* ان ثمة مجموعة استفاهمات تتوالد وتتكاثر حيال مسالة القانون الجنائي الدولي وتطبيقاته العملية في سياق المجتمعات الافريفية الانتقالية بما فيهم السودان ،حيث ان الحروبات الاهيلة المتطاولة وعدم الاستقرار السياسي أفرزت انتهاكات ومخالفات جسيمة لحقوق الانسان وخاصة عندما عندما دخل السودان في دوامة محنة فشل بناء الدولة الوطنية منذ بواكير حركة الاستقلال كانت وما زالت آلية العنف هي من أنجع الوسائل لإقتضاء الحقوق المشروعة ،لان التغني والاحتفاء بالعنف هي السمة البارزة لكل النخب التي تربعت علي سدة الحكم وكانت النتيجة ازدياد حدة الصراع والآلاف من ضحايا العنف ! ومن أجل مخاطبة التاريخ الموغل في انتهاكات حقوق الانسان هنا تبرز أهمية القانون الجنائي الدولي كواحدة من أقوي آليات العدالة الانتقالية وأيضا لضرويات تحقيق السلام المستدام والمحاسبة والعدالة .
* السودان كغيره من الدول الإفريقية يعاني من الحروبات الأهلية ، الأنظمة الإستبدادية العسكرية ، فساد ،وإنتهاكات صارخة لحقوق الانسان وذلك بسبب فشل الدولة في مواجهة هذه التحديات مما حدا بالنخبة التي ورثت السطة من المستعمر الارتكان الي اكثر الاساليب المُعَنفة لمواجهة المطالب المشروعة للسواد الاعظم من الشعوب السودانية وكانت هذه هي سبب خلق مشروعية اخلاقية واجتماعية للشعوب المقهورة والمستبعدة من فلك الدولة انتهاج العنف المضاد كالية لانتزاع الحقوق الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ، وعلي اثر ذلك قامت المجموعات المُتحصنة بالسلطة استخدام كل امكانيات المتاحة للدولة من الادوات الناعمة والايدولوجية وكذلك الادوات المادية الاخري للممارسة ابشع جرائم علي مر التاريخ البشري حيث الاغتصابات والابادة الجماعية والتطهيرالعرقي وحرق القري وتدمير كل بُني ومقومات الحياة ، لذا ان ضحايا هذه الانتهاكات لا يسعون فقط لاقرار حقوقهم التاريخية المسلوبة من قبل المجموعات المغتصبة للسلطة فحسب بل لابد من اقرار مبدأ المحاسبة لكل المسئولين الذين ارتكبوا هذه الجرائم في حقهم ،وهنا تبرز دور القانون الجنائي الدولي في سياق الوضع الانتقالي في السودان وذلك لاسباب التالية :
- غياب الارادة السياسية للتعاطي مع هذه التحديات وعدم فاعلية النظام القضائي السوداني واتساقها مع المعايير الدولية لتولي هذه المهمة الصعبة وان معظم مرتكبي انتهاكات ومخالفات حقوق الانسان هم موظفون يتبعون للدولة وبالتالي اجراء اي محاكمات في مثل هذه السياقات قد يؤدي الي مسرحية تكون بطلها الجلاد هو نفسه لان بامكان المسئولون عن الانتهاكات التاثير بل السيطرة التامة علي مجريات العدالة وتحويلها الي عرض ومسرحية سياسية ويمكن ان تتحول الي افعال انتقامية بدلا من تحقيق العدالة!.
- وتنتعاظم شان القانون الجنائي الدولي في كونه يعمل علي تضمين معايير واعراف العدالة الدولية والتي تقضي باقرار المسئولية الفردية للافعال التي يتم ارتكابها بواسطة المسئولين فقط بصفتهم الشخصية ، وان مبدا المسئولية يشكل عامل ردع ورسالة تحذيرية واخلاقية لكل من يجعل الحصانة والمسئولية منصة دفاعه.
* بقدرما ان هناك فرص وايجابات لضمان تطبيق القانون الجنائي الدولي الا ان هنالك بعض التحديات والممانعات والعوامل التي تعوق دون التطبيق السليم للقانون في المجتمعات التي تمر بحالات الانتقال وذلك لتجذر وتعمق عدم الثقة بين المجموعات العرقية المختلفة وسيادة روح القبيلة علي الاعتبارات الوطنية! وفي مثل هذا السياق ان نظام العدالة القائمة علي تقديس الحرية الفردية للافراد لا تحقق التوازن الاجتماعي بقدرما هي تسعي لاقرار الحقوق الفردية وهنا تكمن الصعوبة حول الحديث عن السلام الاجتماعي واعادة اللحمة الاجتماعية !
- وتعد مسالة عدم اعتداد القانون الجنائي بعقوبة الاعدام كواحدة من العقوبات في نظامها يثير تضارباً وتوجساً كبيرا لدي الضحايا الذين يخضعون لنظام قانوني يعد فيه الاعدام من اكثر الوسائل ردعاً للجناة ومرتكبي انتهاكات حقوق الانسان ، وهذا الشعور بعدم فعالية القانون الجنائي الدولي مدعاة لتزحزح الثقة ومن ثم عدم احترام هذا القانون لان في نظر الضحايا ان ابسط عقوبة يمكن ان ينالها كل من تورط في خلق مزيد من المعاناة والآلام لهم هي انفاذ عقوبة الاعدام في حقهم !
- ولعل من اكثر الممانعات الثقافية حيال رؤية القانون الجنائي الدولي تطبيقا وفعالية في السياق الافريقي هي ارتباط هذا القانون وبنظامه الاجتماعي الغربي الاروبي التي جلبت كل المآسي والمحن السياسية والاقتصادية والثقافية للقارة الافريقية تحت دعاوي وشرعنات حمل مشاعل النور والامل للبسر الذين يرزخون وتمرغون في ظلمات الجهل والامية والتخلف! وكان هذا هو مسوغ المشروع الاستعماري في القارة الافريقية ! لم تهنأ المجتمعات الافريقية بقيم الديمقراطية ونظام الدولة الحديثة كما رُوجت لها من دُعاة ورسل الاستعمار بل كانت النتيجة مزيذ من التفكك الاجتماعي والسقوط في هاوية النزاعات العرقية !...وطبقا لذلك ظلت هذه الفظاعات التي ارتكبت بواسطة المستعمرين والذي يدين له القانون الجنائي الدولي من حيث النطاق القِيمي والمُثلي حضورا عميقا علي الذاكرة الشعبية الافريقية مما خلق حالة تردد وتوجس علي كل المنتوجات الفكرية التي نشات وترعرت في السياق الغربي حتي ولو كانت تحقق فائدة لانسانية جمعاء ! ولم تكن بعض الخطابات الجوفاء التي يصدرها بعض القيادات الدكتاورية في القارة الافريقية تحديا للقانون الجنائي الدولي باعتبارها مشروع كلونيالي ضرباً عبثيا، بل هي محاولات مقصودة لاستغلال المشاعر الجماعية حيال الغرب في مواجهة الازمات التي صعنوها بانفسم وتكتيكا للهروب من العدالة !
- اما علي صعيد الممارسة التطبيقية للقانون الجنائي الدولي نجد ان كثير من المحاكمات التي تمت لمنتهكي حقوق الانسان كانت خارج النطاق المكاني الذي ارتكبت هذه الفظائع علي الرغم من وجاهة المبررات القاضية بان المحامكات خارج نطاق مسارح ارتكاب الجرائم توفر ارضية معقولة لحماية الشهود وتهيئة بيئة مناسبة للمحاكات العادلة وعلي الرغم من ذلك الا ان مسالة اجراء المحاكات في مرآي ومسمع وبمراقبة الضحايا انفسهم له اثره البالغ لان العدالة تُري وتُحس بواسطة الضحايا.
* ومهما كانت التحديات والممانعات لانزال القانون الجنائي الدولي في واقع المجتماعات التي لم تتعافي بعد من جراحات وآلام الماضي المثقول بالانتهاكات والمخالفات الصارخة لحقوق الانسان ولاجل مخاطبة هذا الماضي الموغل في المأسآة الانسانية يظل القانون الجنائي الدولي من أنجع وأردع الوسائل في إعادة التوازن الاجتماعي عبر تحقيق العدالة .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة