع السودانيين.. فالنجعل تنوعنا العرقى والثقافى والدينى مصدر ثراء وقوة لنا ولوطننا, فالنقدمه لكل العالم أنموذجا فى التعايش والأحترام المتبادل .. ولنجعله وطنا معنى ومهموم بالأنسان أولا وأخيرا.
|
|
|
|
|
|