تعيش النخب السياسية والمثقفين في حالة جمود فكري، مما ادى إلى ضعف في الانتاج الفكري والثقافي وانعدام للبرامج والمشاريع السياسية التي تقود المجتمع السوداني من حالة الجمود الفكري والفقر والمعاناة إلى مجتمع يؤسس لبناء دولة حديثة تعمل على تأسيس دولة حقوق وقوانين ومؤسسات ديمقراطية، دولة تحترم مواطنيها وتقوم باجراء اصلاحات اقتصادية واجتماعية، ودولة تؤسس لمجتمع مدني تعددي ينشط فيها بشكل فعال، وكذلك احزاب ذات برامج ومشاريع تتنافس فيما بينها بشكل ديمقراطي. من الواضح أن كل الاحزاب السياسية والحركات المسلحة في السودان لم تكن اولويتها هي بناء دولة حديثة تؤسس إلى اصلاحات اقتصادية واجتماعية، حتى تتمكن من عملية تحقيق تغيير حقيقي تعمل علي نقل الواقع المازوم القائم الي واقع افضل، وكما تعلمون ان الدولة السودان تمر بفترة حرجة لا يمكن تخطيها بالحوار والتفاوض فقط، الذي يؤدي الي حكومة إئتلافية او حكومة إنتقالية تعمل من أجل التحول الديمقراطي والحريات، لأن كل اطراف النزاع (الحكومة والمعارضة) تخاطب القضايا بشكل فوقي، وبالتالي كل الاطراف لم يكن اولوياتها محاربة الفقر والعمل من أجل النهوض بالشعب السوداني الى شعب منتج ومتناغم مع بعضه ومسالم حتى يثتنى له الوصل الى الرفاه والحياة الكريمة، ويرجع ذلك لعدم التركيز في الكادر البشري وثقافة الفكر وقيم التقدم التى تعمل على محاربة الفساد وخلق برنامج اقتصادي والعمل لتقليل الفوارق الاجتماعية والاقتصادية، وحقوق الشعوب في الهامش والفقراء الذين تم إقصائهم واستقلالهم لفترات طويلة وتم تعزيز هذا الإقصاء والاستغلال في فترة الجبهة الإسلامية بشكل منظم مما ادى الى انتاج فوراق اجتماعية واقتصادية.
في الحقيقة كل من المعارضة والحكومة متفقون على أن هنالك أزمة، ترى بعض الأحزاب والحركات المسلحة ان الدولة السودانية منذ استغلالها حتى يومنا هذا تمت أدارتها بشكل سيئ ولكن الجبهة الإسلامية أدارتها بشكل أسوأ، وتتحدث أيضاً عن أن هنالك أزمة سياسية اقتصادية واجتماعية، بينما الحزب الحاكم وقوى الإسلام السياسي يتحدثون عن ازمة سياسية واقتصادية فقط، والكل يتكلم ويخاطب هذة الأزمة ويتحدث عن معالجتها، والكل متفق على ان الدولة السودانية على مدار حكم الجبهة الإسلامية تمت ادارتها بشكل سيئ مما ادى الى هذا الوضع الراهن الذي هو اشبه بنظام الفصل العنصري. عموماً الكل يخاطب هذه القضايا بشكل فوقي، لكن لم تكن هنالك رغبة حقيقة لبناء الوعي والعمل واستنارة الشعب، وبالتالي يوجد خطاب سياسي سوداني بينما ينعدم وجود فكر اجتماعي سياسي يساهم في عملية التغيير الاجتماعي الذي ينقل شعبنا من الفقر وانعدام السلم والأمان الى مجتمع مستنير ويعمل من أجل التقدم والرفاه واحترام الآخر وتعزيز حقوق الإنسان واحترامها وحرية الاعتقاد. ويرجع ذلك الى تعطل الانتاج الفكري من جانب، والى تعطل الجدلية بين المجتمع كقوة انتاج وبين الفعل والفكر من جانب آخر، كماء قال الكاتب شوقي جلال في حديثة عن تعطل الفكر العربي.
نحن الأن في مفترق طرق، لأن حالة الجمود التي يعاني منها المجتمع السوداني والأزمة الاقتصادية والسياسية المدمرة التي تعاني منها الدولة السودانية منذ تأسيسها دون توقف حتى يومنا هذا تجعل من الضروري بالنسبة لنا أن نعمل بجد لبناء قيم واخلاقيات تنقلنا من هذه الحالة التي نعاني منها الى مجتمع يسوده الطموح والأمل والعمل من أجل التقدم، وبالتالي يتحول المجتمع إلى مجتمع يعيش لكي يعمل وليس يعيش لكي يحى فقط.
عموماً القادة الساسيين وقادة المجتمع المدني وكل من يناديون بالتغيير يجب أن يقودوا ثورة في العقول وتكون أولوياتهم، وهى مسؤوليتهم أذ بدونها لا مجال لنقل المجتمع من مجتمع الخضوع والانقياد الأعمى، وايضاً ظاهرة البلادة والكسل التي يعاني منها غالبية المجتمع السوداني، الى مجتمع يسوده الوعي وثقافة التغيير والعمل من أجل الحياة الكريمة، وكذلك من مجتمع يسيطر عليه سلطان قوى غير مرئية (مجتمع التواكل والغيبيات) الى مجتمع متحرر من سلطان القوى غير المرئية التي تؤمن بمبداء العمل والثقة في النفس.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة