يقول داعية الحقوق المدنية والسياسية د. مارتن لوثر كنج: "إن الظلم أينما كان يهدد العدل في كل مكان" ودعائم العدل وأركانه تستوي على إحترام حق الإنسان في ممارسة حقوقه الأساسية بوصفه هذا، وإلا أصبح خارج المنظومة الإنسانية. وهذا ما أكده الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بقوله: "إن الإقرار بما لجميع أعضاء الأسرة البشرية من كرامة أصيلة فيهم ومن حقوق متساوية وثابتة تشكل أساس الحرية والعدل والسلام في العالم".
وعندما يتعرض أي شخص عادي إلى الإتهام بجريمة جنائية أيا كانت درجة خطورتها على المجتمع، ويقف أمام القاضي بصفته تلك، فإنه في الحقيقة يواجه آلة الدولة ويدها الباطشة بكل جبروتها وإمكاناتها، ناهيك من أن يكون هذا الشخص أحد الذين تصنفهم سلطة هذه الدولة حقا أو باطلا بأنه مهددا لأمنها ويعمل مع آخرين لزوال بقائها.
تتلخص وقائع هذه الدعوى الجنائية أنه في شهر أبريل من العام 2015، تم إتهام الطالب/ بجامعة شرق النيل محمد بقاري عبد الله، بقتل الطالب محمد عوض، أمين حركة الطلاب اﻹسلاميين الوطنيين، القطاع الطلابي التابع للحزب الحاكم، الذي يدرس معه في الجامعة نفسها.
وأسدلت الستار على هذه القضية الجدلية محكمة جنايات بحري الأسبوع المنصرم، وأصدرت حكمها بالإعدام على الطالب محمد عبد الله بقاري، المتهم بقتل الطالب محمد عوض أثناء أحداث عنف بجامعة شرق النيل العام الماضي، وخيرت أولياء الدم بين القصاص، وقبول الدية فرفض أولياء الدم الدية، مما يعني فعليا بأنه سيواجه عقوبة الإعدام.
ولغياب حيثيات وتفاصيل ما تم في تلك الأحداث الدامية، فإن التعرض لها بالتفنيد يكون من باب التنطع والتنجيم. فعليه، آثرنا أن نركز على حق المدان القانوني المهدر، مستندين على إفادات بعض القانونيين واتحاد محامي دارفور وبعض الأصدقاء المقربين منه.
(يري كثيرون ان محاولة محاكمة الطالب محمد بقاري بهذا الشكل هي خطوة في سبيل تقديمه كبش فداء، وارضاء أسرة الطالب القتيل، وفي نفس الوقت ترهيب الآخرين، بينما أوضح قانونيون إستحالة محاكمة بقاري من دون وجود محامي للدفاع عنه، لا سيما ان الدستور والقانون يكفلان الحقوق المتساوية، وفي حالة عدم مقدرة المتهم على إحضار محامي، فان الدولة عليها أن تتكفل بتوفير محامي للدفاع عنه).
(وكشف المحامي سمير علي مكين، المدافع الحقوقي أثناء تواجده بمحكمة جنايات بحري وسط، ان شاباً تم اقتياده الى المحكمة في حالة من الإعياء والإجهاد وكدمات واضحة متفرقة ـ وتعرف على ان البلاغ الموجه ضده خطير تحت المادة (130) من القانون الجنائي القتل العمد.
والتمس المحامي من المحكمة السماح له بعد موافقة الشاب المتهم، وقبلت المحكمة واعترضت شرطة المباحث الجنائية.
(وفي المؤتمر الصحفي لتجمع طلاب روابط دارفور في دار حزب الأمة القومي الثلاثاء الماضي كشف فيه الطلاب عن تعامل الأجهزة الأمنية مع الطالب المعتقل محمد بقاري الذي أعتقل بواسطة جهاز الأمن منذ يوم الرابع من شهر مايو وأوضحوا ان بقاري تجري محاكمته باتهام زائف بمقتل الطالب محمد عوض، في محاولة من النظام للحكم عليه بالإعدام وانتقاما منه لوقوفه مع قضايا الشعب السوداني، وأشار الى انهم ضد مقتل أي طالب).
(ويكشف صديق مقرب من الطالب بقاري انه يدرس بجامعة شرق النيل قسم الإدارة، المستوي الثاني، وانه كان يسكن مع أشقاءه في أم درمان الثورة وان أسرته الكبيرة في إقليم دارفور، وحول قضية الطالب محمد بقاري عبدالله المقدم الى المحاكمة في محكمة جنايات بحري، يقول لـ(عاين) ان مجموعة مسلحة أعتقلت بقاري من منزله في حي الثورة بأم درمان بعد أسبوعين من مقتل طالب في الحركة الاسلامية في جامعة شرق النيل، ويضيف ان الجهة التي اعتقلته قادته الى جهة غير معلومة، وان اسرة وزملاء بقاري كانوا قلقين.
