|
|
 القانون الدولى الانسانى و القانون الدولى لحقوق الانسان بقلم طارق مصباح يوسف
|
01:57 PM June, 04 2016 سودانيز اون لاين
طارق مصباح يوسف-ايرلندا
مكتبتى
رابط مختصر
كثيرا ما يخلط البعض بين القانون الدولى الانسانى و القانون الدولى لحقوق الانسان. بالطبع يلتقى القانون الدولى لحقوق الانسان و القانون الدولى الانسانى فى الهدف العام, و هو "توفير الحماية القانونية". من ناحية نظرية يجب توفيرهذه الحماية عبر منظومة اتفاقايات دولية صادقت عليها أغلبية دول العالم. أمّا الفرق الرئيس بين القانون الدولى الانسانى و القانون الدولى لحقوق الانسان فهو أنّ لكل منهما مجال اختصاص و زمن نفاذ مختلف:-
1.القانون الدولى الانسانى International humanitarian law
القانون الدولى الانسانى مختص بتوفير الحماية للأشخاص أثناء الحروب و النزاعات المسلحة. فى هذا السياق فهو معنى بحماية المدنيين و كذلك حماية الذين يتعذّر استمرارهم فى المشاركة فى القتال مثل جرحى العمليات, الأسرى و سجناء الحرب Prisoners of War-POWs .كما هو معلوم للكثيرين فقد جاءت الاتفاقيات الخاصة بالقانون الدولى الانسانى فى أعقاب انشاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر International Committee of the Red Cross- ICRC فى عام 1863. أمّا صاحب فكرة انشاء ال 1*ICRC فهو السويسرى Henry Dunant الذى هَالَهُ منظر معاناة الجرحى على أرض معركة Solferino بايطاليا فى العام 1859, الشىء الذى دفعه لنشر كتاب روّج فيه لفكرة ايجاد منظمة "محايدة" يكون مناطا بها اجلاء و رعاية جرحى العمليات أثناء المعارك العسكرية. و كما هو متعارف عليه, فانّ اللجنة الدولية للصليب الأحمر (و التى سبقت قيام الأمم المتحدة بأكثر من ثمانين عاما) هى الوصى القيّم Custodian و حارس منظومة القانون الدولي الانسانى. شهد العام 1864 بذوغ النواة الأولى للقانون الدولي الانسانى, و هى اتفاقية جنيف الخاصة بالجرحى. الاّ أنّ العالم انتظر حتى حلول العام 1949 و الذى شهد اكتمال مراجعة القانون الدولى الانسانى بصدور اتفاقيات جنيف الأربع:- 1. اتفاقية جنيف الأولى الخاصة بتحسين أحوال جرحى و مرضى الأطراف المتحاربة على أرض المعركة, 2. اتفاقية جنيف الثانية الخاصة بالاعتناء بالأطراف المتقاتلة فى عرض البحر, خاصة الذين تتعرض سفنهم للاغراق, 3. اتفاقية جنيف الثالثة الخاصة بمعاملة الأسرى. يجب التنويه الى أنّ المادة 118 من هذه الاتفاقية تنص على اطلاق سراح سجناء الحرب و ترحيلهم الى بلدانهم بمجرد وقف العدائيات 4. اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين فى زمن الحرب. هناك ثلاثة بروتوكولات2* ملحقة باتفاقيات جنيف3* الأربع:-. البروتوكول الأول (1977) ركّز على حماية الطواقم الطبية و فرق الدفاع المدنى, البروتوكول الثانى (1977) أمّن على حماية ضحايا الصراعات الغير دولية (الحروب الأهلية). أمّا البروتوكول الثالث (2005) فهو خاص باعتماد رمز, شارة أوشعار Emblem اضافى (و هو بلّور أحمر اللون الى جانب الهلال و الصليب).. الجدير بالذكر أنّ اتفاقيات جنيف الأربع صادقت عليها 196 دولة فى العالم (يشمل ذلك جميع أعضاء الأمم المتحدة البالغ عددهم 193).
لقد حدّد القانون الدولي الانسانى الجرائم التى تقع تحت طائلة القانون, و هى جرائم الحرب و الجرائم ضد الانسانية. فعلى سبيل المثال يعتبر اعدام أسرى الحروب جريمة حرب حسب البند الثالث من اتفاقية جنيف. أمّا الجرائم ضد الانسانية فتشمل الابادة الجماعية Genocide و أى اعمال مهينة يتم ارتكابها ضد المدنيين مثل الاغتصاب و التعذيب. السؤال الذى يدور بخلد الكثيرين: لماذا يشهد العالم انتهاكات صارخة للقانون الدولي الانسانى ؟ بايجاز شديد تكمن الاجابة فى غياب السلطة المركزية القوية التى باستطاعتها انفاذ هذه الاتفاقيات. بعد استعراضنا لمنظومة القانون الدولي الانسانى الخاصة بالحد من فظاعات زمن الحرب, فى الجزء الثانى من هذا المقال نستعرض منظومة الاتفاقيات الدولية التى ترعى حقوق الانسان فى زمن السلم.
2. القانون الدولى لحقوق الانسانInternational human rights law
من منظور تاريخى كانت حقوق الانسان حاضرة فى كل الحقب و على مر العصور:- قانون حامورابي (1790 قبل الميلاد), الوثيقة البريطانية العظمى Magna Carta (1215), الاعلان الفرنسى لحقوق المواطن (1789), اعلان الولايات المتحدة للحقوق (1791) و غيرها من المواثيق ذات الصبغة الحقوقية. أمّا منظومة القانون الدولى لحقوق الانسان التى نحن بصددها فيرجع تاريخها للفترة التى أعقبت انتهاء الحرب الكونية الثانية (1939-1945).
يقتصر مجال القانون الدولى لحقوق الانسان على صون كرامة الانسان والدفاع عن حقوقه فى زمن السلم. و قد ارتبط القانون الدولى لحقوق الانسان بالمجتمعات اللبرالية التى تتخذ من قيّم الحرية و العدالة شعارا لها. أهم مكونات المنظومة العالمية لحقوق الانسان هى اتفاقيات الأممم المتحدة الخاصة بحقوق الانسان, و التى استلهمت الكثير مما ورد فى ميثاق الأمم المتحدة (1945) و الاعلان العالمى لحقوق الانسان (1948). فيما يتعلق بالاعلان العالمى لحقوق الانسان فهو غير ملزم قانونيا على الرغم من أن البعض يستخدمه كجزء من القانون العرفى Customary law. أدناه أبرز اتفاقيات المنظومة الدولية لحقوق الانسان:-
اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بأوضاع اللاجئين (1951) و البروتوكول الملحق بها (1967), العهد الدولى للحقوق المدنية و السياسية (1966), العهد الدولى للحقوق الاقتصادية, الاجتماعية و الثقافية (1966), الاتفاقية الدولية الخاصة بالقضاء على كل أشكال التمييز العنصرى (1965), الاتفاقية الخاصة بالقضاء على التمييز ضد المرأة (1979), اتفاقية حقوق الطفل (1989), الاتفاقية الخاصة بحماية حقوق المهاجرين (1990), اتفاقية حماية الأشخاص من الاختفاء القسرى (2006) و الاتفاقية الخاصة بحقوق الأشخاص ذوى الاعاقة (2006). هذا بالاضافة الى بعض مواثيق حقوق الانسان الاقليمية مثل الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب (1981). من أبرز المنظمات الأهلية الناشطة فى مجال حقوق الانسان منظمة العفو الدولية التى تم تأسيسها فى العام 1961و التى تتخذ من لندن مقرا لها, كذلك المنظمة الأمريكية الراصدة لأوضاع حقوق الانسان Human Rights Watch و التى تأسست فى العام 1978.
يمكن القول أنّ الأممم المتحدة نجحت فى فى اهداء العالم اتفاقيات محكمة اشتملت على مبادىء انسانية سامية ارتكزت على قدسية صون كرامة الانسان. الاّ أنّ ما يعوز المنظمة الدولية هو الآلية الفاعلة لتنفيذ هذه الاتفاقيات الرامية للحد من انتهاكات حقوق النسان فى العالم. فنظام حقوق الانسان الخاص بالأمم المتحدة نظام فضفاض قوامه كتابة التقارير عن أوضاع حقوق الانسان و رفعها لعدة لجان (أحيانا تستغرق هذه التقارير من الدول الأعضاء شهورا ان لم تكن أعواما) الى جانب التشهير " الانتقائى" بالمنتهكين و فضحهم Naming and shaming. فى العام 2006 تم انشاء مجلس حقوق الانسان كهيئة حكومية بديلة للجنة حقوق الانسان (التى بدأت عام 1946 ). يتم انتخاب أعضاء مجلس حقوق الانسان (47 عضو) بواسطة الجمعية العامة للأمم المتحدة. أبرز ما تضمنه البناء المؤسسى لمجلس حقوق الانسان هو البند الرابع الخاص بأوضاع حقوق الأنسان التى تتطلب اهتماما خاصا من المجلس (تعيين مقرر خاص لمراقبة ورصد سلوك الدولة المعنيّة) و البند العاشر الخاص بتقديم المساعدات الفنيّة و بناء القدرات فى مجال حقوق الانسان.
على الرغم من الاجماع على "عالمية" احترام كرامة الانسان التى شكّلت الأساس الذى استند عليه القانون الدولى لحقوق الانسان, الا أنّ منظومة حقوق الانسان الحالية تعكس بدرجة كبيرة الثقافة الغربية 4* ذات التوجه الفردى الجانح للحريات الفردية المطلقة.
طارق مصباح يوسف- ايرلندا
Tarig M. Yousif (PhD) is a freelance researcher in the field of forced migration and human displacement. He worked for many years as an aid worker in refugee camps in Sudan. He now lives in the Republic of Ireland
1* تتمتّع اللجنة الدولية للصليب الأحمر بحصانة دولية, اذ لا تخضع مكاتبها و طائراتها للتفتيش الروتينى). أمّا الاتحاد الدولى لجمعيات الصليب الأحمر و الهلال الأحمر فقد تم انشائه فى أعقاب الحرب العالمية الأولى.
2* الفرق الأساسى بين البروتوكول و الاتفاقية هو أنّ البوتوكول فى الغالب يتناول المسائل (الملحقة بالاتفاقية) بتفاصيل أكثر مع الزام المنضمين للبروتوكول بتنفيذ بنوده .أحيانا يزيل البروتوكول بعض الاشكالات القانونية بالاتفاقية الأصلية. مثال لذلك فقد أزال بروتوكول نيويورك (1967) كل من القيد التاريخى و القيد الجغرافى عن الاتفاقية الدولية الخاصة باللاجئين (1951) و التى كانت فى البداية معنيّة بالذين لجأوا بسبب الحرب العالمية الثانية داخل القارة الأوروبية.
3* يخلط البعض بين اتفاقيات جنيف (1949) و اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بأوضاع اللاجئين (1951) و التى يطلق عليها البعض "اتفاقية جنيف" لأنه تم اعتمادها أيضا فى مدينة جنيف السويسرية.
4* فى كثير من الأحيان تشترط الدول الغربية قبل تقديم المساعدات المالية للبلدان النامية, تشترط و جود سجل ناصع لحقوق الانسان فى تلك البلدان. أيضا و من المفارقات الاغداق بسخاء على بعض الأنظمة المستبّدة متى ما أقتضت ذلك مصالح الغرب.
المراجع
Childers, Erskine (editor) (1994). Challenges to the United Nations. Building a Safer World- London.
Marks, S. and Clapham, A. (2005). International Human Rights Lexicon. Oxford.
Neie, A. (2011). The International Human Rights Movement: A History. Princeton University Press.
Torna, B., Kennedy, M., Doyle, J., Dorr, N. (2012). Irish Foreign Policy. Gill and Macmillan.
https://www.icrc.org/eng/who-we-are/history/since-1945/history-ihl/overview-development-modern-international-humanitarian-law.htmhttps://www.icrc.org/eng/who-we-are/history/since-1945/history-ihl/overview-development-modern-international-humanitarian-law.htm Accessed 28/05/2016
.
أحدث المقالات
- تذكير ..!! بقلم الطاهر ساتي
- عجبي !!! بقلم صلاح الدين عووضة
- دمعة على خد جاف..!! بقلم عبد الباقى الظافر
- نيجيريا وثورة بهاري ضد الفساد بقلم الطيب مصطفى
- سلام وشوق لي كسلا بقلم الفاضل إحيمر
- كهرباء بقلم عمر عثمان
- آخر نكتة (خم الرماد السوداني بالقلاب)!!! بقلم فيصل الدابي/المحامي
- التشدد و الاعتدال في إيران وجهان لعملة واحدة! بقلم سلمى مجيد الخالدي
- يهودا غيليك في الأقصى والكنيست من جديد بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
- فشل ذريع للدبلوماسية الفلسطينية بقلم نقولا ناصر*
- الفكرة عند الأحزاب السودانية الأمة نموذجا بقلم زين العابدين صالح عبد الرحمن
- السودان يحذر السلطات المصرية من تسييس العدالة بقلم محمد فضل علي..كندا
- تهنئة ورسالة وتوق بقلم نورالدين مدني
- ثلاث مبادرات لميت يسمى حل الدولتين نظرة تحليلية بقلم سميح خلف
- الحوار على مواقع التواصل الاجتماعي بقل ماهر إبراهيم جعوان
|
|
 
|
|
|
|
طارق مصباح يوسف
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست