القطار الثاني :قصة قصيرة.. بقلم: عمر الحويج

دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-12-2024, 08:47 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-06-2013, 07:25 PM

عمر الحويج
<aعمر الحويج
تاريخ التسجيل: 11-01-2013
مجموع المشاركات: 474

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
القطار الثاني :قصة قصيرة.. بقلم: عمر الحويج

    القطار الثاني :قصة قصيرة.. بقلم: عمر الحويج


    صاح طفل:
    (انظروا.. مليكنا العريان).
    خريف.. بلا مطر دائماً هكذا، منذ أن أصبح نبت الصغار هذا، يجري، ويلعب.. لم تستجب السماء لأغنيتهم -يا مطيرا.. صُبِّي لينا- قال أحد عواجيز القرية، وهو من القلائل الذين رأوا ذلك العالم المجهول خلف ثنية الجبل، التي يظهر منها، ويختفي فيها، القطار، قال ذلك العجوز.. إن الله غاضب، لأن الناس هناك لا يطيعون أُولي الأمر منهم!!.
    لا غيوم تحجب أشعة الشمس، فانعكست متوهجة حمراء، على الأرض الحجر، من بعيد يلمع شريط السكة حديد، لا أحد يستطيع الاقتراب منه، حتماً ستملأ خياشيمه، رائحة شواء منبعثة، من أطرافه المحترقة، احتمى الصغار بشجرة حراز -بعد الليالي العاصفة، تجمع فتيات القرية وقودها المتكسر- أطفال هذه القرية، خطف الفقر والجوع، براءة الطفولة من على وجوههم. على أجسادهم الهزيلة، ربما أسمال بالية، أو لاأسمال البتة، أقدامهم عارية شققتها صخور الجبل الحادة.
    هذا النهار، يشعرون أن انتظارهم قد طال أمده.. رغم أن -جاد الرب- قال لهم أنه متأكد، أن هذا موعده.
    ***
    أهوووو.. جا.. جا: يصرخ بها جاد الرب "مُش قلت ليكم؟"، يتوقف الصغار عن الحركة، يصيخون السمع.. هم لا يثقون في الصدى كثيراً.. ولكن تأكدوا، إنه هو.. القطار، حين انطلقت صافرته، الثانية.. طويلة، مدوية. قفز كل منهم قفزتين في الهواء.. صرخ بعضهم طرباً.. ورقص البعض الآخر، كل على طريقته. جروا، وجهتهم، شريط السكة حديد. أصغرهم طفل عارٍ، يتعثر في حفرة، يقع.. يصرخ باكياً، يتوقف الآخرون.. يرفعونه، يمازحونه.. يحاولون إضحاكه، ينسى.. يضحك معهم.. يواصلون ركضهم، طفل آخر.. تشوى قدميه الرمضاء الحارقة.. يصرخ مستغيثاً، يتوقف أكبرهم، يحمله على ظهره.. وإن بدا ساخطاً، فهو أبداً لم يحوج الكبار، لأن يحملوه يوماً ما. أولاد الزمن!!، رددها هكذا، وهو يواصل الركض.. القطار يقترب.. قطار بلا دخان. أكبرهم عاصر عهدين: قاطرات الدخان، ثم هذه الملونة!!.. وبلا دخان. هكذا يردد أمامهم، وهو يدق صدره.. مقلداً الكبار.. اعتزازاً.
    عجلات القطار، تلتهم الشريط التهاماً في سرعة.. بل في قسوة.. الأيدي.. الصغيرة، تمتد.. تتعالى صيحاتهم، يخنقها ضجيج عجلات القطار، وهدير عرباته، وأيدٍ خشنة.. وأيدٍ ناعمة، تخرج من نوافذ القطار.. يتساقط الخبز وبعض بقايا أكل.. و.. والقطار يبتعد، يتوارى خلف الجبل.. والأيدي الصغيرة ما زالت تلتقط نصيبها من على الأرض القذرة بفعل بصاق الركاب.. ونفاياتهم.
    ***
    شجرة الحراز.. وعيدان القمح اليابس التي تهتز تبعاً لاتجاه الريح.. الصغار: يحمل كل منهم نصيبه في يده.. الأفواه الجائعة تمضغ، بلهفة. أصغرهم.. تبحلق عيناه في شيء.. أحمر، لزج، يسيل بين يديه، ينظر إليه، في خوف. وفي رغبة جارفة، يشمه!!.. ولكن لم يجد له رائحة يعرفها من قبل، وإن تكن هنالك رائحة.. ببطء، وبطرف متردد من لسانه.. يتذوقه.. تتملكه النشوة، والدهشة، معاً.. يتقافز فرحاً.. طعمه حلو، طعمه لذيذ.. يخفيه بكلتا يديه.. يجري، وجهته بيوت القرية المندسة في حياء، وربما في وجل، تحت سفح الجبل. من بعيد جاءتهم صيحاته الجذلى.. عاوز أوَرِّيها أمي!!، ضحكات الآخرين.. تلاحقه.. إنها تجربته الأولى، وإن.. لن تكون الأخيرة. قبل أن يتوارى عن أنظارهم. تتوقف ضحكاتهم.. ترتسم علامات الدهشة، يتبادلون نظرات الشك والارتياب، وقبل أن تنطق شفاههم.. ومن خلف ثنية الجبل البعيدة، يظهر لهم القطار.. الثاني، لم ينتظروا، ليفكروا كثيراً. حينما رأوا بأم أعينهم، بياض العربات التي تركت الجبل خلفها.. بعضهم أخذ يلتهم بسرعة ما بقي معه، وآخرون دسوا ما في أياديهم داخل فجوة في قلب شجرة الحراز المجاورة، صنعوها خصيصاً لمثل هذه الطوارئ.. وأسرعوا وجهتهم شريط السكة حديد.
    ***
    من خلف زجاج النافذة بحجرة الخدمات، الملحقة بعربة الصالون الفاخرة، توقف.. تبحلق عيناه في الصغار انتابته قشعريرة.. أحس بألم مر في الحلق.. توجع منه القلب، دمعت منه العين.. كانوا أيضاً صغاراً.. شفتاه ترددان، وبدون إرادته.. وكأنه رجع الصدى، لتلك الأيام البعيدة.. حينما كانوا هم أيضا صغار.. أعطونا نأكل، أعطونا نأكل، ولكن لا أحد يسمعهم.. الجرس يرن.. الجرس يرن ثانية، يعيده إلى الحجرة الصغيرة، الملحقة بعربة الصالون.. ورحلة الصيف.. وذلك الكبير. والجرس يرن، يقف أمامهم، ولا أحد يلتفت إليه. و.. ذلك الكبير يلوح بكلتا يديه للصغار.. تطول وقفته.. ولا أحد يلتفت إليه.. والكبير لا يزال يلوح بيديه، للصغار، والقطار يبتعد.. القطار الثاني، يبتعد...حينها يلتفت إليه أحدهم "أحضر كوب ليمون مثلج بسرعة".. وبعدها لا أحد يلتفت إليه.. وقبل أن يتقهقر راجعاً إلى حجرة الخدمات، الملحقة بعربة الصالون الفاخر، سمع الكبير يسأل أحدهم.. ماذا ستكتب عنهم؟؟.. رد الآخر.. "حتى الصغار يخرجون لاستقبالنا!!"، وبسمة على شفاه الآخرين.. وعلى القلب أحسّ ثقل، ذلك الجبل.. دخل حجرة الخدمات، الملحقة بعربة الصالون الفاخر ومن خلف النافذة، رأى أشباح الصغار تختفي رويداً، رويداً.. والقطار الثاني، يزيد من سرعته.. وصوت الصغار يأتيه من عميق ماضيه السحيق.. أعطونا نأكل.. أعطونا نأكل.. ولا أحد يسمعهم، فقد ابتعدوا.. كثيراً.

    عمر الحويج
    1964م























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de