ونفي الصديق المقرب للطالب بقاري القيام باي مبادرة ومناشدة في قضيته، وذلك خوفا من الإعتقالات والإستهداف الذي طال عدد من طلاب وطالبات من إقليم دارفور، وصل حتي الولاية الشمالية في مدينة دنقلا، ويشير إلى ان كل من يفكر أن يقوم بمبادرة سيتم إعتقاله، ويقول ( أعتقد لا وجود لدلائل تشير إلى أن بقاري هو من قتل طالب حزب المؤتمر الوطني )، مناشداً المنظمات الحقوقية أن تقوم بمساعدة وتقديم العون القانوني لمحمد بقاري ). "منقول".
كل الذي يهمنا من هذه المحاكمة المثيرة للجدل، والتي تفتقر لأبسط مقومات العدالة، هي عملية تغييب القانون مع سبق الإصرار والتعمد، وذبحه على محراب السياسة نهارا جهارا، والإصرار والتمادي في التضحية بضمانات المحاكمة العادلة التي تُعتبر حقا كفلته كل الشرائع والدساتير والقوانين وفقا لقاعدة المتهم بريء حتى تثبت إدانته دونما شك معقول أمام محكمة قانون. مقروءة مع، لكل متهم الحق في توكيل محام يترافع عنه، وفي حالة عجزه عن ذلك تكفل له الدولة محام في الجرائم الخطرة، كتلك التي واجهها المدان محمد عبد الله بقاري.
وفي هذه الجزئية يقول الأستاذ/ نبيل أديب عبد الله، يعتبر حق الإستعانة بمحام من أهم الحقوق الدستورية التى يتضمنها الحق فى المحاكمة العادلة، وقد أخذ به الدستور فى الفقرة (6) من المادة 34 ،والتى تنص على ما يلي: (يكون للمتهم الحق في الدفاع عن نفسه شخصياً أو بوساطة محام يختاره، وله الحق في أن توفر له الدولة المساعدة القانونية عندما يكون غير قادر على الدفاع عن نفسه في الجرائم بالغة الخطور .
أما أن تتم محاكمة وإدانة المتهم محمد بقاري عبد الله بجريمة جنائية كبرى تصل عقوبتها القصوى إلى عقوبة الإعدام شنقا حتى الموت في محاكمة أشبه بالمحاكمات الإيجازية التي تتم بحق من يرتكبون المخالفات البسيطة، فهذا هو الظلم المحض بعينه، والإستهتار في أبهى تجلياته عبثا بحرمة وقداسة النفس الآدمية التي كرمها الله وفضلها على كثير من مخلوقاته تفضيلا، واسترخاصا للإنسان وحقه في التمتع بالكرامة والإحترام والتقدير بوصفه إنسانا.
فالمحاكمة التي تمت بحق المدان محمد بقاري تعتبر باطلة بكل المعايير والمقاييس في عصرنا الراهن ولا أساس ولا سند لها من القانون، وتخالف الدستور المعمول به حاليا، لأن النصوص التي تكفل حق الدفاع عن المتهم وتمنحه فرص متساوية لدحض ما يقدمه الإتهام من أدلة تعتبر نصوصا ملزمة واجبة الإتباع، وليست نصوصا توجيهية تخضع لتقديرات الجهة القضائية أعطتها أو منعتها.
و بالرغم من رأينا الذي تدعمه الشواهد ويؤكده واقع الحال في استقلال القضاء وحيدته ونزاهته، فلا مناص من اللجوء إليه في ظل إنعدام خيارات أخرى للمواطن المغلوب على أمره لاقتضاء الحقوق. فالقضاء في هذه الدولة الرسالية صار تابعا للسلطة التنفيذية، ويأتمر بأوامرها منذ إنقلاب المتأسلمين المشئوم على السلطة الشرعية بالبلاد، ومع ذلك شئنا أم أبينا يُعتبر القضاء على علاته هو خط الدفاع الأخير في حفظ حقوق المواطن وماله وروحه في حده الأدنى لما تبقى لبعض القضاة من بقايا ضمير.
ويُعتبر القضاء ركن أصيل من أركان الدول المحترمة، التي تقدر مواطنيها وتعمل على حماية حقوقهم، وإذا تم تغييبه كما تفعل هذه السلطة العنصرية وجعلت منه يدها الباطشة التي تقهر بها خصومها والمناوئين لها، فإن النتيجة المنطقية هي سيادة قانون الغاب ودفع المواطنين دفعا لأخذ حقوقهم بأيديهم، كما حدث ويحدث في كثير من الأحداث والوقائع.
وفي الختام الرحمة والمغفرة للطالب القتيل، ولأهله الصبر الجميل في فقدهم الجلل لأبنهم وهو في مقتبل العمر. ولمحمد بقاري عبد الله الحق في إعادة إجراءات الدعوى الجنائية برمتها، لكي يحظى بمحاكمة عادلة تحفظ له حقوقه كمتهم تُفترض فيه قرينة البراءة، إلى أن تتم إدانته وراء ظلال كل شك. أو أن تتم تبرئته، ويطلق سراحه. الصادق حمدين [email protected]
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة