|
الصاغ محمود أبو بكر والحبيب الخفي /عبد السلام كامل عبد السلام
|
يكاد شعر الغزل والنسيب يملأ ديوان الشعر العربي ،فما أن يظهر شاعر حتى يكون هو أول ما يكتب فيه ،فهذه العاطفة الجياشة لا تترك للشاعرفرصة أن يكتب في غيرها ، حتى أننا نجد شاعرا يصيح محتجا :- إذا كان شعرٌ فالنسيب المقدَّم أكُلُّ الذي قد قال شعرا متيم؟ ونرى أن بعض الشعراء الذين ابتلوا بفقد بصرهم لا يتحرجون في التغزل ،برغم أنه لا يرى ، ولكنه يتعلل بشيء غريب..الشاعر بشار بن برد يقول يا قومِ أذني لبعض الحيِّ عاشقة والأذن تعشق قبل العين أحيانا بل يورد نقاد الشعر بيت شعر في الغزل سخيفا للشاعر أبي العلاء المعري لغيري زكاةٌ من جِمالٍ فإن تكُن زكاةُ جَمالٍ فانظرِي ابنَ سبيل!! فما علاقة زكاة الأنعام في أنواعها ومصارفها في انتظار أن يزكي المحبوب جماله بنظرة يلقي بها إلى عاشقه؟ لقد بحث الشاعر عن الجناس الناقص في جَمال وجِمال ، والتورية في ابن سبيل ،وهو أحد مستحقي الزكاة الثمانية والرجل العابر في حال سبيله فأتى بهذا الغزل السخيق ختى لا يقال إنه عاجز عن التغزل ..ما علينا..فللشعراء فيما يسلكون مذاهب ،وأما شاعرنا محمود أبي بكر ، فما وجدت فيما قرأت من شعراء من يصيرشعره لوحة حلوة للحب الآسر،ذلك الذي تمكن من شغاف قلبه في حله وترحاله وفي حربه وسلمه وفي شعره القصصي الذي يحتاج الكلام عنه لعدة مقالات لما فيه من تمكن في وسائل القصص والبيان الشعري في آن واحد ..هذا الحب الذي يتستر عليع بذكر عدة أسماء للمحبوب ..هند..دعد..زينب وغيرهن ،وهن في حقيقة الأمر واحجة فقط يتستر على اسمها ويجتهد في إخفاء اسمها ،إلا في مرة واحدة جهر فيها ببعض الاسم لمن يعرف الخبيب ،وأما من لا يعرفه فهو لا يزال مخبوءاً .. وبرغم ما يقال عن أن الجندية في حقيقتها هي حرب ونساء وخمر ،وهو من أبنائها ، فمما ورد إلينا من أخبار الشاعر لم نجد انحرافا إلى هذه المعاني البتة ..فنداء الوطن هو الأولى للاستجابة عند الشاعر عندما يصطدم مع نداء الحب ..هو يلبي نداء الجندية بعد ليلته الأولى من الزواج ويترك عروسه منطلقا إلى ساحات الفداء ..ولكنه كمثل الطفل الذي فطم من ثديي والدته على حين غرة أو كالذي اختطفت منه لعبته الأثيرة وهو لمَّا يتمتع بها .. فيتحول هذا الشعور إلى نشيد عذب في فم الزمان اسمه (أكواب بابل من ألسنة البلابل ) ولي وطن أهوى الحياة لأجله ولي أمة من أجلها أتغذب هي حياة غرضها الأسمى حب الوطن الذي احتله المغتصب الأوربي بدعوى الاستعمار للبلاد ،ومن عجب أنه استطاع أن يقنع بعض أبناء جلدتنا أنه استعمار وليس احتلالا وأخذا لما تنتجه البلاد من خيرات طبيعية ليعمر بها بلاده ويجغل أهل البلاد يرزحون تحت نيره ، ويسبحون بحمده !! هو أيضا يقول في قصيدة أخرى ولكنني صدق الشمائل ديدني وآفـــــــة طبعي أنني لا أصانع خلقت عفيف الطبع شهما فتى نهى وما لي إلى ما يستــــطيعون وازع ولي من خلالي رادع عن حياضهم وعن حوضهم لي من خلالي رادع ظاهر ما كان الشاعر خارجا عن طبيعته البشرية السوية لكنه استطاع أن يهذبها من خلال سلوكه الراقي ومواهبه المتعددة التي أعطاه الله إياها ..متقن لفن الخط العربي وهو الذي خطَّ كل قصائد ديوانه ،بل إن بعض الصفحات المطبوعة مزينة بخط يده ، وهي آية من الإتقان والوضوح والتناسق ، ولو كان الأمر بيدي لطلبت من الجهة التيتولت طباعته أن تصور الديوان المخطوط بيده ،وبذا نتفى الوقوع في الأخطاء الطباعية التي أردها إلى لغة الشاعر الجزلة المتعسرة إلا على أهل اللغة العالية ..الشاعر أيضا يتمتع بصوت جميل ينشد بعض أشعاره كدأب بعض شعرائنا ،بدءا من صناجة العرب الجاهلي ،الأعشي بن ميمون ، وكالشاعر السوداني محمد سعيد العباسي وكذلك الشاعر مصطفى طيب الأسماء وعبدالله حامد العربي ،وغيرهم كثير..ينتقل الشاعر بصوته في حدائق شعره في إحساس صادق يجعل المستمع يحلق معه في سماواته السامقة ويحيله إلى محض طرب روحي عجيب ..ثم هو عازف مجيد لبعض الآلات كالبيانو والعود والكمنجة ،وكل هذا يدل على رهافة حس يتألق متى بدأ يقرأ القرءان الكريم وينفعل المستمع وهو يبكي لبكائه وينفعل بانفعاله الصادق .. وما كل من يقرأ القرءان الكريم يكون لقراءته التأثير نفسه وحسبنا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي موسى الأشعري ( لقد أوتيت مزمارا من مزامير داود ) في بعض شعره أتذكر الشاعر أبا فراس الجمداني ،وهو يغالب شدة الشوق ويصل إلى حد اتهام نفسه بجمود الحس والعاطفة : أراك عصــيَّ الدمع شيمتك الصبر أما للهوى نهي عليك ولا أمر؟ بلى أنا مــشتاق وعندي لوعـــــــة ولكن مثلــــــي لا يذاع له سر إذا الليل أضواني بسطت يد الهوى وأذللت دمعا من خلائقه الكبر انظر إليه وهو يحاول إخفاء ما يكنّه من عاطفة ويخاف أن تفضحه نظراته أو اختلاجات جسده ، إذا كان في مجمع من الناس لتظاهر بأن الأمر لا يعنيه وتذكر هند في مجالس أنســهم فأهتز كالنشوان منها وأطرب كأنَّ بجنـــب القلب سبعين إبـــرة إذا ذكرت هند بجنبـــيَّ تنشب فأضحك كالمجنون من غير علَّة لئلا يرى قومي دموعي فيعجبوا ولما تلاقيــــنا رأيت بوجهـــها (ألا يا حبيب القلب فيم التعجب؟) وزمّت جبينا خلت طيّات وجهه سطورا من القرءان بالنور تكتـــب وقالت : ملأت القلب مني قصائدا وعندي فؤاد بالفضيحة يغضب وأنت تناديني بهند وزيـــْنبٍ لعمرك ما يجديـــــــك هند وزينب فقلت لها يا دعد كفي ملامتي فعُــــتبك أقسى من نواك وأصعب أناديك هندا في حديثي تكتما وهل يدفع الكتـــــمانَ من يتشبب؟ وما أنا فضّاح العذارى فصاحة لكنه شـــــوقٌ يهيــــــج فاكتب!! لقد تعجبت من الشاعر السوداني الذي يموت بحبه ولا يبوح بحبه إلى من يحب ،وقارنته بغيره من الشعراء ..كل يضاف إلى محبوبه.. قيس ليلى ..كثيرعزة .. توبة وليلى الحميرية ..قيس لبنى .. جميل بثينة ..وغيرهم كثير ،بينما لا نجد في السودان من
|
|
|
|
|
|