|
الطرابيلي والحسينى ومغزى عبارة هيكل محمود محمد ياسين
|
تحت عنوان " تخاريف.. سودانية!" كتب الكاتب المصرى عباس الطرابيلى فى صحيفة الوفد فى 9 ياناير كلاماً مسيئاً وجهه للشعب السودانى، ممثلاً فى شخص الوزير السودانى الرشيد هارون، بأن يشربوا "مريسة" حتي لا يفيقوا ويتحدثوا عن سودانية منطقة حلايب؛ كما ذكر أن مصر لها الحق فى كل الاراضى السودانية. وتبعته الكاتبة المصرية أسماء الحسينى، المتعاونة مع المخابرات المصرية، بمقال نشر بصحيفة الاهرام فى 11 ياناير بعنوان "حلايب.. قميص عثمان للهروب من استحقاقات الخرطوم الداخلية"، ذكرت فيه أن قضية حلايب لا تعدو ان تكون قضية إنصرافية يلجأ لها الحكم فى السودان كلما أراد حرف انظار الشعب عن قضاياه الحقيقية... موقف الطرابيلى والحسينى يدل على أنهما من أضعف حلقات الجسم الإعلامى الذى يخدم السلطة المصرية ومخابراتها وهذا للؤم وحُمْق الأول وضحالة أفكار الكاتبة، ويبدو أن المكافأة التى يمنحها النظام والمخابرات فى مصر لهذين الشخصين تقابل توظيفهما حصرياً للقيام بالأعمال الاستفزازية وترويج الأراجيف السخيفة.وهذا هو كل دورهم فى خدمة النظام المصرى الذى أصبح يقوده مجموعة من الضباط المغامرين القتلة الذين جيء بهم لافراغ ثورة ياناير من محتواها والتنكر لاستحقاقاتها الديمقراطية.
ظهر الفهم ب"الناكوسى" عند الكاتبة أسماء الحسينى فى قولها أن الشعب السودانى ملَّ إثارة قضية حلايب تثيرها حكومة السودان كلعبة إنصرافية؛ فحقيقة الأمر أن الذى ملته الجماهير السودانية هو تردد حكومتهم فى طلب إحالة موضوع حلايب للتحكيم الدولي. كما لجأت الكاتبة للكذب الصراح فيما يخص مسالة سد النهضة الإثيوبى وموقف السودان ومصر منه. وفى الواقع أن ماقالته فى هذا الخصوص خطير جداًً؛ فهى تقول إن الكثير من المصريين يحمِّلون السودان مسؤولية فشل الموقف التفاوضى المصرى وحل النزاع حول السد. ولكن الحقيقة غير ذلك، فإضعاف الموقفين التفاوضى السودانى والمصرى تسببت فيه مصر برفضها التوقيع على اتفاقية عنتيبي الإطارية، وبالتالى فقدان السند الأفريقى لإقناع إثيوبيا إلتزام الشفافية فى عملية بناء السد. فالخطأ الذى ارتكبه السودان هو مولاة مصر فى الموقف من الإتفاقية المذكورة. وكما اقترح الكاتب فى مقال سابق أن موافقة الحكومة السودانية على السد يجب أن تُربط بمطالبتة إثيوبيا السماح له الإطلاع على جميع الدراسات الفنية والإقتصادية والمالية للسد، نجد أن هذا المطلب كان يمكن أن يُدعم من قبل الدول الأفريقية التى انعزل عنها السودان بسبب عدم مصادقته على إتفاقية عنتيبي مقتفياً خطى مصر.
إذا طرحنا جانباً السخف واللكاعة، فى تناول قضايا السودان، التى يُوظف بعض شذاذ الآفاق لنشرها على الناس، فلسوف نجد أن مصر لها إستراتيجية دائمة تغذيها نظرة قديمة لأحزاب كبار ملاك الآرضى كحزب الوفد تعتبر أن السودان تابعا لها وجزءاً من اراضيها، وترسخها ذكرى استماتة مصر لحرمان السودان من الجنسية بهدف ضمه إليها فى أخريات ايام الاستعمار البريطانى. هذه الإستراتيجية يعبر عنها كبار القانونيين والكتاب المصريين بمثل ما قاله هيكل مؤخراً من أن " السودان عبارة عن جغرافيا فقط".
ما ذكره هيكل ليس كلاماً عابراُ كما ذكر أحد صحفيينا الذى اضاف، ملمحاً، ان هيكل فقط يغضب لحالنا المتردى فى جميع المجالات. عبارة هيكل واضحة لا تحمل معنى مغايراً غير الذى تحمله؛ فهو يتماهى بنظرة النخب المصرية الموالية للأنظمة البيروقراطية المصرية المتعاقبة التى تصور السودان ككيانات قبلية و مجموعات جهوية لا يربطها رباط قومى، وبالتالى مباح النيل منه وحتى المطالبة بإلحاق أراضيه بمصر (fair game).
تعرضت الدولة السودانية خلال العقود الماضية لتدخل خارجى كان له بليغ التاثير على البلاد والدور الأكبر فى تدبير سيناريو فصل جنوب السودان. ومازالت فصول هذا التدخل تترى للإجهاز الكامل على وحدة السودان فى إطار الخطط التى تعدها الدول العظمى لإعادة رسم الخريطة الجيوسياسية لمنطقة شرق أفريقيا وفقاً لاطماعها ومصالحها. وفى هذا الصدد يبرز تساؤل عن الدوافع وراء االهجوم المصرى الحالى على السودان وتصويره كفضاء جغرافى لا أكثر وتحميله فشل محادثات سد النهضة وعدم الإعتراف بحقوقه التاريخية فى منطقة حلاييب، فالتمعن فى أمر تلك الدوافع يجعلنا لا نستبعد تقاطعها مع تكالب الأطماع الخارجية عليه. وهذا ليس ضربا في الرمل، بل هى حقائق الواقع والمتغيرات السياسية المتلاحقة من حولنا.
|
|
|
|
|
|