العلم والإيمان (1ـ3) بقلم خالد الحاج عبد المحمود

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-15-2024, 12:16 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-10-2016, 04:58 AM

خالد الحاج عبدالمحمود
<aخالد الحاج عبدالمحمود
تاريخ التسجيل: 10-26-2013
مجموع المشاركات: 164

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
العلم والإيمان (1ـ3) بقلم خالد الحاج عبد المحمود

    04:58 AM October, 10 2016

    سودانيز اون لاين
    خالد الحاج عبدالمحمود-
    مكتبتى
    رابط مختصر

    بسم الله الرحمن الرحيم

    "وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ"
    لقد لفت نظري، أن البعض يرى وكأن العقيدة في الدين مما يضعفه، أو حتى يجعله غير علمي.. والظاهرة طرف من الانبهار بالحضارة الغربية.. فهؤلاء يرون أن العلم المادي التجريبي هو العلم، ونتائجه أكثر وثوقية من غيره، وأكثر وثوقية من منهج الدين.. وهؤلاء النفر من المؤكد أن جهلهم بالعلم المادي التجريبي، ومنهجه، أكبر من جهلهم بالدين ومنهجه.. هم أصحاب عقيدة في العلم، ليست مبنية على حقائق العلم ومنهجه، وإنما مبنية على انبهار ذاتي، بالإنجازات العلمية للحضارة.. وبعضهم ذهب بعيداً جداً، في الانحياز ضد الدين، تحت زعم عدم العلمية!! ومشكلة هؤلاء، أنه مع الانبهار هنالك ضحالة ثقافية في المجال العلمي، إن لم يكن هنالك غياب للثقافة العلمية.. فالعلم الحديث، على خلاف التصور في العلم الكلاسيكي، لم تعد فيه حتمية، ولا يقين!! وهذا ما يدركه أبسط الناس الماماً، بواقع العلم الحديث.. ولقد أصبحت نظرية الكوانتم مما يدرس في المرحلة الثانوية.
    وأنا في هذه الحلقات سوف أقوم بعرض موجز للفكر بين الإسلام والحضارة الغربية.. وبالنسبة للحضارة الغربية سيكون تركيزي على العلم المادي التجريبي ومنهجه.. وفي حديثي عن الفكر، سوف أركز بصورة خاصة على العقيدة والعلم، وهذا بسبب أن البعض يرون أن العقيدة مما يضعف التفكير الديني، ويتحدثون عن العلمية في الحضارة الغربية، وفي العلم المادي التجريبي خاصة، وكأنها لا تقوم على العقيدة، وهذا وهم السبب فيه الجهل بثقافة العصر، والجهل الكبير بالعلم المادي التجريبي ومنهجه، ومع هذا الجهل هنالك انبهار بالحضارة الغربية، يلغي العقول أو يكاد.
    يقول د. القراي: "ويمكن لأي شخص معاصر أن يدعى لتحقيق كمالات محمد الإنسان، دون أن يعرض عليه منهج محمد النبي في العبادة بما يحوي ذلك المنهج من طرف العقيدة..".. فكأنما العقيدة عنده مما يدل على نقصان المنهج، وهي عنده لا ضرورة لها، ويمكن تخطيها!! أما السيد أبوبكر بشير فيزعم أن الدعوة إلى الله التي تطلب الاعتقاد، ليست هي ما يسمى دعوة علمية، فهو يقول: "حسب ما أرى إن الدعوة إلى الله التي تطلب الاعتقاد، ومن ثمَّ الالتزام بنشاط تعبدي، ليست هي ما يسمى دعوة علمية..".. واضح من قوله أنه يعتبر الاعتقاد أمر مخالف للعلم والعلمية.. وهو لا يبين السبب في ذلك.. فهل يوجد أي علم، دون عقيدة!؟ واضح أن صاحب العبارة يرى أن العلم يكون بدون عقيدة، وهي رؤية تقوم على الجهل التام بالعلم في أي مجال من مجالاته، خصوصاً العلم المادي التجريبي.
    أصحاب العبارات أعلاه، على جهلهم الفاضح، هم أفضل بكثير من د. النور محمد حمد، الذي وصل إلى درجة من السوء ما عليها من مزيد، حيث قال: "أنا بفتكر ما عادت في فرصة للدعوة.. يعني الدعوة للعقيدة، أو لأي فكرة دينية هي من التاريخ.."!! ونحن لنا عودة إلى مناقشة هذا الزعم الممعن في الغرور والسطحية.. فصاحب الزعم رغم أنه تحدث حديثاً مطولاً، إلا أنه لم يورد أي دليل على قوله.. ونحن يعنينا زعمه هذا هنا، في مجال ارتباط الفكر بالعقيدة والعلم.
    هل يمكن أن يكون هنالك أي تفكير بشري لا يقوم على العقيدة بصورة أساسية!؟ واضح أن أصحاب المقولات التي نقلناها أعلاه، يعتقدون أن العقيدة مرتبطة بالدين، أما العلم فهو عندهم لا يقوم على العقيدة، وهذا فهم قاصر ويدل على ضحالة شديدة في فهم العلم والدين معاً.. لقد كانت هنالك مثل هذه النظرة عند الماديين، وقد تجاوزها العلم تماماً.. وقد كان أصحاب العلم الكلاسيكي يرون أن منهج العلم المادي التجريبي، نتائجه صحتها أكثر وثوقاً من أي منهج آخر خصوصاً منهج الدين، لارتباطه بالغيب والغيبيات.. وكان هؤلاء يرون أن حقائق العلم المادي التجريبي هي وحدها الحقائق القاطعة لأنها حقائق مادية تخضع للتجربة.. وهذا التصور، أصبح علمياً، متخلف تماماً، ولا يقول به أي شخص معاصر له دراية بالعلم المادي التجريبي ومنهجه وهذا نتج عن تطور في العلم نفسه.
    هؤلاء النفر الذين أوردنا أقوالهم أعلاه، وهنالك غيرهم، من المنبهرين بالحضارة الغربية.. فهم أصحاب عقيدة عمياء في الحضارة الغربية، ولا يكاد يكون لهم أي المام بما توصلت إليه الحضارة في مجال العلم وفلسفته.. تصور هؤلاء هو أقرب للعلم الكلاسيكي، الذي تجاوزه العلم المعاصر بآماد بعيدة، كما تجاوز المادية نفسها بصورة حاسمة.. ونحن هنا بصدد كتابة حلقات عن الفكر بين الإسلام والحضارة الغربية، بصورة مبدئية، والغرض من الكتابة دحض مزاعم هؤلاء النفر، ومن هم على شاكلتهم، من أصحاب الغرور، بعلمية العلم المادي التجريبي، التي لا يكادون يفقهون عنها شيئاً.. وحتى يكون الطرح مفيداً، لا بد من رد الأمور إلى أصولها، ودون هذا الرد يكون الحوار غير مجدٍ، وأصحابه يتكلمون في أودية مختلفة، إذ أنهم يرجعون إلى مرجعيات مختلفة.. وهذا ينطبق على أي حوار يتم حول القضايا الأصولية، التي لها علاقة بالطبيعة الإنسانية.. ورد الأمور إلى أصولها، هو رد إلى أصلين: طبيعة الوجود، والطبيعة الإنسانية.. فعلى تصور هاتين الطبيعتين يتم تصور أي شيء دونهما، مما له علاقة بهما.. وقضية الفكر، وما يتعلق منها بالعلم والعقيدة، تتحدد بصورة كلية بالرجوع إلى الطبيعتين، ودون هذا الرجوع لا يكون للحديث أي أصل يعتمد عليه.. من أجل ذلك نحن سنتحدث عن طبيعة الوجود، والطبيعة الإنسانية، في الإسلام وفي الحضارة الغربية.. والغرض من كل ذلك الوصول إلى رؤية واضحة عن الفكر في المجالين، وعن العقيدة والعلم.. وبالطبع الفكر يتعلق بالعقل أداة الفكر، ويتعلق بالوجود بما فيه الإنسان، مادة الفكر.
    بالنسبة للإسلام، أصل الوجود هو (المطلق) – الذات الإلهية المطلقة.. ووجود كل موجود، مستمد منها، ويرجع إليها.. هذه النظرة، هي النظرة التوحيدية، وهي تقوم على وحدتين أساسيتين.. الوحدة الأولى هي وحدة الوجود.. وهي لا علاقة لها بوحدة الوجود الفلسفية.. وحدة الوجود في الإسلام تعني أن الوجود، يتمثل في وجود الله، واسمائه، وصفاته، وأفعاله.. فالوجود الحادث كله – العالم - هو عبارة عن إرادة الله تجسدت.. ويتبع من وحدة الوجود، وحدة الفاعل، وهي تعني: لا فاعل لكبير الأشياء ولا لصغيرها إلا الله.. وهذا هو معنى كلمة التوحيد (لا إله إلا الله)، وعليها العمل في العبادة والمعاملة عند المسلم.. ووحدة الفاعل تعني، ضمن ما تعني، أن العالم كله يحكمه قانونٌ واحد، هو الإرادة الإلهية.. وهذا هو القانون الطبيعي، وفق التصور الإسلامي.. وهو قانون واحد كلي وشامل، يخضع له كل شيء في الوجود.. ولما كان العالم كله بما فيه أحداثه، عبارة عن الإرادة الإلهية متجسدة، فإن ظاهره هو المادة، كما تدركها حواسنا، وما وراء الظاهر هو الروح: هو العلم الإلهي متنزلاً إلى الإرادة، متنزلاً إلى القدرة.. ويتبع من ذلك أن البيئة، في جميع مجالاتها، بيئة روحية ذات مظهر مادي.. ويتبع أيضاً أننا عندما نتعامل مع أي شيء في البيئة، إنما نتعامل مع الله، في مظهر من مظاهره.. والتوحيد، بالمعنى الذي ذكرناه، يحتم عدم اختلاف النوع.. فالأشياء كلها، وبكل ما يظهر بينها من اختلاف، هي شيٌء واحدٌ، هو إرادة الله، متمثلة في القدرة الإلهية المتجسدة.. فالاختلاف بين الأشياء في الوجود هو اختلاف درجة فقط.. وهذا الذي ذكرناه، عليه يقوم كل شيء في الوجود.
    أما الحضارة الغربية، فهي تقوم على العَلمانية، والعَلمانية في أصلها ترتبط بهذا العالم، وتستبعد كل عالم وراءه.. بصورةٍ خاصة هي تستبعد عالم الغيب وكل ما وراء عالم المادة.. فالله حتى لو كان موجوداً، فإنه لا يتدخل في العالم، وإنما تركه لقوانين الطبيعة تُسيره.. فالأصل الأصيل هو الطبيعة والقوانين، التي تحكمها.. والطبيعة طبيعة مادية.. وأوضح تعريف للمادية، في تقديري، هو ما قاله غارودي عندما كان ماركسياً، وجاء فيه: "إن حوادث العالم هي الأوجه المختلفة للمادة المتحركة، باعتبار أن المادة هي ما هو موجود خارج روحي، وخارج كل روح، والتي لا تحتاج لأي روح لكي توجد..".. هذا هو التعريف الماركسي، وهو يعتبر تعريفاً مادياً متطرفاً.. ولكن لما كان الفكر الغربي عموماً، يرفض الميتافيزيقا، فإن أي تعريف فيه لا يَبعُد كثيراً عن هذا التعريف.. والمقصود بالمادة هو المادة كما تدركها حواسنا.. قد يؤمن الكثير من العلمانيين بوجود الله، أو وجود الروح، ولو بصورة عامة، ووجود الما وراء، ولكن هذا الإيمان ليس له أي دور، لا في الفكر، ولا في الحياة.. والعلمانيون دنيويون، بمعنى أنهم منصرفون فكراً، وعملاً، وحياةً، لهذه الدنيا وحدها.. الدنيا بمعنى الدورة من الحياة التي تنتهي بالموت.. أما ما بعد الموت فلا يدخل في اعتباراتهم.. هذا عملياً، ينطبق حتى على من يؤمنون بوجود حياة بعد الموت.. فهؤلاء في السلوك العملي، لا يفكرون في هذه الحياة التي بعد الموت، فهي ليست من اهتماماتهم، ويعملون فقط في إطار الحياة التي يعرفونها، والتي هم فيها، فهي وحدها التي تحكم عملهم كله.
    أما الطبيعة البشرية، في الحضارة الغربية، فهي مثل أي شيء آخر في الطبيعة، تحكمها قوانين الطبيعة، ولا شيء غيرها.. فهي طبيعة مادية، تخضع لقوانين المادة.. والحياة الطبيعة هي الحياة التي تعمل وفق هذه القوانين.. وبالطبع العقل والفكر، محكومان بالطبيعة المادية.. ومما يجدر ذكره أن في الحضارة الغربية، بعض الحالات التي تخرج عن هذا التصور، ولكنها حالات لا تمثل الحضارة الغربية، وليس لها أثر يذكر في الحضارة.. وعلى ذلك، طبيعة الوجود الأساسية، في الحضارة الغربية هي المادية، وتبعاً لذلك الطبيعة الإنسانية هي مادية أيضاً.. قد تكون هذه المادية متطرفة أو معتدلة، لكنها لا تخرج عن كونها مادية.. هذا هو الإطار الذي يحدد الفكر وطبيعته ومجاله، في الحضارة الغربية.. وهو إطار لا يملك الفكر الغربي أن يتعداه، إلا أن يخرج عنه إلى إطار آخر.. وإذا خرج إلى إطار آخر، فإنه، في هذه الحالة، لا يكون فكراً غربياً، بداهةٌ..
    والفكر الغربي، تعبر عنه الفلسفة، ويعبر عنه العلم المادي التجريبي.. وقد تراجعت الفلسفة مؤخراً، تراجعاً كبيراً، حتى ليصح أن يقال أنه بعد الماركسية، لم تعد هنالك أي فلسفة جماهيرية.. ولا يجادل ذو عقل أن كل الحضارة الغربية، بصورة عامة، منسوبة للعلمانية.. والعلمانية أقرب إلى التوجه العام، منها إلى الفلسفة الموحدة المنظمة، التي يتفق معتنقوها على أساسياتها، مثل الماركسية.. فالوجودي يعتبر علماني، والماركسي علماني، والبراغماتي علماني، والهيجيلي علماني ... إلخ.. وأغلبية الغربيين ليست لهم فلسفة عامة محددة.. فهم يعيشون في إطار علماني، دون أي اهتمام فكري بقضاياه..
    بل إذا قسنا الأمر بمقياس الدين الإسلامي، وما يقتضيه، وبمقاييس العلمانية العامة، التي تقوم على العقل المجرد والدنيوية والمادية، نجد أن جميع أهل الأرض تقريباً، علمانيون، بمعنى أنهم حتى ولو كانوا مسلمين أو مسيحيين، هم يظهرون الدين، ويبطنون العلمانية.. هم يتعاملون في الحياة بمعايير العلمانية وموجهاتها، ومفارقون لمعايير الدين وموجهاته..
    نحن هنا نستخدم كلمة دين، بمعنى الأديان الكتابية، وإلا فإن العلمانية، حسب التعريف العام، هي دين!! يقول إريك فروم عن تعريف الدين: "إنني أفهم الدين بأنه أي مذهب للفكر والعمل تشترك فيه جماعة ما، ويعطي للفرد، إطاراً للتوجيه، وموضوعاً للعبادة..".. وهذا تعريفٌ دقيقٌ وشامل، والعلمانية لا تخرج عنه.. ولكن لضرورة التفهيم، نعتبر الدين الدنيوي، ليس ديناً، حتى نميز بين الإسلام والعلمانية.
    وفق ما تقدم، علينا أن نتحدث عن طبيعة الفكر وأصله، وعن طبيعة العلم والمعرفة وأصلهما، بالنسبة للإسلام وبالنسبة للحضارة الغربية.. ما هي أهمية الفكر، وما هي غايته، وما هي حدوده؟ وكيف نستخدمه وما هو الدور الذي يلعبه في حياتنا؟ وهل الفكر صورة واحدة، أم هو متحرك نامي ومتجدد؟
    نحن نعتقد أن العلم المادي التجريبي يمثل الحضارة الغربية أكثر من غيره، ولذلك سنركز عليه، دون إهمال للفلسفة.. ويعنينا بالطبع التفكير العلمي، الذي يزعم له أصحابه أنه وحده هو التفكير العلمي الموثوق بمعارفه.. ومن هنا جاءت كلمة (علمي).. فهل حقاً التفكير العلمي (علمي)!؟ هم يزعمون أن علميته تأتي من أنه يتعامل مع المحدود الذي يمكن تجربته، ولا يقوم على عقائد غيبية.. فهل هذا صحيح!؟
    نحن نزعم منذ الآن أنه: لا يوجد، ولا يمكن أن يوجد، فكر لا يقوم على مقدمات إيمانية، وهذا بحكم طبيعة الوجود _ مجال الفكر.. وبحكم طبيعة العقل.. وهذا يقودنا إلى قضية أساسية هي قضية الغيب والإيمان.
    الغيب والإيمان:
    الفكر الغربي عامة، يقوم على الطبيعة، ويعتبر ما وراء الطبيعة إما لا وجود له، أو لا أهمية للتفكير فيه.. فمن علمية الفكر أن لا ينشغل بما وراء الطبيعة، ألا ينشغل بالغيب!! وما وراء الطبيعة، بما في ذلك الروح.. وبقليل من التفكير، نجد أنه من المستحيل ألا ينشغل بالغيب.. فما هو الغيب؟ هو ما غاب عن إدراك العقول، وإدراك الحواس.. أعتقد أن هذا التعريف يمكن الاتفاق عليه.. وعلى ضوء هذا التعريف، العلم كله علم غيب!! بمعنى، أن كل ما نعلمه، قبل أن نعلمه، كان بالنسبة لنا غيباً – كان غائباً عن إدراك عقولنا وحواسنا.. وبعد أن نعلمه يصبح شهادة.. وكل العلم هو تحويل لما كان في عالم الغيب إلى عالم الشهادة.. فالغيب وجود.. والفكر، ينبغي أن يشمل كل ما هو موجود، ويمكن للفكر إدراكه.. فالمعرفة، هي معرفة الوجود، معرفة كل ما هو موجود.. ونحن يغيب عن علمنا الكثير جداً من الوجود حولنا.. فالغيب هو كل الوجود حولنا.. وكل ما هو غائب مطلوب أن نعرفه، نعرف وجوده أولاً، ثم نعرف طبيعة وجوده والخصائص التي تميزه.. وما لا نعلمه اليوم سنعلمه غداً.. الثانية القادمة مثلاً، بالنسبة لنا غيب – لا نعلم ما سيحدث فيها.. والحكمة وراء ما يحدث بالنسبة لنا غيب.. ما بعد الموت غيب.. الكوارك مثلاً قبل أن ندرك وجوده هو غيب، والآن الكثير مما يتعلق بطبيعة الكوارك، هو غيب.. المستقبل عموماً بالنسبة لنا غيب.. ونحن بطبيعتنا نتطلع إلى معرفة ما في الغيب.. نتطلع إلى أن نعرف ما نجهله، ولا نرضى أبداً بعلم ما علمنا، وإنما نطلب دائماً المزيد.. فعلم الغيب، ليس فقط ممكناً، وإنما هو ضروري!! وقد سار الإنسان اليوم كثيراً، في معرفة الغيب، فالكثير مما يعلمه الإنسان المعاصر، كان بالنسبة للأقدمين غيباً، هم لا يعلمون مجرد وجوده.. وأصبح عندنا اليوم علم المستقبل (Futurology).. بل إن من أغراض العلم المادي التجريبي الأساسية، التنبؤ!! وفي حياتنا اليومية، نحن نسمع كل يوم النشرة الجوية وهي تخبرنا عما يحدث من مناخ في المستقبل، والجميع، تقريباً، يصدقون أخبار النشرة الجوية.. وهي تنبؤ بالطقس أو بالأحوال الجوية.. ولكل إدراك للغيب وسائله التي تناسبه.
    أما بالنسبة للدين، فلأنه يقوم على الوحدة، فلا مجال فيه للحديث عن التقسيم إلى طبيعة وما وراء الطبيعة – فيزيقي وميتافيزيقي – فالمادة والروح في الدين شيٌء واحد، ليس بينهما اختلاف نوع، وإنما كل اختلاف هو اختلاف درجة: فالروح مادة في مستوى من الذبذبة لا تتأثر به حواسنا.. والمادة روح في مستوى من الذبذبة تتأثر به حواسنا.. وفي الإسلام الوجود، في الحقيقة – من وجهة نظر الله – كله موجود وليس فيه شيء غايب.. فوجود الغيب وجود اعتباري..
    اذن: بسبب وجود الغيب، وبحكم طبيعة عقولنا التي لا تدرك إلا ما هو شهادة بالنسبة لها، العقيدة والإيمان ضروريان للمعرفة، ومن المستحيل أن تتم معرفة من دونهما.. فلا يوجد، ولا يمكن أن يوجد، علمٌ، بدون مقدمة إيمانية.. هذا بحكم طبيعة الوجود، وطبيعة الإدراك العقلي..
    عن ضرورة العقيدة والإيمان، يقول وليم جيمس: "الواقع أننا لا نستطيع أن نحيا أو نفكر، دون قدرٍ من الإيمان أو الاعتقاد، وليس الاعتقاد إلا مجرد فرض ناجح..".
    يكاد يكون من المتفق عليه، أن الفكر وسيلة للحقيقة.. والحقيقة بطبيعتها، لا بد أن تكون مطلقة، تلتقي عندها جميع الحقوق.. القول بحقيقة نسبية هو عبارة عن قول بعدم وجود حقيقة.. فإذا لم تكن الحقيقة، هي المعنى النهائي لكل شيء، فإنها لا تختلف عن بقية الأشياء، ولا يصح في حقها أن توصف بأنها حقيقة.. فالحقيقة تعني الشيء النهائي، الذي ما بعده شيء نبحث عنه، فهي مطلقة وليست نسبية، لأن كل ما هو نسبي، ليس نهائياً.. فهل الفكر الغربي، يملك الإمكانية لأن يقود للحقيقة بهذا المعنى؟ وكذلك الحال بالنسبة للفكر الإسلامي: هل يملك الامكانية لأن يقود للحقيقة بهذا المعنى؟ وإلا فما هي الحقيقة؟ فإذا قلنا، لا يوجد معنى نهائي، يمثل الحقيقة، فهذا يعني أنه لا يوجد أي شيء يربط كل العالم، وما يحدث فيه، كما يعني أيضاً، عدم وجود معنى كلي للعالم، وأحداثه.. وفي الواقع، في العالم الغربي، من المفكرين، من ينكر وجود حقيقة، ووجود المطلق.. وهذا يمثل أكبر ضعف في الفكر الغربي.. فوجود الحقيقة النهائية هو الذي يحدد الغايات الكلية، والوسائل إليها.. ومعرفة الغاية والوسيلة، هي من أهم مجالات الفكر: فإذا غابت، يكاد الفكر يغيب.
    وعلى الرغم من أن وليم جيمس لا يؤمن بالمطلق، إلا أنه يؤمن بأهمية الحقيقة، أسمعه يقول: "الهدف الحقيقي للحياة الإنسانية أن يحيا الإنسان بصورة أفضل. ويعد البحث عن الحقيقة، والوصول إليها، الشرط الضروري لتحقيق هذه الحياة الأفضل..".. ويقول في موضع آخر: "يترتب على معنى الحقيقة تغيير في نظرة الإنسان إلى الحياة، وسلوكه العملي تجاه المشكلات التي تواجهه..".
    لقد تطور العلم المادي التجريبي كثيراً جداً.. وهذا أهم سمات الحضارة الغربية.. وأعظم صور التطور، في تقديري، هي ما توصل إليه العلم مؤخراً، من أصل للكون، في نظرية (الانفجار العظيم).. وهذا أمر سيترتب عليه الكثير جداً، والهام جداً فيما يتعلق بالفكر.. وكذلك نظرية التطور عند دارون وغيره من العلماء.. وهنالك الكثير جداً، والهام جداً، في مجال التطور العلمي.. وبالطبع في القمة تجيء نسبية آينشتين، ونظرية الكوانتم، وقد أحدثتا تغييراً جذرياً في مجال الفكر والمعرفة.. وكذلك البيولوجيا الحديثة، وبالذات علم الأعصاب الحديث، لما له من علاقة مباشرة بالعقل وبالإدراك والفكر.
    ونحن يعنينا بصورة خاصة، في هذه المقارنة، العلم المادي التجريبي، ولذلك سنركز عليه، دون غيره، لنرى هل يمكن أن تكون هنالك معرفة دون عقيدة.. أو بالتحديد العلم المادي التجريبي لا يقوم على العقيدة بصورة أساسية!؟ وهذا ما سنراه في الحلقات اللاحقة.
    خالد الحاج عبد المحمود
    رفاعة في
    السبت 9 أكتوبر 2016م








    أبرز عناوين سودانيز اون لاين صباح اليوم الموافق 09 أكتوبر 2016

    اخبار و بيانات

  • اللورد التون والبارونة كوكس يدعون الحكومة البريطانية لوقف التفاوض مع السودان حول الهجرة و اجراء تحق
  • تقرير جديد: إستخدام و ملكية الأراض و تخصيصها في السودان: تحديات الفساد و غياب الشفافية
  • مصادرة صحيفة والتحقيق مع صحفية وتبرئة صحفي
  • بيان الحملة الإنسانية لوقف الأسلحة الكيماوية والإبادة الجماعية بدارفور رقم 2
  • تقرير حول المظاهرة النشطاء السودانين بفرنسا
  • بيان مجموعة الأطباء السودانيين فى ألمانيا


اراء و مقالات

  • عبد الخالق محجوب: ويخرج الانقلابي من الثوري (الخاتمة) بقلم عبد الله علي إبراهيم
  • الحوار طلع فشوش .. بقلم د. ابومحمد ابوآمنة
  • المفاجاة ، انقلاب البشير الأخير!!! بقلم د. عبد الرحمن شويح
  • عملية يوليو الكبرى (11) الفصل الأخير في حياة القائد الوطني (4) هذا ما تورطوا فيه..!! عرض/ محمد علي
  • إلغاء نظام القَوْميّات فى أرتريا.. بقلم محمد رمضان
  • صحفيو دعونى أعيش هاجموا إضراب الأطباء خوفا على أكل عيشهم ! بقلم الكاتب الصحفى عثمان الطاهر المجمر
  • شيخ الفقهاء عبدالرزاق السنهوري والسودان (1) بقلم دكتور فيصل عبدالرحمن علي طه
  • حول أسمار وأباطيل : حسين خوجلي!! بقلم حيدر احمد خيرالله
  • الأطباء وجرم مامون حميدة فى عهد دولة العريف طه وشركائه!! بقلم عبد الغفار المهدى
  • التزامات الدولة تجاه المدافعين عن حقوق الإنسان بقلم نبيل أديب عبدالله
  • آخر فرصة.. للوطني!! بقلم عثمان ميرغني
  • ماذا حدث لأمريكا ؟ بقلم أ.د. ألون بن مئيـــر
  • كاتب مفلس, ورجل مهموم, وأنف امرأة بقلم اسعد عبدالله عبدعلي
  • دحلان والبرغوثي بين الخيار الوطني والاقليمي بقلم سميح خلف
  • الأجهزة المفقودة..!! بقلم الطاهر ساتي
  • حكمدار السودان..!! بقلم عبد الباقى الظافر
  • ان بقي وقت للحديث بقلم أسحاق احمد فضل الله
  • جِمال شيل!! بقلم صلاح الدين عووضة
  • اللحظة الفارقة بقلم الطيب مصطفى
  • على خلفية إضراب الأطباء بقلم مصعب المشـرّف
  • الولايات المتحدة تتحدى قسم الرئيس بقلم زين العابدين صالح عبد الرحمن
  • ذاكرة النسيان؛ على قادة الحركات المسلحة نقل المعركة إلى الخرطوم معقل الظلم والظالم بقلم إبراهيم إسم
  • الحوار الوطنى اكذوبة الصادق المهدى و عثمان الميرغني.. ماتوا موت سريري بقلم محمد القاضي
  • إلى مصر الغالية وغزة الحزينة في ذكرى العبور بقلم بقلم الدكتور/ أيوب عثمان كاتب وأكاديمي فلسطيني
  • التيمية يبررون بدع الحاكم الاموي و يخالفون اوامر النبي !. بقلم احمد الخالدي

    المنبر العام

  • عبد الواحد النور يدعو للمقاومة الشاملة والانتفاضة علي النظام (تسجيل صوتي)
  • قالوا البشير يختار حسين خوجلي يحاور يوم الاربعاء ومنقول الحوار دا علي 60 قناة تلفزيونية
  • مظاهرة لندن ضد استخدام السلاح الكيماوي في جبل مرة ( صور+ فيديوهات)
  • حوار(مثلث حمدي)يؤدي إلى انفصال النيل الأزرق وكردفان ودارفور عن السودان
  • تسيء لله والنبي محمد وتصور باب الكعبة رمز للشيطان قالوا- إليكم قائمة بالألعاب الرقمية المسيئة للإسل
  • Coming out of the closet
  • 10-10 عُرس السُودان : نص الوثيقة الوطنية للحوار الوطني
  • دا اسلوب رخيص لاسكات الخصوم يا عماد الشبلي
  • اهم مخرجات الحوار الوطني ...
  • نافع كتل الدش لكل من له أمل في الحوار..
  • شكوي عاجلة الي الاخ بكري ابو بكر
  • والي الشمالية ينجو باعجوبة من جماهير غاضبة رشقته بالحجارة
  • 10-10 عُرس السُودان : مبارك الفاضل : قررنا المشاركة في الحوار لتصل المسيرة الوطنية الى غاياتها
  • الحوار الوطني .. العاقبة في المَزَرّات !
  • الحوار الوطني .. العاقبة في المَزَرّات !
  • طلاب الطب نزلو الشارع بالروبات البيضاء والمعلمين يدعمون الاضراب عمليا(صور)
  • إفتراءات منظمة العفو الدولية !!
  • 10-10 عُرس السُودان: قوى (المستقبل للتغيير) تلتحق رسمياً بمشروع الحوار الوطني
  • مشاركة الحركات المتمردة في الصراع الليبي
  • تداعيات زلزال قانون جاستا الأمريكي!!
  • موسم كشف عوارت ترامبيت الزول دة عرف الفرف بين الصعلقة والسياسة يادوب
  • *** تركي تأخر عن موعد رحلته فأجبر الطائرة على العودة من السماء بطريقة غبية ***
  • 10-10 عُرس السُودان: المؤتمر العام للحوار الوطني يجيز الوثيقة الوطنية بالاجماع والتوقيع عليها
  • افكار عملية بسيطة لمواجهة مشكلة الغلاء ؟
  • السعودية - عجز مالي قياسي وتحديات متزايدة.. من DW الألمانية
  • شاركنا بأجمل كتب المذكرات الشخصية والسير الذاتية التي قرأتها
  • 10-10 عُرس السُودان : نص توصيات الحوار الوطني الشامل
  • رواية جديدة وهي الثلاثة للزميل حامد الناظر
  • إعلان حالة الطوارئ في إثيوبيا - اليوم الأحد
  • واشنطن تدعو الخرطوم لاعتبار(الحوار الوطني) مرحلة أولى تمهد لمشاركة اوسع
  • موقـف محـيّـر -مصر تصوت لمشروعين متعارضين في مجلس الأمن حول حلب.. والسعودية تنتقد القاهرة
  • ورطة الذين صدّقوا فرية حوار الوثبة ..
  • عبد الحي يوسف : إضراب الاطباء ليس خروجاً علي الحاكم
  • القبض علي سوداني حول أكثر من 4 ملايين دولار من دولة خليجية للسودان
  • «قانون» غير قانوني يسمونه «جاستا» مقال للكاتب احمد علي
  • امام مسجد الأنصار : عجبي نصنع الطائرات ونستورد الثوم
  • مسرح العرائس وعودة البلياتشو الحسن الميرغني !
  • هل الفيتو الروسي في المشكل السوري بدايه لطبول الحرب الكونية الثالثه ؟
  • ألف مبروك د. حياة المهدي زمالة الجمعية الملكية للكيمياء بالمملكة المتحدة....
  • قفل الحوار الوطنى ويافرحة ماتمت
  • الهَبَّة الحُسَيْنِيَّة أمام بَغْي الدَولَة الأُمَوِيَّة!!!
  • عمار أكمل عامه الأول ... في عليين إن شاء الله
  • تكلم حتى اراك.....رحمك الله يا سقراط
  • الشيوعي والشيوعيين شماعة النظام التي ترنحت أمام عزيمة أطباء الوطن الشرفاء
  • تقديم اللوتري 2018 استشاره سريعه
  • مفتاح شقة لندن
  • إشهار حزب العموم السوداني من لندن
  • أغنيات: للحب – الرحيل – السفر - النسيان - الخوف ...؟
  • ما قاله الامام الصادق المهدي عن رواية شوق الدرويش في تدشين نقدها لعبدالرحمن الغالي في أي سياق يقرأ
  • مجزرة بيت العزاء
  • بيان خطير من المعلمين























  •                   


    [رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

    تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
    at FaceBook




    احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
    اراء حرة و مقالات
    Latest Posts in English Forum
    Articles and Views
    اخر المواضيع فى المنبر العام
    News and Press Releases
    اخبار و بيانات



    فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
    الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
    لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
    About Us
    Contact Us
    About Sudanese Online
    اخبار و بيانات
    اراء حرة و مقالات
    صور سودانيزاونلاين
    فيديوهات سودانيزاونلاين
    ويكيبيديا سودانيز اون لاين
    منتديات سودانيزاونلاين
    News and Press Releases
    Articles and Views
    SudaneseOnline Images
    Sudanese Online Videos
    Sudanese Online Wikipedia
    Sudanese Online Forums
    If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

    © 2014 SudaneseOnline.com

    Software Version 1.3.0 © 2N-com.de