هل سمعتم بما حدث للصحافي الجنوبي ألفرد تعبان رئيس صحيفة (الخرطوم مونتر) التي تحولت بعد الانفصال ومغادرة الفرد إلى عاصمة دولته الجديدة إلى اسم (جوبا مونتر)؟! ألفرد تعبان ، الذي لطالما منى نفسه بقيام دولة الجنوب المستقلة كان ، والحق أقول ، قد تعرض لكثير من المضايقات في الخرطوم خاصة في سنوات الإنقاذ الأولى سيما عندما كان مراسلاً لإذاعة البي بي سي اللندنية وكان شجاعاً بحق (مناضلا) في سبيل قضية الجنوب. ألفرد تعبان طفح به الكيل أخيراً مما رأى في دولته الجديدة من انهيار تمثل في الحرب الأهلية التي راح ضحيتها ربما الملايين موتاً وتشريداً ولجوءاً في دول الجوار وجوعاً وانعداماً لخدمات الكهرباء والمياه والصحة والتعليم، فما كان منه إلا أن طالب رئيس الدولة ونائبه (سلفاكير ومشار) بأن يتنحيا عن الحكم فكان مصيره الاعتقال الذي يعتبر رحمة قد تنجيه من الموت الذي يحوم حول كل من هم خارج المعتقل في دولة الرعب التي تسمى جنوب السودان. قبله كان نيال دينق الصحافي المشاكس الذي كان لنا معه صولات وجولات أيام كان رئيسا لتحرير صحيفة (سيتيزن) التي كانت تصدر في الخرطوم قد تعرض للاعتقال والتعذيب ولا أدري مصيره الآن .. نيال دينق كان قبل الانفصال لا يهادن أو يتردد في بث أحقاده العنصرية ضد العرب واللغة العربية التي كان يقول إنها لغة المستعمر وكان يطالب بالسماح له بزيارة إسرائيل حيث المقدسات المسيحية. هل تذكرون بيتر عبدالرحمن سولي الذي لطالما جادلناه عندما كان يقود أكثر التيارات الجنوبية تطرفاً في عدائها للشمال قبل الانفصال ويتحدث عن الظلم الذي تعرض له الجنوب بل والذي فتحت له مساحة (زفرات حرى) في الانتباهة - رد الله غربتها - ليعقب على مقالاتي ثم صليته بلهيب من نار رداً على اتهاماته العنصرية؟ بيتر سولي الذي دفعه حقده على الشمال إلى الارتداد عن الإسلام بالرغم من أن والده كان إمام مسجد ، تعرض بعد رجوعه إلى الجنوب في أعقاب الانفصال إلى أقسى أنواع القهر والتنكيل والتعذيب ثم أخيراً قتل شر قتلة في منطقة غرب الاستوائية بتواطؤ بين سلفاكير والجيش اليوغندي المحتل. معلوم أن بيتر سولي ما أن غادر إلى الجنوب حتى وجد نفسه غارقاً في الصراع بين الدينكا المسيطرين على مفاصل الدولة الجديدة وعلى الجيش الشعبي والذين فرضوا أنفسهم على كل قبائل جنوب السودان وبين القبائل الإستوائية المهمشة سيما وأن الدينكا اتخذوا جوبا ،عاصمة الاستوائية الكبرى ، عاصمة للدولة الجديدة مما أثار عاصفة من الاحتجاج والتمرد الصامت أحياناً والملتهب في أحايين أخرى بين الإستوائيين وبما أن بيتر سولي ، بشخصيته الثائرة ، لا يصمت فقد واجه بطش سلفاكير والجيش الشعبي الذي يحكم دولة الجنوب بالحديد والنار . ما حدث لبيتر سولي تكرر بصورة مختلفة قبل عشرات السنين مع جوزيف لاقو الذي قاد الأنيانيا في تمردها على الدولة السودانية بدعم من إسرائيل كما اعترف هو وكما بينت الوثائق الإسرائيلية ..لاقو الذي ينتمي إلى إحدى القبائل الإستوائية (المادي) هو الذي وقع اتفاقية السلام مع حكومة الرئيس نميري في أديس أبابا عام (1972) وسرعان ما غير رأيه وضغط على النميري لكي يعدل الاتفاقية بعد أن اكتشف أنها مكنت الدينكا من السيطرة على الجنوب والتضييق والتنكيل بقبائله الأخرى. أخبار اليومين الماضيين حملت إلينا قيام سلفاكير بطرد نائبه رياك مشار المنتمي إلى (النوير) القبيلة الثانية من حيث القوة بالرغم من أن الاتفاق المبرم برعاية الاتحاد الأفريقي حدد مشار نائباً أول للرئيس الأمر الذي يشي بأن دولة الجنوب على موعد مع تجدد للصراع أخشى أن يكون أشد فتكاً من سابقه. هل تذكرون عدو الشمال وعدو السودان باقان أموم .. ذلك الذي لم تنس ولن تنسى ذاكرة الشعب السوداني عباراته الصادمة والمستفزة وهو يقول قبيل مغادرة السودان بعد الانفصال : (باي باي للعبودية ..باي باي للعرب .. ارتحنا من وسخ الخرطوم) وغير ذلك من عبارات التهكم والسخرية؟! باقان أوشك أن يفقد حياته وتعرض للاعتقال ثم نجا بأعجوبة وقد غادر الجنوب أو قل (برميل البارود)الذي تتقلب فيه دولته الجديدة التي لطالما حلم بها ..غادر إلى خارج بلاده خوفاً على حياته فهو من إحدى القبائل المستضعفة(الشلك) في دولة الدينكا بالرغم من أنها الثالثة من حيث الكثافة السكانية. وبالرغم من ذلك كله لا يزال البعض ينتحبون حزناً على الانفصال فمن عجزوا عن التعايش مع بعضهم أعجز من أن يتوحدوا مع من يبغضون وليت الباكين والمتباكين من السودانيين يتذكرون أن الجنوبيين هم من أجمعوا على (فرز عيشتهم) عنهم واختاروا الانفصال بل حتى من عاشوا بين ظهرانينا لم يترددوا في مغادرة السودان الذي فارقوه بعد أن كان موطناً لهم وإليه الآن يرجعون بعد أن اختاروا غيره.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة