|
اللداوي لقبٌ أصيل أم نسبٌ لمدينة بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
|
سألني صديق عزيز عن أصل لقب عائلة "اللداوي"، أهو اسمٌ للعائلةِ أصيل، أم أنه نسبٌ إلى مدينة اللد فقط، يحمله كل من سكن المدينة أو انتمى إليها، أو عاش فيها ردحاً من الزمن، خاصة أن الذين يحملون هذا الاسم كثيرون، وهم ينتشرون بكثرة في الأردن، بالإضافة إلى فلسطين ولبنان وسوريا، وهم ليسوا جميعاً أقارب تجمعهم عائلة، أو أبناء عشيرةٍ واحدة تربطهم وشائج قربى أو نسب، بل هم مختلفون ومتعددون، ومنهم المسلمون والمسيحيون، وهم ليسوا جميعاً فلسطينيين، بل إن منهم سوريين ولبنانيين أيضاً.
الحقيقة أن اسم "اللداوي" ليس أصيلاً، وإن كانت بعض العائلات تحمله أصلاً، وقد لازمها سنين طويلة، إلا أن أغلب العائلات التي تحمل هذا اللقب منذ سنوات ما قبل النكبة وما بعدها، كانت قبل ذلك تحمل ألقاباً أخرى، ولكنها لأسبابٍ مختلفة حملت اسم "اللداوي" الذي غلب على ألقابها الأصلية وطغى عليها، فلم يعد الذين يحملون هذا الاسم يذكرون ألقابهم الأصلية، فلا يذكرونها أمام الناس، ولا يثبتونها في الوثائق والمستندات، واكتفوا بنوعٍ من الفخر والاعتزاز بحمل اسم "اللداوي" والتميز به.
أصل الاسم لدى الكثير ممن حملوه هو نسبٌ وانتماء، ولعل الذين حملوه أكثر من غيرهم، هم أولئك الذين عاشوا خارج مدينة اللد، وإن كانت بعض العائلات الفلسطينية التي مازالت تعيش في المدينة تحمل هذا الاسم، ولكن نسبتهم أقل، وعددهم محدود، ولعلهم أقارب أكثر، وينتمون إلى عائلاتٍ متصاهرة وبينها نسبٌ قديمٌ، وإن كانت بعضها مسلمة وأخرى مسيحية، علماً أن من بينها أيضاً عائلاتٌ مختلطة نتيجة للمصاهرة القديمة بين اليهود والمسيحيين، حيث شهدت سنوات ما قبل النكبة تعايشاً بين سكان المدينة من ذوي الديانات الثلاثة، الذين كانوا يشكلون سكانها، وما زالوا إلى اليوم يتشاركون فيها، إلا أن السكان اليهود باتوا اليوم هم الأغلبية، نتيجة عمليات الهجرة القسرية، والاستيطان الصهيوني الكثيف.
مدينة اللد الفلسطينية التي تقع في وسط فلسطين، على مقربةٍ من مدينتي يافا والرملة، وهي قريبةٌ من مدينة القدس والمسجد الأقصى، مدينةٌ موغلةٌ في القدم، ولها تاريخٌ عريق، ولعبت أدواراً هامة في التاريخ الفلسطيني الحديث، وقد ورد ذكرها في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر بأنها المدينة التي يقتل على أبوابها المسيخ الدجال، على يدي رسول الله عيسى عليه السلام، الذي يدركه في هذه المدينة، ويقتله فيها، منهياً بذلك فتنته، ومؤذناً ببداية عهدٍ جديد، يسوده العدل والسلام، وتحكمه المحبة والمودة والوئام.
مدينة اللد واحدة من حواضر فلسطين الكبرى، فهي مدينةٌ مميزة، حفرت اسمها بين المدن وحافظت عليه، وقد كان فيها قديماً قبل النكبة مطارٌ وسكة حديد، ومخافر للشرطة وحامية بريطانية، ومراكز تجارية وأسواقٌ كثيرة يرتادها كبار التجار، وفنادقٌ ونُزُلٌ، وكان فيها مؤسساتٌ علمية ومدارسٌ ومعاهدٌ، ومستشفى كبير ومراكز صحية متخصصة، وفيها مساجدٌ كبيرة وكنائسٌ عظيمة، وكُنُسٌ يهودية قديمة، وفيها مراكز دولية ومقراتٌ أممية، وغير ذلك مما كانت تتميز به كبريات المدن العالمية، وتشكو من قلته ونذرته الكثير من المدن العربية والفلسطينية الأخرى، الأمر الذي جعل من مدينة اللد محطاً للأنظار، وقبلةً للمسافرين، وممراً للتجار والعابرين، فيها يتاجرون، ومنها يبتاعون ويتزودون.
سكن اللد كبار الأثرياء وطبقة كبيرة من الأغنياء، وهم مزيجٌ من أهلها الفلسطينيين الأصليين، ومن الوافدين العرب من دول الجوار، ممن كانوا يدخلونها للتجارة، أو يقيمون فيها للعمل، حيث كان كثيرٌ منهم يعمل في المؤسسات الدولية، وبعضهم يرتبط بأعمال مع سلطات الانتداب البريطانية، وقد كانوا يتنقلون بسهولةٍ بين بيروت ودمشق وعمان ومدينتهم، حيث كانت الحدود ميسرة، وكانوا يتنقلون بينها بالطائرة أحياناً، في إشارةٍ إلى ثرائهم وقدراتهم المالية الميسورة، التي كانت تتيح لهم في تلك الفترة السفر بالطائرة، في الوقت الذي يعجز فيه الفقراء عن السفر على غير الدواب والرواحل.
نظراً لارتفاع مستوى العيش في هذه المدينة، وصعوبة الحياة فيها على الفقراء، وتعذر فرص العمل عليهم، فقد اعتاد فقراء المدينة دوماً على الهجرة منها، والرحيل إلى القرى المحيطة بها للعيش فيها، حيث أن الحياة فيها أبسط وأقل كلفةً، خاصةً فيما يتعلق بالتعليم الذي كان في مدينة اللد حكراً على الأغنياء نظراً لارتفاع رسوم المدارس الخاصة، بالإضافة إلى تكاليف العلاج العالية التي لا يقوى على أدائها الفقراء ومتوسطو الحال، كما أن فرص العمل في المدينة كانت محدودة بالنسبة للفقراء، وفي حال عملهم فإن رواتبهم لا تكفي لتغطية النفقات وتلبية المتطلبات المعيشية.
لهذا فقد اعتاد سكان مدينة اللد الفقراء على الهجرة الدائمة والرحيل، قبل الهجرة الكبيرة إثر نكبة فلسطين في العام 1948، فكان الفقراء وعامة السكان يبيعون الأشياء البسيطة التي يملكونها في المدينة، ويهاجرون إلى قرى أخرى محيطة بالمدينة، وهي نفسها القرى المحيطة بمدينتي يافا والرملة، فكان سكان القرى الجدد الوافدون من مدينة اللد، يعرفون بين السكان الأصليين باللدادوة، ولهذا فقد حمل أغلبهم اسم اللداوي نسبةً إلى المدينة التي جاؤوا منها، علماً أن العائلة الواحدة كانت ترحل إلى أكثر من مدينة، فقد تجد عائلةً واجدة، مقسمة بين أكثر من خمسة قرى، وهم أشقاء وأبناء عمومة، إلا أن آخرين قد هاجروا إلى قرى بعيدة وبلادٍ أخرى، فحملوا الاسم أيضاً به وعرفوا.
إلا أن شتات المدينة وتمزيق نسيجها الاجتماعي قد وقع نتيجة النكبة، عندما سقطت مدينة اللد في أيدي العصابات الصهيونية، التي شردت أهلها وطردتهم، مما دفع السكان إلى الهجرة في كل اتجاهات الدنيا الأربعة، فمنهم من لجأ إلى الأردن وهم أغلبية سكانها، وهم مزيجٌ من العائلات المختلفة وإن حملوا الاسم نفسه، ومنهم من هاجر جنوباً إلى غزة، وهم تقريباً ينتمون إلى عائلةٍ واحدة، وبينهم صلات قرابةٍ ونسب، ومنهم من هاجر شمالاً إلى حيفا والناصرة ولبنان وسوريا، فحافظ بعضهم على الاسم والجنسية، بينما استعاد العرب الآخرون جنسيتهم الأصلية، وعادوا إلى موطنهم الأم، إلا أنهم حافظوا على الاسم ومازالوا به يعرفون.
تلك هي مدينة اللد التي إليها ننتمي وبها نفخر ونعتز، وهذا نحن وغيرنا فيها، فهل يعودون إليها ونعود، وهل نستعيدها وفيها نعيش ونسود.
بيروت في 28/1/2015 https://http://http://www.facebook.com/moustafa.elleddawiwww.facebook.com/moustafa.elleddawi mailto:[email protected]@gmail.com مكتبة د. علي حمد ابراهيم
|
|
|
|
|
|