|
العبيد ديل كملوا زاتو ياخ بقلم عثمان محمد حسن
|
كتب الأستاذ\ خوجلي عبد الحفيظ مريود:- " ..... أنْ نصادر الهويّة السودانيّة لأغراض "الإستثمار الثقافىّ فى إفريقيا.... عسى ذلك أنْ يوفّر – وليس يحقن – بعض دماء هذه البلاد. ف" العبيد ديل كملوا زاتو ياخ" بحسب عبارةٍ قالها لى شخصيّاً الأستاذ حسين خوجلى بمكتبه،متخمةً بالشفقة، أحبّ أنْ أوردها هنا، بخبث متعمَدٍ رصينٍ، لأنّها نموذج لأحاديث كثيرة لم تخرج إلى العلن، تؤثّر فى مجريات السياسة والتأريخ والاجتماع فى السودان.." و أنا أقول للأخ حسين:- أدُّوا ( العبيد) ديل حقوقم، ياخ!، كان خايفين عليهم يكملوا.. ما تقعدو تسوطوا الواطة و تلخبطوا الحواكير، و تشيلوا لبن الناقة و تدُّوهم لبن الطير.. و تغشغشوا قيهم بكلمة أهل القرآن و حَفظَة القرآن.. غشغشة ما عادت تكفي لشراء مريسة تامزين.. نعم، الأستاذ\ حسين خوجلي متخم بالشفقة و لكنه متخم بعروبته من داخل تلك الشفقة.. فعندما يتحدث عن ال " ( سود)اني الأصيل"، يشير عقله الباطن إلى ( العربي) الأصيل.. و حين يتحدث عن السوداني "ود بلد ".. يظل باطنه مع ( العربي) مبعداً اخوانه السود عن الانتماء للبلد.. مع أن البلد تَسَمت بالسودان لأنها ( أرض السود).. و عندما يقول " ود قبايل ) فهو يعني القبائل العربية حصرياً.. و مع ذلك، نحن كلنا- بما فينا حسين خوجلي- عند العرب صابون.. و هو زاتو لو قطع البحر بي غادي.. أو لو غرَّب و قطع الصحرا شمالاً و قعد شوية هناك في البوادي كان عرف حاجة.. إلا هو سفرياتو لهناك و هناك سفريات زول تريان.. ما بْباري إلا الفنادق إياها.. و الأماكن اللي ما بسمع فيها ( كلاماً) يخلِّيهو يعرف يحترم بني وطنو..كلاماً يخلِّي عقلو الباطن يتراجع فتتراجع- بالتالي- ألفاظو المشاترة شوية.. و على الأخ حسين أن يعلم أن اللبنانيين يطلقون على الفول السوداني ( فول العبيد ) و أن لبنان لم يرض بانضمام السودان إلى المنظمة العربية.. فكانت بعض صحفه تسميها: منظمة الدول العربية و السودان.. عقب انضمام السودان إليها.. و مع ذلك، هناك إشراقات.. ففي حوار مع الشاب محمد عبدالرحمن بعد اطلاق سراحه قال:-"...... بعدها تم تحويلنا إلي مباني الأمن السياسى – هناك بدأت عملية التحقيق والتعذيب من اليوم الاول، والملاحظة ان أفراد جهاز الامن كانوا في حالة من الخوف والذعر لم أكن أتوقعها ابداً ، حيث كانوا يتفوهون بألفاظ بذيئة ويطلقون أوصاف عنصرية قبيحة مثل كيف تتضامنون مع طلاب دارفور... وألفاظ أخري يعف لسانى عن ذكرها هنا! ".. و هذه تذكرني بخطاب تسلمته من سكرتير إتحاد طلاب مدرسة خورطقت عقب فصلي من المدرسة، و محاولة الاتحاد إعادتي للدراسة.. و عبرت الرسالة عن غضب السكرتير من السيد الناظر الذي قال لهم:- " عايزين تضرِبوا عشان واحد عبد!".. كان ناظر المدرسة ينتمي إلى زمرة ( الإخوان).. أما الشاب محمد عبدالرحمن، فنموذج لسودانيين يجعلونك تتفاءل بمستقبلٍ لسودانٍ يسع الجميع.. .. و هذا النموذج لا يلبس نظارات حسين خوجلي و ( إخوانه) الذين يدوسون تعاليم الاسلام بأقدامهم و لا يعترفون ب " لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى".. و عندما يؤَصِلون انتماءهم للسودان يمِدُّون الأصالة إلى غير السودان استعلاءً على ( السود)انيين، " العبيد ديل كملو زاتو ياخ!".. و مع ذلك، يتحدثون دائماً عن استعلاء المصريين عليهم.. و هم ما عارفين كلنا عند العرب ( زفت)!.. و مسألة العنصرية مسألة ثانوية، أقرب إلى ترف المنتديات الفكرية حسب البعض.. بينما هي الأس الذي تتفرع منه جميع مشاكل السودان الذي كان يمضي بخطى بطيئة، و لكن واثقة، نحو أن يكون أمة واحدة في يوم ما.. لولا مجيئ انقلاب الانقاذ الذي دمر ما كان خطط له السودانيون ( بعيدو النظر) نحو سودان برئ من لوثة القبلية و العنصرية.. حين عاد شقيقي حسن من بريطانيا، في أواخر السبعينيات من القرن المنصرم، حدثته عن زميل لنا بالجامعة التقيته في نفس الاسبوع.. و كان قلب ذاك الزميل معلقاً بأصوله العربية التي لا شك فيها.. متنكراً لأصوله الأفريقية المؤكدة.. و قد تفرقنا بعد التخرج كل في حال سبيله.. و حدث أن سمعت صوتاً مألوف يناديني من الجانب الآخر من شارع الجامعة الذي يفصل بين البنك و وزارة الزراعة.. حدَّقت تجاه الصوت فإذا به نفس الزميل ذي القلب المعلق على شجرة نسبه العربي.. و هو يهرول عبر الشارع ليقول لي بدون مقدمات :- " أنحنا ما عرب! أنحنا ما عرب! أنحنا أفارقة! ".. ما الذي حدث فغيَّر نظرة ذاك الزميل لموقعه من شجرة العائلة؟ كان سفره إلى إحدى دول الخليج القريبة جداً من السودان هو السبب الذي أعاده إلى أفريقيا.. و حكى لي أخي حسن عن جلسة جمعته في جامعة ليفربول بإحدى الطالبات الخليجيات.. و حسن لم يدَّعِ الانتساب إلى العروبة في أي يوم من الأيام.. بل و ليس من الذين يكترثون بالانتماءات الاثنية و لا بالسياسة.. لكن الفتاة الخليجية لم تتركه في حاله.. حينما انبرت لتقول له أن وجود الطلاب السودانيين ضمن اتحاد الطلاب العرب غير مبرر لأن السودانيين ليسوا عرباً بل أفارقة.. فأخبرها حسن بأنه لم يكن عضواً في ذلك الاتحاد.. و لا يرى ضيراً في أن ينتمي إليه بقية الطلاب السودانيين.. زميلة أخي تنتمي لنفس الدولة الخليجية المجاورة.. في السنة الثانية بمدرسة ملكال الوسطى.. كنت شغوفاً بالقراءة.. و كان معلمونا من خيرة مخرجات بحت الرضا و الأزهر الشريف.. فقد كانت تلك الفترة فترة ( الصراع بين الكنيسة و الجامع).. فكانت (وزارة المعارف) تبعث بأفضل المعلمين.. كانوا يشجعوننا على القراءة و الكتابة.. و الخطابة.. و النقد.. و كانت هناك جمعية أدبية كنت أشارك فيها.. و ذات مرة قدمت مقالاً بعنوان ( لغتنا العربية.. و كيف نجعلها لغة عالمية حية).. و قد نقلت ذلك المقال من مجلة ( الهلال) بتصرف.. و بعد الانتهاء من القراءة، جاءت مرحلة التعليق و النقد.. فانبرى تلميذ من السنة الرابعة.. و اسمه مصطفى.. مبتدراً بسخرية قد تخفى على البعض:- " الأخ عثمان، أبقاك الله ذخراً للغة العربية......" .. فإذا بالأستاذ المشرف على الجمعية يصرخ فيه أن:- " إأْأُد يا مصطفى! إأْأدُ! إأْأدُ!" و الأستاذ المشرف – و اسمه سيد طه- اكتسب لهجته المصرية من منطقته بوادي حلفا و من أزهريته.. و من يومها رميت بجلباب العروبة ( الفضفاض) بعيداً.. و لم أكن قد ارتديته تماماً .. و لا تزال كلمات الأستاذ\ سيد طه ترافقني حتى الآن.. إذ كان يدفعني و آخرين إلى حب اللغة العربية و إلى تجويدها بوسائل شتى.... و قد نجح الأستاذ أيما نجاح في الابقاء على حبي المستدام للعربية.. و الفضل يعود كذلك إلى أساتذة عظام آخرين تتلمذنا على أيديهم بمدرسة ملكال الوسطى.. و لمعوا في سماء السودان بعد ذلك أمثال:- الزين حامد.. الشاعر\ حسن عوض أحمد، عبد الفضيل حسن علي.. محمود عبدالله برات.. عبدالله زكريا.. هاشم محمد عثمان.. حسن عباس صبحي.. و لا أنسى أساتذة مدرسة واو الأولية أمثال الخبير التربوي \ عبدالرحيم الطاهر.. و هو فريد في عصره إبان فترة ( الصراع بين الكنيسة و الجامع).. و كان صراعاً ناعماً.. بدأ قبل تمرد 1955 .. الذي استشهد فيه نفر كريم منهم.. علمونا في ملكال، و من ثم تم نقلهم إلى أعماق الجنوب.. و منهم بلال أفندي الذي أحاطت به مجموعة من تلامذته بمدينة ( مندري) للحؤول دون قتله إلا أن القتلة لم يرحموا دموع تلامذته.. كما أخبرنا بعضٌ منهم.. و لا دموع تلامذة عمر أفندي بمدينة مريدي حالت دون قتله.. و مرجع حب التلاميذ لأولئك المعلمين أن المعلمين أولئك كانوا أمناء على( التربية) و التعليم.. في إطار من الحب و الانسانية.. و ليس العطف و الشفقة.. و قد بذل أولئك الأساتذة، و غيرهم من ( مثقفي) سودان ما قبل الاستقلال، الكثير لإرساء مفهوم الانتماء إلى السودان على حساب الانتماء إلى القبيلة.. و جاء ( جهلة) نظام الانقاذ ليهدموا كل ما بناه أولئك دون جهد يذكر.. و فرقٌ بين البن
|
|
|
|
|
|