كانت هذه المرة الأولى التي تشهد فيها قرية وادي الضريح حشوداً عسكرية.. الأهالي أعلنوا حالة العصيان المدني ..بل إن بعضهم انتظم في تشكيلات عسكرية لمواجهة الحكومة.. مصطفى المهدي أفتى بجواز قتال الحكومة الباغية.. بل فوق ذلك أكد أن الشهداء المحتملين سيتم دفنهم في الضريح بجوار الرجل الصالح. لا أحد يعرف على وجه الدقة متى مات الرجل الصالح.. ولا من أنن أتى ..الثابت أن أولاد شيخ عجب الدور عندما مرت عليهم سنوات القحط قرروا أن ينزحوا في اتجاه النهر.. في طريقهم إلى النهر وجدوا هذا الوادي المخضر نسبياً.. استقر رأيهم أن يسكنوا فيه ولو إلى حين.. في ذات نهار كان هناك بدوي يحفر بئراً.. على بعد مترين رأى نوراً يشع.. صرخ الرجل من هول ما رأى.. جاء شيخ حامد عجب الدور ناظر القبيلة برفقة حاج عبد الله إمام المسجد.. ونفر من كرام المواطنين.. البعثة الشعبية تيقنت أن المكان يحوي قبر رجل صالح. بدأت الأسطورة تكبر مع كل صباح.. البتول بت جابر بعد ثلاثة أيام من الكشف رأت الرجل الصالح نفسه يجلس على القبر.. حينما استعاذت من الشيطان الرجيم كان صاحب القبر يلقي عليها بتحية الإسلام ثم يمضي إلى مرقده.. من وقتها اقتنعت القرية بصلاح صاحب القبر.. وحينما عمَّ الخبر القرى المجاورة أطلقوا على القرية اسم وادي الضريح.. تعاون الأهالي على بناء جدار على قبر الرجل الصالح، ثم تبع ذلك خلوة ومسجد.. بعدها تحوّل المكان إلى مزار يحج إليه أصحاب الحاجات .. سعدية بت إسماعيل زارت الضريح وأخذت من التراب ما جعلها تحمل بتوأم بعد حول واحد.. النضيف جاء بابنه الممسوس فعافاه الله ببركة رجل الضريح. قبل عامين جاء فريق فني من مهندسي المساحة والري للتخطيط لبناء مشروع زراعي..هنا حدثت المشكلة.. الوفد الهندسي اقترح على سكان وادي الضريح نقل قبر الرجل الصالح حتى يتم شق قناة ري تجلب الماء من النهر إلى الوادي الكبير.. رفض الأهالي مقترح الحكومة وطردوا الضيوف .. جاءت الحكومة بعسكر ورجال دين من الخرطوم ليقنعوا سكان وادي الضريح أن فقه جلب المكاسب يقتضي نقل الضريح إلى مكان غير بعيد.. انشق الناس قبل شق الترعة الجديدة.. عبد الحميد أب شال ممثل أنصار السنة اتفق للمرة الأولى مع عبد الواحد الطيب المحسوب على الشيوعيين .. الرجلان أكدا للناس أن صاحب الضريح بات في ذمة الله وهو لا يملك للقرية ضرًا ولا نفعاً.. أغلبية القرية وعلى رأسها الناظر الشاب أحمد ود حامد عجب الدور رفضوا الفكرة جملة وتفصيلا . المحافظ الحكيم حينما رأى تأزم الموقف سحب جنده وأجّل تنفيذ المشروع الزراعي إلى أجل غير مسمى.. خريف هذا العام كان يحمل الحل.. فجأة جاء السيل يبحث عن مساره الذي تاه عنه نصف قرن من الزمان.. السيل الجارف حمل الزرع والضرع وبعضاً من الناس.. بعد أن جف الماء هرع أهل القرية إلى قبر الرجل الصالح.. وجدوا المياه حملته إلى مكان مجهول.. تتبعوا المسار ولم يجدوا ضالتهم.. جماعة مصطفى المهدي اعتبرت أن في الأمر كرامة جديدة .. فيما مجموعة أب شال وعبد الواحد اتصلت على الحكومة بأن المشكلة حُلت وأن الوقت مناسب لشق الترعة التي ربما تسعد الناس وتغنيهم من بعد فقر ومعاناة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة