تزايد مضطرد لعدد اللا دينيين في العالم ومن ضمنهم العالم الاسلامي..اللادينية في المرتبة الثالثة بعد المسيحية والاسلام.. العراق يتصدر وتسعة في المأئة من عدد سكان السودان لا دينيون ..
أوردت قناة اسكاي نيوز الخبر التالي"كشفت دراسة عن حجم أتباع الأديان في العالم، أن من لا ينتمون لأي دين يمثلون ثالث أكبر مجموعة بعد المسيحيين والمسلمين، وقبل الهندوس مباشرة.". وبالرجوع الى الإحصائيات العالمية يمكننا أن نتبين ان عدد المسيحيين بلغ 2.2 مليار مسيحي وعدد المسلمين قد بلغ 1.6 مليار مسلم في حين بلغ عدد اللادينيين 1.1 مليار لاديني حول العالم.. بعض الدول في الشرق الأوسط سجلت ارتفاعا ملحوظا في نسبة عدد اللا دينيين جاءت اسرائيل في المرتبة الاولى تلتها العراق ثم لبنان .. والمفاجأة ان نسبة 4% من سكان السعودية لا دينيين اما المفاجأة الأكبر فهي أن نسبة اللادينيين في السودان بلغت 9% بارتفاع مضطرد وملحوظ. ولا يغيب عن عين الملاحظ هذا التسارع في ارتفاع حالات الارتداد عن الدين في العالم الإسلامي .. وهناك خبر أوردته الجزيرة قبل سنوات يشير الى خروج مئات الالاف سنويا من الاسلام . ومن يتابع المواقع الالكترونية النشطة ووسائل التواصل الاجتماعي سيجد أن المروق من الدين ونقده صار ظاهرة واضحة بلا أدنى شك. بل أننا لو قارنا نسبة المواقع والصفحات اللادينية بما يشمل الالحاد والربوبية واللا أدرية واللا اكتراثية وغير ذلك لوجدناها أكبر من نسبة مواقع وصفحات الحركات الدينية المتطرفة .. في الواقع ادى فشل كل حركات التجديد الاسلامي الى شعور الكثيرين بأن الدين غير قابل لمجاراة الواقع الحاضر.. بعض المفكرين الاسلاميين تم تكفيرهم وترهيبهم كنصر ابو زيد واركون وحسن حنفي وغيرهم وبعضهم تم اعدامه واغتياله فعلا كمحمود محمد طه وفرج فودة وغيرهما ، وأخير بدأ تبادل التكفير بين الطوائف والمذاهب الاسلامية المختلفة بشكل عنيف جدا ودموي أفضى الى قتل الآلاف بدون وجه حق وبدون تمييز بين طفل وامرأة وشيخ ومقاتل وغير مقاتل . العراق كدولة عانت أيما معاناة من هذه اللعنة..لعنة التكفير والتكفير المقابل والقتل والمجازر جاءت في المرتبة الأولى عربيا في عدد اللا دينيين ، لبنان التي عانت من حرب أهلية ولا زالت في حالة قلق وتوترات طائفية ومذهبية في المرتبة الثالثة السودان الذي بدأت الحركات الوهابية والسلفية التكفيرية فيه بالظهور واعلانات التكفير المتواصلة والمكثفة للطرق الصوفية بالاضافة الى استغلال الدين لتحقيق مصالح سياسية جاء في المرتبة الرابعة. اذن فإشكالية التراجع الديني والتقدم اللا ديني تكمن في الخطاب الديني المعاصر نفسه، والذي يشوه الدين الى درجة كبيرة مما يخلخل مبدأ الثقة الذي كان لازما عند الانسان المسلم تجاه دينه. الخطاب الاسلامي المعاصر صار خطابا تقليديا إلى حد بعيد ، في حين تطور الخطاب اللا ديني بشكل ملفت للنظر وصارت له نظريات علمية كالانفجار العظيم ونظرية التطور وغير ذلك بالاضافة الى علماء كثر بدأوا في تأصيل اللا دينية وربطها علميا بكوننا الفسيح مثل ستيفن هوكينز وريتشارد دوكينز وبرتراند راسل وغيرهم . خطاب اللا دينيين صار حداثويا جدا في حين تصلب الخطاب الديني خلف حوائط التاريخ والماضي. شيوخ الدين يجترون ذات الآثار بذات الشخوص والأسماء مع قلة احتمالهم وصبرهم لأي واقعة حديثة ، وكثرة تحريمهم لكل ما هو جديد مما فرض قيودا شديدة على المسلمين ، وبات تصور المسلم لنفسه وللعالم وكأنه مليء بالآثام والخطايا ، ولم يتم الاكتفاء بتحريم الاستماع للقنوات الفضايية او الموسيقى أو الرسم والنحت او التعامل مع البنوك بل حتى الوظائف الحكومية تم تحريمها باعتبار أن المرتب الذي يتقاضاه الموظف من الحكومة مشكوك في طهارته لأن مصدره دولة تتعامل بالربا ، وبالتالي صار الفرد معبئا ضد العالم بأسره إن اقتنع بفتاوى الشيوخ حقا ، أو معبئا بالشك في الدين نفسه إن تعارض الدين بشكل مفصلي مع مصالحه ؛ وبالتالي انتج الخطاب الديني ثلاث فئات: إما متطرف ، أو لا اكتراثي، أو لا ديني. لقد ادت ثورة المعلومات إلى إماطة اللثام عن الكثير من الحقائق الدينية حول التراث والخطاب الديني ، فمثلا قصة تحريم شرب القهوة من قبل شيوخ الدين في مصر وبعض الدول العربية قديما لم تكن قصة معروفة قبل ظهور الانترنت ، ولكنها ظهرت الآن بعد مئات السنين ، وقد أصبح شيوخ الدين أنفسهم يشربون القهوة ، وبالتالي فإن المسلم البسيط حينما يستمع لمثل هذه القصة الحقيقية سيثور في نفسه الشك حول حقيقة فتاوى التحريم التي يتلقاها الآن وكل يوم من قبل هؤلاء الشيوخ ، هذا الشك الذي يضطرم به قلبه فيتابع ويتابع حتى يصل الى مرحلة الشك في حقيقة الدين نفسه. وعالم المعلومات الرقمية الهائل اتاح فرصة الحصول على معلومات عن التراث الاسلامي لم تكن متوفرة الا للصفوة والعلماء فقط . قام اللا دينيون بإخراجها بعد نفض التراب عنها ، وأحيوها لمستوى العقل المسلم الحالي أي بعد ان خبر الانسان المسلم تجارب حضارية كثيرة من حوله بما يجعله في حالة رفض طبيعي لما يخالف ما تورده المخطوطات التراثية القديمة.. مما دفع الكثير من الأوفياء للدين للمناداة بنقض كل كتب التراث ورفضها كوثائق يمكن أن يحاجج المرء بمضامينها .. بل أن رفض هؤلاء لم يتوقف على كتب التراث فقط بل حتى كتب الصحاح كالبخاري ومسلم والترمذي وخلافه. كل ذلك منهم كان محاولة وفية ومخلصة لتجاوز أزمة الضخ المعلوماتي الكثيف الذي يقوم به اللادينيون عبر الوسائل الرقمية الحديثة . في بداية عهد الانترنت قامت العديد من الدول الإسلامية بحجب المواقع اللا دينية ، ولكن بمضي الوقت صار بامكان اي طفل ان يخترق هذا الحجب بكل سهولة ، وهكذا فشلت الحكومات تماما في تأمين شعوبها من التعرف على هذه المعلومات التاريخية الخطرة باعتبار أن الجهل أحيانا أكثر فائدة من المعرفة لاستقرار الدين في نفوس العوام كما قال الغزالي ذلك وحرم على العوام الاشتغال بعلم الكلام والفلسفة. فشلت جهود الحكومات وبدأ الشباب المسلم يحاول أن يدافع عن دينه بذات وسائل اللا دينيين فأنشأوا مواقع وصفحات لمواجهة التمدد اللا ديني الرهيب ، وبدأت مناظرات جيدة بين الطرفين ، لكن بحسب اطلاعي على هذه المناظرات وجدت أنها تدور حول نظريات لا يمكن تفنيدها الا عبر علماء متخصصين وخبراء لهم باع كبير ، ولذلك جاء الجدال بين اللا دينيين والدينيين وكأنه جدال بين صم وبكم ، بالاضافة الى ذلك فإن الشباب المسلم أو حتى المسيحي لم يستطع أن يقاوم موجات البث التراثي الضخمة التي يقذفها اللا دينييون أمام مراكبهم . ، ووقع المدافعون عن الدين في اشكالية كبيرة وهي : هل يرفضوا كل التراث ام يقبلوا به كجزء مفسر وموضح للدين. لو رفضوه كله فعلى أي أساس معرفي سيقفوا؟ ولو أخذوا به فعلى أي أساس معرفي سيدافعوا عن دينهم في مواجهة الحضارة؟ هذا المأزق يمكن لانسان متوسط المعرفة او حتى قليلها ان يلاحظه إذا تابع مناظرات المسلمين مع اللا دينيين ، وهذا ما سيدفعه -بدون أدنى شك - إلى الحذر الشديد من كل ما يتلقاه في الخطاب الديني التقليدي ؛ أي ذلك الخطاب الذي يستمع اليه في المساجد أو المذياع أو يقرأوه في الصحف والمجلات . ارتفاع وتسارع وتيرة اللا دينية في العالم تفرض على الدينيين ان يحاولوا التفكير بعمق أكبر وجدية أكثر حول اعادة منهجة وتخطيط الخطاب الديني المعاصر . لقد جاء بابا الكاثوليك الحالي بخطاب ديني شديد الانفتاح ليقاوم به الهجوم على المسيحية ، ومع ذلك فخطابه المنفتح هذا جاء بعد فوات الأوان . بعد أن صار العالم المسيحي رغم كثرته عالما محايدا جدا .. وصارت المسيحية دينا شديد البرودة كالقطب الشمالي. د.أمل الكردفاني
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة