|
الشهيد عمر بنجلون، ومقاومة التحريف بوجهيه: السياسي، والنقابي..... بقلم محمد الحنفي
|
mailto:[email protected]@gmail.com
الإهداء إلى:
ـ روح الشهيد عمر بنجلون.
ـ الرفيق أحمد بنجلون قائدا عماليا.
ـ الرفاق في إقليم خريبكة.
ـ الطبقة العاملة المعنية بالعمل النقابي الصحيح.
ـ من أجل الانخراط الجماعي في مقاومة كافة أشكال التحريف التي تستهدف الممارسة النقابية.
ـ من أجل نقابة مبدئية تسعى إلى تحقيق الوحدة النقابية، تجاه تردي الأوضاع المادية، والمعنوية للعمال، وباقي الأجراء.
محمد الحنفي
مقدمة:
إننا عندما نرتبط بشخصية الشهيد عمر بنجلون لا ترتبط بشخصية عادية، بقدر ما نرتبط بشخصية شديدة التنوع إلى درجة الخصوبة، الأمر الذي أقلق النظام القائم في المغرب، ومعه كل عتاة الرجعية المتخلفة، وعتاة الظلامين، وهو ما أدى غلى قيام تحالف رجعي / ظلامي، قام بتصفيته جسديا، في عز النهار، في 18 دجنبر 1975، وأمام منزله، وامام انظار الجماهير الشعبية الكادحة، من أجل بث الرعب في صفوف الحركة العمالية، واليسارية، والتقدمية، والديمقراطية، ومن أجل أن لا تجد أفكاره المتتظرة طريقها إلى الجماهير الشعبية الكادحة، وطليعتها الطبقة العاملة.
واستهداف الشهيد عمر بنجلون، ارتبط بالتحاقه بالاتحاد المغربي للشغل، كنافذة للأرتباط بالطبقة العاملة، وقيادته لنقابة البريد، وحرصه على ديمقراطية، وتقدمية، وجماهيرية، واستقلالية، ووحدوية العمل النقابي، في إطار النقابة التي كان يقودها، وفي التنظيم المركزي للإتحاد المغربي للشغل. وذلك عندما قام الجهاز البيروقراطي، بتعذيبه في دهاليز المقر المركزي، من أجل ثنيه عن العمل على جعل الاتحاد المغربي للشغل، نقابة مبدئية، ما دامت المبدئية تتناقض مع مصالح الجهاز البيروقراطي في ذلك الوقت. وهو ما يعني أن اسم الشهيد عمر بنجلون، ارتبط، ومنذ البداية، بمقاومة التحريف النقابي، الذي يمارسه الجهاز البيروقراطي، إلى جانب عمله على ترسيخ الفكر الاشتراكي العلمي في صفوف الحركة الاتحادية، التي كان يناضل من خلالها، وكأحد قادتها، ضد الطبقة الحاكمة، وضد المؤسسة المخزنية، ومن أجل تحقيق الحرية، والديمقراطية، والاشتراكية، وقيام الدولة الديمقراطية، ودولة الحق، والقانون، التي ترعى مصالح الكادحين، وطليعتهم الطبقة لعاملة، وتحمي تلك المصالح.
وحتى نوفي الشهيد عمر بنجلون حقه، ماأمكن ذلك، فإننا سوف نتناول، في هذه الأرضية، الجوانب المتعلقة بتحريف شخصية الشهيد عمر بنجلون بعد اغتياله مباشرة، حتى يصير ذلك الاغتيال في خدمة جهة معينة، توظفه لتحقيق تطلعاتها الطبقة، كما نتناول أوجه رمزية الشهيد عمر بنجلون، وعمر بنجلون كمقاوم للطبقة الحاكمة، ولإيديولوجيتها، ولسياستها، وكمناضل من أجل بنا الحركة العمالية، وترسيخ أيديولوجية الطبقة العاملة بين كادحي الشعب المغربي، وطليعتهم الطبقة العاملة، وبناء المواقف السياسية المناهضة لسياسة الطبقة الحاكمة، من أجل قيام دستور ديمقراطي، وإجراء انتخابات حرة، ونزيهة، وبناء مؤسسات منتخبة معبرة عن احترام إرادة الشعب المغربي، وقيام حكومة من الأغلبية البرلمانية، تكون في خدمة مصالح الشعب المغربي تشريعا، وتنفيذا، سعيا إلى تحقيق الحرية، والديمقراطية، والاشتراكية، كما نتناول شخصية الشهيد عمر بنجلون كمناضل نقابي، من اجل الارتباط بالعمال، وباقي الأجراء، وبناء حركة نقابية مبدئية، من خلال مقاومة التحريف النقابي في الاتحادالمغربي للشغل، وبلورة الأسس، والمنطلقات التي يقوم عليها العمل النقابي الصحيح، بالإضافة إلى تناول مظاهر تحريف العمل النقابي التي يفترض أن الشهيد عمر بنجلون يكون قد قاومها فكرا، وممارسة، وتنظيما، ونضالا، وأفقا، كما هو الشأن بالنسبة لمظهر الممارسة البيروقراطية، ومظهر تبعية النقابة لأجهزة الدولة، أو لأي حزب سياسي، ومظهر تحزيب النقابة، ومظهر جعل النقابة إطارا للإعداد، والاستعداد لتأسيس حزب معين، مبينين أن مقاومة التحريف تهدف إلى بناء تنظيم نقابي منتج للعمل النقابي الصحيح، على أساس ديمقراطية النقابة، وتقدميتها، وجماهيريتها، واستقلاليتها، ووحدويتها، حتى تربط النقابة بين النضال النقابي، والنضال السياسي، وترتبط بالحركة الديمقراطية، والتقدمية، وتتغلغل في صفوف الجماهير العمالية وباقي الأجراء، والاستقلال عن أجهزة الدولة، وعن الأحزاب السياسية، وتحقيق الوحدة النقابية، والتنسيق بين النقابات التي تجمعها قواسم مشتركة، كما نتناول مشروع الشهيد عمر بنجلون الذي تم اغتياله على يد التحالف المخزني / الرجعي / الظلامي المتخلف، دون إتمامه على جميع المستويات: التنظيمية، والإيديولوجية، والسياسية، والنقابية، لنصل إلى أن اغتيال الشهيد عمر بنجلون، لا يعني أنه مات، بقدر ما هو حي فينا، ومستمر في النضال من أجل حرية الإنسان، وحرية الأرض، وديمقراطية الدولة، والمجتمع، والتنظيمات السياسية، والنقابية، والجماهيرية، واشتراكية النظام الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي.
فشخصية الشهيد عمر بنجلون، هي شخصية متكاملة، لا يمكن الفصل فيها بين السياسي، والنقابي، والجماهيري، بقدر ما يحضر كل ذلك في اهتمامات هذه الشخصية، من أجل تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، كما ضاعها الشهيد عمر بنجلون، من خلال الحركة الحركة الاتحاديةالأصيلة.
فما هي الغاية من تحريف شخصية الشهيد عمر بنجلون؟
ولماذا يتم الالتفاف على رمزية الشهيد عمر بنجلون؟
هل باعتباره رمزا للتضحية، والنضال؟
هل باعتباره منظرا للحركة العمالية المغربية؟
هل باعتبار ساعيا إلى تاسيس هذه الحركة؟
هل بسبب قيامه بترسيخ الفكر الاشتراكي العلمي في صفوف مناضلي الحركة الاتحادية، وفي الواقع المغربي؟
هل بسبب كونه محللا سياسيا محنكا؟
هل كان ذلك باعتباره إعلاميا متمرسا؟
وما هي أوجه مقاومة الشهيد عمر بنجلون؟
هل كان يقاوم الطبقة الحاكمة، باعتبارها طبقة مستغلة للكادحين؟
هل كان يقاوم إيديلوجية هذه الطبقة، ورديفتها الرجعية، والظلامية؟
هل كان يقاوم سياسة الطبقة الحاكمة، والسياسة الرجعية، والظلامية؟
من أجل ماذا كان يناضل؟
هل كان يناضل من أجل بناء الحركة العمالية؟
هل كان يناضل من أجل ترسيخ إيدولوجية الطبقة العاملة بين الكادحين؟
هل صارع من اجل بناء المواقف السياسية المناهضة لسياسة الطبقة الحاكمة؟ ومن أجل ماذا كان يسعى إلى بناء المواقف السياسية؟
هل كان يسعى إلى إقرار دستور ديمقراطي؟
هل كان يسعى إلى إجراء انتخابات حرة، ونزيهة؟
هل كان يرغب في إيجاد مؤسسات منتخبة، معبرة عن احترام إرادة الشعب المغربي؟
هل كان يناضل من أجل قيام حكومة من الأغلبية البرلمانية، حتى تكون في خدمة الجماهير الشعبية التي انتخبت تلك الأغلبية؟
وهل كان نضاله من أجل كل ذلك، سعيا إلى تحقيق الحرية، والديمقراطية، والاشتراكية؟
وما هي الغاية من نضاله النقابي؟
هل هي تحقيق الارتباط بالعمال، وباقي الأجراء؟
هل هي المساهمة في بناء حركة نقابية مبدئية؟
هل هي مقاومة التحريف النقابي في الاتحاد المغربي للشغل؟
هل تكمن في عمله على بلورة الأسس، والمنطلقات التي يجب أن يقوم عليها العمل النقابي الصحيح؟
واذا كان الشهيد عمر بنجلون يقاوم التحريف في الإتحاد المغربي للشغل، ذلك التحريف المتجسد، بالخصوص، في الممارسة البيروقراطية:
ألا توجد ممارسات تحريفية أخرى تطبع العمل النقابي في المغرب؟
وما هو موقفه المفترض من باقي الممارسات التحريفية، لو بقي حيا؟
هل كان سيقبل بها؟
هل يعمل على مقاومتها، كما قاوم الممارسة البيروقراطية؟
فما موقفه المفترض من الممارسة البيروقراطية؟
وما موقفه المفترض من تبعية النقابة لجهة معينة؟
ما موقفه المفترض من تحزيب النقابة؟
ما موقفه المفترض عن اعتبار النقابة مجالا للإعداد، والاستعداد لتأسيس حزب معين؟
وما هي الغاية من مقاومته للتحريف في الممارسة النقابية؟
هل هي بناء نقابة ديمقراطية؟
هل ترسيخ تقدمية النقابة، والعمل النقابي؟
هل تكمن في تحقيق نقابة جماهيرية؟
هل تكمن تلك الغاية في جعل الإطار النقابي مستقلا عن الدولة، وعن أي حزب سياسي؟
وهل تتجسدفي جعل النقابة اطارا لوحدة العمال، وباقي الأجراء؟
وماذا ينتج عن تحقيق الأسس التي كان يسعى إلى تحقيقها الشهيد عمر بنجلون؟
هل ينتج عن تحقيقها الربط الجدلي بين النضال النقابي، والنضال السياسي؟
هل ينتج عن تحقيقها الارتباط بالحركة الديمقراطية؟
هل ينتج عن تحقيقها الارتباط بالحركة التقدمية؟
هل ينتج عن تحقيقها التغلغل في صفوف الجماهير العمالية، وباقي الأجراء؟
هل ينتج عن تحقيقها استقلال النقابة عن أجهزة الدولة، وعن الأحزاب السياسية؟
هل ينتج عن تحقيقها التنسيق بين النقابات التي تجمعها قواسم مشتركة؟
واذا كان الشهيد عمر بنجلون قد اغتيل قبل قبل أن يتم مشروع التغيير الذي كان يعمل على بنائه:
فما هي أوجه هذا المشروع الذي لم يكتمل حتى الآن؟
هل هي بناء التنظيم الحزبي الثوري؟
هل هي بناء إيديولوجية التنظيم الحزبي الثوري؟
هل هي بناء المواقف السياسية الثورية، عن طريق التنظيم الحزبي الثوري؟
هل هي بناء نقابة مبدئية قادرة على قيادة النضالات المطلبية العمالية، ونضالات باقي الأجراء؟
ونحن عندما نطرح هذه الأسئلة، وغيرها، مما يمكن أن يرد في هذه الأرضية، فلأننا نسعى إلى أن تصير شخصية الشهيد عمر بنجلون حاضرة فينا، وفي ممارستنا، باعتبارها شخصية متكاملة على المستوى النظري، وعلى مستوى الممارسة، حتى تستطيع الاستمرار على نهجه، مسترشدين بفكره، وبممارسته التي نسعى إلى جعلها تنتقل غلى الأجيال القادمة، التي تعتبر اكثر حاجة إلى مثل الشهيد عمر بنجلون كمفكر، وكمنظر، وكمبدع، وكمناضل ثوري، وكقائد عمالي، وكمناهض لكل اشكال التحريف، سواء تعلق الأمر بالنضال السياسي، أو بالنضال النقابي، أو بالنضال الجماهيري، في مستوياته الثقافية، والتربوية، والحقوقية، وغيرها، من إعادة صياغة المجتمع المغربي، بصيرورته مجتمعا حرا، وديمقراطيا، واشتراكيا.
أوجه تحريف شخصية الشهيد عمر بنجلون:
إننا عندما نرتبط بتاريخ الشهيد عمر بنجلون، نرتبط بتاريخ مناهضة تحريف العمل النقابي، والعمل السياسي، وعلى جميع المستويات، ولكننا عندما نرتبط بتاريخ ما بعد اغتيال الشهيد عمر بنجلون، فإننا نرتبط كذلك بتاريخ تحريف شخصية الشهيد عمر بنجلون النقابية، والسياسية. وهذا التحريف، ومن هذا النوع، يهدف إلى توظيف شخصيته في الاتجاه الذي يخدم مصالح الجهات الممارسة لهذا النوع من التحريف على المستوى التنظيمي، وعلى المستوى الإيديولوجي، وعلى المستوى السياسي. 1) فعلى المستوى التنظيمي، نجد أن الشهيد عمر بنجلون قبل اغتياله، كان يحرص على أن يكون التنظيم الحزبي في اطار الحركة الاتحادية الأصيلة، تنظيما عماليا ثوريا، كما تدل على ذلك المذكرة التنظيمية التي أصدرها سنة 1965، والوصول بالحركة الاتحادية الأصيلة إلى الاقتناع بالاشتراكية العلمية كوسيلة، وكهدف، وإلى اعتبار إيديولوجية الطبقة العاملة، هي إيديولوجية هذه الحركة، حتى يصير التنظيم مبنيا على اسس إيديولوجية سليمة، تدفع به إلى الواجهة التي تجعله قائدا في النضال السايسي العام، في افق تحقيق الأهداف الكبرى، المتمثلة في تحقيق الحرية، والديمقراطية، وبناء الدولة الاشتراكية، التي تصير دولة عمالية بامتياز. إلا ان المحرفين الذين لم يرقهم ما كان يسعى إليه الشهيد عمر بنجلون، لتناقضه مع مصالحهم الطبقية، باعتبارهم متسلقين طبقيا، في أفق التمكن من تحقيق تراكم رأسمالي، يصنفهم إلى جانب التحالف البورجوازي الإقطاعي المتخلف، سعيا إلى تحريف التنظيم الثوري عن مساره، من منطلق أنه لا يتناسب مع خصوصية الشعب المغربي، ومع طبيعة الحركة الاتحادية في نفس الوقت، وصولا إلى القول، بطريقة غير مباشرة، بأن الشعب المغربي ليس من حقه أن يكون حرا، وليس من حقه أن يتمتع بالممارسة الديمقراطية، في أبعادها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، بدعوى خصوصية هذا المجتمع الذي لا يناسبه وجود تنظيم ثوري، كما لا يناسبه التغيير الذي يسعى اإى تحقيقه التنظيم الثوري، الأمر الذي دفع بقيادة الحركة الاتحادية، بعد استشهاد الشهيد عمر بنجلون، إلى تغيير التاكتيك، والإستراتيجية، ليصير التاكتيك وسيلة للوصول إلى المجالس المزورة، ولتصير تلك التطلعات هو الإستراتيجية التي تجعل قيادة الحركة الاتحادية، جزءا لا يتجزأ من الطبقة الحاكمة. وهذا التغيير الذي حصل في التاكتيك، وفي الإستراتيجية، بعد استشهاد عمر بنجلون، هو الذي قاد إلى قيام صراع ديمقراطي تطور إلى صراع تناحري داخل الحركة الاتحادية. ذلك الصراع الذي تم حسمه في 8 ماي 1983، بإفراز تنظيمين: تنظيم يتمسك بالنهج التنظيمي الذي رسمه الشهيدعمر بنجلون، وتنظيم اختار التحالف مع الطبقة الحاكمة التي جندت أجهزتها القمعية، إلى جانبه، في محطة 8 ماي 1983، ليصير تحريف الحركة الاتحادية هو القاعدة، والتمسك بالنهج التنظيمي للشهيد عمر بنجلون هو الاستثناء، ولكنه الاستثناء الذي سوف ينتصر للتاريخ، وللشهيد عمر بنجلون، بضمان استمرار الحركة الاتحادية الأصيلة، التي تحولت فيما بعد إلى حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، كحزب للطبقة العاملة، وكحزب يسعى إلى أن يصير ثوريا، ويتمسك بنهج الشهيد عمر بنجلون، ويسعى إلى تحقيق الحرية، والديمقراطية، والاشتراكية، كأهداف كبرى، رسمها الشهيد عمر بنجلون في المؤتمر الإستثنائي سنة 1975.
وفيما يخص المستوى الإيديولوجي، نجد أن الشهيد عمر بنجلون، سعى قبل اغتياله إلى ترسيخ ايديولوجية الطبقة العاملة، القائمة على أساس الاقتناع بالاشتراكية العلمية كوسيلة، وكهدف، كما كان يقول الشهيد عمر بنجلون. وبعد اغتياله، عملت قيادة الحركة الاتحدية، وبكل وسائلها الممكنة، وغير الممكنة، إلى التخلي، وبصفة نهائية، عن إيديولوجية الطبقة العامل،ة والإستعاضة عنها بإيدلوجية البورجوازية الصغرى، ذات الطبيعة التوفيقية، والتلفيقية، التي تتيح الفرصة امام إمكانية التشويش على إيديولوجية الطبقة العاملة، وفسح المجال أمام مد الجسور مع الطبقة الحاكمة، حتى تتمكن هذه القيادة من تحقيق تطلعاتها الطبقية، هي، وكل عملائها في الحركة الإتحادية.
والداعي الى تخلي قيادة الحركة الاتحادية عن إيديولوجية الطبقة العاملة، باعتبارها ايديولوجية ثورية، قائمة على أساس الاقتناع بالاشتراكية العلمية، كوسيلة، وكهدف، هو أن هذه الإيديولوجية، لا تتناسب مع طبيعة المجتمع المغربي، الذي يتميز بخصوصية ترفض أن تصير الطبقة العاملة طليعة المجتمع المغربي، كما ترفض أن تصير الدولة الاشتراكية، بمفهومها الصحيح، هي التي تحكم المجتمع المغربي.
والواقع أن قيادة الحركة الاتحادية، عندما تمارس التحريف الإيديولوجي، لإيديولوجية الطبقة العاملة، التي صارت على يد الشهيد عمر بنجلون إيديولوجية الحركة الاتحادية الأصيلة، وإيديولوجية سائر الكادحين، فلأن هذه القيادة التي تسعى غلى تحقيق التطلعات الطبقية للبورجوازية الصغرى، عن طريق توظيف إيديولوجية خاصة بالبورجوازية الصغرى، تستند إلى:
ا ـ الأخذ بما يخدم مصلحتها الطبقية، من إيديولوجية الطبقة العاملة، حتى تمتلك شرعية قيادة الحركة الاتحادية، باعتبارها حركة للعمال، ولسائر الكادحين، بالإضافة إلى شرائح البورجوازية الصغرى الدنيا، والمتوسطة، والعليا.
ب ـ الأخذ بما يخدم مصلحتها الطبقية، من ايديولوجية الطبقة الحاكمة، المتكونة من التحالف البورجوازي / الإقطاعي المتخلف، حتى تتقرب بذلك من هذه الطبقة، وحتى يساعد ذلك التقرب على فسح المجال أمامها من أجل تحقيق تطلعاتها الطبقية.
ج ـ الأخذ بما يخدم مصلحتها، من إيديولوجية الإقطاع، ذات المرجعية الخرافية، ومن أجل الإيغال في تضليل الكادحين، وإعطاء الشرعية لاستمرار الإقطاع في المجتمع المغربي.
د ـ الأخذ بما يخدم مصلحتها، من الإيديولوجية البورجوازية، حتى توهم العمال، والكادحين، بان هذه القيادة، يمكن أن تعمل على جعل المجتمع المغربي مجتمعا صناعيا، ومن أجل التقرب من البورجوازية، التي تساعد البورجوازية الصغرى على تحقيق تطلعاتها الطبقية.
ه ـ الأخد بما يخدم مصلحتها الطبقية، من إيديولوجية اليمين المتطرف، حتى توهم هذا اليمين بأنها تصلح لأن تحتويه، وأن تجعله ينتمي إلى الحركة الاتحادية، التي لا تتناقض معه، ولضمان جماهيرية هذه الحركة، حتى تصير متكلمة باسم مجموع الطبقات الاجتماعية.
و ـ الأخذ بما يخدم مصلحتها من القيم الدينية الشائعة بين افراد المجتمع المغربي، حتى توهم الجماهير الشعبية الكادحة، بأن الإشتراكية المغربية التي تسعى قيدة الحركة الاتحادية إلى تحقيقها لا تتناقض مع الدين، كما هو الشان بالنسبة لإيديولوجية الطبقة العاملة، لإعطاء تبرير باغتيال الشهيد عمر بنجلون من داخل الحركة الاتحادية.
وهذا الأخذ المتنوع من الإيديولوجيات المختلفة، هدفه خلق تحالف إيديولوجي على يد قيادة الحركة الاتحادية في ذلك، لتحقيق أهداف تتمثل في:
ا ـ جعل الحركة الاتحادية وعاء يضم كل الطبقات الاجتماعية، لقطع الطريق أمام إمكانية صيرورتها حركة عمالية.
ب ـ محاصرة إيديولوجية الطبقة العاملة، والقضاء عليها في صفوف المنتمين إلى الحركة العمالية.
ج ـ إضعاف الحركة العمالية القائمة خارج الحركة الاتحادية، في أفق القضاء عليها.
د ـ قطع الطريق أمام إمكانية تحقيق الحرية، والديمقراطية، والاشتراكية، كما صاغها الشهيد عمر بنجلون، باعتبارها تتناقض مع رغبة البورجوازية الصغرى في تحقيق تطلعاتها الطبقية.
ه ـ ضمن تأبيد الاستبداد القائم، باعتباره إطارا يساعد على تحقيق التطلعات الطبقية للبورجوازية الصغرى.
و ـ الانخراط الواسع فيما صار يعرف بديمقراطية الواجهة، وإيهام الشعب المغربي بأن هذا الشكل من الديمقراطية، هو الذي يتناسب مع خصوصية هذا الشعب.
ولا داعي إلى القول بأن ممارسة قيادة الحركة الاتحادية، بعد اغتيال الشهيد عمر بنجلون، تعتبر:
ا ـ خيانة لكل الجهود، والتضحيات التي قدمها الشهيد عمر بنجلون في حياته، من أجل بناء حركة اتحادية عمالية رائدة.
ب ـ خيانة الحركة الاتحادية، بتحريفها عن الأهداف الآنية، والمرحلية، والإستراتيجية، كما رسمها الشهيد عمر بنجلون.
ج ـ خيانة للشعب المغربي الذي كان يراهن على الدور الذي تلعبه الحركة الاتحادية، كما خطط له الشهيد عمر بنجلون.
د ـ خيانة طموحات، وآمال الشعب المغربي، المتمثلة في تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية.
ه ـ خدمة مصالح التحالف البورجوازي / الإقطاعي المتخلف، الذي صار يمتلك الشرعية من بابها الواسع.
و ـ خدمة مصالح الإقطاع، والبورجوازية، اليمين المتطرف، باعتباره معاديا بالحركة العمالية، ومساهما في تنظيم عملية اغتيال الشهيد عمر بنجلون.
ذلك أن عملية التحريف الإيديولوجي بالخصوص، لا يمكن أن تؤدي إلا إلى تقديم الخدمات المختلفة للطبقة الحاكمة، ولكل الطبقات الرجعية المستفيدة من عملية الاستغلال الممارس على الشعب المغربي.
3) اما على المستوى السياسي، فإن التحريف يصير واضحا، من منطلق أن المواقف السياسية لا يمكن أن تكون إلا واضحة. والوضوح ينبني على مبررات تحريفية / تضليلية، تجعل العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، يعتقدون أن المواقف السياسية لم يطلها التحريف. ويتجلى التحريف السياسي للمواقف السياسية التي أسس لها الشهيد عمر بنجلون في:
ا ـ القبول بالدستور الممنوح، باعتباره قانونا للدولة، والتخلي عن المطالة بدستور ديمقراطي يضمن سيادة الشعب على نفسه، حتى يصير منطلقا لبناء دولة الحق، والقانون. ومعلوم أن الدستور الممنوح لا يخدم إلا مصالح المؤسسة المخزنية، ومصالح الطبقة الحاكمة، وسائر المستفيدين من الاستغلال المادي، والمعنوي، ويشرعن كافة أشكال تزوير الإرادة الشعبية في مختلف المحطات الانتخابية، لإفراز مؤسسات تكون رهن إشارة أجهزة السلطة المخزنية، باعتبارها وصية على تلك المؤسسات، وفي اطار ما صار يعرف بديمقراطية الواجهة، التي ليست إلا ديمقراطية التحالف البورجوازي / الإقطاعي المتخلف. هذه الديمقراطية التي تشرعن الفساد السياسي، كنتيجة لسيادة الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي، الذي ينخر كيان المجتمع المغربي. ومعلوم أن سكوت قيادة الحركة الإتحادية، بعد استشهاد الشهيد عمر بنجلون، عن المطالبة بدستور ديمقراطي، وعن طريق المجلس التأسيسي، يعتبر تحريفا للمواقف السياسية، التي أسس لها الشهيد عمر بنجلون، وخيانة لطموحات الشعب المغربي في إقرار الدستور الديمقراطي.
ب ـ القبول بالمشاركة في الانتخابات دون قيد، أو شرط. هذا القبول الذي يترتب عنه قبول مسبق بالنتاائج التي ترسمها الطبقة الحاكمة، عن طريق أجهزة وزراة الداخلية التي تخطط للانتخابات في جميع مراحلها، من بداية التسجيل في اللوائح الانتخابية، وانتهاء بإعلان النتائج. وإذا كان هناك شيء تبرع فيه وزارة الداخلية المغربية، ومنذ استقلال المغرب سنة 1956، هو تزوير إرادة الشعب المغربي. وقيادة الحركة الاتحادية عندما تقبل بالمشاركة في الانتخابات، بعد استشهاد الشهيد عمر بنجلون، ودون شروط مسبقة، وعندما تقبل بالنتائج التي تعلن عنها وزارة الداخلية، وتعتبرها شرعية، فلأنها ترى في الوصول إلى المؤسسات المزورة، وفي ظل الفساد الإداري، والسياسي، وسيلة سريعة لتحقيق التطلعات الطبقية، عن طريق توظيف الموارد الجماعية، لخدمة مصالح الأعضاء الجماعيين، تماما كما يفعل المنتمون إلى الأحزاب الرجعية، وفي مقدمتها الأحزاب الإدارية. وما دام الأمر كذالك، فإن المشاركة في الانتخابات، ليس الهدف منها هو فضح ممارسة التزوير، وتعرية الجهات التي تمارس ذلك التزوير، وبيان أن التزوير هو نتيجة لوجود الدستور الممنوح، الذي لم يجن منه الشعب المغربي إلا تزوير إرادته، لإنتاج مؤسسات تقف وراء التسريع بتحقيق التطلعات الطبقية لأعضائها. ولو كان الشهيد عمر بنجلون، كقائد عمالي للحركة الاتحاديةحيا، لكانت المشاركة في الإنتخابات وسيلة لمحاربة كافة أشكال التزوير، التي تسهدف إرادة الشعب المغربي. ولكنه التحريف الذي يستهدف المسار السياسي للشهيد عمر بنجلون.
ج ـ القبول بالقوانين الانتخابية التي تضعها الطبقة الحاكمة، والتي تشرعن التزوير في مختلف المراحل الانتخابية. وهو ما ينتج عنه وجود لوائح انتخابة غير دقيقة، تشتمل على مجموعة من الخروقات التي تقف وراء تزوير الإرادة الشعبية. وقد كان المفروض أن يصير وضع قوانين انتخابية تضمن حرية الانتخابات، ونزاهتها، وتمكن من وضع حد للفساد الإداري، والفساد السياسي، ولشراء الضمائر بطريقة مكشوفة، وعلى مرآى من الغادي، والبادي، ومن أجل التأثير في مسار الانتخابات، وصولا إلى نتائج محددة، لا تخدم في نهاية المطاف إلا مصالح المؤسسة المخزنية، ومصالح الطبقة الحاكمة، التي تفسح المجال أمام إمكانية قيام الشرائع العليا من البورجوازية الصغرى، بتحقيق تطلعاتها الطبقية، مقابل السكوت عن الفساد الذي يستشري في الإدارة المغربية، وفي الأجهزة المخزنية، التي تتحمل مسئولية تطبيق القوانين الانتخابية المجحفة.
د ـ القبول بأشكال التزوير التي تمارس أثناء الانتخابات، من بدايتها، إلى نهايتها، انطلاقا من التسجيل في اللوائح الانتخابية، ومرورا بإجراء مختلف العمليات انتخابية، وانتهاء بإجراء الانتخابات، وإعلان النتائج؛ لأن ما يهم قيادة الحركة الاتحادية، بعد اغتيال الشهيد عمر بنجلون، ليس هو إجراء انتخابات حرة، ونزيهة، بل هو الحرص على استغلال مناسبة الانتخابات، من اجل الوصول، وبكل الوسائل الممكنة، وغير الممكنة، الشرعية، وغير الشرعية، إلى المؤسسات المزورة، ما دامت توفر الإمكانيات اللازمة لتحقيق التسلق الطبقي، في اتجاه التصنيف إلى جانب التحالف البورجوازي الإقطاعي المتخلف. وهذا القبول باشكال التزوير الممارسة في مختلف المحطات الانتخابية، التي كانت تجرى، بعد اغتيال الشهيد عمر بنجلون، هو الذي وقف وراء قيام صراع ديمقراطي، تحول فيما بعد الى صراع تناحري داخل الحركة الاتحادية، بين الخط النضالي الديمقراطي، وبين الخط الانتخابي، خاصة، وأن القرارات الرسمية الصادرة عن الأجهزة التقريرية، حينداك، كانت تقتضي مغادرة المؤسسات المزورة، واعتبار المشاركة في الانتخابات مشروطة بالتخلي عن كل أشكال التزوير، التي تقوم أجهزة الداخلية بممارستها من بداية التسجيل في اللوائح، إلى إعلان النتائج، حتى تكون المشاركة في الانتخابات منتجة لحرية الانتخابات، ونزاهتها، وصولا إلى تكريس احترام إرادة الشعب المغربي، وانتهاء بوجود مؤسسات منتخبة، تحترم فيها تلك الإرادة، تعبيرا عن الوفاء لدماء شهداء حركة التحرر الوطني، وشهداء الشعب المغربي، الذين لم يقدموا دمائهم الزكية من أجل أن تسعى الشرائع العليا من البورجوازية الصغرى، من تحقيق تطلعاتها الطبقية، بقدر ما قدموا تلك الدماء من أجل احترام إرادة الشعب المغربي، من بداية التسجيل في اللواح الانتخابية، إلى إعلان النتائج.
ه ـ القبول بنتائج التزوير، مهما كانت مجحفة، في مقابل التحايل على مناضلي الحركة الاتحادية الذين يرفضون كل ذالك، ارضاء للمؤسسة المخزنية، وللطبقة الحاكمة، التي تسعى إلى اكتساب الشرعية الديمقراطية على المستوى الدولي. وهو ما يعني في عمق ممارسة قيادة الحركة الاتحادية، بعد اغتيال الشهيد عمر بنجلون، أن القبول بنتائج التزوير، جاء في إطار خطة مرسومة، لا تعرفها إلا المؤسسة المخزنية، والطبقة الحاكمة من جهة، وقيادة الحركة الاتحادية من جهة أخرى، حتى لا يفسح المجال أمام إمكانية تصعيد نضال الحركة التحرر الوطني، والحركة الاتحادية الأصيلة، في أفق فرض احترام إرادة الشعب المغربي قولا، وفعلا، ومن خلال القوانين التي يتم وضعها من أجل إجراء العمليات الانتخابية في مراحلها المختلفة. ومما يدل على ذهبنا إليه، هو التحول الذي عرفه الخط الانتخابي، في اتجاه صيرورته في خدمة المؤسسة المخزنية، وفي خدمة الطبقة الحاكمة، خلال الثمانينيات، والتسعينيات من القرن العشرين، مما أدى بهذا الخط إلى الوصول إلى الحكومة، من أجل تدبير الشان العام للدولة المخزنية، وللطبقة الحاكمة، ومن أجل الإيغال في تضليل الشعب المغربي، وطليعته الطبقة العاملة. هذا التضليل، الذي لعب دورا مزدوجا، تمثل في الوقوف وراء التراجع الخطير الذي عرفته الحركة اليسارية بصفة عامة، والحركة الاتحادية بصفة خاصة، وفي الوقوف وراء قوة التيارات الظلامية المتطرفة، التي أخذت تظهر، وكأنها البديل المنتظر، والمنقذ للشعب المغربي، مع أنها لا تتجاوز أن تكون مجرد ساعية إلى فرض استبداد بديل.
ذلك أن قيادة الحركة الاتحادية، بعد اغتيال الشهيد عمر بنجلون، تتحمل مسئولية كبيرة، وأساسية، فيما آل إليه وضع هذه الحركة التي افرزت العديد من الأحزاب السياسية، التي صارت تساهم، ومن موقع ضعفها، إما في النضال من أجل المحافظة على نهج شهداء حركة التحرر الوطني، ونهج الشهيد عمر بنجلون، وإما في دعم نهج المؤسسة المخزنية، والطبقة الحاكمة. ومسئوليتها تلك، ناتجة عن أشكال التحريف التي مارستها لمحاصرة فكر، ونهج الشهيد عمر بنجلون، حتى لا يستمر في التغلغل في صفوف الجماهير الشعبية، وطليعتها الطبقة العاملة.
وهذا التحريف الذي اتخذ طابعا تنظيميا، وإيديولوجيا، وسياسيا، لا يمكن اعتباره إلا خيانة ل:
1) نهج حركة التحرر الوطني، التي قدمت المزيد من الشهداء، والكثير من التضحيات، من أجل انعتاق الشعب المغربي من الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال.
2) نهج الحركة الاتحادية نفسها، التي قدمت المهدي، وعمر، على طريق التضحيات العظيمة، من أجل تحقيق الحرية،، والديمقراطية، والاشتراكية.
3) لنهج الشهيد عمر بنجلون، الذي وهب حياته لبناء الحركة الاتحادية على أساس الاقتناع بالاشتراكية العلمية، في أفق تحولها إلى حزب ثوري، يسعى إلى تحقيق التغيير اللازم لقيام الدولة الاشتراكية، التي تشرف على تحويل الملكية الفردية، إلى ملكية جماعية، تضمن جعل إنتاج الخيرات في خدمة مجموع أفراد الشعب المغربي.
4) الشعب المغربي الذي أجهضت أحلامه، ليصل أفراده إلى الإصابة باليأس من المستقبل، والاستسلام للانسياق إما وراء الرموز المخزنية المتمثلة في الأحزاب الرجعية، التي صنعتها أجهزة وزارة الداخلية، وإما وراء التوجهات الظلامية التي تدخل المجتمع المغربي في دهاليز الظلام، والرجعية، والتخلف، من أجل تأبيد الاستبداد القائم، أو من أجل فرض استبداد بديل.
وهذه الخيانة، وبهذا التنوع، ومن هذا المستوى، ونظرا للنتائج التي أدت إليها، لا يكن أن تصنف إلا في خانة الخيانة العظمى، في حق تاريخ الشعب المغربي، الذي عرف ترديا لا حدود له.
ونظرا لكون الشهيد عر بنجلون ارتبط اسمه بالطبقة العاملة، التي سعى إلى جعل تنظيمها النقابي مبدئيا، كما سعى، في نفس الوقت، إلى بناء حزبها الثوري، انطلاقا من إعادة بناء الحركة الاتحادية، كمشروع لذلك الحزب الثوري، مما ترتب عنه اغتياله على يد التحالف المخزني / الرجعي / الظلامي المتخلف، فإن قيادة الحركة الاتحادية، وبعد اغتيال الشهيد عمر بنجلون مباشرة، لا يروقها أن يعرف بشهيد الطبقة العاملة، فسارعت إلى اعتباره:
شهيد الصحافة، التي ليست إلا وسيلة للارتباط بالجماهير الشعبية الكادحة، وطليعتها الطبقة العاملة المغربية. والتحريف يبلغ مداه، عندما تصير الوسيلة غاية. فالشهيد عمر بنجلون، كانت غايته تنظيم الطبقة العاملة، وقيادتها بعد امتلاك وعيها الطبقي: الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي. واذا كان الشهيد عمر بنجلون قد اشتغل في صحافة الحركة الاتحادية، كمدير مسئول عن إصدار جريدة المحرر، فلأنه كان يرى في ذلك وسيلة للارتباط بالطبقة العاملة: تأطيرا، وتوجيها، وقيادة، وفعلا، في اتجاه بناء الحركة العمالية الثورية، كحركة اتحادية، وتقوية هذه الحركة، وربطها بالجماهير الشعبية الكادحة، والعمل على فرض سيادتها على أرض الواقع، حتى تكون أكثر تأثيرا في صفوف الجماهير المعنية بالنضال من اجل تحقيق الحرية، والديمقراطية، والاشتراكية.
وقيادة الحركة الإتحادية عندما عملت على تحريف استشهاد الشهيد عمر بنجلون عن مساره الصحيح، ليصير شهيد الصحافة، بدل أن يعرف بشهيد الطبقة العاملة، فلأن هذه القيادة كانت تعادي الطبقة العاملة، ولا ترى فيها إلا مجالا لممارسة كافة أشكال التضليل، حتى تستفيد من أصواتها في مختلف المحطات الانتخابية، ومن أجل خدمة المؤسسة المخزنية، ومنها الطبقة الحاكمة في تلك الخدمة، وسعيا الى جعل الوصول الى المؤسسات المنتخبة مجرد وسيلة لتحقيق التطلعات الطبقية للشرائح العليا للبورجوازية الصغرى، وليس خدمة مصالح الشعب المغربي، كما تدعى ذلك قيادة الحركة الاتحادية بعد استشهاد الشهيد عمر بنجلون.
2) اعتباره قائدا اتحاديا، وليس قائدا عماليا، والفرق واضح بين القيادتين. فكون الشهيد عمر بنجلون قائدا عماليا، يعني أن الحركة الاتحادية، بقيادتها، مستمرة على نهجه، في أفق صيرورتها حركة عمالية، تسعى إلى تغيير الواقع تغييرا جذريا، عن طريق تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية. أما كون الشهيد عمر بنجلون قائدا اتحاديا، فيعني أن الحركة الاتحادية، بقيادتها، تسير في اتجاه التنكر لما أنجزه الشهيد عمر بنجلون، من أجل تحويل الحركة الاتحادية، إلى حركة عمالية. وهذا التنكر يتمثل في السعي إلى:
ا ـ التخلي عن إيديولوجية الاشتراكية العلمية، من منطلق عدم مناسبتها لخصوصية الحركة الاتحادية، ولخصوصية المجتمع المغربي في نفس الوقت، ومن أجل اعتماد إيديولوجية البورجوازية الصغرى: التوفيقية، والتلفيقية، التي تبقى مشرعة أمام إمكانية فتح جسورالتواصل مع المؤسسة المخزنية، ومع الطبقة الحاكمة، ومع الأجهزة الإدارية المخزنية.
ب ـ بناء تنظيم الحركة الاتحادية على أساس السعي إلى الانخراط في مختلف المحطات الانتخابية، التي تمكن من الوصول إلى المؤسسات المنتخبة / المزورة، التي تساهم في التسريع بتحقيق التطلعات الطبقية، وليس على أساس تحويل الحركة الاتحادية إلى حركة عمالية، كما كان يسعى إلى ذالك الشهيد عمر بنجلون، حتى لا تصير الحركة الاتحادية مصدر إزعاج للمؤسسة المخزنية، وللطبقة الحاكمة، وحتى لا تحول دون الوصول إلى المؤسسات المنتخبة / المزورة، التي تمكن قيادة الحركة الاتحادية، ومعها الشرائح العليا من البورجوازية الصغرى، والمتوسطة، من تحقيق تطلعاتها الطبقية، ومن أجل إرضاء المؤسسة المخزنية، والطبقة الحاكمة، التي قدمت كل الدعم إلى قيادة الحركة الاتحادية، التي أقامت حصارا ضد المتمسكين بنهج الشهيد عمر بنجلون في محطة 8 ماي 1983، حيث هبت أجهزة القمع الموجهة من قبل القيادة الاتحادية، لاعتقال مناضلي الحركة الاتحادية الأصيلة، الذين بلغ عددهم 34 مناضلا اتحاديا أصيلا، كانوا يخوضون صراعا إيديولوجيا، وتنظيميا، وسياسيا، في إطار ما كان يعرف، في ذلك الوقت، عند هؤلاء المناضلين، بالخط النضالي الديمقراطي، الذي كان يخوض صراعا في أبعاده المذكورة ضد القيادة الاتحادية، التي كانت تمثل الخط الانتخابي.
ج ـ التخلي عن المواقف السياسية التي بلورها الشهيد عمر بنجلون، والاستعاضة عنها بمواقف سياسية تتودد للمؤسسة المخزنية، وللطبقةالحاكمة، ولأجهزة الدولة الإدارية، كما هو الشأن بالنسبة للمطالبة بانتخاب مجلس تأسيسي، يوكل إليه وضع دستور يضمن سيادة الشعب على نفسه، وإعادة النظر في كل القوانين، والمراسيم، والقرارات المعتمدة في تنظيم الانتخابات، وانضاج الشروط الموضوعية المناسبة لإجراء انتخابات حرة، ونزيهة. وغاية هذا التخلي تكمن في رغبة قيادة الحركة الاتحادية، بعد اغتيال الشهيد عمر بنجلون، في مد جسور التواصل مع المؤسسة المخزنية، ومع الطبقة الحاكمة، من خلال مد الجسور مع أجهزة الدولة الإدارية، والقمعية، حتى يصير ذلك التواصل وسيلة للسماح بالوصول إلى المؤسسات المنتخبة / المزورة، حتى وإن كان ذلك في سياق التزوير الذي مورس في انتخابات 1976 و1977، والذي مهد الطريق أمام اتباع، ومؤيدي قيادة الحركة الإتحادية، حينذاك، من الوصول إلى المؤسسات الجماعية، وإلى البرلمان. وهذا الوصول إلى المؤسسات المذكورة، هو المقابل الذي تلقته قيادة الحركة الاتحادية، بعد اغتيال الشهيد عمر بنجلون. وهذا المقابل، هو الذي مكن شرائح مهمة من البورجوازية الصغرى من تحقيق تطلعاتها الطبقية من أجل التصنيف إلى جانب البورجوازية الكبرى، وإلى جانب التحالف البورجوازي الإقطاعي المتخلف، على حساب إقبار طموحات الشعب المغربي، في تحقيق الحرية، والديمقراطية، والاشتراكية.
فاعتبار الشهيد عمر بنجلون قائدا اتحاديا، وليس قائدا عماليا، أو مشروع عمالي على الأقل، حسب فهم قيادة الحركة الاتحادية، يعتبرتحريفا لأحد أوجه شخصية الشهيد عمر بنجلون من أجل:
ا ـ الفصل بين شخصية الشهيد عمر بنجلون الحقيقية، كمؤسس للحركة العمالية، وكساع إلى صيرورتها في الواقع المغربي على مستوى التنظيم، وعلى مستوى الإيديولوجية، على المستوى السياسي، وبين هذه الشخصية، كما تتصورها قيادة الحركة الاتحادية بعد اغتيال الشهيد عمر بنجلون.
ب ـ العمل على جعل الحركة العمالية تتناقض تناقضا مطلقا مع الحركة الاتحادية، حتى يصير ذلك التناقض وسيلة لجعل الحركة الاتحادية تتلخص من كل المفاهيم التي تقود إلى تحويل الحركة الاتحادية إلى حركة عمالية، بما في ذلك التخلي عن اعتماد الاشتراكية العلمية، كوسيلة، وكهدف، كما قال الشهيد عمر بنجلون في تقديمه للتقرير الإيديولوجي في المؤتمر الاستثنائي المنعقد في يناير1975، بدعوى عدم مناسبة الاشتراكية العلمية لخصوصية الحركة الاتحادية من جهة، وللمجتمع المغربي من جهة ثانية، فكأن الحركة الاتحادية، والمجتمع المغربي، كانا قابلين بذلك، قبل اغتيال الشهيد عمر بنجلون، وصارا رافضين لذلك بعد اغتياله.
والواقع، أن قيادة الحركة الاتحادية، هي التي ترى أن الاشتراكية العلمية، كوسيلة، وكهدف، تتنناقض مع مصالحها، باعتبارها قيادة لشرائح البورجوازية الصغرى، الساعية إلى تحقيق التطلعات الطبقية، على حساب إقبار طموحات الشعب المغربي الكادح، الساعي إلى تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية بمفهومها الاشتراكي.
ولعل العمل على جعل الحركة العمالية تتناقض مع الحركة الاتحادية، يجعل إقدام التحالف المخزني الرجعي الظلامي المتخلف على اغتيال الشهيد عمر بنجلون مشروعا، لتخليص المجتمع المغربي من الحركة العمالية، حتى يصير مشروعا أمام عبث الظلاميين، على اختلاف توجهاتهم، بمستقبل الشعب المغربي، سواء كانوا يسعون إلى تابيد الاستبداد القائم، أو يعملون على فرض استبداد بديل.
ج ـ زراعة الوهم بأن ما تصير عليه الحركة الاتحادية، وما تسعى إلى تحقيقه، بعد اغتيال الشهيد عمر بنجلون، لا يتناقض مع كان يسعى إليه الشهيد عمر بنجلون، مع أن ما جرى في مسيرة الحركة الاتحادية، يؤكد أن ما تدعيه قيادة الحركة الاتحادية، بعد اغتيال الشهيد عمر بنجلون، ليس إلا وهما يجب تنفيده، وفضحه، وتبخيسه، كما حصل في محطة 8 ماي 1983، التي عرفت قيام مناضلي الحركة الاتحادية الأصيلة، بالحسم مع قيادة الحركة الاتحادية، التي اقدمت على تحريف شخصية الشهيد عمر بنجلون، واستعادة الأمل في بناء الحركة الاتحادية الأصيلة، باعتبارها مشروعا للحركة العمالية، كما كان يسعى إلى بنائها الشهيد عمر بنجلون، والتي صارت تحمل اسم حزب الطليعة الديمقراطي الإشتراكي، كحزب للطبقة العاملة المغربية، وكمجسد للحركة العمالية، كما تصورها الشهيد عمر بنجلون.
د ـ السعي إلى ارتباط قيادة الحركة الاتحادية التحريفية، بعد اغتيال الشهيد عمر بنجلون، بالمؤسسة المخزنية، وبالطبقة الحاكمة، من منطلق أن ارتباطا من هذا النوع، سيساعد على التسريع بتحقيق التطلعات الطبقية للشرائح العليا من البورجوازية الصغرى. والمتوسطة وهو ما حصل في أواخر السبعينيات، وخلال الثمانينيات، والتسعينيات من القرن العشرين، حيث صارت هذه الشرائح جزءا لا يتجزأ من الطبقة الحاكمة إيديولوجيا، وتنظيميا، وسياسيا، وإلى الآن. الأمرالذي يترتب عنه تحول هذه الشرائح المستأسدة على الشعب المغربي، إلى لعب دورين أساسيين:
الدور الأول: يتمثل في الاستمرار في تضليل الكادحين، حتى يصيروا عاجزين عن الوعي بعمق تردي الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي.
والدور الثاني: يتمثل في إنضاج شروط تحقيق استغلال الشعب المغربي لصالح المؤسسة المخزية، ولصالح الطبقة الحاكمة، ولصالح الشرائح العليا من البورجوازية الصغرى.
وهذان الدوران تجسدا، على التوالي، من خلال الثمانينيات، والتسعينيات من القرن العشرين، سعيا إلى تحقيق هدف صيرورة الشرائح العليا من البورجوازية الصغرى، جزءا لا يتجزأ من الطبقة الحاكمة، عن طريق تحقيق عملية الاندماج الكلي.
ومعلوم ان اعتبار الشهيد عمر بنجلون قائدا للحركة الاتحادية، التي خرجت، وانحرفت عن نهجه، وصارت أداة، ووسيلة لمحاربة هذا النهج، وإغراق مناضلي الحركة الاتحادية الأصيلة في السجون المغربية، حتى لا يتمكنوا من مقاومة الانحراف، بأبعاده الإيديولوجية، والتنظيمية، والسياسية، ومن أجل تحقيق عملية اندماج الشرائح العليا من البورجوازية الصغرى، في صفوف التحالف البورجوازي / الإقطاعي المتخلف، والحاكم، حتى تصير تلك الشرائح اكثر خدمة للطبقة الحاكمة، وللمؤسسة المخزنية عى حد سواء، يصير اكبر عملية تحريفية تستهدف شخصية الشهيد عمر بنجلون.
3) اعتبار انطلاقه في تحليله العلمي من قوانين الاشتراكية لخصوصية المجتمع المغربي، من أجل الوصول إلى اكتشاف القوانين التي تتحكم في هذا الواقع، في أفق امتلاك نظرية تكون منطلفا لصياغة برنامج العمل، في أفق التغيير الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي، يتناقض مع خصوصية المجتمع المغربي، التي ترفض قوانين التحليل العلمي القائمة على اساس الاقتناع بالاشتراكية العلمية، كوسيلة، وكهدف، من أجل اعتماد القوانين المناسبة لتكريس تحليل الشرائح البورجوازية للواقع المغربي، وصولا إلى صياغة تصور يعتمد لصياغة برنامج يصلح للمحافظة على مصالح التحالف البورجوازي / الإقطاعي المتخلف، ولتحقيق تطلعات البورجوازية الصغرى، ولتعميق استغلال الكادحين، وطليعتهم الطبقة العاملة، حتى لا يمتلكوا وعيهم الطبقي، وحتى لايفكروا، في يوم ما، في مقاومة همجية الإستغلال، ومن أجل أن يصيروا مرضى بتحقيق التطلعات الطبقية، كممارسة بورجوزاية صغرى، مما يجعلهم يقبلون بالاستغلال الممارس عليهم في أفق ذلك، وسعيا إلى اقبار نهج الشهيد عمر بنجلون، وبصفة نهائية، حتى لا يعتمد في بناء الحركة الاتحادية الأصيلة القائمة على أساس ذلك النهج، المتجسد في الاقتناع بالاشتراكية العلمية، كوسيلة، وكهدف، وفي أفق تحقيق الحرية، والديمقراطية، والاشتراكية.
والغاية من اعتبار انطلاق الشهيد عمر بنجلون، في تحليله العلمي، من قوانين الاشتراكية العلمية لخصوصية المجتمع المغربي، يتناقض مع هذه الخصوصية، كما تفهمها قيادة الحركة الاتحادية بعد مقتل الشهيد عمر بنجلون، على ايدي التحالف المخزني / الرجعي / الظلامي المتخلف.
وفهم هذه القيادة المذكورة يتمثل في:
ا ـ أن المجتمع المغربي هو مجتمع لا يرقى إلى مستوى المجتمعات التي عرفت إبداع الفكر الاشتراكي العلمي، بقوانينه: المادية الجدلية، والمادية التاريخية، كما أنه لا يرقى إلى مستوى المجتمعات التي تم فيها تفعيل تلك القوانين العلمية، مما أدى الى تحقق الاشتراكية، كما هو الشان بالنسبة للمجتمع السوفياتي سابقا، والمجتمع الصيني، والمجتمع الكوبي، والمجتمع الفيتنامي... الخ.
ولذلك لا داعي إلى تفعيل تلك القوانين، حسب قيادة الحركة الاتحادية، بعد استشهاد الشهيد عمر بنجلون، وفي إطار الحركة الاتحادية، للتعامل مع المجتمع المغربي، الذي لازال في حاجة إلى أشياء اخرى، لم يفصح عنها التحليل، والتركيب، خدمة لتوجه قيادة الحركة الاتحادية، بعد استشهاد الشهيد عمر بنجلن.
وللإيغال في التضليل، وزراعة الوهم، كانت هذه القيادة تعتبر ان مهمة الحركة الاتحادية، هي تحقيق الديمقراطية، دون تحديد:
ما نوع هذه الديمقراطية؟
ولصالح من يجب تحقيق الديمقراطية؟
وللتمادى في التضليل، تطرح هذه القيادة كذلك ضرورة تحديث الجتمع المغربي، دون تحديد:
ما نوع هذا التحديث؟
ولصالح من؟
والواقع أن مفهوم هذه القيادة، ومن يجري في فلكها، للديمقراطية، وللتحديث، يقتضي إنضاج الشروط الموضوعية المساعدة على إقدام الشرائح العليا من البورجوازية الصغرى، والمتوسطة، على تحقيق تطلعاتها الطبقية ،حتى تصطف إلى جانب البورجوازية الكبرى، وغلى جانب التحالف البورجوازي / الإقطاعي المتخلف الحاكم، وحتى تصير في خدمة المؤسسة المخزنية بامتياز.
ب ـ أن الأمية لازالت متفشية في المجتمع المغربي، مما ييجعل معظم أفراد المجتمع لا يرقون إلى مستوى فهم واستيعاب التحليل القائم على أساس توظيف قوانين الاشتراكية العلمية، في التعامل مع الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي، ولا يستطيعون غدراك القوانين الخاصة بالواقع المتنوع، خاصة، وأن سيادة الأمية تجعل معظم المغاربة يعتمدون طرق الإنتاج المتخلفة، مما يجعل المستوى الاقتصادي لمعظم أفراد الجتمع ينحدر غلى ما دون مستوى عتبة الفقر. الأمر الذي يقتضي اعتماد المنهج الغيبي في التعامل مع الواقع، باعتباره منهجا معتمدا، ومفهوما، ومقبولا من قبل معظم أفراد المجتمع، بالإضافة إلى المنهج البورجوازي الصغير، أو المنهج البورجوازي الليبرالي، أو منهج التحالف البورجوازي / الإقطاعي المتخلف. وكلها ناهج مدعومة من قبل الطبقة الحاكمة، ومن قبل المؤسسة المخزنية. وهي، في نفس الوقت، مناهج تعمل على إنضاج الشروط المناسبة لتحقيق التطلعات الطبقية للشرائح العليا للبورجوازية الصغرى، والمتوسطة، التي تقودها قيادة الحركة الاتحادية، بعد اغتيال الشهيد عمر بنجلون.
وقيادة الحركة الاتحادية، عندما تعتبر أن ارتفاع نسبة الأمية في حينه، تتناقض مع توظيف قوانين الاشتراكية العلمية، كما اقتنع بها الشهيد عمر بنجلون، فلأن هذه القيادة لا ترغب، مطلقا، في أن تمتلك الجماهير الشعبية الكادحة وعيها الطبقي الحقيقي؛ لأن ذلك الوعي، إن تحقق، سيجعل الصلة بين قيادة الحركة الاتحادية بعد اغتيال الشهيد عمر بنجلون، وبين الطبقة الحاكمة غير قائمة، مما يحول دون إنضاج الشروط المساعدة على تحقيق التطلعات الطبقية للشرائح العليا من البورجوازية الصغرى، والمتوسطة، التي تنتمي اليها قيادة الحركة الاتحادية بعد غتيال الشهيد عمر بنجلون.
ج ـ أن الواقع الاقتصادي للمجتمع المغربي، لازال متخلفا، ولا يتحمل الأخذ بمبدأ التوزيع العادل للثروة، الذي يتناقض مع الرغبة الحاصلة لدى قيادة الحركة الاتحادية، بعد غتيال الشهيد عمر بنجلون، في إحداث تراكم رأسمالي، يجسد تحقيق التطلعات الطبقية للشرائح العليا من البورجوازية الصغرى، والمتوسطة. ذلك التراكم الرأسمالي، الذي يمكن من إقامة مشاريع صناعية، أو زراعية، أو تجارية، تجعل الشرئح العليا من البورجوازية الصغرى تتصنف إلى جانب التحالف البورجوازي / الإقطاعي المتخلف.
ونظرا لكون توظيف قوانين الإشتراكية العلمية في تحليل الواقع الاقتصادي، يقود إلى ضرورة إقامة نظام اقتصادي يضمن التوزيع العادل للثروة، فإن قيادة الحركة الاتحادية، بعد غغتيال الشهيد عمر بنجلون، ترى ان توظيف تلك القوانين في تحليل الواقع الاقتصادي في المغرب، يتناقض مع خصوصية المجتمع المغربي، الذي لازال يغلب عليه الطابع الزراعي، الذي يتسم بسيادة الفكر المتخلف، والغيبي، ذي البعد الخرافي، الذي يحول دون قيام تحديث هادف، في اتجاه رسملة المجتمع وبالشكل الذي يجعل الاقتصاد المغربي اقتصادا رأسماليا.
ولذلك فإن خصوصية هذا الإقتصا،د حينذاك، لا تتحمل تفعيل قوانين الاشتراكية العلمية، التي قد تقود إلى العمل على التوزيع العادل للثروة، الأمر الذي سوف يحول دون قيام رأسمالية محلية، تعمل على تحديث المجتمع، وتطويره، وتطوره، وفق منطق التطور الرأسمالي. وهو ما يعني، في نظر قيادة الحركة الاتحادية، بعد اغتيال الشهيد عمر بنجلون، استمرار تخلف المجتمع المغربي، الذي لا يعني، في نظرنا، إلا استمرار الحيلولة دون قيام البورجوازية الصغرى بتحقيق تطلعاتها الطبقية، ومنها قيادة الحركة الاتحادية، بعد اغتيال الشهيد عمر بنجلون، وكل من يسبح في فلكها.
د ـ أن البنيات التحتية: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، التي تؤهل المجتمع المغربي لتحمل التوزيع العادل للثروة، غير قائمة، واذا وجدت هناك بنيات تحتية، فإنها تبقى مجرد بنيات لا ترقى أبدا إلى الوقوف وراء جعل المجتمع المغربي متطورا، بقدر ما تعمل على جعل هذا المجتمع يستمر بالتشبت بتخلفه. الأمر الذي لا ينتج إلا قيام خصوصية لا تتناسب مع العمل على تفعيل قوانين الاشتراكية العلمية في التعامل مع الواقع، كما أنها لا تتناسب مع بناء حركة عمالية رائدة، كما تصورها الشهيد عمر بنجلون، التي تسعى إلى تحقيق الحرية، والديمقراطية، والاشتراكية، كما اقر ذلك المؤتمر الاستثنائي للحركة الاتحادية في يناير 1975. الأمر الذي أرعب قيادة الحركة الاتحادية، مما جعلها تعمل، بعد اغتيال الشهيد عمر بنجلون، على جعل التخلي عن اعتيار الاشتراكية العلمية تتناقض مع واقع المجتمع المغربي، ومع واقع الحركة الاتحادية، في نفس الوقت. والواقع، أنها لا تتناقض إلا مع مصالح البورجوازية، ومع رغبة البورجوازية الصغرى في تحقيق تطلعاتها الطبقية: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.
ولذلك نجد أن اعتبار تفعيل القوانين الاشتراكية العلمية، وبناء الحركة الاتحادية الأصيلة، المفضي إلى بناء حركة عمالية رائدة، يتناقض تناقضا مطلقا مع خصوصية المجتمع المغربي، باعتباره مجتمعا متخلفا عن المجتمعات الرأسمالية المتطورة، وباعتبار الأمية لا زالت متفشية فيه، وباعتبار الاقتصاد المغربي لا زال متخلفا، وباعتبار البنيات التحتية غير مؤهلة لتحمل تحقيق الحرية، والديمقراطية، والإشتراكية. وهو ما يعني ضرورة جعل الحركة الاتحادية، بعد اغتيال الشهيد عمر بنجلون، حركة تسعى، وعلى جميع الستويات، وفي مختلف المجالات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، إلى تحقيق التطلعات الطبقية للشرائح العليا من البورجوازية الصغرى، والمتوسطة، لتجعل بذلك تحريفها لنهج الشهيد عمر بنجلون مشروعا.
الشهيد عمر بنجلون الرمز:
وانطلاقا مما رأينا، يتبين لنا أن التخلي عن نهج الشهيد عمر بنجلون، الذي قدم روحه، من أجل انعتاق الشعب المغربي، يقتضي تحريف شخصيته، عن طريق نفي كونه شهيدا للطبقة العاملة، واعتباره شهيدا للصحافة الاتحادية، التي لا تلتزم حتى بنهجه الإعلامي، ونفي كونه قائدا عماليا، واعتباره قائدا للحركة الاتحادية، كما تراها قيادة الحركة الاتحادية بعد اغتيال الشهيد عمر بنجلون، واعتبارتوظيفه لقوانين الاشتراكية العلمية، يتناقض تناقضا مطلقا مع خصوصية المجتمع المغربي، حتى ينعدم تأثيره في صفوف المنتمين إلى الحركة الاتحادية، وفي صفوف مجموع أفراد الشعب المغربي، وحتى يتبين أن الشهيد عمر بنجلون، لا يختلف في فكره، وفي ممارسته، عن أعضاء قيادة الحركة الاتحادية بعد اغتياله.
وهذا التحريف المكشوف، في حينه، هو الذي أفرز من يعمل على مقاومته، مما جعل الحركة الاتحادية مجالا للصراع الديمقراطي بين خطين أساسين:
ا ـ الخط النضال الديمقراطي.
ب ـ والخط الانتخابي.
وهذا الصراع الذي تطور، فيما بعد، إلى صراع تناحري، قاد إلى اعتقال 34 مناضلا اتحاديا أصيلا، وعماليا، والذين أخدوا على عاتقهم، العمل على ترسيخ نهج الشهيد عمر بنجلون، كقائد عمالي، والاستمرار في العمل على بناء الحركة الاتحادية الأصيلة، باعتبارها حركة عمالية، تأخذ بمبادئ الاشتراكية العلمية، وتبني إيديولوجيتها على هذا الأساس، ويعمل على مناضلوها على توظيف قوانين الاشتراكية العلمية في التعامل مع الواقع الاقتصادي، وااجتماعي، والثقافي، والسياسي، حتى يصير ذلك التوظيف وسيلة تساعد على امتلاك نظرية عن هذا الواقع، تعتمد من أجل اعتماد التحليل الملموس، للواقع الملموس، التي يتم اكتشاف قوانين الواقع، والعمل على تفعيل تلك القوانين، في أفق حصول تغيير يؤدي إلى تحقيق الحرية، والديمقراطية، والاشتراكية، كما تصورها الشهيد عمر بنجلون قبل اغتياله، وكما يتصورها مناضلوا الحركة الاتحادية الأصيلة، متطورة، تبعا للتطور الذي يحصل في مختلف المجالات.
وبعد وقوفنا على مظاهر تحريف شخصية الشهيد عمر بنجلون، التي اعتمدتها قيادة الحركة الاتحادية، بعد اقدام التحالف المخزني / الرجعي / الظلامي، على اغتيال الشهيد عمر بنجلون، وبعد عملنا على تفنيد ادعاءات تلك القيادة، من أجل فرض تلك القيادة، من أجل فرض تحريف شخصية الشهيد عمر بنجلون، وكأنه تجسيد لواقع قائم، رغبة في تضليل الأجيال القادمة إلى الحركة الاتحادية، بالإضافة إلى تضليل كادحي الشعب المغربي، الذين كان الشهيد عمر بنجلون يجسد طموحاتهم في تحقيق الحرية، والديمقراطية، والاشتراكية، ننتقل إلى مناقشة رمزية الشهيد عمر بنجلون، الذي تحول إلى رمز. والرمز لا يمكن أن يموت، لأنه يبقى ملازما للفكر، والمارسة، في مسلكية الأفراد، والجماعات، في المجتمع المعني بذلك.
ورمزية الشهيد عمر بنجلون التي انفرزت من خلال النضالات المريرة، والتضحيات الجسيمة، التي قدمها الشعب المغربي خلال مرحلة الاستعمار، وفي مرحلة الاستقلال السياسي، إذا تم تفنيد التحريف الذي استهدف جوهر شخصيته النضالية المتميزة، خاصة، وأنها شخصة مبدعة في مجال الإيديولوجية، وفي مجال التنظيم، وفي المواقف السياسية النوعية.
وإذا كان هناك من أمل في رمزية الشهيد عمر بنجلون، فإن هذا الأمل يكمن في اعتماد نهجه في السعي إلى تغيير الواقع تغييرا جذريا، عن طريق النضال من أجل تحقيق الحرية، والدمقراطية، الإشتراكية.
ورمزية الشهيد عمر بنجلون متنوعة تنوع اهتمامات الشهيد عمر بنجلون. وهذا التنوع في الاهتمامات، أنتج تنوعا في عطاء هذه الشخصية، الأمر الذي جعل من الشهيد عمر بنجلون:
1) رمزا للنضال، والتضحية، كسمة تمبز التاريخ النضالي للشعب المغربي. ذلك أن كل من اقتنع بالنضال من أجل تحقيق أهداف، وطموحات الشعب المغربي، لا يعول إلا على نفسه، ولا يجعل من النضال وسيلة لتحقيق التطلعات الطبقية، ولا يسعى أبدا إلى اعتبار اختيار النضال وسيلة استثمارية، كما يحصل الآن في العديد من المواجهات الحزبية، والجماهيرية، التي تحولت إلى وسيلة للتسريع بانتقال الانتهازية من طبقة اجتماعية دنيا، إلى طبقة اجتماعية عليا.
فالتضحية بالمال، وبالجسد، هما الوسيلة المثلى لجعل الفكر، والممارسة النضاليتين، ينفذان إلى عمق الجماهير الشعبية الكادحة، ويصيران جزءا من بنيات تلك الجماهير، التي تنخرط في النضال من الباب الواسع، وتصير مستعدة للتضحية بالأموال، وبالأجساد، من أجل تحقيق طموحات الشعب المغربي في الحرية، والديمقراطية، والاشتراكية.
ونفاذ مفهوم التضحية إلى عمق ممارسة الشعب المغربي خلال الستينيات، والسبعينيات من القرن العشرين، عن طريق تفعيل الحركة الاتحادية الأصيلة، وتطورها، وتطويرها على يد الشهيد عمر بنجلون قبل اغتياله، هو الذي جعل الطبقة الحاكمة تضع من بين أهدافها:
ا ـ محاصرة المد التقدمي الهادف إلى جعل الحركة الاتحادية حركة عمالية، تقود نضالات الشعب المغربي، من أجل تحقيق الحرية، والديمقراطية، والاشتراكية، عن طريق اعتماد أساليب جهنمية، بما فيها دعم الحركة الأصولية التي تم تمكينها من المساج،د التي تحولت إلى مقار للعمل من على نشر الفكر الأصولي في صفوف أبناء الشعب المغربي، الذين يرتادون المساجد، التي تحولت، بسبب ذلك، إلى منابر لأدلجة الدين الإسلامي، ولتنوع هذه الأدلجة، وتكريس تحريف الدين الإسلامي، من أجل انتاج أنماط من التوجهات المؤدلجة للدين، التي يوحدها العداء المطلق للفكر الاشتراكي العلمي، وخدمة الاستبداد المخزني القائم، والسعي إلى مصادرة حقوق الإنسان الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، بما فيها حق الشعوب في تقرير مصيرها بما في ذلك الشعب المغربي، لذي يجب أن يقبل بالاستبداد كقدر لا مفر منه، سواء كان قائما، أو بديلا محتملا على يد التوجهات الأصولية / الظلامية.
وهذا الدور الذي أوكل إلى الحركة الأصولية / الظلامية، التي اكتسحت الميدان في ذلك الوقت، وبدعم من المؤسسة المخزنية، ومن التحالف البورجوازي / الإقطاعي المتخلف، هو الذي وقف وراء إقامة جبهة مخزنية / رجعية / ظلامية، للتخلص من الشهيد عمر بنجلون كرمز، وكمصدر للمد التقدمي في صفوف الجماهير الشعبية. وهذه الجبهة اعتبرت أن التخلص من الشهيد عمر بنجلون، عن طريق الاغتيال، هو المدخل الرئيسي لمحاصرة الفكر التقدمي. وهو المدخل الواسع لإشاعة الفكر الرجعي / الأصولي / الظلامي، في صفوف أفراد الشعب المغربي، ولأجل تحقيق ذلك الاغتيال المشئوم على يد الجبهة المخزنية / الرجعية / الظلامية، وفي واضحة النهار، وأمام أنظار أبناء الشعب المغربي. وتم التخلص من جسد الشهيد عمر بنجلون، اعتقادا من ممارسي الاغتيال، أنهم، بذلك، يستطيعون اغتيال فكر الشهيد عمر بنجلون، الذي تضاعف الاهتمام به، بعد اغتياله مباشرة، لولا تآمر قيادة الحركة الاتحادية على هذا الفكر. ذلك التآمر، الذي ساعد على مصادرة الفكر التقدمي، وفسح المجال أمام سيادة، وسيطرة الفكر الرجعي / الظلامي المتخلف، الذي صار مصدر تجشيش الجماهير الشعبية الكادحة، التي صارت فاقدة لبوصلة العمل على تحقيق طموحاتها، مما جعلها رهن إشارة المد الرجعي / الظلامي المتخلف، الذي صار يستهدف مجموع القيم الإنسانية، التي تتحول، بفعل ذلك المد، إلى قيم ذات مصدر غيبي، لا تعد البشرية إلا إلى القبول بما تريده التوجهات الظلامية، غلى جانب ما تريده المؤسسة المخزنية، والطبقة الحاكمة، مما لا يخدم إلا مصالح تلك الجهات، ضدا على مصالح الشعب المغربي، التي لا تتجسد إلا في العمل على تحقيق الحرية، والديمقراطية، والاشتراكية، كما رسمها الشهيد عمر بنجلون.
ب ـ تثبيت ممارسة الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال، باعتبارها قدرا دينيا، عن طريق قيام الطبقة الحاكمة باستعباد الشعب المغربي جملة، وتفصيلا، بمصادرة الحريات العامة مباشرة، وعن طريق القوانين المعمول بها، وبواسطة تجويع الكادحين، وطليعتهم الطبقة العاملة، حتى يقتصر اهتمامهم على التفكير في كيفية الحصول على قوتهم اليومي، ودون التفكير في شيء آخر، لا علاقة له بالقوت اليومي، مما يؤدي بهم إلى قبول الاستعباد، والاستماتة في خدمة الأسياد، رجاء نيل الثواب يوم القيامة، كما هو سائد على مستوى الممارسة اليومية، وعلى المستوى الفكري الموجه للممارسة الفردية، والجماعية.
وتكريس ممارسة الاستعباد، لا يمكن أن يصير إلا وسيلة لفرض الاستبداد في شموليته، ليصير استبدادا اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، ومدنيا، وسياسيا. الأمر الذي يجعل الطبقة الحاكمة تتحكم فيما بين السماء، والأرض، وما فوق السماء، وما تحت الأرض، ومن أجل توظيف كل شيء لخدمة مصالحها الطبقية، ومصالح سائر المستغلين الذين يعتبر الاستبداد في مصلحتهم.
والطبقة الحاكمة لا تفرض الاستبداد على الشعب فقط، بل تشجع على ممارسته من قبل الأحزاب التي تسبح في فلكها، حتى تساهم بشكل كبير في تربية الأجيال على القبول به، كقدر لا مفر منه. الأمر الذي انتج لنا التوجهات الظلامية التي تسعى إلى تأبيد الإستبداد القائم، أو تعمل على فرض استبداد بديل.
والغاية المطلوبة من تأبيد الاستبداد القائم، أو لفرض استبداد بديل، هي ضمان سيولة الاستغلال المادي، والمعنوي للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين لصالح الطبقة الحاكمة القائمة، أو المحتملة مستقبلا، ولصالح سائر المستغلين. فالاستغلال هو الوجه الآخر للاستعباد، والاستبداد الممارسين من قبل الطبقة الحاكمة، ومن قبل الأحزاب الرجعية، ومختلف التوجهات الظلامية، التي تعمل، وباستمرار، على مصادرة الحرية، والديمقراطية، من الممارسة الفردية، والجماعية، حتى تضمن عدم تطور الواقع في اتجاه تحقيق الحرية، والديمقراطية، والاشتراكية، كما تصورها الشهيد عمر بنجلون قبل اغتياله.
ج ـ استئصال ما ترسخ في الفكر، وفي الممارسة، من منهج الشهيد عمر بنجلون عن طريق:
أولا: ما تقوم به قيادة الحركة الاتحادية بعد اغتيال الشهيد عمر بنجلون، ومعها الشرائح العليا من البورجوازية الصغرى، والمتوسطة، من أجل ترسيخ تحريف شخصية الشهيد عمر بنجلون في المستويات التي أشنا اليها سابقا، حتى يتم نسيان الشخصية الحقيقية للشهيد عمر بنجلون.
ثانيا: الطبقة الحاكمة التي كانت تجرم كل ما له علاقة بمنهج الشهيد عمر بنجلون على مستوى الفكر، وعلى مستوى الممارسة، حتى يتخلى الجميع عن ذلك المنهج، من أجل اتقاء الاستهداف القمعي، وسعيا إلى الظهور بمظهر تبني منهج الطبقة الحاكمة، وبطريقة انتهازية فجة.
ثالثا: التحالف البورجوازي / الإقطاعي، الذي وظف كل إمكانياته المادية، والإعلامية، لمحاربة كل ما هو ديمقراطي، وتقدمي، مما له علاقة بمنهج الشهيد عمر بنجلون، ومن أجل اأ تصير السيادة للفكر الرجعي المتخلف، الذي يحول دون الاقتناع بضرورة النضال من أجل الحرية، والديمقراطية، والاشتراكية، كما تصورها، وكما خطط لها الشهيد عمر بنجلون.
رابعا: التوجهات الظلامية المختلفة، المشكلة لليمين المتطرف، التي تصرف كل جهودها، ومن خلال استغلال البرامج الدراسية، والمؤسسات الدينية، والمناسبات الدينية المختلفة، والمناسبات الاجتماعية المتعلقة بالأفراح، والمآتم، من أجل تعبئة الناس جملة، وتفصيلا، ضد الفكر التقدمي، وضد الممارسة الديمقراطية، وضد الاشتراكية، وضد الاشتراكيين الذين يصيرون كفارا، يجب التخلص منهم عن طريق اغتيالهم، كما حصل مع الشهيدعمر بنجلون، ومن أجل أن يصير المجتمع برمته تحت رحمة، وتحكم التوجهات الظلامية، من أجل إغلاق الأبواب أمام الفكر الديمقراطي، والتقدمي، وأمام النضال من أجل تحرير المجتمع، ومن أجل البناء الاشتراكي.
وبذلك يصير استئصال منهج الشهيد عمر بنجلون فكرا، وممارسة، مهمة متعددة المصادر، ومتنوعة الأهداف، ومتوحدة النتائج، وهو ما وقف وراء إيجاد مناخ يحول دون استمرار نفاذ منهج الشهيد عمر بنجلون إلى عمق الفكر، والممارسة، والحيلولة دون الاستمرار في بناء الحركة الاتحادية الأصيلة، حتى تقوى على تكريس الممارسة الهادفة إلى تحقيق الحرية، والديمقراطية، والاشتراكية.
وبقيام المناخ المضاد، تصير التضحية المادية، والمعنوية غير ذات جدوى، ومن أجل تحقيقالأهداف المحددة، ويصير الشهيد عمر بنجلون غير وارد كرمز للنضال، والتضحية، لولا وجود مناضلين أوفياء للشهيد عمر بنجلون، ولنهجه، ولفكره، وممارسته، يسعون، باستمرار، إلى بناء الحركة العمالية، التي تتجسد في مشروع بنا الحزب الثوري، المتمثل في حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي. والمناضلون الأوفياء المنتمون الى هذا الحزب، لا بد أن يحققوا، ومن خلال نضالهم المستمر، سيادة رمزية الشهيد عمر بنجلون، حتى تصير تلك الرمزية مستهدفة من قبل عموم الشعب المغربي الكادح، وطليعته الطبقة العاملة.
2) رمزا للتنظير للحركة الاشتراكية المغربية، من داخل الحركة الاتحادية. ذلك أن جميع التوجهات الاشتراكية التي عرفها المجتمع المغربي، هي توجهات عملت على استيراد تجارب اشتراكية طبقت في اماكن أخرى، وتعمل على جعلها مطبقة في الواقع المغربي.
فالشهيد عمر بنجلون، ومنذ اقتناعه بالاشتراكية العلمية، كإيديولوجية للطبقة العاملة، ومن خلال ارتباطه بالحركة الاتحادية، ومن منطلق سعيه إلى تطوير هذه الحركة في الاتجاه الصحيح، وهو يعمل على جعل قوانين الاشتراكية العلمية ذات طابع شمولي، وكون،ي لا تخص مكانا بعينه، ولا تعمل على نجاح تجربة بعينها، بقدر ما تعمل على التعاطي مع جميع الخصوصيات، بما فيها خصوصية المجتمع التي لا تتناقض مع تفعيل قوانين الاشتراكية العلمية، ودونما حاجة إلى استيراد تجارب تختلف خصوصياتها عن خصوصية المجتمع المغربي، ومحاولة تطبيقها عليه. وهو ما يؤدي إلى الوقوف وراء تحريف الاشتراكية العلمية، ووراء تشويه الواقع المغربي، مما يعطي الفرصة امام القول بأن الاشتراكية العلمية تتناقض مع خصوصية المجتمع المغربي. والشهيد عمر بنجلون، كان يدرك جيدا، مدى خطورة استيراد التجارب الاشتراكية، والسعي غلى تطبيقها، وكذلك كان يحرص على تطوير الحركة الاتحادية، كإفراز تاريخي لحركة المجتمع المغربي، من أجل أن تصير هذه الحركة الاتحادية حركة عمالية، تقتنع بالاشتراكية العلمية كوسيلة، وكهدف.
كوسيلة من أجل تفعيل قوانينها المتمثلة في المادية الجدلية "الدياليكتيكية"، والمادية التاريخية، لتحقيق هدفين أساسيين:
الهدف الأول: رصد التطور الذي عرفه المجتمع المغربي منذ وجوده، وإلى الآن، من أجل معرفة طبيعية للتشكيلات الاقتصادية / الاجتماعية التي تعاقبت على المجتمع المغربي، وطبيعة القوانين التي تحكمت في الانتقال من تشكيلة اقتصادية / اجتماعية، إلى تشكيلة اقتصادية / اجنماعية أخرى، حتى يتم العمل على اكتشاف القوانين التي تقود إلى الاستمرار في التحول نحو الأرقى.
والهدف الثاني: هو تفعيل القوانين الاشتراكية العلمية، في التعامل مع الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي، من أجل الكشف عن القوانين المتحكمة فيه، وإدراك ما يجب عمله من أجل تغيير ذلك الواقع تغييرا جذريا، حتى يصير في خدمة عموم الجماهير الشعبية الكادحة، وطليعتها الطبقة العاملة، عن طريق تحقيق الحرية، بدل الاستمرار في استعباد هذه الجماهير، وتحقيق الديمقراطية، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، بدل العمل على تأبيد الاستبداد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي، وتحقيق البناء الاشتراكي، المتمثل في العمل على التوزيع العادل للثروة، بدل العمل على تكريس الاستغلال الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي، وتعميق ذلك الاستغلال إلى ما لا نهاية، حتى لا تستطيع الجماهير الشعبية الكادحة القدرة على الحصول على قوتها اليومي.
وكهدف، من أجل تحقيق المجتمع الاشتراكي، الذي تحكمه دولة اشتراكية، باعتبارها دولة مدنية، ديمقراطية، تشرف على تمكين الشعب المغربي من تقرير مصيره الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي، بما يخدم مصالح جميع الكادحين، وطليعتهم الطبقة العاملة، والانتقال إلى مستوى إعادة النظر في مجموع القوانين التي تمت صياغتها لخدمة، وحماية مصالح الطبقة الحاكمة، حتى تصير في خدمة، وحماية مصالح الكادحين، وطليعتهم الطبقة العاملة، ومن أجل أن تتحول الملكية الفردية لوسائل الإنتاج إلى ملكية جماعية، تجعل كل فرد من المجتمع معنيا بالتنمية الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، ومستفيدا في نفس الوقت من تلك التنمية، انطلاقا من المقولة الاشتراكية: "لكل حسب حاجته، وعلى كل حسب قدرته".
ولذلك نجد أن رمزية الشهيد عمر بنجلون في التنظير للحركة الاشتراكية / العمالية المغربية، تتمثل في:
1) استيعابه للتراث الاشتراكي العلمي في تنوعه، وفي تطوره، وفي تفاعله مع مختلف المستجدات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، دون اختزال كل ذلك في تجربة اشتراكية معينة، ودون العمل على جعل تلك التجربة مطبقة على الواقع المغربي، ومن أجل أن يصير مجموع التراث الاشتراكي مرجعا، ووسيلة، لبناء نظرية اشتراكية نابعة من واقع المجتمع المغربي، ولا علاقة لها بأي تجربة اشتراكية أخرى، إلا من حيث الاشتراك في مرجعية التراث الاشتراكي، وفي توظيف قوانين الاشتراكية العلمية: المادية الجدلية "الدياليكتيكية"، والمادية التاريخية، في التعامل مع واقع معين، سعيا إلى امتلاك تصور لنظرية تقود الحركة العمالية القائمة، إلى تحقيق الاشتراكة في ذلك الواقع.
والشهيد عمر بنجلون، كان يدرك جيدا:
ما معنى استيعاب التراث الإشتراكي الذي خلفه ماركس، وانجلز، ولنين، وماوتسي تونغ، وغيرهم ممن خلفوا وراءهم تراثا غنيا، يجعل مستوعبة قادرا على الإبداع، والعطاء، والإضافة، والمساهمة في بناء الحركة العمالية، التي تقود النضال من أجل تحقيق الحرية، والديمقراطية، والاشتراكية. وهذا الإدراك الجيد لمعنى الاستيعاب، هو الذي أدى إلى مجموعة من الإبداعات النظرية، التي خلفها الشهيد عمر بنجلون، كما هو الشان بالنسبة للمذكرة التنظيمية، التي أبدعها سنة 1965، والتي شكلت إطارا للانطلاق في اتجاه تحويل الحركة الاتحادية، إلى حركة عمالية، في خضم الصراع مع الطبقة الحاكمة، وسائر المستفيدين من الاستغلال المادي، والمعنوي، وفي ظل امتداد الصراع الديمقراطي داخل الحركة الاتحادية، وكما هو الشان أيضا بالنسبة للأدبيات المتعلقة بفضح ممرسات أمراء الترحيف النقابي، كما يسميهم الشهيد عمر بنجلون، وكما هو الشأن بالنسبة لدراسة الشهيد عمر بنجلون عن الطبقة العاملة المغربية.
والشهيد عمر بنجلون، وانطلاقا من تراثه النضالي، لا يتوقف عند حدود استيعاب التراث الاشتراكي، أو عند حدود الإبداع في هذا التراث؛ بل يعمل على نقل ما يقتنع به إلى مستوى الممارسة اليومية، التي تستهدف:
أولا: العمل على إعادة بناء الحركة الاتحادية وفق ما تقتضيه الشروط الجديدة التي يعرفها المجتمع المغربي، حتى تتعاطى هذه الحركة، جدلا، مع الواقع، وحتى تتطور تطورا يتناسب مع حركة تطور المجتمع. وتطور المجتمع يقتضي نموا نوعيا وكميا للطبقة العاملة. وهذا النمو النوعي، والكمي، يقتضي، كذلك، صيرورة الحركة الاتحادية حركة عمالية بامتياز. وحتى تصير كذلك، لا بد من اعتناقها، بعد اقتناعها، لأيديولوجية الطبقة العاملة، حتى تصير طبقة تنتظم في إطارها الطبقة العاملة، إلى جانب حلفائها، وحتى تقود، وبامتياز، نضالات الطبقة العاملة، وباقي الأجراء: التنظيمية، والإيديولوجية، والسياسية، في افق القضاء على الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال، عن طريق تحقيق الحرية، والديمقراطية، والاشتراكية.
ثانيا: العمل على إعادة بناء الحركة النقابية، على أسس مبدئية، لم يكن معمولا بها في نقابة الاتحاد المغربي للشغل، الذي تأسس تحت نيران الاحتلال. والاستعمار لتنظيم العمال، والأجراء المغاربة؛ إلا أن قيادة هذه النقابة شرعت، ومنذ استقلال المغرب السياسي، في تحريف الممارسة النقابية، وجعل الاتحاد المغربي للشغل في خدمة الجهاز البيروقراطي، الذي تلتقي مصالحه مع مصالح الطبقة الحاكمة، والمؤسسة المخزنية، مما جعله يضلل العمال، وباقي الأجراء، عن طريق جعل العمل النقابي يقتصر فقط على النضال الخبزي، وفي الفصل المطلق بين النضال النقابي، والنضال السياسي، وهو أمر أدركه الشهيد عمر بنجلون، ومنذ التحاقه بالاتحاد المغربي للشغل، من خلال التحاقه بنقابة قطاع البريد في هذه المركزية، وأخذ يناضل، ومن داخل النقابة، من أجل جعل الاتحاد المغربي للشغل قائما على أساس الاحترام الكامل للديمقراطية، والتقدمية، والجماهيرية، والاستقلالية، والوحدوية، التي تعتبر أسسا لقيام أي عمل نقابي صحيح، مما جعل الشهيد عمر بنجلون يواجه مواجهة شرسة من قبل أمراء التحريفية في اتحاد المغربي للشغل، فيحتجز، ويعذب، من أجل أن يتخلى عن تصوره للعمل النقابي، وكما يجب أن تكون عليه الممارسة النقابية، وفي أفق الربط الجدلي بين النضال النقابي، والنضال السياسي. وهو ما اقتنع به المناضلون النقابيون الأوفياء، فعملوا على تأسيس النقابة الوطنية للتعليم، ومنذ سنة 1965، وينفس الأسس المذكورة، ومن منطلق ضرورة الربط الجدلي بين النضال النقابي، والنضال السياسي. الأمر الذي صار منطلقا لتأسيس نقابات قطاعية أخرى، تجمعت فيما بينها لتأسيس مركزية جديدة سميت، ومنذ البداية، بالك.د.ش، بعد استشهاد الشهيد عمر بنجلون. وبالضبط في أواخر نونبر 1978.
ثالثا: العمل على إيجاد تصور لما يجب أن تكون عليه سائرا المنظمات الجماهيية الموازية للحركة الاتحادية، سواء تعلق الأمر بالاتحاد الوطني لطلبة المغرب، أو باتحاد كتاب المغرب، أو بأي تنظيم ثقافي، أو تربوي، أو تنموي، حتى يصير ذلك التصور الذي يستحضر، باستمرار، أسس بناء التنظيمات الجماهيرية، المتمثلة في الديمقراطية، والتقدمية، والجماهيرية، والاستقلالية، والوحدوية، ومن أجل أن تصير المنظمات المذكورة إطارات للتربية على الديمقراطية، وللربط الجدلي بين النضال الجماهيري، والنضال السياسي.
والشهيد عمر بنجلون، عندما عمل على تطور الحركة الاتحادية، بصيرورتها حركة عمالية، وعندما قاوم التحريف داخل الاتحاد المغربي للشغل، وعندما وضع تصورا لكيفية بناء المنظمات الجماهيرية، فلأنه كان يحمل مشروعا مجتمعيا، يقوم على أنقاض المجتمع المحكوم باللاستعباد، والاستبداد، والاستغلال، وتتحقق في إطاره الحرية، والديمقراطية، والإشتراكية.
ولذلك، فاغتيال الشهيد عمر بنجلون، على يد التحالف المخزني / الرجعي / الظلامي المتخلف، لا يمكن اعتباره إلا اغتيالا لذلك المشروع. وهذا التحالف، ينسى أن موت الأجساد، لا يعني موت الأفكار، بقدر ما يجعل تلك الأفكار تأخذ طريقها إلى الفعل في الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي، سعيا إلى تحقيق المشروع المجتمعي، كما تصوره الشهيد عمر بنجلون، على يد المناضلين الأوفياء للحركة الجماهيرية الواسعة، القائمة على أسس العمل الجماهيري الصحيحة، ومن أجل أن يصير كل ذلك وسيلة لعبور الوعي إلى أصحابه الحقيقيين، الذين من مصلحتهم العمل على تغيير الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي إلى الأحسن، وفي أفق تحقيق الحرية، والديقراطية، والاشتراكية.
3) رمزا للنضال من أجل تأسيس الحركة العمالية، من خلال العمل المستميت من أجل تطوير الحركة الاتحادية، ومنذ ارتباط الشهيد عمر بنجلون بهذه الحركة إيديولوجيا، وتنظيميا، وسياسيا، الأمر الذي ترتب عنه اعتبار أي تطور تعرفه الحركة الاتحادية، يرتبط باسم الشهيد عمر بنجلون.
فبناء الحركة الاتحادية، عن طريق ممارسة الصراع الديمقراطي داخل هذه الحركة، منذ بداية الستينيات من القرن العشرين، وأثناء انعقاد المؤتمر الوطني الثاني للحركة الاتحادية، والذي استمر بعد ذلك، لعب فيه الشهيد عمر بنجلون، وخاصة بعد اختطاف الشهيد المهدي بنبركة، دورا كبيرا، وأساسيا، وأثناء الحركة الاتحادية في محطة 23 يوليوز 1971، لتتوفر الإمكانية اللازمة، لإنضاج شروط التحول العميق، الذي يجب أن يساعد على:
ا ـ البناء التنظيمي الذي يحسم مع ما كان سائدا من قبل في الحركة الاتحادية، وعلى أساس اقتناع مناضلي الحركة الاتحادية بإيديولوجية الطبقة العاملة، بصيرورتها تنظيميا عماليا، يسعى إلى تنظيم الطبقة العاملة، وقيادة نضالاتها السياسية، انطلاقا من قوانين تنسجم مع طبيعة تلك الإيديولوجية، وتصلح لبلورة مواقف سياسية هادفة إلى تحقيق الحرية، والديمقراطية، والاشتراكية.
ذلك أن اعادة النظر في تنظيم الحركة الاتحادية، يعتبر مسألة أساسية، حتى تصير منسجمة مع التطور الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، المتمثل في التطور الحاصل في التشكيلة الاقتصادية، والاجتماعية، التي صارت تتميز بخصوصيات معينة، تقتضي تعاملا نوعيا، انطلاقا من برامج نوعية، يعمل تنظيم الحركة الاتحادية بصيغته المتطورة، والنوعية، على تفعيلها، في أفق تحقيق الأهداف النوعية.
والشهيد عمر بنجلون عندما وضع مذكرته التنظيمية، كان يعرف جيدا:
ماذا يفعل؟
وماذا يريد؟
وإلى ماذا كان يسعى بوضعه لتلك المذكرة؟
وهو مااقتضته صيرورة الصراع التنظيمي، الذي عرفته الحركة الاتحادية في مسارها، انطلاقا من المؤتمر الثاني للحركة الاتحادية، ومرورا بوضع المذكرة التنظيمية، التي تنسجم مع الاقتناع بالاشتراكية العلمية: كوسيلة، وكهدف، وبمحطة 30 يوليوز 1971، وبالإجراءات التنظيمية التي كانت جميعها تصب في اتجاه عقد المؤتمر الاستثنائي، الذي اقرت فيه الحركة الاتحادية الاقتناع بإيديولوجية الطبقة العاملة، كما أقرت تقريرا تنظيميا، ينسجم مع هذه الإيديولوجية، ليصير التنظيم متحركا في اتجاه صيرورته تنظيم عماليا، يسعى إلى تحقيق الحرية، والديمقراطية، والإشتراكية.
ب ـ البناء الإيديولوجي، الذي يقتضي الحسم مع التعدد الإيديولوجي في صفوف مناضلي الحركة الاتحادية، الذين كانوا لا يميزون بين الإيديولوجيات العبودية، والإقطاعية، والبورجوازية، والبورجوازية الصغرى، والعمالية، ولا يدركون أهمية التمييز بين إيديولوجية اليمين، وإيديولوجية الوسط، وإيديولوجية اليسار، حتى يمتلكوا القدرة على معرفة:
ما هي الإيديولوجية التي يجب أن تصير إيديولوجية الحركة الاتحادية؟
والرغبة في الحسم مع التنوع الإيديولوجي، هي التي دفعت بالشهيد عمر بنجلون إلى التأكيد على ضرورة الحسم الإيديولوجي، عن طريق التأكيد على ضرورة أن تكون إيديولوجية الحركة الاتحادية منسجمة مع طبيعة التطور الذي يعرفه المجتمع، والذي ينسجم مع مجمل التحولات التي يعرفها العالم، الذي لا يمكن فصل المغرب عن التفاعل معه.
وبما ان الإفراز الذي صار يعرفه المجتمع المغربي، يعرف نموا ملحوظا في وجود الطبقة العاملة: الصناعية، والتجارية، والزراعية.
وبما ان الطبقة العاملة المؤهلة، وغير المؤهلة، صارت تلعب دورا أساسيا في العملية الإنتاجية جملة، وتفصيلا.
وبما أن الحركة الاتحادية وجدت في الأصل لتقود نضالات الشعب المغربي، في افق الانعتاق من الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال، فإن إيديولوجية هذه الحركة، يجب أن تنسجم مع الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها، ومع التحول الذي تعرفه التشكيلة الاقتصادية / الاجتماعية. وهذا الانسجام لا يمكن أن يتم إلا باقتناع الحركة الاتحادية بالأخذ بإيديولوجية الطبقة العاملة القائمة على أساس الاقتناع بالإشتراكية العلمية، باعتبارها إيديولوجية الكادحين، كما سماها الشهيد عمر بنجلون.
ولذلك انصب جهد الشهيد عمر بنجلون على ترسيخ الفكر الاشتراكي العلمي في صفوف المغاربة، وفي صفوف الحركة الاتحادية متحملا، في سبيل ذلك، كل التضحيات اللازمة لأجل ذلك، من أجل إنضاج الشروط الذاتية، والموضوعية، التي تؤهل الحركة الاتحادية، للأخذ بإيديولوجية الطبقة العاملة، بعد الحسم مع الخليط الإيديولوجي، الذي كانت تأخذ به من قبل.
وما حصل أثناء انعقاد المؤتمر الاستثنائي للحركة الاتحادية في يناير 1975، أدى إلى إقرار المؤتمر بالأخذ بإيديولوجية الطبقة العاملة، التي سماها الشهيد عمر بنجلون، في تقديمه للتقرير الإيديولوجي، بإيديولوجية الكادحين، التي ليست إلا الإيديولوجية المنبثقة عن الإقتناع بالإشتراكية العلمية: كوسيلة، وكهدف.
ج ـ البناء السياسي، الذي يجب أن يصير منسجما مع طبيعة تنظيم الحركة الاتحادية، باعتبارها حركة عمالية، ومع طبيعة الإيديولوجية التي صارت تقتنع بها هذه الحركة. وهذا البناء، وبهذا الانسجام، لايتم إلا بفعل تفعيل الحركة العمالية، وتفعيل القوانين العلمية، في التعاطي مع الواقع، ومن خلال التحليل الملموس، للواقع الملموس، وصولا إلى بلورة مواقف سياسية منسجمة مع الواقع، ومع طبيعة الحركة، ومع سعيها المستمر إلى تغيير الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي.
والبناء السياسي المنسجم مع طبيعة الحركة الاتحادية، بصيرورتها حركة عمالية، كما كان يراه الشهيد عمر بنجلون، يقتضي:
أولا: امتلاك الحركة لتصور علمي، وقيم، لما يجب أن يكون عليه الدستور الديمقراطي، الضامن لسيادة الشعب على نفسه، بالإضافة إلى امتلاك تصور متكامل للخطوات التي يجب اتباعها، من أجل فرض إقرار الدستور الديمقراطي.
ثانيا: امتلاك تصور لما يجب أن تكون عليه الانتخابات المحلية، والإقليمية، والجهوية، والوطنية، مما يجب أن تنظمه القوانين الانتخابية.
ثالثا: امتلاك تصور الخطوات التي يجب أن تؤدي إلى إفراز القوانين الانتخابية الضامنة لحرية الانتخابات، ونزاهتها.
رابعا: امتلاك القدرة على خوض الانتخابات، في إطار الحرص على حريتها، ونزاهتها، ورفض القبول بأي شكل من أشكال التزوير، ومهما كان نوعها. وإلا فإن أي مشارك في ظل التزييف الذي كان سائدا في عهد الشهيد عمر بنجلون، وبعد استشهاده مباشرة، يعتبر قبولا بالتزوير، وبالنتائج التي يؤدي إليها.
خامسا: امتلاك تصور لما يجب أن تكون عليه وسيلة إفراز حكومة ديمقراطية، تحرص على حماية الشعب المغربي، وعلى خدمة مصالحه، انطلاقا من برامج الأغلبية، التي يختارها الشعب، من خلال إجراء انتخابات المؤسسة التشريعية.
سادسا: امتلاك تصور لما يجب ان تكون عليه البرامج الحكومية، التي يجب أن تكون منسجمة مع برامج الأغلبية البرلمانية، التي تنال رضى الشعب.
سابعا: امتلاك تصور للوحدة الوطنية، ولكيفية حماية تلك الوحدة، وللعمل على ترسيخها في صفوف الشعب المغربي، حتى يتحصن ضد أي ممارسة يمكن أن تقود إلى تفكيك الوحدة الوطنية، سواء تعلق الأمر بالوحدة الجغرافية، أو الاجتماعية، أو الثقافية، أو السياسية.
ثامنا: امتلاك تصور لما بما يجب أن تكون عليه الديمقراطية، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، حتى تحول إلى وسيلة لإقناع الشعب المغربي بضرورة الأخذ بها، والنضال من أجلها، حتى لا يبقى حبيسا داخل مفهوم ديمقراطية الواجهة، التي تعتبر إطارا لتزوير إرادة الشعب المغربي بكافة الوسائل.
تاسعا: امتلاك تصور لما يجب أن تكون عليه المواقف السياسية تجاه القضايا الوطنية، والقومية، والإنسانية.
عاشرا: الحرص على أن يصير التوجه السياسي منسجما مع الحرص على أن تكون كل المواقف السياسية في خدمة مصالح الطبقة العاملة: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية.
والشهيد عمر بنجلون كان يدرك جيدا مدى أهمية البناء السياسي، ودوره في الحرص على البناء الإيديولوجي، والتنظيمي، كما كان يدرك جيدا أهمية هذه الأشكال من البناء، وتكاملها.
4) رمزا لترسيخ الاشتراكية العلمية في الواقع المغربي، الذي أريد له ان يصير ضحية سيادة الفكر الخرافي، والفكر الديني المغلوط، وتسييس الدين من قبل الجهات الرسمية ،وغير الرسمية.
والشهيد عمر بنجلون كان يدرك جيدا كيف أن الممارسة النضالية الحقيقية، كانت تقتضي ترسيخ الفكر الاشتراكي العلمي، باعتباره فكرا مناهضا لكل أشكال التخلف الفكري، ومن أجل النهوض العقلاني للمجتمع، حتى يعمل الناس المقتنعون بالفكر الاشتراكي العلمي، الذين يمكن اعتبارهم مثقفين ثوريين، على إنضاج الشروط الموضوعية، لإحداث تغير جذري في الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي، بما يتناسب مع الفكر الاشتراكي العلمي، الذي قد يكون سائدا في المجتمع، وبما يتناسب، كذلك، مع طبيعة الأهداف التي سعى الحزب العمالي المنبثق عن الحركة الاتحادية الأصيلة، التي انجبت مثل الشهيد عمر بنجلون، وبما يتناسب، كذلك، مع اقتناع الحزب العمالي بالاشتراكية العلمية.
وكون الشهيد عمر بنجلون رمزا لترسيخ الاشتراكية العلمية في الواقع المغربي، نابع من:
ا ـ كون الشهيد عمر بنجلون مستوعبا للتراث الاشتراكي العلمي، انطلاقا من أمهات ذلك التراث، وخاصة كتابات ماركس، وأنجلز، وغيرهما، ممن خلفوا تراثا مهما للبشرية، في هذا الإطار، ويعتبر مرجعا أساسيا لكل من يقتنع بالاشتراكية العلمية.
ب ـ كونه مستوعبا للقوانين الاشتراكية العلمية، التي صار يوظفها توظيفا جيدا في التعامل مع الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، وفي التعامل مع التاريخ المغربي، في نفس الوقت، انطلاقا من خصوصية الواقع، وخصوصية التاريخ، مما جعله يبدع في هذا الإطار، وينال اهتماما خاصا في صفوف الطبقة العاملة. وهو مالفت انتباه التحالف المخزني / الرجعي / الظلامي المتخلف، فخطط للتخلص منه، عن طريق التصفية الجسدية، لإتاحة الفرصة أمام التوجهات الظلامية، من أجل التغلغل في صفوف الكادحين، وخاصة الطبقة العاملة، حتى لا يقتنع بالفكر الاشتراكي العلمي، ومن أجل أن لا يجعلها ذلك تنخرط في حزبها الثوري، الذي ليس إلا الحزب العمالي المنبثق عن الحركة الاتحادية الأصيلة، بقيادة الشهيد عمر بنجلون.
ج ـ استيعابه لمختلف التجارب الاشتراكية، التي تم انجازها حتى مرحلة الستينيات من القرن العشري،ن وتفاعله مع تلك التجارب، بدون أن يعتبرها مثالا يتم استنساخه للتطبيق في الواقع المغربي، بقدر ما هي تجارب ناتجة عن تفعيل قوانين الاشتاكية العلمية في واقع مختلف، لا علاقة له بالواقع المغربي، الذي يمكن أن يفرز تجربة مختلفة، ونوعية، عن طريق تفعيل قوانين الاشتراكة العلمية في التعامل معه، من أجل امتلاك رؤيا علمية، يمكن أن تقود الى تحقيق الحرية، والديمقراطية، والاشتراكية، بعد القضاء على الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال، وعدم اعتماد الشهيد عمر بنجلون على تجربة من التجارب الاشتراكية المتحققة، حتى مرحلته هو، الذي اكسبه القدرة على الإبداع الفكري ،والعلمي، والتنظيمي، والإيديولوجي، والسياسي، انطلاقا من خصوصية المجتمع المغربي.
د ـ مساهمته في إغناء التراث الاشتراكي، بالإضافات العميقة، التي أبدعها قبل اغتياله، مما جعله منظرا اشتراكيا بامتياز، الأمر الذي لم يرق التحالف المخزني / الرجعي / الظلامي المتخلف، فعمل على تصفيته جسديا، حتى يتوقف عن الاستمرار في الإبداع النظري، الذي يستند، في تطوره، إلى الإبداع في المارسة التنظيمة، والإيديولوجية، والسياسية.
ه ـ ربطه بين ما يبدعه من أفكار، وما يمارسه في الحياة التنظيمية، والإيديولوجية، والسياسية، والجماهيرية، نظرا للعلاقة الجدلية القائمة بين النظرية، والممارسة. وهو ما أدى، بالضرورة، إلى تطور إبداعه النظري الإشتراكي العلمي، وإلى تطور الحركات التي يرتبط بها، كالحركة الاتحادية، والحركة النقابية، وغيرها من الحركات التي كان يناضل من خلالها.
والشهيد عمر بنجلون، لا يمكن ان يكون كذلك، لو لم يكن مستوعبا لقوانين الجدل، ولو لم يتمرس على تفعيل تلك القوانين في الواقع المغربي الخاص، حتى صار إبداعه النظري جزء لا يتجزأ من ممارسته العملية، التي قادته إلى مناهضة التحريف داخل الحركة الاتحادية، وداخل الحركة النقابية في نفس الوقت.
واذا كان لا بد من اعتراف للشهيد عمر بنجلون برمزيته، كمرسخ للاشتراكية العلمية في الواقع المغربي، فإن هذا الاعتراف يقتضي القول بأن الشهيد عمر بنجلون، هو الذي جعل الحركة الاشتراكية المغربية، على اختلاف مشاربها، قائمة في الواقع المغربي، ولا يمكن تجاوزها أبدا، الأمر الذي جعلها ضاربة بجذورها في الواقع المغربي، لتمتد أغصانها إلى الأفق، من أجل تحقيق طموحات الشعب المغربي، في تحقيق الحرية، والديمقراطية، والإشتراكية.
5) رمزا للتحليل السياسي الماهر، والمحنك. فالشهيد عمر بنجلون، قبل اغتياله، لم يكن قائدا عماليا فقط، ولم يكن حريصا على ترسيخ الفكر الاشتراكي العلمي في صفوف الحركة الاتحادية، وفي صفوف الشعب المغربي فقط، وإنما كان، أيضا، وبسبب امتلاكه للمنهج الاشتراكي العلمي، وحرصه على توظيف ذلك المنهج في التعامل مع الواقع السياسي الوطني، والقومي، والعالمي، مما جعل تحليلاته المتنوعة على صفحات جريدة المحرر، ومهما كانت موجزة، أكثر تأثيرا في الواقع من أي تحليلات أخرى. وهو ما حوله إلى رمز للتحليل السياسي الخبير بالواقع في تنوعه. هذا التنوع، هو الذي رسخ القول ب:
ا ـ أن المشكل بالنسبة للدولة المغربية، هو مشكل دستوري بالدرجة الأولى، مترتب عن فرض اعتماد دستور ممنوح، يكرس استعباد الشعب المغربي، والإستبداد المخزني الرجعي المتخلف، واستغلال الكادحين اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا. وهذا الاعتماد، هو الذي فسح المجال أمام الاستمرار في المطالبة بإقرار دستور ديمقراطي، تكون فيه السيادة للشعب، ويضمن قيام دولة ديمقراطية، كدولة مدنية / علمانية، ودولة الحق والقانون، لضمان فسح المجال أمام قيام تفاعل بين مكونات التشكيلة الاقتصادية / الاجتماعية القائمة، في أفق تطويرها إلى تشكيلة أرقى، لضمان التحول الطبيعي للواقع، سعيا إلى تحقيق حرية الأرض، والإنسان، واقرار الممارسة الديمقراطية بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، وسعيا إلى تحقيق إلى تحقيق البناء الاشتراكي للدلة المغربية، كما كان يحلم الشهيد عمر بنجلون بذلك.
ب ـ وهذا المشكل الدستوري القائم في المغرب، هو الذي قاد إلى فرض ما صار يعرف بديمقراطية الواجهة، التي وقعت وراء وجود قوانين انتخابية، تقف وراء كافة أشكال التزوير، التي عرفها المغرب منذ قيام أول دستور ممنوح في بداية الستينيات من القرن العشرين، تلك الأشكال من التزوير، التي وقعت وراء ظهور لوبيات نهب ثروات الشعب المغربي، عن طريق التواجد في المسئوليات الجماعية، وتقديم الامتيازات المخزنية المختلفة لكل المتبرجزين من نهب ثروات الشعب المغربي. الأمر الذي جعل فساد، وإفساد الحياة السياسية، ميزة أساسية للمجتمع المغربي، ولسياسة الدولة الرسمية، والأحزاب السياسية الرجعية المتخلفة، التي تنتعش من فساد، وإفساد الحياة السياسية.
والشهيد عمر بنجلون، الذي أدرك، وبعمق، جوهر الحياة السياسية بالمغرب، وللدولة المغربية، ولديمقراطية الواجهة، أدرك، في نفس الوقت، أن الخروج من الأزمة السياسية الزمنة، التي يعيشها المغرب، يقتضي قيام ديمقراطية حقيقية، تعيد الاعتبار إلى احترام إرادة الشعب المغربي، عبر إجرء انتخابات حرة، ونزيهة، انطلاقا من قوانين انتخابية، تضمن محاربة فساد، وإفساد الحياة السياسية، وتجرم كافة أشكال التزوير السائدة في الواقع المغربي، وصولا إلى وجود مجالس جماعية، ووطنية، تعكس، فعلا، احترام إرادة الشعب المغربي، حتى تعمل تلك المجالس على خدمة مصالح هذا الشعب، الذي عانى، ويعاني من المجالس المزورة، عبر تاريخ استقلال المغرب.
فهاجس الشهيد عمر بنجلون، قبل اغتياله، ومن خلال تحليلاته السياسية المحنكة، هو الوصول إلى تحقيق الديمقراطية من الشعب، وإلى الشعب. إلا أن اغتياله فسح المجال أمام الهرولة وراء تحقيق التطلعات الطبقية، بسبب عودة التحريف إلى صفوف الحركة الاتحادية، مما جعل قيادة الحركة الاتحادية، بعد اغتيال الشهيد عمر بنجلون، تدخل في صراع مع التوجه العمالي داخل الحركة الاتحادية، وصولا الى تصفيتهم، حتى تصير الحركة الاتحادية تحت سيطرة التوجه الانتخابي، الذي لم يعد يقتنع بالاشتراكية العلمية كوسيلة، وكهدف، لتناقضها، حسب التوجه الانتخابي، مع الخصوصية المغربية، التي تحتاج إلى العمل من أجل تحقيق اشتراكية مغربي،ة من أجل الإيغال في التضليل، حتى يتمكن المنتمون إلى التوجه الانتخابي، من تحقيق التطلعات الطبقية، التي تصنفهم إلى جانب التحالف البورجوازي الإقطاعي المتخلف، كما حصل خلال الثمانينيات، والتسعينيات من القرن العشرين.
ج ـ أن أي انتخابات لا يمكن أن تكون ديمقراطية، ولا يمكن أن تضمن احترام إرادة الشعب المغربي، إلا بإفراز دستور ديمقراطي، يصير منطلقا لإيجاد قوانين انتخابية، تكون ضامنة لقطع الطريق أمام إمكانية اعتماد كافة أشكال التزوير، وشراء الضمائر، وتمكين الشعب من ممارسة سيادته على نفسه، واختيار ممثليه في المؤسسات الجماعية، وفي البرلمان، بكامل الحرية، والنزاهة.
ذلك أن الشهيد عمر بنجلون، كان يدرك جيدا ما مدى عمق التزوير الذي كان يستهدف الإرادة الشعبية، انطلاقا من الدستور الممنوح الذي كان، ولا زال مفروضا على الشعب المغربي بقوة الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال. وإدراكه ذاك، هو الذي جعل المطالبة بإجراء انتخابات حرة، ونزيهة، حاضرة عنده في نضاله اليومي، وفي تحليله السياسي، الذي كان متواصلا من خلال العروض، والندوات التي كانت تقام هنا، أو هناك، على مدى ربوع الوطن.
فالتحليل السياسي الماهر، والمحنك، الذي كان يقوم به الشهيد عمر بنجلون، هو الذي رسخ في صفوف الشعب المغربي، وعن طريق الحركة الإتحادية / العمالية التي كان يقودها، كون العمليات الانتخابية التي جرت حتى استشهاده، هي عمليات استهدفت تزوير إرادة الشعب المغربي، لإيجاد مؤسسات مزورة، على مقاس المؤسسة المخزنية، والطبقة الحاكمة، ومن أجل إفساد الحياة السياسية، حتى يتمرس المواطنون على القبول بالتزوير، كواقع لا مفر منه، وكنتيجة للتحكم في توجيه الإرادة الشعبية في اتجاه ما تريده المؤسسة المخزنية، والطبقة الحاكمة، حتى يصير التزوير وسيلة لإيجاد مؤسسات تقف وراء صناعة بورجوازية قائمة في الأصل على نهب ثروات الشعب المغربي، المرصودة إلى خدمة مصالح المواطنين في مختلف الجماعات المحلية، مما جعل المجالس الجماعية مصدرا أساسيا لتراكم الثروات لدى الأعضاء الجماعيين، الذين وصلوا إلى العضوية، عن طريق تزوير إرادة الشعب المغربي. هذا التزوير الذي عمل الشهيد عمر بنجلون على مقاومته، عن طريق ما كان ينجزه إعلاميا، وجماهيريا، من تحاليل سياسية مقنعة. ومقاومته تلك، هي التي وقفت وراء اتخاذ الحركة الاتحادية / العمالية لمواقف سياسية رائدة من التزوير الذي كان يحدث، الأمر الذي ترتب عنه اتخاذ موقف المقاطعة، حتى لا توصف الحركة الاتحادية / العمالية بالمساهمة في القبول بالتزوير الممارس في مختلف المحطات الانتخابية، ودون التوقف عن فضح ذلك التزوير، والمطالبة بانضاج الشروط الكفيلة بإجراء انتخابات حرة، ونزيهة، لإفراز مؤسات تمثيلية، تعكس احترم إرادة الشعب المغربي.
د ـ أن المؤسسات التمثيلية الحقيقية، يجب أن تكون في خدمة مصالح الشعب المغربي، إذا كانت، فعلا، مؤسسات منتخبة انتخابا حرا، ونزيها.
والشهيد عمر بنجلون الذي كان يعرف جيدا أن المؤسسات التي كانت قائمة في عهده، هي مؤسسات مزورة على مقاس المؤسسة المخزنية، والطبقة الحاكمة. ونظرا لكونها كانت مزورة، كان يعتبرها، في تحليلاته السايسية، غير شرعية. ولذلك كان يطالب، وباستمرار، من خلال تحليلاته التي كان يتقدم بها في الجموعات العامة، وعلى صفحات جرائد الحركة الاتحادية / العمالية، بإجراء انتخابات حرة، ونزيهة، بعد انضاج الشروط المناسبة، لإيجاد مؤسسات تمثيلية حقيقية، تحترم، في وجودها، إرادة الشعب المغربي.
فالمؤسسات المزورة توجد للتصديق على المخططات المخزنية، ومخططات الطبقة الحاكمة، ولصناعة بورجوازية هجينة، ومتخلفة، تقوم على أساس نهب ثروات الشعب المغربي المرصودة للجماعات المحلية، ونهب جيوب المواطنين، بواسطة المجالس الجماعية، وخلق محيط من الوصوليين، والانتهازيين، الذين يضعون، باستمرار، حول دهاقنة نهب ثروات الشعب المغربي، أملا في التقاط فتاة الموائد، التي يرتادها ناهبو ثروات الشعب المغربي.
أما المؤسسات المنتخبة انتخابا حرا، ونزيها، في اطار ديمقراطية حقيقة، تشرف على أجرأتها دولة ديمقراطية ،تقوم على أساس دستور ديمقراطي، يضمن سيادة الشعب على نفسه، فإنها لا تهتم إلا بخدمة مصالح الشعب المغربي، انطلااقا من القوانين المتلاثمة مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، وسعيا إلى الوفاء للبرامج الانتخابية، التي اوصلت المنتخبين إلى عضوية المجالس المحلية، والإقليمية، والجهوية، والوطنية؛ لأن الوفاء للبرامج هو التعبير العملي، والفعلي عن ضرورة ضمان التواصل مع الجماهير الشعبية بصفة عامة، ومع الناخبين بصفة خاصة. وهو ما يقطع الطريق أمام كافة الممارسات الانتهازية للمنتخبين، وللوصوليين، والمضاربين، والمرابين، وتجار المخدرات، والراشين، والمرتشين، حتى لا يحولوا المجالس المنتخبة إلى مجرد وكالات لتنمية، وحفظ مصالح المنتخبين، على حساب حرمان معظم أبناء الشعب المغربي.
ه ـ أن الحكومة يجب أن تنفرز عن الأغلبية البرلمانية، التي أفرزتها انتخابات ديمقراطية حقيقية، احترمت فيها إرادة الشعب المغربي، الذي اختار برنامجا انتخابيا معين،ا ليفرز بذلك أغلبية معينة، تنفرز من بينها حكومة معينة، تتحمل مسئولية أجرأة البرنامج الانتخابي، من خلال البرنامج الحكومي، حتى يصير البرنامج في خدمة مصالح الشعب، الذي اختار الأغلبية الفارزة للحكومة.
والشهيد عمر بنجلون، عندما أوصلته تحليلاته إلى هذه الخلاصة، فلأنه كان يرى أن الحكومات التي تعاقبت على المغرب، بعد الإستقلال السياسي، هي حكومات تحت الطلب، من أجل خدمة مصالح المؤسسة المخزنية، والطبقة الحاكمة، وليست منفرزة عن الأغلبية البرلمانية، كما كان يجب أن يحصل. ولذلك أخد على نفسه أن يفكك سياستها، باعتبارها امتددا للسياسة المخزنية، ولسياسة الطبقة الحاكمة، التي لا علاقة لها بالبرامج الانتخابية للأغلبية البرلمانية، التي لا يعتمد منها أي شيء لصياغة البرنامج الحكومي، وصولا إلى اقناع الشعب المغربي بضرورة النضال من أجل قيام حكومة ديمقراطة، وشعبية، تأخد على عاتقها خدمة مصالح الشعب المغربي الآنية، والمرحلية، والإستراتيجية.
وللوصول إلى قيام حكومة ديمقراطية، وشعبية، كان الشهيد عمر بنجلون يدرك، ومن خلال تحليلاته السياسية، أنها لا تاتي هكذا، وبطريقة إرادوية؛ بل لا بد من العمل على إنضاج الشروط الموضوعية الموازية للحكومة الديمقراطية الشعبية.
وهذه الحكومة لا بد لها من إقرار دستور ديمقراطي، تكون فيه السيادة للشعب، وإيجاد قوانين انتخابية تضمن حرية الانتخابات، ونزاهتها، على أساس إقتناع الناخبين بالبرامج المعروضة من خلال الحملات الانتخابية الفارزية للأغلبية البرلمانية، التي يكون لها الحق، وحدها، في تشكل حكومة من بين مكوناتها، حتى تتمكن من تحويل البرامج الانتخابية إلى برامج حكومية؛ لأن حكومة من هذا النوع، لا بد أن:
أولا: تعمل على إنضاج شروط قيام تحول عميق في التشكيلة الاقتصادية / افجتماعية القائمة، سعيا إلى الوصول إلى فرز تشكيلة اقتصادية / اجتماعية أرقى، مما ينسجم مع تحقيق اهداف الحركة الاتحادية / العمالية، التي كان يقودها الشهيد عمر بنجلون، والمتمثلة في تحقيق الحرية، والديمقراطية، والاشتراكية.
ثانيا: تسعى، من خلال العمل على تطبيق برنامجها السايسي، المستمد من البرامج الانتخابية للأغلبية البرلمانية، إلى خدمة مصالح الجماهير الشعبية بصفة عامة، ومصالح الكادحين بصفة خاصة، حتى تضمن سيادة صداقية الأغلبة البرلمانية، التي تزداد ارتباطا بالشعب المغربي، وتعبيرا عن إرادته، وحرصا على خدمة مصالحه الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية.
ثالثا: تحرص على تفعيل المؤسسات التمثيلية المحلية، والإقليمية، والجهوية، والوطنية، التي تحرص بدروها على خدمة مصالح المواطنين، الذين اختاروا تلك المجالس، وفي إطار الديمقراطية المحلية، التي يجب أن تلعب دورها لإشعار المواطنين بدورهم في اختيار البرمج المناسبة على جميع المستويا،ت وفي مختلف المجالات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثاقفية، والسياسية، حتى يصير تفعيل المؤسسات المحلية امتدادا لتفعيل المؤسسة البرلمانية على مستوى التشريع، ولتفعيل الحكومة على مستوى التنفيذ.
رابعا: تقوم بملاءمة القوانين المحلية العامة، والقطاعية، مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان. وذلك لتحقيق هدفين أساسيين:
الهدف الأول: جعل القوانين المحلية منسجمة مع القوانين الدولية، في تمتيعهم بحقوقهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، عن طريق تطبيق القوانين المتلائمة مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان الخمسة.
والهدف الثاني: خدمة مصالح عموم أفراد الشعب المغربي، المتمثلة في تمتيعهم بحقوقهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، عن طريق تطبيق القوانين المتلائمة مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان الخمسة.
وهذان الهدفان يشكلان جوهر الوقوف وراء ضرورة سيادة الشعب على نفسه، ووراء قيام حكومة ديمقراطية، ووراء قيام الشعب بتقرير مصيره بنفسه؛ لأن الشعب لا يمكنه أن يتناقض مع نفسه، ولا يمكنه أن يسعى إلى القبول بالاستعباد، والاستبداد، والاستغلال ،ولا يرفض تحقيق الحرية، والديمقراطية، والاشتركية، كما كان يبرز الشهيد عمر بنجلون ذلك، من خلال تحليلاته السياسية الرائدة.
وبذلك نصل إلى أن رمزية الشهيد عمر بنجلون في التحليل السياسي الماهر، والمحنك، كانت تقف وراء حرص أبناء الشعب المغربي على تتبع كل ما يصدر عن الشهيد عمر بنجلون، من خلال العروض، والندوات، ومن خلال ما كان ينشره في صحافة الحركة الاتحادية / العمالية، التي كان يقودها، وخاصة على صفحات جريدة المحرر، التي كان يديرها قبل اغتياله، نظرا لريادة تلك التحاليل، ولوقوفها وراء بث الوعي الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، في صفوف الجماهير الشعبية الكادحة، باعتباره وعيا طبقيا، يعد الجماهير الشعبية الكادحة للانخراط في النضال من أجل الحرية، والديمقراطية، والاشتراكية.
6) رمزا إعلاميا متمرسا، يستقطب أنظار مستهلكي الإعلام اليساري بصفة عامة، ومستهلكي إعلام الحركة الاحادية / العمالية بصفة خاصة.
ورمزية الشهيد عمر بنجلون الإعلامية، نابعة من إدراكه لأهمية الإعلام في تنور الراي العام، وفي شحد الأفكار، وفي تعبئة الجماهير وراء البرامج الهادفة إلى تحقيق طموحاتها في تحقيق الحرية، والديمقراطية، والاشتراكية. وهذا الإدراك العميق، هو الذي حدا به إلى العمل على جعل جريدة المحرر، التي كان يديرها قبل اغتياله، من قبل التحالف المخزني / الرجعي / الظلامي التخلف، منبرا إعلاميا متميزا، يقود الشعب المغربي في اتجاه امتلاك تصور إعلامي عما يجري وطنيا، وقوميا، وعالميا، ويتخذ مواقف رائدة متميزة مما يجري، سعيا إلى المساهمة في عملية التغيير المنتظر.
والشهيدعمر بنجلون عندما كان يهتم بالإعلام، فلأنه كان يرى فيه:
ا ـ معبرا جماعيا عن التوجه الإعلامي للحركة الاتحادية / العمالية، التي كان يقودها الشهيد عمر بنجلون، وعن التوجه الإعلامي المعبر عن طموحات الشعب المغربي في تحقيق الكرامة على انقاض الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال، لأن هذه الكرامة مهدورة إلى ما لا نهاية، على جميع المستويات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، عن التوجه الإعلامي الموجه للعمال، وباقي الأجراء، في نضالهم المرير، والمتواصل، ضد الاستغلال الممارس عليهم، من خلال التنظيمات النقابية، والحقوقية، والسياسية، التي ينتمون إليها. ولأنه كذلك، لا بد أن يلامس القضايا الجوهرية التي يتركز عليها اهتمام الحركة الاتحادية / العمالية، واهتمام الشعب المغربي، واهتمام العمال، وباقي الأجراء، حتى يصير الإعلام أكثر تأثير في الراي العام في مستوياته المختلفة، وانجع توجيها للمسلكيات النضالية في صفوف الحركة الاتحادية، وفي صفوف الشعب المغربي، وفي صفوف العمال، وباقي الأجراء.
ب ـ وسيلة لفضح الممارسات المخزنية الهادفة إلى تعميق استعباد الشعب المغربي، وجعل ذلك الاستعباد وسيلة لتحقيق الأمن المخزني، وتأييد ذلك الأمن الضامن لتأبيد الاستبداد المخزني، ولفضح استبداد الطبقة الحاكمة بالاقتصاد، والاجتماع، والثقافة، والسياسة، وحرمان الشعب المغربي من كل ذلك.
وهذا الفضح الإعلامي الذي كان يقوده الشهيد عمر بنجلون، كان يسعى إلى تحقيق هدفين أساسيين:
الهدف الأول: تشريح الممارسات المخزنية المكرسة لنفي إرادة الشعب المغربي، والقاضية بالتعامل معه على أساس أنه عبارة عن قطيع يجب أن يخضع لراعيه، وعلى مدى المكان، والزمان، ومن أجل ضمان إعادة انتاج نفس الممارسات المخزنية، ونفس الخضوع المطلق للتعليمات التي تحل محل القانون، في معظم الأحيان. وهذا الفضح الإعلامي، وعبر جرائد الحركة الاتحادية / العمالية، يجب أن يتخذ طابع الصيرورة، والتطور المستمرين، وأن يهدف إلى توعية الشعب المغربي بخطورة مخزنة المسلكية الفردية، والجماعية على مستقبله، وبضرورة انعتاقه من المخزنة، التي تتخذ طابعا شموليا، عن طريق عمله الدؤوب، بقيادة منظماته الجماهيرية المبدئية، وأحزابه السياسة: الديمقراطية، والتقدمية، وفي مقدمتها الحركة الاتحادية / العمالية، التي كان يقودها الشهيد عمر بنجلون.
والهدف الثاني: الإرتخاء بالإنسان المغربي إلى مستوى الوعي بالمشاكل الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، التي يعاني منها المجتمع المغربي، حتى ينشغل بضرورة العمل على إيجاد الحلول لتلك المشاكل، التي لها علاقة بالطبيعة المخزنية للنظام المغربي من جهة، وبطبيعة التشكيلة الاقتصادية / الاجتماعية الراسمالية / الإقطاعية، التي كانت قائمة حينذاك، وعلى أساس أن تكون تلك الحلول جذرية، وهادفة إلى تحقيق الانتقال إلى تشكيلة أرقى، في إطار التطور الطبيعي، الذي يعرفه المجتمع، عن طريق النضال الديمقراطي، بمضامينه الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وفي اطار الجبهة الوطنية للنضال من أجل الديمقراطية، والتي كانت تشكل الحركة الاتحادية / العمالية، التي كان يقودها الشهيد عمر بنجلون، إحدى صيغها.
ج ـ أداة للتربية الجماعية على التتبع الجماعي، وعلى التمرس على التفكير في القضايا ذات البعد الطبقي، والوطني، والقومي، والإنساني، سعيا إلى تحقيق الارتباط العضوي بحركة التحرر الوطني، والقومي، والعالمي، لضمان العمل على التمتع بجميع الحقوق، في كونيتها، وفي شموليتها، كما هي في المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، باعتبارها قوانين انسانية.
والشهيد عمر بنجلون، كرمز إعلامي، كان يهدف إلى:
أولا: جعل الخبر المجرد، والهادف، والمتنوع، في متناول جميع المواطنين، حتى لا يصير محتكرا على نخبة معينة، ومن أجل أن يتمرس هؤلاء المواطنون على تتبع الأخبار المختلفة، ورصد تأثيرها السلبي، والإيجابي عليهم، حتى يمتلكوا القدرة على اتخاذ المواقف المناسبة منها.
ثانيا: اعتبار الخبر منطلقا، ووسيلة للتعامل مع الواقع في تحوله، حتى يمتلك المواطنون القدرة على إدراك ما يجب عمله، من أجل الفعل في الواقع، والتأثير في تحوله، حتى يصير في خدمة مصالح معظم أفراد الشعب المغربي، الذي يعاني من الاستلاب المادي، والمعنوي، الذي يقف وراءه الإعلام الطبقي السائد، والمتنوع، والمدعوم من اموال الشعب المغربي.
ثالثا: الاقتناع بطبقية الإعلام السائد، الذي لا يخدم إلا مصالح المؤسسة المخزنية، والطبقة الحاكمة، والعمل على اعتبار إعلام الحركة الاتحادية / العمالية إعلاما شعبيا نقيضا للإعلام الرسمي السائد، سعيا إلى تسييد الإعلام الشعبي، الذي يصير وسيلة تحريضية، وتعبوية لعموم الكادحين حول القضايا، والمشاكل التي تهمهم، وفي مقدمتها العمل على تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية.
رابعا: اعتبار الإعلام الشعبي وسيلة للتكوين في مختلف المجالات التي تنال حيزا كبيرا من اهتمامات الشعب المغربي، حتى يصير ذلك التكوين منطلقا لبناء حركة جماهيرية واسعة: نقابية، وحقوقية، وجمعوية، تستوعب الجماهير الشعبية المالكة للوعي الإعلامي المتميز ،الممتدة على مدى التراب الوطني، لتقود مجموع الجماهير الشعبية الكادحة، في أفق تحقيق أهدافها الآنية، والمرحلية، والإستراتيجية.
د ـ معبرا جماعيا عن إرادة عموم الكادحين، حتى يجد كل فرد، من أفراد الشعب المغربي الكادح، نفسه في إعلام الحركة الاتحادية / العمالية، الذي يرصد كل ما له علاقة باهتمامات الكادحين، وطليعتهم الطبقة العاملة، سواء تعلق الأمر بالاهتمامات الطبقية، أو الوطنية، أو القومية، أو الإنسانية.
والشهيد عمر بنجلون كرمز اعلامي متميز، كان يحرص على أن يرتبط إعلام الحركة الاتحادية / العمالية باهتمامات معظم أفراد الشعب المغربي الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، وبنضالاتهم النقابية، والحقوقية، والثقافية، التي كانت تقودها الإطارات الجماهيرية المبدئية.
وقد كانت غاية الشهيد عمر بنجلون من كل ذلك، أن يصير إعلام الحركة الاتحادية / العمالية وسيلة ل:
ا ـ الضغط على المسئولين في أجهزة الدولة، من أجل إيجاد حلول مناسبة للمشاكل الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، القائمة على المستوى المحلي، والإقليمي، والجهوي، والوطني.
ب ـ الاستجابة لمطالب العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وعلى جميع المستويات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.
ج ـ توعية العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وعلى جميع المستويات، بمعاناتهم، الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وبمصدر تلك المعاناة، حتى يسعوا إلى بلوردة مطالبهم التي يناضلون من اجل تحقيقها، سعيا إلى تحسين أوضاعهم المادية، والمعنوية، التي تجعلهم ينسجمون مع الواقع العين،ي ويعملون على تطويره لصالح خدمة مصالحهم المختلفة.
د ـ الإرتقاء بوعي العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، إلى مستوى الوعي السياسي، الذي يجعلهم يرتبطون بالحركة الاتحادية / العمالية بصفة خاصة، وبالحركة الديقراطية، والتقدمية، واليسارية بصفة عامة، من أجل الانخراط في النضال الديمقراطي، والتقدمي، واليساري، والعمالي، سعيا إلى تحقيق الحرية، والديمقراطية، والاشتراكية.
وهذه الأهداف التي كان يسعى الشهيد عمر بنجلون إلى تحقيقها، عن طريق ارتباط الإعلام الاتحادي / العمالي، الذي كان يديره، باهتمامات جميع الكادحين، وطليعتهم الطبقة العاملة، تعتبر ذات أهمية خاصة بالنسبة للجماهير الشعبية الكادحة، التي ارتبطت بذلك الإعلام، واعتبرته رائدا، ومنطلقا لامتلاك الوعي الطبقي، بابعاده الاقتصادية، والاجتماعية، والثاقفية، والمدنية، والسياسية، ووسيلة للتعبئة المستمرة، استعدادا لخوض المعارك الطبقية المسترة، دفاعا عن مصالح سائر الكادحين، وفي إطار الوحدة النضالية الإيديولوجية، والتنظيمية، والسياسية.
وهكذا يتبين: أن رمزية الشهيد عمر بنجلون على مستوى النضال والتضحية، وعلى مستوى التنظير للحركة الاشتراكية المغربية، وعلى مستوى العمل على التأسيس للحركة الاشتراكية المغربية، وعلى مستوى ترسيخ الاشتراكية العلمية في الواقع الإعلامي، وعلى مستوى التحليل السياسي الماهر، والمحنك، وعلى المستوى الإعلامي، كمتمرس في ميدان الإعلام، سيبقى رائدا، وقدوة للمناضلين الأوفياء للحركة الاتحادية / العمالية، مهما طال الزمن، حتى يتخذوا من تلك القدوة في التضحية، والعطاء، وسيلة، وحافزا على النضال المستمر، وباخلاص، من أجل تحقيق الحرية، والديمقراطية، والاشتراكية، كما تصورها الشهيد عمر بنجلون، وكما يمكن ان تتصورها الحركة الإشتراكية التي لها نفس منطلقات الشهيد عمر بنجلون، كشهيد للحركة العمالية.
عمر بنجلون المقاوم:
ونحن عندما نرتبط بالشهيد عمر بنجلون، لا نرتبط به كرمز، فقط، في المجالات التي أتينا على ذكرها، وغنما نرتبط به ايضا كمقاوم متعدد أوجه القاومة بنفس المنهج، وسعيا إلى إحداث تحول في الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي، بالجماهير الشعبية الكادحة، ولصالحها.
ونهج مقاومة الشهيد عمر بنجلون، في مقاومته، هو النهج الاشتراكي العلمي، الذي اقتنعت به الحركة الاتحادية / العمالية في حينه. ذلك النهج الذي ينطلق من خصوصية الواقع المغربي / المحلي، والإقليمي، والجهوي، والوطني، وفي مختلف المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، حتى يتأتى تغيير هذا الواقع بما يتناسب مع طموحات الجماهير الشعبية، وطليعتها الطبقة العاملة.
وهذه المقومة تتخذ طابعا إيديولوجيا، وتنظيميا، وسياسيا.
فالمقاومة الإيديولوجية اقتضت من الشهيد عمر بنجلون، العمل على تفكيك إيديولوجية الطبقة الحاكمة، وسائر الإيديولوجيات الرجعية المتخلفة، بما فيها إيديولوجية اليمين المتطرف، باعتبارها إيديولوجية ظلامية، تستغل المعتقدات التي يتم تأويل نصوصها لصالح ما يسعى إلى تحقيقه اليمين المتطرف، من راء استغلال المعتقدات الدينية.
وتفكيك الإيديلوجيات البورجوازية، والإقطاعية، والظلامية، إنما يهدف إلى جعل الجماهير الشعبية الكادحة تسعى إلى تبيان خطورة هذه الإيديولوجيات على مستقبلها، بسبب سعيها إلى التضليل عن طريق بث الأوهام الإيديولوجية في صفوف هذه الجماهير، التي تصير، بسبب ذلك، معتقدة أن هذه الإيديولوجيات تعبر عن مصالح جميع افراد المجتمع، وتخدمها.
والجماهير الشعبية الكادحة، من عادتها ان تكون منخدعة بالأوهام الإيديولوجية، ما لم تمتلك وعيا إيديولوجيا متقدما، تعتمده لمقاومة الإيديولوجيات المتخلفة. وهو ما كان يعمل الشهيد عمر بنجلون على تحقيقه، عن طريق العمل على جعل الجماهير تقتنع بإيديولوجية الاشتراكية العلمية، التي يعتمد قوانينها لتفكيك الإيديولوجيات السائدة، والتي تستغل الكثير من الوسائل، من اجل جعلها الإيديولوجية المهيمنة، كالبرامج التعليمية، ووسائل الإعلام، والثقافة، والمؤسسات الدينية، ودور الشباب، والثقافة، وغيرها من الوسائل الإيديولوجية المعروفة، وغير المعروفة، مما يستوجب فضحه، وتفكيك بناه، حتى يصير عاجزا عن الاستمرار، والسيادة، وتضليل الكادحين، بهدف إخضاعهم للسيطرة المطلقة.
والمقاومة، حسب فهم الشهيد عمر بنجلون، وكما توحي بذلك المذكرة التنظيمية، التي أعدها سنة 1965، تقتضي البناء التنظيمي، للإطار الذي يقود الكادحين، في صراعهم ضد الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال، الذي تمارسه المؤسسة المخزنية، والطبقة الحاكمة، لجعل الجماهير الشعبية الكادحة تقبل الأمر الواقع، وتخضع خضوعا مطلقا لما يمارس عليها اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا.
ولذلك فبعد إقدام الشهيد عمر بنجلون على تفكيك البنى الإيديولوجية الرجعية المتخلفة، والظلامية السائدة، مقابل ترسيخ إيديولوجية الطبقة العاملة في الواقع المغربي، بعد ترسيخها في صفوف الحركة الاتحادية / العمالية، نجده يعمل على تفكيك البنى التنظيمية المخزنية، والإقطاعية، والبورجوازية، والبنى التنظيمية لليمين المتطرف، باعتبارها بنى تنظيمية رجعية متخلفة، تعمل على جعل المجتمع، برمته، متخلفا، عن طريق إحكام السيطرة على أجهزة الدولة المتخلفة، التي توظفها من أجل السيطرة على الجماهير الشعبية، سعيا إلى فرض استعبادها، والاستبداد بمناحي حياتها، وفي مختلف المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، حتى يتكرس استغلالها بدون حدود: ماديا، ومعنويا.
والشهيد عمر بنجلون لا يسعى إلى تفكيك التنظيمات الرجعية، وتنظيمات اليمين المتطرف فقط، وإنما يسعى، أيضا، لى البناء التنظيمي المقاوم، الذي يقتنع به. وهذا التنظيم المقاوم هو الذي اكتسب تسميته، من خلال ممارسة الصراع، وقيادة ذلك الصراع عبر مرحة الستينيات، والسبعينيات من القرن العشرين، وقبل اغتيال الشهيد عمر بنجلون.
وهذه التسمية هي: الحركة "الإتحادية / العمالية"، التي كانت تطمح إلى أن تتحول إلى حزب ثوري، يقود الكادحين، وطليعتهم الطبقة العاملة، في أفق إنجاز الثورة الاشتراكية، بعد تحقيق الحرية، والديمقراطية.
ذلك ان المقاومة التنظيمية تتخذ بعدين أساسين:
البعد الأول: تقويض البنى التنظيمية الرجعية القائمة، التي لم تعد صالحة لتقدم المجتمع، وتطوره، بما فيها البنى التنظيمية لليمين المتطرف، المدعوم، حينذاك، من التحالف المخزني / الرجعي المتخلف.
والبعد الثاني: البناء التنظيمي البديل، والثوري، الذي توكل إليه مهمة تنظيم الكادحين، وقيادة صراعهم المرير، ضد الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال، سعيا إلى تحقيق الحرية، والديقراطية، والاشتراكية.
وهذان البعدان ليسا منفصلين عن بعضهما البعض، نظرا للعلاقة الجدلية القائمة بين التقويض، والبناء في عملية الصراع التي كان يقودها الشهيد عمر بنجلون، كما أنهما ليسا منفصلين عن تفكيك الإيديولوجيات الرجعية، والظلامية المتخلفة، وترسيخ إيديولوجية الطبقة العاملة في الواقع المغربي؛ لأن كل ذلك مرتبط، ومتداخل في عملية الصراع الشمولية الهادفة إلى إيجاد مجتمع متقدم، ومتطور، وحر، وديمقراطي، واشتراكي، ينعم فيه الناس بالخيرات المادية، والمعنوية.
ومعلوم أن المقاومة الإيديولوجية، والتنظيمية، لا تكتسبان أهميتهما القصوى إلا بالمقاومة السياسية المجسدة للصراع الفعلي الديمقراطي، والتناحري، القائم على أرض الواقع في مختلف المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية.
فالتناقض القائم بين سياسة المؤسسة المخزنية، ورديفتتها الطبقة الحاكمة، واليمين المتطرف من جهة، وسياسة الحركة الاتحادية العمالية، كما تصورها الشهيد عمر بنجلون، فرض قيام المقاومة السياسية، إلى جانب المقاومة افيديولوجية، والتنظيمية.
وهذا التناقض، هو الذي عمل الشهيد عمر بنجلون على استثماره لصالح تكريس المقاومة السياسية، التي تتخذ طابع تفكيك البنى السياسية المخزنية، وبنى سياسية الطبقة الحاكمة الرجعية، والمتخلفة، وبنى سياسة اليمين المتطرف، وطابع البناء السياسي للحركة الاتحادية العمالية في نفس الوقت، حتى يتأتى جعل الجماهير الشعبية الكدحة تدرك أهمية مقاومة السياسة الرسمية الرجعية، والظلامية المتخلفة، وأهمية قيام سياسة بديلة تسعى إلى جعل هذه الجماهير تقرر مصيرها بنفسها في مختلف المجالات، وعلى جميع المستويات.
والمقاومة السياسية لا يمكن أن تلعب دورها في التوعية السياسية للجماهير، إذا لم تعمل على بيان:
1) خطورة قيام دستور ممنوح على مستقبل الشعب المغربي، ما دام دستور، من هذا النوع، لا يعمل إلا على تكريس الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال، كما تريده المؤسسة المخزنية، وكما تسعى إلى فرضه الطبقة الحاكمة، وكما تعمل على تأبيده التوجهات الظلامية على اختلاف أشكالها.
2) خطورة اعتماد الدستور الممنوح في وضع، وصياغة القوانين، والقرارات، والمراسيم اللاديمقراطية، واللاشعبية، التي لا تخدم إلا مصالح المؤسسة المخزنية، والطبقة الحاكمة، والتوجهات الظلامية، مما يجعل تلك القوانين وسيلة لتكريس الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال، وأن هذه القوانين لا وجود فيها لشيء اسمه الملاءمة مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، حتى وإن نص الدستور الممنوح على ذلك.
3) خطورة إجراء انتخابات مزورة على مقاس الدستور الممنوح، حتى لا تنتج إلا مؤسسات مزورة: محلية، وإقليمية، وجهوية، ووطنية، سعيا إلى جعلها في خدمة التحالف المخزني / الرجعي المتخلف على مستوى التشريع، وعلى مستوى التنفيذ، وعلى مستوى المساهة في صناعة البورجوازية المحلية المتخلفة.
4) خطورة قيام حكومة، انطلاقا مما يتيحه الدستور الممنوح. هذه الحكومة التي لا تعير أي اهتمام للمؤسسة التشريعية المزورة، ولا للتشريعات التي تصدر عنها، لأنها حكومة مخزنية، لا تعني إلا بالتعليمات التي تتلقاها من المؤسسة المخزنية، ومن الطبقة الحاكمة، وضدا على مصالح الشعب المغربي.
5) خطورة عدم الفصل بين السلطة التشريعية، والسلطة التنفيذية، والسلطة القضائية، مما يجعل هذه المؤسسات جميعا لا تستطيع المساهمة في تقدم الشعب المغربي، وتطوره، وتطويره، من منطلق أنها جميعا تعمل من منطلق التعليمات التي تتلقاها من المؤسسة المخزنية، ومن الطبقة الحاكمة، حتى تساهم في إحكام السيطرة على الشعب المغربي.
والشهيد عمر بنجلون، في مقاومته السياسية للتحالف المخزني / الرجعي / الظلامي المتخلف، كان يستحضر أهمية البناء السياسي للحركة الاتحادية / العمالية، التي كانت تتحدد في:
1) العمل على نقض الدستور الممنوح، والعمل، في نفس الوقت، على إقرار دستور ديمقراطي، تكون فيه السيادة للشعب، حتى يتمكن، انطلاقا من الدستور الديمقراطي، من تقرير مصيره الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي، بعد التحرر من الاستعباد، ومن الاستبداد، ومن الاستغلال الهمجي، الذي يتعرض له كادحوه.
ومعلوم ان الدستور الديمقراطي، لا يكون، كذلك، إذا لم يكن متلائما مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وضمانا، في نفس الوقت، لاحترام إرادة الشعب المغربي، وللفصل بين السلطة التشريعية، والتنفيذية، والقضائية.
2) العمل على إعادة النظر في مختلف القوانين المعمول بها، حتى تصير متلائمة مع الدستور الديمقراطي، ومع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، ومع الواقع المتحول باستمرار في نفس الوقت، حتى تساهم في دمقرطة الواقع، وتصير وسيلة للعمل على تطوره، وتطويره، بصيرورته مجتمعا ديمقراطا، ضامنا لتمتيع جميع أفراد الشعب المغربي بحقوقهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، انطلاقا من القوانين المعمول بها.
3) العمل على إجراء انتخابات حرة، ونزيهة، انطلاقا من القوانين المعدة لهذه الغاية، انطلاقا من الدستور الدمقراطي، ومن المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، حتى يتمكن الشعب المغربي من اختيار ممثليه الحقيقيين في مختلف المؤسسات التمثيلية: المحلية، والإقليمية، والجهوية، والوطنية، بكامل الحرية، والنزاهة، بعيدا عن أي شكل من أشكال التزوير، التي تسيء إلى كرامة الشعب المغربي.
4) العمل على قيام حكومة ديمقراطية، تنفرز عن الأغلبية البرلمانية التي تكون في خدمة الشعب المغربي، وتطبق لقوانين المتلائمة مع الدستور الديمقراطي، ومع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وتحرص على تمتيع جميع أفراد الشعب المغربي بجميع الحقوق، كما هي في المواثيق الدولية، وتقوم بإجراء تنمية اقتصادية، واجتماعية، وثقافية، ومدنية، وسياسية، حرصا منها على طموحات الشعب المغربي في الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية.
5) العمل على الفصل بين السلطة التشريعية، والسلطة التنفيذية، والسلطة القضائية، حتى يتم الاستقلال الفعلي للسلط الثلاث عن بعضها البعض، ومن أجل أن تلعب كل سلطة دورها في مجالها، وحرصا منها على خدمة مصالح الشعب المغربي في المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، مما يعتبر منطلقا لتطور الواقع، ووسيلة مستمرة لتطويره، وسعيا إلى تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية.
وازدواجية المقاومة، والبناء في المجال السياسي، التي اعتمدها الشهيد عمر بنجلون، كقائد للحركة الاتحادية / العمالية، تدخل في إطار النهج الذي كان يتبعه من أجل خلخلة الواقع المحكوم بالصراع الدائر يين الكادحين، وبين التحالف المخزني / الرجعي / الظلامي المتخلف، والهادف إلى نفي الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال، في مقابل تحقيق الحرية، والديمقراطية، والاشتراكية.
وهكذا يتبين أن أوجه المقاومة الإيديولوجية، والتنظيمية، والسياسية، التي كان يخوضها الشهيد عمر بنجلون، لا تنفصل عن بعضها البعض، وتكمل بعضها بعضا في نفس الوقت. فالمقاومة الإيديولوجية تكون في خدمة المقاومة التنظيمية، التي تكون بدورها في خدمة المقاومة السياسية، والعكس صحيح، مما يؤدي إلى تكريس الجدل الذي يمكن تسميته بجدل المقاومة، المتجسد في تكريس جدل التقويض، والبناء، الذي يقف وراء ارتفاع حدة الصراع الطبقي، المنتج للوعي الطبقي في مستوياته الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، الذي يرفع من وتيرة الصراع الهادف إلى تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، كمنطلق للعمل في اتجاه البناء الاشتراكي للدولة المغربية.
وهذه المستويات من المقاومة التي كان ينهجها الشهيد عمر بنجلون، كانت تستهدف مقاومة:
1) مخططات التحالف المخزني / الرجعي / الظلامي المتخلف، الهادفة إلى تأبيد الاستعباد والاستبداد، والاستغلال، سعيا إلى تقويض تلك المخططات، ورغبة في إيجاد مخططات بديلة لها، لخدمة مصالح الكادحين، وطليعتهم الطبقة العاملة.
2) إيديولوجيات التحالف المخزني / الرجعي / الظلامي المتخلف، الذي تتعدد إيديولوجياته التي تقتضي المقاومة، عن طريق التفكيك الممنهج، لجعل الجماهير الشعبية الكادحة تكتشف الأوهام الإيديولوجية، التي تحول دون امتلاك الكادحين للوعي الإيديولوجي، الذي يحصنهم ضد الأوهام الإيديولوجية الرجعية، والعمل على إشاعة إيديولوجية الكادحين، كما سماها الشهيد عمر بنجلون، والتي لا يمكن أن تكون إلا الاشتراكية العلمية، كما ورد في تقديمه للتقرير الإيديولوجي أمام المؤتمر الاستثنائي للحركة الاتحادية / العمالية، المنعقد في يناير 1975 م.
3) سياسة التحالف المخزني / الرجعي / الظلامي المتخلف، باعتبارها سياسة تسعى إلى تأبيد الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال، عن طريق رفع الشعارات البراقة، التي تعكس الحرص على اعتماد الأوهام الإيديولوجية، وتوظيف استغلال الدين في الأمور السياسية، من أجل التضليل السياسي للجماهير الشعبية الكادحة، التي تنخدع بالأمور السياسية للطبقة الحاكمة، وللتحالف المخزني / الرجعي / الظلامي المتخلف، مما يجعل هذه الجماهير تقبل بالاستعباد، والاستبداد، والاستغلال، ليصير ذلك القبول جزءا من المعتقدات الدينية، التي تستغل لضمان تأبيد السيطرة الطبقية على مجموع الكادحين.
ومقاومة سياسة التحالف المخزني / الرجعي / الظلامي المتخلف حين ذاك، كان مصحوبا بإعداد الجماهير الشعبية، وطليعتها الطبقة العاملة، لخوض الصراع، في أفق تحقيق الحرية، والديقراطية، والاشتراكية.
وهذه المستويات الثلاثة من المقاومة، كانت حاضرة في فكر، وفي ممارسة الشهيد عمر بنجلون، وفي روح ممارسة الحركة الاتحادية / العمالية، وفي مختلف برامجها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وخاصة تلك التي صادق عليها المؤتمر الاستثنائي للحركة الاتحادية، التي كانت تعتمد في تغذية، وتقويم ممارسات المنتمين إلى الحركة الاتحادية، العاملين في أفق تحقيق الأهداف الآنية، والمرحلية، والإستراتيجية، التي رسمها المؤتمر الاستثنائي للحركة الاتحادية / العمالية.
عمر بنجلون المناضل:
والشهيد عمر بنجلون، عندما يقاوم إيديولوجيات التحالف المخزني / الرجعي / الظلامي، وتنظيماته، وسياسته التي أغرقت البلاد في الكثير من المشاكل الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، فلأنه كان يعتبر المقاومة مجرد مرحلة ما قبل النضال.
فالمقاومة لا تعني إلا الرفض المطلق لما يمارس على الشعب من قبل التحالف المذكور على المستوى الإيديولوجي، والتنظيمي، والسياسي.
والرفض يقتضي الإعداد للمواجهة مع التحالف المذكور.
وكما تكن المقاومة إيديولوجية، وتنظيمية، وسياسية، فإن الإعداد للمواجهة، كذلك، يكون إعدادا إيديولوجيا، وتنظيميا، وسياسيا.
ولذلك نجد أن الشهيد عمر بنجلون شرع في الإعداد للنضال منذ التحاقه بالمغرب، ومنذ ارتباطه بالحركة الاتحادية.
وهذا الإعداد اتخذ، كما رأينا ثلاث مستويات:
1) المستوى الإيديولوجي، بحيث نجد أن الشهيد عمر بنجلون عمل، وبلا هوادة، على استيعاب قوانين الاشتراكية العلمية، وتمثلها، وتوظيفها في التحليل العلمي للواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، من أجل امتلاك تصور علمي عنه، مما يجعله يدرك، وبالدقة المطلوبة:
ما هي الإيديولوجية التي يجب الأخذ بها؟
ما هي الطبقة التي يجب أن تكون حاملة لتلك الإيديولوجية؟
وما هو التنظيم المناسب لتلك الطبقة؟
ما هي الأهداف التي يسعى ذلك التنظيم غلى تحقيقها؟
ما هي المواقف السياسية التي يجب أن يتخذها ذلك التنظيم؟
فالإعداد الإيديولجي يعتبر أساسيا في تحديد الأفق الطبقي، والأفق التنظيمي، والأفق السياسي المناسب، والمتناسب مع الواقع العيني.
ولذلك نجد أن الشهيد عمر بنجلون لم يتوقف عند حدود دراسة القوانين العلمية، واستيعاب تلك القوانين، وتوظيفها في التعامل مع الواقع العيني؛ بل عمل على دراسة أمهات كتب الاشتراكية العلمية، في أصولها، وفروعها، بالإضافة إلى القيام بدراسة التجارب الاشتراكية المختلفة، سواء تلك التي تم إنجازها في الاتحاد السوفياتي، أو في الصين، أو في كوبا، أو في الفيتنام، وفي غيرها من الأماكن، إضفة إلى دراسة أدبيات الأحزاب الشيوعية، والاشتراكية في جميع أنحاء العالم، مما جعله يخرج بخلاصة: أن التجارب لا تستنسخ، وأن الخصوصيات تختلف، وأن الاشتراكية كوسيلة، وكهدف، واحدة.
وهذا الإعداد الإيديولوجي الجيد، هو الذي وقف وراء قيام الشهيد عمر بنجلون بإعداد المذكرة التنظيمية سنة 1965م، وهو الذي دفع به إلى إقناع مناضلي الحركة الاتحادية، حينذاك، بضرورة العمل على الاقتناع بالاشتراكية العلمية، كوسيلة، وكهدف، باعتبارها إيديولوجية الكادحين، كما حصل في المؤتمر الاستثنائي في يناير 1975م، الأمر الذي يترتب عنه تجاوز اعتبار إيديولوجية الاشتراكية العلمية دخيلة على المجتمع المغربي، بصيرورة هذه الإيديولوجية معبرة عن مصالح الكادحين، وطليعتهم الطبقة العاملة، الذين يشكلون غالبية المجتمع المغربي. وهو ما اقتضى اعتبار هذه الإيديولوجية العلمية، إفرازا اجتماعيا، بعد أن توافرت الشروط الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، التي تساعد على ذلك الإفراز المترتب عن الفرز الطبقي، المؤدي إلى قيام صراع بين الطبقات، التي تتناقض مصالحها، وايديولجياتها، التي تقود إلى قيام تنظيمات تؤدي إلى قيام تنظيم الصراع بين الطبقات المتناقضة.
وبما ان المذكرة التنظيمية صارت منطلقا، ومرجعا في إعداد تنظيم الحركة الاتحادية، انطلاقا من الشروط الجديدة، التي صار يعرفها المجتمع المغربي.
وبما أن الحركة الاتحادية أقرت اعتبار الاشتراكية العلمية إيديولوجيتها، فإن إعادة بناء تنظيم الحركة الاتحادية على أساس إقرار الاشتراكية العلمية كوسيلة، وكهدف، بصيرورة هذه الحركة حركة عمالية، تسعى إلى قيادة نضالات الطبقة العاملة، وسائر الكادحين، في أفق تحقيق الأهداف الآنية، والمرحلية، والإستراتيجية.
والإعداد التنظيمي لم يتوقف عند حدود إيجاد القوانين التنظيمية الأساسية، والداخلية، بل تعداه إلى مرحلة العمل على بناء الهياكل التنظيمية، والوطنية، والجهوية، والإقليمية، والمحلية، حتى يصير التنظيم متخللا للشبكة الاجتماعية على المستوى الوطني، حتى تتمكن الحركة الاتحادية / العمالية، من الوصول إلى الجماهير الشعبية الكادحة، وطليعتها الطبقة العاملة، في كل التراب الوطني، وربطها بالحركة الاتحادية / العمالية، عن طريق مد الجسور معها، وجعلها تمتلك عيها بأضاعها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، وصولا إلى امتلاك وعيها الطبقي، الذي يؤهلها للارتباط التنظيمي بالحركة الاتحادية / العمالية، التي تتوسع بذلك، وتتقوى تنظيميا، وإيديولوجيا، وسياسيا، بما يضمن لها السيادة التنظيمية، إلى جانب السيادة الإيديولوجية، والسياسية.
ولذلك نجد أن الإعداد التنظيمي للحركة الاتحادية / العمالية، اكتسى أهمية خاصة في فكر، وممارسة الشهيد عمر بنجلون، انطلاقا من وضع المذكرة التنظيمية، ومرورا بمحطة 30 يوليوز 1972، وانتهاء بالمؤتمر الاستثنائي، الذي توج ذلك الإعداد، وأوصل التنظيم إلى مستوى القدرة على خوض المعارك الطبقية، وقيادة تلك المعارك، في اتجاه تحقيق الأهداف الآنية، والمرحلية، والإستراتيجية بالكادحين، ومن أجل الكادحين، الذين يفرضون تحقيق الحرية، والديمقراطية، والإشتراكية، إن عاجلا، أو آجلا، وفي إطار صيرورة التاريخ.
والإعداد التنظيمي لا يكتسب معناه، ودلالته، ما لم يقترن بالإعداد السياسي، الذي لا يعني في عمق ممارسة الحركة الاتحادية / العمالية، إلا المواكبة اليومية للحركة السياسية العامة لسياسة الدولة، والعمل على اتخاذ المواقف المناسبة، والثابتة، والواضحة، انطلاقا من برنامج محدد، وهادف وساع إلى حشد الجماهير الشعبية وراء مواقف الحركة الاتحادية / العمالية من الدستور الممنوح، ومن السياسة الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، ومن تزوير إرادة الشعب المغربي، في مختلف المحطات الانتخابية، ومن الحكومات اللا ديمقراطية المتعاقبة على تسيير الشأن العام، بما لا يخدم مصالح الشعب المغربي، بقدرما يخدم مصالح التحالف المخزني / الرجعي / الظلامي المتخلف.
والإعداد السياسي الذي يعد امتداد للإعداد التنظيمي في مراحله المختلفة، يعتبر وسيلة ضرورية، واساسية، للارتقاء بالوعي الجماهيري، وبوعي العمال، وسائر الكادحين، تجاه القضايا الطبقية، بالإضافة غلى القضايا الوطنية، والقومية، والإنسانية، وفي غطار الربط الجدلي بين هذه القضايا جميعا، من أجل جعل الكادحين، وطليعتهم الطبقة العاملة، يمتلكون الرؤيا الشمولية الضرورية، في اطار خوض الصراع الطبقي، في مستوياته الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية.
ونظرا للعلاقة الجدلية القائمة بين مستويات الإعداد الإيديولوجي، والتنظيمي، والسياسي، نجد أنه لا يمكن إنجاز إعداد إيديولوجي بدون إعداد تنظيمي، كما لا يمكن إنجاز إعداد تنظيمي بدون إعدد إعداد سياسي.
فالإعداد في شموليته يتفاعل مع بعضه البعض، مما يجعل منه إعدادا متكاملا. وهو ما كان يدركه الشهيد عمر بنجلون إدراكا جيدا.
وهذا الإعداد المتكامل ليس إعدادا من اجل الإعداد، بقدر ما هو وسيلة للنضال المرير، والمستمر، بالكادحين، ومن أجل الكادحين، في أفق تحقيق الحرية، والديمقراطية، والاشتراكية.
ذلك أن التنظيم بإيديولوجيته، وبخطه السياسي الواضح، ليس إلا واسطة بين النظرية والممارسة. والنظرية هي ما تتوصل إليه الحركة من خلال التحليل الملموس، للواقع الملموس، من خلاصات علمية دقيقة، تصير منطلقا لصياغة برنامج مدقق، لخدمة الأهداف الآنية، والمرحلية، والإستراتيجية المحددة، حتى تستطيع الحركة، أي حركة، قيادة النضالات الجماهيرية، وفي مختلف المجالات، وعلى جميع المستويات، في أفق تحقيق الأهداف الآنية، والأهداف المرحلية، التي تمهد الطريق أمام إمكانية تحقيق الأهداف الإستراتيجية المتمثلة، بالنسبة للحركة الاتحادية / العمالية، في تحقيق الحرية، والديمقراطية، والاشتراكية، كما تم تحديد ذلك في المؤتمر الاستثنائي، وكما جاء في تقديم التقرير الإيديولوجي من قبل الشهيد عمر بنجلون أمام المؤتمر الاستثنائي في يناير 1975م.
والشهيد عمر بنجلون عندما كان يتهيأ للنضال من خلال الإعداد الإيديولوجي، والتنظيمي، والسياسي، وفي إطار الحركة الاتحادية التي تحولت إلى حركة عمالية بنضاله، كان لا يعتبر النضال مؤجلا، حتى الانتهاء من الإعداد في مستوياته المشار إليها، بقدر ما يعتبره مرتبطا بالإعداد؛ لأن النضال هو المختبر الميداني لصلاحية الإعداد، أو عدم صلاحيته، ولصلاحية النظرية، أو عدم صلاحيتها، خاصة، وأن تحولات الواقع تفرض إعادة النظر في التحليل الملموس لذلك الواقع المتحول، وصولا إلى استخلاص ما يجب عمله في تطوير الإيديلوجية، والتنظيم، والمواقف السياسية؛ لأن المناضل، أي مناضل، لا يمكن ان ينفصل عن الواقع المتحرك، الذي يتفاعل معه، ويسعى لى الفعل فيه، انطلاقا من البرنامج المرسوم، بناء على الاقتناع بإيديولوجية معينة، وبواسطة التنظيم الذي ينتمي إليه. وذلك التفاعل هو الذي يكشف عن جوانب القوة، والضعف، في النظرية الموجهة للممارسة. وهو ما يعني أن الشهيد عمر بنجلون، لم يكن من الشخصيات المناضلة التي تبقى بعيدة عن الواقع حتى تستكمل أدواتها النضالية، بقدر ما كان يتحرك في الواقع في شموليته، انطلاقا مما توصل إليه سعيا إلى الفعل في الواقع، وإلى تطوير ما توصل إليه، في تفاعل مع الواقع، من أجل أن يصير أكثر تأثيرا فيه. وهو ما كان يحصل، فعلا، منذ التحاق الشهيد عمر بنجلون بالمغرب، ومنذ ارتباطه بالحركة الاتحادية. وإلا لما تحولت هذه الحركة إلى حركة عمالية، لتستحق تحولها إلى حركة اتحادية / عمالية.
فمن أجل ماذا كان يناضل الشهيد عمر بنجلون؟
إنه، ومن خلال ما أتينا على ذكره في فقرة عمر بنجلون المناضل، نجد أن النضال بالنسبة إلى الشهيد عمر بنجلون، كل لا يتجزأ. فهو نضال إيديولوجي، ونضال تنظيمي، ونضال سياسي في نفس الوقت.
فالنضال الإيديولوجي يقتضي العمل المتواصل على:
1) إشاعة إيديولوجية الحركة الاتحادية / العمالية في صفوف المثقفين، وفي صفوف المتعلمين الديمقراطيين، والتقدميين، واليساريين، وفي صفوف العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، حتى تتحول بفعل ذلك الشيوع الواسع إلى إيديولوجية الكادحين من جهة، وإلى إيديولوجية سائدة في المجتمع، تتحطم أمامها سائر الإيديولوجيات الرجعية، والظلامية المتخلفة، التي تقف وراء هذا التخلف الإيديولوجي الهائل، الذي تعرفه البشرية في مختلف العصور، وخاصة في القرن العشرين، وعلى الأخص في المغرب، حيث تتداخل الإيديلوجيات المخزنية، والإقطاعية، والبورجوازية، والظلامية، بصيرورتها إيديولوجية رجعية متخلفة، تجثم على صدور المغاربة، ولا يمكن إزاحتها إلا بتسييد إيديولوجية الحركة الاتحادية / العمالية. 2) العمل على تفكيك مكونات إيديولوجية التحالف المخزني / الرجعي / الظلامي المتخلف، عن طريق:
ا ـ بيان عناصر التخلف الإيديولوجي / العبودي، والإقطاعي، والبورجوازي، والظلامي، حتى تصير عناصر التخلف، تلك، معروفة في صفوف الجماهير التي يجب تربيتها على ممارسة النقذ الإيديولوجي.
ب ـ بيان مظاهر التخلف الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، المترتب عن تسييد إديوبلوجية التحالف المخزني / الرجعي / الظلامي المتخلف.
ج ـ تفكيك إيديولوجية التحالف المخزني / الرجعي / الظلامي المتخلف، ببيان عتاصرها الخرافية، والعبودية، والإقطاعية، والبورجوازية، والدينية، الموظفة، مما يجعل منها إيديولوجية تضليلية بامتياز، وفضح وتعرية الأجهزة الإيديولوجية، التي توظفها الدولة، ومن أموال الشعب المغربي، في العمل على تسييد تلك الإيديولوجية، التي لا تعني إلا تسييد التضليل.
د ـ توظيف الإمكانيات الإعلامية المتاحة، لجعل مظاهر التضليل واضحة وضوح الشمس في كبد السماء، في أذهان الجماهير الشعبية الكادحة، المستهدفة بذلك التضليل، حتى تعمل على مقاومته مقاومة لا هوادة فيها، ومواجهته بما توفر لديها من إمكانيات النقد الإيديولجي، الذي يساعد على الفضح، والتعرية، والهدم الإيديولوجي، لإنضاج شروط سيادة إيديولوجية الكادحين.
وإشاعة إيديولوجية الحركة الاتحادية، لا يمكن أن يكون مفصولا عن عملية تفكيك، وهدم إيديولوجية التحالف المخزني / الرجعي / الظلامي المتخلف، نظرا للعلاقة الجدلية القائمة بين عمليتي الهدم، والبناء، في الفكر الاشتراكي العلمي، لأنه لا يمكن توقيف إشاعة إيديولوجية الحركة الاتحادية / العمالية، حتى يتم هدم إيديولوجية التحالف المخزني / الرجعي / الظلامي المتخلف؛ لأن ذلك من شانه إحداث فراغ إيديولوجي. والفراغ الإيديولوجي غير مقبول في صفوف الجماهير الشعبية الكادحة.
ولذلك تكون إشاعة إيديولوجية الحركة الاتحادية العمالية، مقرونة بعملية هدم الإيديولوجية النقيضة. وهذا ما استطاع الشهيد عمر بنجلون القيام به. وهو ما أدركه التحالف المخزني / الرجعي / الظلامي المتخلف، فقرر اغتياله، وخطط لتنفيذ قرار الإغتيال يوم 18 دجنبر سنة 1975 م.
والنضال التنظيمي يقتضي العمل على:
1) بلورة التصور التنظيمي المناسب، والمتناسب مع طبيعة الحركة الاتحادية / العمالية، ومع خصوصية المجتمع المغربي، ومع ما يجرى في العالم في مرحلة الستينيات، والسبعينيات من القرن العشرين. وهذا التبلور يكلف مناضلي الحركة الاتحادية / العمالية، بقيادة الشهيد عمر بنجلون، بذل مجهودات كبيرة، ومكلفة ماديا، ومعنويا، من أجل:
ا ـ تفعيل تنظيمات الحركة الاتحادية، كما هي حينذاك، وانطلاقا من البرامج المتاحة لمواجهة التحالف المخزني / الرجعي / الظلامي المتخلف. ذلك أن تنظيمات الحركة الاتحادية، حينذاك، لا يمكن أن تنمو، وأن تتقوى إشعاعيا، وتنظيميا، إلا بمواجهة التحالف المذكور، ومن أجل استنتاج ما يجب استنتاجه على جميع المستويات، حتى يتأتى تطوير التصور التنظيمي القائم إلى الأحسن، وفي أفق امتلاك تصور واضح على مستوى الشكل، وعلى مستوى المضمون، وعلى مستوى البرامج، وعلى مستوى الأهداف، وفي أفق امتلاك الوضوح الإيديولوجي.
ب ـ دراسة التصورات التنظيية القائمة في الواقع المغربي، وعلى المستوى العالمي، والتفاعل مع التنظيمات الأخرى، والوقوف على أسباب قوتها، أو ضعفها، سعيا إلى امتلاك تصور متكامل عما يجب أن تكون عليه تنظيمات الحركة الاتحادية، في أفق تحويلها غلى حركة عمالية.
ج ـ الاستفادة من علاقة الحركة الاتحادية مع الحركة الديمقراطية، والتقدمية، واليسارية، والعمالية، ومع الدول الاشتراكية، حتى تصير تلك العلاقة المتنوعة، وسيلة ناجعة لجعل تنظيمات الحركة الاتحادية تتحرك، وتتطور.
د ـ الشروع في البناء التنظيمي، على أساس ما تبلور من تصور، لجعل الحركة الاتحادية منسجمة مع:
أولا: الواقع المتطور، الذي تتحرك فيه، حتى تمتلك القدرة على الفعل، في أفق تغييره جذريا.
ثانيا: الإيديولوجية المناسبة لتحول الواقع، والتي ليست إلا الاشتراكية العلمية، كوسيلة، وكهدف، وباعتبارها إيديولجية الطبقة العاملة.
ثالثا: طبيعة العلاقات التي تنسجها الحركة الاتحادية مع القوى الديقراطية، والتقدمية، واليسارية، والعمالية وطنيا، وعلى المستوى القومي، والعالمي.
رابعا: المهام المطلوب من الحركة الاتحادية إنجازها، في أفق تحقيق طموحات الشعب المغربي، على المدى القريب، والمتوسط، والبعيد، وفي أفق تحقيق الحرية، والديمقراطية، والاشتراكية.
خامسا: الرغبة في تقوية التنظيم، وتوسيعه، وسيادته بين جميع أفراد الشعب المغربي، مما يجعل الحركة الاتحادية / العمالية قبلة لجميع الكاحين.
سادسا: الحرص على أن تقوم الحركة الاتحادية / العمالية بدورها لصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، عن طريق تعبئتهم، وقيادة نضالاتهم، وتوجيه تلك النضالات، من أجل تحقيق الأهداف الآنية، والمرحلية، والإستراتيجية.
ذلك أن النضال التنظيمي، بالنسبة للشهيد عمر بنجلون، يعتبر أساسا، ووسيلة لأشكال النضالات الأخرى، باعتباره واسطة بين النظرية، والممارسة؛ لأنه، بدون تنظيم، يصعب امتلاك النظرية، كم يصعب تفعيل تلك النظرية، عن طريق الممارسة، خاصة، وأن هذا النوع من النضال، هو بمثابة إعداد سلاح المحارب ،الذي لا يتوانى في العمل على نفي الإعداء الطبقيين، الذين تمرسوا على تعميق استعباد الكادحين، واستغلالهم، والإستبداد بالإقتصاد، والاجتماع، والثقافة، والسياسة.
والنضال السياسي القاضي بإقدام الشهيد عمر بنجلون، وعن طريق الحركة الاتحادية / العمالية، على مناهضة سياسة التحالف المخزني / الرجعي / الظلامي المتخلف، سعيا إلى:
1) إقرار دستور ديمقاطي تكون فيه السيادة للشعب، الذي يعتمده لتقرير مصيره بنفسه، حتى يحل الدستور الديمقراطي محل الدستور الممنوح، الذي كان، ولا زال منطلقا لكل أشكال التزوير التي عرفها المغرب منذ استقلاله، وإلى الآن.
2) إجراء انتخابات حرة، ونزيهة، تعكس احترام إرادة الشعب المغربي، من أجل فرز مؤسسات تمثيلية حقيقة، تجسد ذلك الاحترام، وعلى جميع المستويات: المحلية، والإقليمية، والجهوية، والوطنية، حتى تكون تلك المؤسسات في خدمة مصالح الشعب المغربي تشريعا، وتنفيذا.
3) تشكيل حكومة من الأغلبية البرلمانية، تعمل على تطبيق القوانين الواردة من المجلس التشريعي، وتحرص على ملاءمة تلك القوانين مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، لضمان تمتيع جميع أفراد الشعب المغربي بجميع الحقوق.
4) الحرص على احترام الحريات الفردية، والجماعية، كما هي في المواثيق الدولية، لتكريس سيادة الشعب المغربي على نفسه، حتى تتوفر شروط دمقرطة العلاقات العامة، والخاصة، لجعل المجتمع ديقراطيا في ممارسته اليومية، والعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية التي هي شرط قيام المجتمع الاشتراكي اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا، حتى يتمكن الشعب المغربي من نفي الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال، ونفي أشكال المعاناة المترتبة عن كل ذلك.
والشهيد عمر بنجلون، عندما كان يحرص على بناء المواقف السياسية للحركة الاتحادية / العمالية، فلأنه كان يسعى إلى أن يكون الموقف من الدستور الممنوح واضحا، والموقف من الانتخابات المزورة، ومن نتائجها، ومن الحكومات المتعاقبة واضحا كذلك، في الوقت الذي كان يسعى فيه إلى أن يكون البديل السياسي المطروح، في اطار الحركة الاتحادية / العالية واضحا أيضا، ولا يعمل إلا على تغيير الواقع الاقتصادي، والاجتاعي، والثقافي، والمدني، والسياسي، وفق ما تقتضيه طموحات الشعب المغربي، ومما يخدم أفق تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية المؤدية إلى تحقيق الاشتراكية، والشروع في بناء الدولة الاشتراكية، كهدف استرتيجي للحركة الاتحادية / العمالية، التي كان يقودها الشهيد عمر بنجلون.
وهكذا يتبين أن نضال الشهيد عمر بنجلون، تجسد في سعيه المستمر إلى بناء الحركة العمالية، من خلال عملية تحويل الحركة الاتحادية إلى حركة عمالية، انسجاما مع التحول الذي يعرفه الواقع في مستوياته المختلفة وطنيا، وعربيا، وعالميا، وحتى تقوم الأداة التنظيمية المناسبة لقيادة الطبقة العاملة، كطليعة للمجتمع، في نضالها من أجل الانعتاق، والتحرر، والاشتراكية، والنضال من أجل ترسيخ الفكر الاشتراكي العلمي في الواقع المغربي، انطلاقا من ايديولوجية الحركة الاتحادية / العمالية / الاشتراكية، ومن منطلق أن الفكر الاشتراكي العلمي، يقف وراء امتلاك الكادحين للوعي الطبقي الحقيقي، ونفي الوعي الزائف، المهيمن في الواقع المغربي، والنضال من أجل تكريس سياسة الحقيقة، كما سماها الشهيد المهدي بنبركة، الذي قال: "إن السياسة الحقيقية هي سياسة الحقيقة"، حتى تقف سياسة الحقيقة وراء وقوف الكادحين على ما يزخر به الواقع من مشاكل مستعصية، ناجمة عن الاختيارات الرأسمالية التبعية، التي تحكم الممارسة السياسية للتحالف الخزني / الرجعي / الظلامي المتخلف، الذي يحكم الشعب المغربي، انطلاقا من دستور ممنوح، ومن إجراء انتخابات مزورة، لإيجاد مؤسسات تمثيلية على مقاس ذلك التحالف وتكوين حكومة تدير تكريس الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال، ومن أجل استنزاف قدرات الشعب المغربي المادية، والأدبية، لإبقاء معاناة الشعب المغربي حاضرة في الممارسة اليومية، كتعبير عن الخضوع المطلق لإرادة التحالف المخزني / الرجعي / الظلامي المتخلف. والشهيد عمر بنجلون، كان يدرك جيدا أن امتلاك الشعب المغربي لسياسة الحقيقة، سيجعله يعي بخطورة الممارسة السياسية للتحالف المذكور، وسيعمل على مقاومتها، في أفق استئصال هذه الممارسة السياسية، عن طريق العمل على تحقيق الحرية، والديمقراطية، والاشتراكية، وعن طريق العمل على إقامة دولة الحق، والقانون، باعتبارها دولة مدنية ديمقراطية علمانية، تقوم على أساس قيام دستور ديمقراطي، وملاءمة جميع القوانين مع الدستور الديمقراطي، ومع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان.
عمر بنجلون المناضل النقابي:
وانطلاقا من اقتناع الشهيد عمر بنجلون بضرورة إعداد الطبقة العاملة، وباقي الأجراء، إلى امتلاك وعيها الطبقي الحقيقي، وانخراطها في حزبها الثوري: حزب الطبقة العاملة، الذي يسعى إلى بنائه، من خلال بناء الحركة الاتحادية، التي تحولت على يد الشهيد عمر بنجلون إلى حركة عمالية، فإن الشهيد عمر بنجلون اختار الانخراط في المنظمة النقابية للاتحاد المغربي للشغل، لتحقيق هدفين أساسيين:
الهدف الأول: التمرس على العمل النقابي / الجماهيري، في مستوياته المختلفة، وبرؤيا علمية دقيقة للعمل النقابي الصحيح، والفاعل في القطاع الذي ينتمي إليه، وفي مجموع المنتمين إلى المركزية النقابية.
والهدف الثاني: الارتباط بالطبقة العاملة، من أجل الاستفادة من ممارستها النضالية اليومية، ومن أجل مدها بالوعي النقابي الصحيح، الذي يتحول، بالضرورة، إلى وعي طبقي حقيقي، وفي إطار الربط الجدلي بين النضال النقابي، والنضال السياسي.
وهذان الهدفان لا يتحققان غلا بانخراط الشهيد عمر بنجلون في بناء حركة نقابية رائدة، خالية من كل أشكال التحريف النقابي.
غير أن الشهيد عمر بنجلون، وهويناضل في إطار الاتحاد المغربي للشغل، يصطدم باشكال لا حدود لها من التحريف الممارس على المستوى المركزي، وفي مختلف القطاعات، لخدمة مصالح الجهاز البيروقراطي، الذي تفسخ، حينذاك، إلى درجة التعفن. فلا شيء اسمه الديمقراطية، ولا تقدمية، ولا جماهيرية، ولا استقلالية، ولا وحدوية. فكل شيء لا علاقة بالنقابة، وبالعمل النقابي، يدبر بواسطة الجهاز البيروقراطي المتمكن من النقابة، ومن النقابيين. ومن أراد ان يغني على هواه، مما يخالف إرادة الجهاز البيروقراطي، فلا مكان له.
ولذلك نجد أن الشهيد عمر بنجلون، عندما حاول تقويم الانحراف النقابي، ومقاومة الجهاز البيروقراطي، كان جزاؤه التعذيب، وفي دهاليز المقر المركزي للاتحاد المغربي للشغل سنة 1962، وبنفس طرق التعذيب لتي مارسها الاحتلال الأجنبي ضد المقاوميين المغاربة، وبنفس طرق تعذيب المؤسسة المخزنية، من أجل إخضاعه لإرادة الجهاز البيروقراطي، الذي لا تختلف مصالحه عن مصالح التحالف المخزني / الرجعي / الظلامي المتخلف.
وانطلاقا مما تعرض له الشهيد عمر بنجلون في دهاليز المقر المركزي للاتحاد المغربي للشغل بالدار البيضاء، فان الشهيد عمر بنجلون لجأ إلى ترسيخ التصور الصحيح للعمل النقابي: تنظيميا، ومطلبيا، ونضاليا في صفوف النقابيين، وشرع مباشرة في بناء الإطار النقابي الذي ينتمي إليه، على اساس التصو الصحيح الذي ترسخ عنده، وسعى إلى إيجاد إطارات أخرى في نفس الاتجاه. غير أن تعرضه للإعتقال، ومحاكمته، حالت دن القيام بالاستمرار في ذلك؛ ولكن النقابيين الأوفياء استمروا على نفس نهجه، وعملوا على تاسيس النقابة الوطنية للتعليم انطلاقا من التصور الذي رسخه الشهيد عمر بنجلون.
فما هو هذا التصور الذي سعى الشهيد عمر بنجلون إلى ترسيخه في صفوف النقابيين، والذي تنظمت على أساسه مجموعة من القطاعت التي تكونت منها الك.د.ش؟
واذا كان التصور، أي تصو،ر هو وليد الممارسة، في علاقتها مع الفكر، واذا كان الفكر هو وسيلة بناء التصور، فإن الشهيد عمر بنجلون، وانطلاقا من اقتناعه بالاشتراكية العلمية، وبقوانينها: المادية الجدلية، والمادية التاريخية، ومن اعتبار الفكر الذي يحمله فكرا علميا، فإنه، وأثناء ممارسته للعمل النقابي، كان يعمل فكره في مجمل الممارسة النقابية داخل الاتحادالمغربي للشغل، بالإضافة إلى دراسته للوضعية النقابية بصفة عامة، ووضعية العمل النقابي في المغرب بصفة خاصة، ليصل إلى أن العمال النقابي في المغرب، ومنه العمل النقابي في الإتحاد المغربي للشغل، هو عمل تحريفي، لا مبدئي، تتفشى فيه كل أشكال التحريف، ويوظف لخدمة مصالح الجهاز البيروقراطي، وأجهزة الدولة، وارباب العمل، ضدا على مصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائرالكادحين.
ولذلك نجد أن التصور النقيض للتصور المعمول به في الأجهزة النقابية المغربية داخل الاتجاد المغربي للشغل، وفي غيره من الإطارات النقابية، التي كانت قائمة حينذاك في المغرب، يتسم ب:
1) الديمقراطية في مستواها الداخلي، وفي مستوها العام في المجتمع، كنتيجة للحرص على دمقرطة الإطارات النقابية المختلفة، التي يكون مصيرها بيد الأعضاء المكونين للإجهزة التقريرية، والأجهزة التنفيذية في مستوياتها المختلفة: المحلية، والإقليمية، والجهوية، والوطنية، وعلى ربط النقابة بالنضال الديمقراطي العام، حتى تساهم في رفع الحيف عن مجموع الكاحين في المجتمع.
2) التقدمية التي تجعل النقابيين يسعون، باستمرار، إلى تغيير أوضاع العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين إلى الأحسن، تنظيميا، ومطلبيا، وبرناجيا، ونضاليا، حتى تقف النقابة وراء التحول العميق الذي يعرفه المجتمع من الأسوإ، إلى الأحسن، وعلى جميع المستويات، وفي جميع المجالات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية. وهو ما ينتج عملية التسريع بالانتقال من التشكيلة الإقتصادية افجتماعية الأدنى الى التشكيلة الاقتصادية / الاجتماعية الأعلى، التي ينتفي فيها الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال.
3) الجماهيرية التي تفرض جعل الإطار النقابي: القطاعي، والمركزي، مفتوحا أمام جميع العاملين في القطاعين: العام، والخاص، وملاذ متقاعدي جميع القطاعات، حتى يتسنى لجميع العاملين، والمتقاعدين، الانتظام في النقابة، والنضال بواسطتها، من أجل تحسين أوضاعها المادية، والمعنوية، وفي إطار الربط الجدلي بين النضال النقابي، والنضال السياسي.
4) الإستقلالية التي تقتضي الابتعاد عن كل ما يؤثر في مسارها النقابي، وفي قراراتها، وفي أهدفها النضالية، سواء تعلق الأمر بالابتعادعن أجهزة الدولة، أو بالابتعاد عن الأحزاب السياسية، حتى تمتلك النقابة المركزية، أو القطاعية، كامل استقلاليتها، وتتخذ قراراتها التي لا تراعي فيها إلا احتارم الديمقراطية الداخلية في اتخاذ القرارات؛ ولكن هذه الاستقلالية، وكما تصورها الشهيد عمر بنجلون، لا تلغي العلاقة بين العمل النقابي، والعمل السياسي، وبين النضال النقابي، في ارتباطه بالنضال السياسي كما لا تلغي تنسيق النقابة مع الأحزاب الديمقراطية، والتقدمية، واليسارية، والعمالية، مع باقي الإطارات الجماهيرية، التي تجمعها بها قواسم مشتركة، تقتضي القيام بالعمل المشترك، من أجل تحقيق نفس الأهداف. وخاصة تلك التي تكتسي طابعا سياسيا.
5) الوحدوية، التي تقتضي وحدوية التنظيم النقابي، الذي يكن مفتوحا أمام جميع العمال، وباقي الأجراء، ووحدية المطالب ببعدها الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، ووحدية البرامج الهادفة إلى تحقيق المطالب المذكورة، ووحدوية الأهداف الآنية، والمرحلية. واذا تعذر تحقيق الوحدوية في اطار النقابة الواحدة، فإن العمل المشترك مع النقابات الأخرى، يعتبر قوة نقابية مؤثرة، ولكن بشرط أن تكون بينها، جميعا، قواسم مشتركة على مستوى التصور التنظيمي، وعلى مستوى الملفات المطلبية، وعلى مستوى البرامج، وعلى مستوى الأهداف المشتركة. وغياب قواسم مشتركة بين النقابات، لا يخدم مبدأ الوحدوية، بقدر ما يضر النقابة التي تحترم الوحدوية، وتعمل على تفعيلها.
والعمل المشترك الفاعل، والمتفاعل مع الواقع، هو الذي يحترم الربط الجدلي بين النضال النقابي، والنضال السياسي، وهو الذي يحترم الديمقراطية، والتقدمية، والجماهيرية، والاستقلالية، بالإضافة إلى الوحدوية.
وإذا بنى الشهيد عمر بنجلون تصوره على أساس مواجهة الأجهزة البيروقراطية للإتحاد المغربي للشغل، فإن باقي المبادئ، والأسس، ترد من خلال ممارسة المواجهة مع الأجهزة المذكورة؛ لأنه لا معنى لأن تكون النقابة ديمقراطية بدون أن تكون تقدمية، وجماهيرية، ومستقلة، ووحدوية؛ لأن هذه الأسس جميعا تبقى ملازمة لبعضها البعض، ومكملة لبعضها البعض، ومساهمة في اكساب النقابة مكانة خاصة في صفوف العمال، وباقي الأجراء، بسبب تحولها إلى اطار للتمرس عليها، قبل السعي إلى العمل على جعل جميع أفراد المجتمع يتمرسون عليها كذلك.
فما هي مظاهر التحريف التي واجهها الشهيد عمر بنجلون، في مواجهته للأجهزة البيروقراطية في الاتحاد المغربي للشغل.
إن ما كان واضحا، وبينا، في إطار المواجهة الذي كان ينتمي اليه الشهيد عمر بنجلون، هو الممارسة البيروقراطية، كمظهر رئيسي للتحريف، ولكنه المظهر الذي يوحى بباقي مظاهر التحريف الأخرى، التي كان يدركها الشهيد عمر بنجلون جيدا، ولكنه كان لا يصرح بها، من منطلق أن الممارسة المنتجة، هي وحدها التي تكشف عنها، كما حصل خلال الستينيات، والسبعينيات من القرن العشرين، وخاصة في المرحلة التي عايشها الشهيد عمر بنجلون، انطلاقا من كون العمل النقابي المنتج بواسطة النقابة، لا يكون صحيحا إلا إذا كان مبدئيا. والمبدئية النقابية في أي عمل جماهيري مبدئي، لا تتم إلا بصيرورة العمل النقابي ديمقراطيا، وتقدميا، وجماهيريا، ومستقلا، ووحدويا. وبهذه الصيرورة التي سعى الشهيد عمر بنجلون إلى تحقيقها، نستطيع أن نعتبر أن مظاهر التحريف التي واجهها الشهيد عمر بنجلون، من خلال مواجهته للممارسة البريوقراطية، في اطار الاتحاد المغربي للشغل، تتجسد في:
1) مظهر الممارسة البيروقراطية، الذي يجعل الأجهزة النقابية المحلية، والإقليمية، والجهوية، والوطنية، تلغي الديمقراطية بمظهريها: الداخلي، والخارجي، حتى تصير متحكمة في كل شيء، وعلى جميع المستويات: التنظيمية، والنقابية، وفي جميع الملفات المطلبية، والبرامج النقابية، والقرارات النضالية، وفي العلاقة مع الإدارة في القطاعين: العام، والخاص، ولا وجود لرأي آخر غير رأي هذه الأجهزة. وكل من عمل على مواجهة هذه الأجهزة يتعرض للتعذيب، والطرد من النقابة، كما حصل مع الشهيد عمر بنجلون. وموضوع مواجهة الشهيد عمر بنجلون للأجهزة البيروقراطية، في مستوياتها المختلفة، هو دمقرطة الاتحاد المغربي للشغل عن طريق:
ا ـ تمكين المنخرطين من اختيار الأجهزة التقريرية، والتنفيذية، ومن بناء الملفات المطلبية، وصياغة البرامج النقابية، واتخاذ القرارات النضالية، حتى يتمكنوا من تقرير مصير النقابة، بصيرورتها منظمة ديمقراطية، من أجل قيادة نضالات العمال، وباقي الأجراء، وفي أفق تحسين أوضاعهم المادية، والمعنوية، في تفاعل مستمر مع الأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية المتحولة باستمرار.
ب ـ مساهمة النقابة في النضال الديمقراطي العام، من خلال تربية العمال، وباقي الأجراء، على الممارسة الديمقراطية من جهة، ومن خلال الانخراط إلى جانب الحركة الديمقراطية، والتقدمية، واليسارية، والعمالية، في نضالها من أجل تحقيق الديمقراطية، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، من أجل تمكين الشعب المغربي من تقرير مصيره بنفسه، عن طريق فرض قيام دستور ديمقراطي، وإجراء انتخابت حرة، ونزيهة، لإيجاد مؤسسات تمثيلية حقيقية، وقيام حكومة من الأغلبية البرلمانية، لخدمة مصالح الشعب المغربي.
ومعلم أن موضوعا كهذا، هو موضوع لم يرق الجهاز البيروقراطي، في مستوياته المختلفة، نظرا لكنه يمس مصالح هذا الجهاز، التي تكونت عبر الممارسة البيروقراطية اليومية، ومن خلال العلاقة مع الإرادة في القطاعين: العام، والخاص. هذه العلاقة التي تصير في خدمة مصالح الجهاز البيروقراطي، ضدا على مصالح العمال، وباقي الأجراء، الذين لا رأي لهم فيما يجرى، خاصة، وأن الجهاز البيروقراطي، حول النضال النقابي برمته، إلى نضال خبزي، حتى لا ينشغل العمال، وباقي الأجراء، إلا بالخبز، لا بشيء آخر. وهذا الانشغال المحدود في الممارسة النقابية البيروقراطية، يعتبر أكبر خدمة يقدمها الجهاز البيروقراطي للإدارة في القطاعين: العام، والخاص. لأن انشغال العمال، وباقي الأجراء، بالخبز وحده، يعتبر شكلامن أشكال التضليل التي مارسها الجهاز البيروقراطي، حتى لا يلتفت العمال، وباقي الأجراء، إلى ما يحصل في الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، مما له علاقة بالنضال الديمقراطي العام، ومن أجل أن لا ينفذ توجه الشهيد عمر بنجلون إلى عمق المارسة النقابية، في إطار الاتحاد المغربي للشغل، وتحويلها الى ممارسة ديمقراطية، تفرض إعادة بناء النقابة، كان ما مارسه الجهاز البروقراكي في حق الشهيد عمر بنجلون، وعلى يد زبانية هذ الجهاز، في دهاليز المقر المركزي للاتحد المغربي للشغل بالدار البيضاء.
2) مظهر تبعية النقابة لأجهزة الدولة، أو لأي حزب سياسي، هذه التبعية التي تفرغ الإطار النقابي من محتواه، ويجعله خاضعا لتوجيه أجهزة الدولة، أو لتوجيه الأجهزة الحزبية في مختلف المستويات التنظيمية، مما يجعل النقابة: إما في خدمة مصالح التحالف المخزني / الرجعي / الظلامي المتخلف، أو في خدمة مصالح الأجهزة الحزبية. وهو الأمر الذي يضرب الاستقلالية في العمق. والاتحاد المغربي للشغل الذي كان يدعي الاستقلالية في تنظيمه، وفي بلورة قراراته، لم يكن مستقلا على مستوى الممارسة النقابية، التي كان ينتجها عند ممارسة أجهزته البيروقراطية؛ لأن ممارسة من هذا النوع، كانت موجهة بطريقة مباشرة، أو غير مباشرة، من قبل الإدارة في القطاعين: الخاص، والعام، حتى تنتج الأجهزة النقابية البيروقراطية الممارسة النقابية التي ترضى الإدارة في القطاعين المذكورين، ومن أجل خدمة مصالح الأجهزة البيروقراطية نفسها، التي تتحول إلى جزء لا يتجزا من الطبقات المستغلة للعمال، وباقي الأجراء، أو من تلك المستفيدة من الاستغلال، مما يجعل ثروة هذه الأجهزة، تتجاوز حتى ما يملكه البورجوازيون الموجهون للممارسة النقابية المنتجة في اطار الإتحاد المغربي للشغل، وبواسطته. وهذه التبعية للإدارة في القطاعين: العام، والخاص، هي التي أدركها، وبعمق، الشهيد عمر بنجلون، وعمل على مواجهتها، وفي صفوف العمال، وباقي الأجراء، خاصة، وأن التبعية هي رديف للبيروقراطية. والبيروقراطية يدعو إلى فرضها، وممارستها، الحرص على خدمة مصالح الأجهزة النقابية المريضة بتحقيق التطلعات الطبقية، التي تساعدها على التصنيف إلى جانب التحالف المخزني / الرجعي / الظلامي المتخلف.
3) مظهر تحزيب النقابة، الذي كان نتيجة للممارسة البيروقراطية، التي تحد من جماهيرية الإتحاد المغربي للشغل، مما دفع بالمنتمين إلى بعض الأحزاب إلى تاسيس نقابة حزبية صرفة، كما هو الشان بالنسبة لحزب الإستقلال، الذي وجد في الممارسة البيروقراطية مبررا لتأسيس الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، الذي اعتبره منظمة نقابية حزبية صرفة، تتخذ قراراتها في الإطارات الحزبية، ومهمتها هي تنفيذ تلك القرارات، حتى يكون للحزب، بذلك، إشعاع في صفوف العمال، وباقي الأجراء.
وما قام به حزب الاستقلال، هو الذي كان الشهيد عمر بنجلون يتجنب الوصول إليه، بمواجهة الجهاز البيروقراطي، حتى لا تتحول النقابة إلى وسيلة للتضليل، والاستقطاب الحزبي، وحتى لا يلجأ كل حزب، حتى وإن كان بورجوازيا، إلى تأسيس نقابته. وهو ما يترتب عنه التشرذم النقابي، وتفتيت الطبقة العاملة، بالإضافة إلى أن حزب الاستقلال، وغيره من الأحزاب التي أقدمت على تأسيس نقابات حزبية، لا علاقة لها بالعمال، وباقي الأجراء، لا تنظيميا، ولا إيديولوجيا، ولا سياسيا. فهي إما أحزاب بورجوازية، أو إقطاعية، أو يمينية متطرفة، أو بوجوازية صغرى مهووسة بحماية مصالحها الطبقية، أو حريصة على خدمة تلك المصالح، أو على تحقيق تطلعاتها الطبقية. وتأسيسها للنقابات الحزبية انما هو لإيجاد أطر نقابية لتضليل الطبقة العاملة، وشرذمتها، وإضعافها، والحيلولة دون امتلاك وعيها الطبقي: الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي؛ بل إن الحزب العمالي المتجسد في الحركة الاتحادية / العمالية، لم يقدم قط على تأسيس نقابة خاصة به، لإدراكه العميق بأن ممارسة كهذه، هي ممارسة تحريفية بالدرجة الأولى.
ولذلك كان، ولا زال، وسيبقى تأسيس النقابة من داخل الحزب، حتى وإن كان هذا الحزب عماليا، عملا تحريفيا، يضرب في العمق استقلالية النقابة. وعلى النقابيين الأوفياء ألا ينخدعوا بتعدد الإطارات النقابية، ما دام مبعث ذلك التعدد تحريفيا، وما دامت الإطارات النقابية القائمة، في معظمها، هي نقابات لا مبدئية، ولا تنتج العمل النقابي الصحيح، الذي لا يخدم إلا مصلحة العمال، وباقي الأجراء، المادية، والمعنوية.
4) مظهر جعل الإطار النقابي مجالا للإعداد والاستعداد لتأسيس حزب تابع للنقابة، أو توظيف الإطار النقابي للهيمنة على حزب معين يعتبر موجها من قبل النقابة، كما كانت تسعى إلى ذلك قيادة الاتحاد المغربي للشغل، ابتداد من المؤتمر الثاني للحركة الاتحادية في بداية الستينيات من القرن العشرين. وظاهرة العمل على تأسيس حزب معين من داخل النقابة، هي ظاهرة تحريفية بامتياز، لأنها تحرف العمل النقابي عن مساره الصحيح، وتجعل الحزب السياسي رهينا بإرادة القيادة النقابية، مما يجعل العمل النقابي في خدمة سعي القيادة النقابية إلى تاسيس حزب معين، أو إلى احتواء حزب قائم. وهو ما يترتب عنه:
أولا: التخلي عن النضال من أجل تحسين الأوضاع المادية، والمعنوية للعمال، وباقي الأجراء.
ثانيا: تشويه العلاقة الجدلية القائمة بين النضال النقابي، والنضال السياسي، تنظيميا،ومطلبيا، وبرنامجيا، وأهدافا، بتحويلها الى علاقة بين العمل النقابي، والعمل الحزبي في اتجاه:
ا ـ جعل النقابة محتواة من قبل حزب معين، عن طريق التوجيه.
ب ـ جعل النقابة مجرد تنظي حزبي ينفذ القرارات الحزبية.
ج ـ جعل الحزب رهن إشارة نقابة معينة توجه مساره السياسي، وتتحكم فيه.
والشهيد عمر بنجلون كان يدرك جيدا مدى خطورة أن تعمل النقابة على تأسيس حزب معين من داخلها، تعمل على احتواء حزب معين، يصير موجها من قبل قيادتها. ولذلك كان من المبادرين إلى مواجهة هيمنة قيادة الاتحاد المغربي للشغل على الحركة الاتحادية. الأمر الذي ترتب عنه انشطار هذه الحركة إلى توجهين:
توجه يقبل بهذه الهيمنة، ويعضد سيادة الممارسة البيروقراطية داخل الاتحاد المغربي للشغل.
وتوجه يرفض هذه الهيمنة، تبعا لرفض الممارسة البيروقراطية داخل الاتحاد المغربي للشغل. وهذا التوجه هو الذي اختار الشهيد عمر بنجلون الانتماء إليه، وهو الذي تحول فيما بعد إلى حركة اتحادية / عمالية.
وهذا الشكل من التحريف، الذي كانت تسعى إلى فرضه قيادة الاتحاد المغربي للشغل، خلال الستينيات من القرن العشرين، وقف وراء تفتيت الحركة الاتحادية، وشرذمتها، وتحويلها إلى إطار للصراع الذي لم يعد ديمقراطي، بين من تكونت لديهم مصالح في تكريس الجهاز البيروقراطي، وبين من كان يحرص على مبدئية العمل النقابي، حتى يبقى بعيدا عن كل أشكال التحريف، بما فيها سعي النقابة إلى السيطرة على حزب معين.
وهذه المظاهر من التحريف التي تتلخص في:
ـ مظهر الممارسة البيروقراطية.
ـ مظهر تبعية النقابة لأجهزة الدولة، أو لحزب معين.
ـ مظهر جعل النقابة مجرد منظمة حزبية، تقوم بتنفيذ القرارات الحزبية في صفوف العمال، وباقي الأجراء.
ـ مظهر جعل الإطار النقابي مجرد مجال للإعداد، والاستعداد لتأسيس حزب معين، أو للعمل على الهيمنة على الحزب القائم.
هي التي واجهها الشهيد عمر بنجلون، من خلال مواجهته للممارسة البيروقراطية البارزة بشكل كبير، في ممارسة الأجهزة النقابية للاتحد المغربي للشغل، ومن منطلق أن الممارسة البيروقراطية هي مماسرة منتجة لأشكال التحريف التي لا حدود لها، كما حصل في المسار النقابي خلال السبعينيات وما بعدها.
والشهيد عمر بنجلون، كان لا يواجه من أجل المواجهة فقط، بل كان يسعى إلى تصحيح العمل النقابي من داخل الإطار، أو من خلال العمل على إيجاد أطر للعمل النقابي الصحيح، كما حصل في قطاعي البريد، والتعليم، خلال الستينيات من القرن العشرين، وكما استمر ذلك في قطاعات أخرى خلال السبعينات من القرن العشرين، من أجل القطع، وبصفة نهائية، مع الممارسة البيروقراطية، وخاصة، بعد أن تجمعت القطاعات المهيكلة في اطار الكونفيدرالية الديمقراطية للشغل، التي تأسست في اواخر نونبر 1978، كنقابة مركزية ديمقراطية، تقدمية، جماهيرية، مستقلة، وحدوية.
ولذلك نجد ان مواجهة الشهيد عمر بنجلون للتحريف النقابي كان يهدف إلى:
أولا: المحافظة على الإطار النقابي، كاطار وحدوي، بعد تصحيح مساره النقابي، ومن أجل أن لايفسح المجال أمام التعددية النقابية، التي لا تقود إلا إلى التشرذم.
ثانيا: بناء تنظيم نقابي منتج للعمل النقابي الصحيح على أساس:
1) أن يكون هذا الإطار ديمقراطيا على ستوى التنظيم، وعلى مستوى بناء الملفات المطلبية، وعلى مستوى صياغة البرامج النضالية، وعلى مستوى اتخاذ القرارات النضالية، التي تقود إلى خوض المعارك المطلبية، مما يؤدي إلى صيرورة النقابة وسيلة لتربية العمال، وباقي الأجراء على الممارسة الديقراطية، في علاقتهم بالتنظيم النقابي، وفي علاقتهم بالواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي، حتى تصير الديمقراطية مطلبا نقابيا، وأساسا تقوم عليه النقابة، ومبدأ من مبادئها التي بدونها تصير الممارسة النقابية تحريفية.
2) أن يكون الإطار النقابي تقدميا، عن طريق سعيه المستر إلى جعل أوضاع العمال، وباقي الأجراء: المادية، والمعنوية تتحسن باستمرار، وعن طريق جعله وسيلة لامتلاك العمال، وباقي الأجراء، وعيهم الطبقي، في حدوده الاقتصدية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، حتى يزداد العمال، وباقي الأجراء، ارتباطا بالنقابة وحتي يسعوا، باستمرار، إلى النضال بواسطتها، من أجل الحد من مستوى الاستغلال المادي، والمعنوي، الذي يتعرضون له، وانطلاقا من أن دور النقابة لا يتجاوز حدود العمل على تحسين الأوضاع المادية، والمعنوية، دون أن تتجاوز ذلك إلى المهام الموكولة إلى الحزب السياسي.
3) أن يكون الإطار النقابي مفتوحا على جميع العمال، وباقي الأجراء، الذين يقتنعون بديمقراطيته، وتقدميته، حتى لا يلجأ العمال بوعي، أو بدون وعي، إلى تكوين نقابات أخرى، أو إلى الالتحاق بالنقابات التحريفية المضللة للعمال، وباقي الأجراء؛ لأن ديمقراطية التنظيم النقابي، وتقدميته، لا يمكن أن تقود بطريقة مباشرة، او غير مباشرة، إلى وحدوية العمل النقابي، ووحدوية النقابة في نفس الوقت، وعلى تكريس جاهيرية النقابة التي تصير مستعصية على السعي غلى شرذمة العمل النقابي الذي يأتي في إطار تكريس ما صار يعرف بالتعددية النقابية، التي انتجتها التعددية الحزبية، والتي صارت مرضا عضالا، تعاني من نتائجه الطبقة العاملة، وباقي الأجراء، وعلى مدى الستينيات، والسبعينيات من القرن العشرين، وإلى الآن. وهو ما واجهه الشهيد عمر بنجلون.
4) ان يكون الإطار النقابي مستقلا؛ لأن النقابة عندما تكون مستقلة، تقطع مع التبعية لأجهزة الدولة، أو لأي حزب سياسي، وعلى جميع المستويات: المحلية، والإقيمية، والجهوية، والوطنية. فالاستقلالية هي تمكين الإطار النقابي من فسح المجال أمام تفعيل الديمقراطية الداخلية في اختيار الأجهزة، أوفي بناء الملفات المطلبية، وفي صياغة البرامج، واتخاذ القرارات النضالية، وتفعيل تقدمية النقابة عن طريق سعيها المستمر إلى تحسين الأوضاع المادية، والمعنوية للعمال، وباقي الأجراء، والعمل على رفع مستوى وعيهم الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي في مستواه النقابي، من أجل إنضاج شروط انبثاق وعي طبقي في صفوفهم، بعيدا عن توجيه أجهزة الدولة، أو أي حزب سياسي، وفي أي مستوى من المستويات التنظيمية، وبعيدا عن صيرورة النقابة مجرد تنظيم حزبي. والشهيد عر بنجلون كان يدرك، جيدا، أهمية الاستقلالية في الممارسة النقابية، نظرا لدورها، كذلك، في جعل النقابة إطارا لجميع العمال، وباقي الأجراء، حتى تتحول بذلك إلى تنظيم نقابي يوحد الجميع، ودونما حاجة إلى التنسيق، أو العمل المشترك، كما كان حاصلا في المغرب منذ تأسيس الاتحاد المغربي للشغل، إلى أن استفحل أمر الممارسة البيروقراطية في صفوف الأجهزة النقابية لهذا الإطار، فتوالدت النقابات الحزبية، والتابعة، وتشرذمت، فاصبح العمل النقابي في حاجة إلى التنسيق، أو إلى العمل المشترك، بين النقابات المختلفة، لتحقيق أهداف مشتركة محددة. ولذلك كانت قوة النقابة التنظيمية، والمطلبية، والبرنامجية، والنضالية، رهينة باستقلاليتها، كما هي رهينة بديمقراطيتها، وتقدميتها، وجماهيريتها، كما كان الشهيد عمر بنجلون يحرص على كل ذلك.
5) أن يكون الإطار النقابي وحدويا، وأن العمال، وباقي الأجراء، ينتمون إلى نفس الطبقة التي يمارس عليها الاستغلال المادي، والمعنوي، الأمر الذي يقتضي انتماء هؤلاء جميعا إلى نفس التنظيم الذي يقود نضالاتهم في مواجهة التنظيم، أو التنظيمات التي تعمل على تكريس الاستغلال المادي، والمعنوي لجميع العمال، وباقي الأجراء.
والتنظيم الوحدوي لا يكون كذلك، إذا لم يكن ديمقراطيا، وتقدميا، وجماهيريا، ومستقلا، باعتبار هذه الأسس شرطا لقيام الوحدة التنظيمة التي هي حلم مجموع العمال، وباقي الأجراء، وحلم جميع الكادحين، الساعين إلى فرض تحسين الأضاع المادية، والمعنوية، لكل الواقعين تحت طائلة الكدح.
والشهيد عمر بنجلون عندما كان يواجه الممارسة البيووقراطية كتحريف كان يحرص على تكريس وحدوية النقابة: التنظيمية، والمطلبية، والبرنامجية والسياسية، باعتبارها وسيلة لضمان وحدة الكادحين، ووحدة العمال، وباقي الأجراء، بالخصوص، ولدورها في جعل العمال، وباقي الأجراء، يعون أهمية وحدتهم النقابية، التي تقف وراء امتلاكهم للوعي بوحدتهم المطلبية، والبرنامجية، والنضالية المفجرة لوعيهم بالوحدة الطبقية، التي تعتبر شرطا لممارسة الصراع الطبقي في مستوياته الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية على المستوى الديمقراطي، لإنتزاع مكاسب مادية، ومعنوية، لصالح الكادحين المشكلين للطبقة التي يمارس عليها الاستغلال المادي، والمعنوي، وفي أفق تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية كاهداف تمهد للنضال من أجل تحقيق الاشتراكية، والتفرغ للبناء الاشتراكي، الذي ينتفي فيه الاستغلال المادي، والمعنوي.
وحرص الشهيد عمر بنجلون على وحدية النقابة، والعمل النقابي، كان بخلفية الحرص على الوحدة الطبقية للكادحين، بقيادة طليعتهم الطبقة العاملة، باعتبارها معنية بإنتاج الخيرات المادية، المعنوية، التي يستفيد منها جميع أفراد المجتمع، والتي تقف وراء تكريس الاستبداد الاقتصادي، والاجتماعي، والثاقفي، والسياسي للطبقات الممارسة للاستغلال المادي، والمعنوي لمجموع الكادحين.
وإذا كانت مواجهة الشهيد عمر بنجلون للتحريف النقابي، في إطار الاتحاد المغربي للشغل، تهدف إلى صيرورة النقابة قائمة على أساس احترام الديمقراطية، والتقدمية، والجماهيرية، والاستقلالية، والوحدوية، كما توحي بذلك ممارسة الشهيد عمر بنجلون في غطار الإتاحد المغربي للشغل، فإن حرصه على تكريس المواجهة الشرسة للممارسة البيروقراطية، كانت تقود إلى:
1) الربط الجدلي بين النضال النقابي، والنضال السياسي، الذي يعتبر جوهر منهج الشهيد عمر بنجلون في العمل النقابي، الذي يستهدف تحسين الأوضاع المادية، والمعنوية للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، الذين يسعون إلى العمل على تحسين أوضاعهم المادية، والمعنوية، عن طريق الأحزاب السياسية التي ينتمون إليها. وهو ما يؤكد أن المطالب السياسية حاضرة في ممارسة العمال، وباقي الأجراء، كباقي أفراد المجتمع، وانطلاقا من الاهتمام المزدج بالمطالب النقابية، والمطالب السياسية في المارسة اليومية للعمال، وباقي الأجراء، فإن الشهيد عمر بنجلون، وانطلاقا من دراسته للعديد من التجارب النقابية على المستوى العالمي، سعى إلى أن يكون الربط الجدلي بين النضال النقابي، والنضال السياسي، حاضرا في ممارسة التنظيم النقابي الذي كان ينتمي إليه، أو الذي عمل على وجوده. وأي فصل بين النضال النقابي، والنضال السياسي، لا يمكن أن يكون إلا تعسفيا، ولا يخدم إلا مصلحة الطبقات التي تمارس الإستغلال على العمال، وباقي الأجراء.
ويتجسد الربط الجدلي بين النضال النقابي، والنضال السياسي، في الممارسة النقابية على عدة مستويات:
ا ـ مستوى البناء التنظيمي، الذي يجب ان يرعي احترام الديمقراطية الداخلية في اختيار الأجهزة، التي تشرف على تدبير الممارسة النقابية محليا، وإقليميا، وجهويا، ووطنيا، حتى تصير تلك الأجهزة معبرة، فعلا، عن احترام إرادة النقابيين من العمال، وباقي الأجراء، وحتى تساهم هذه الأجهزة، إلى جانب أجهزة أخر،ى في النضال الديمقراطي العام على مستوى المجتمع، ولوضع حد للممارسة البيروقراطية التي كان يواجهها الشهيد عمر بنجلون.
ب ـ على مستوى الأسس التي يقوم عليها التنظيم النقابي، والتي كان الشهيد عمر بنجلون يرى أنها تتمثل في الديقراطية، والتقدمية، والجماهيرية، والاستقلالية، والوحدوية، كما أشرنا إلى ذلك، لجعل البناء النقابي بناء متميزا، هادفا إلى التأثير الواسع في صفوف العمال، وباقي الأجراء، الذين يعمل على توعيتهم بواقعهم الاقتصادي، والاجتماعي، والثاقفي، والسياسي، ثم تعبئتهم لخوض النضالات المطلبية.
ج ـ بناء الملفات المطلبية على أساس الجمع بين المطالب الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، حتى تكون تلك الملفات متكاملة، وحتى تعتمد تلك الملفات في النضال المتواصل من أجل التحسين المستمر للأوضاع المادية، والمعنوية للعمال، وباقي الأجراء، وفي الارتباط بالحركة الديمقراطية، والتقدمية، واليسارية، والعمالية، التي تجمعها معها قواسم مشتركة، تعتمد في القيام بالعمل المشترك، من أجل تحقيق أهداف مشتركة لمجموع أفراد المجتع، ومن بينهم العمال، وباقي الأجراء.
د ـ صياغة البرنامج المطلبي على أساس الربط الجدلي بين النضال النقابي، والنضال السياسي، حتى يصير برنامجا نقابيا، وسياسيا في نفس الوقت، يفسح المجال أمام مساهمة النقابة في النضالات السياسية، انطلاقا من المطالب السياسية المتضمنة في الملفات المطلبية: القطاعية، والمركزية، وأمام تحسين أوضاع العمال، وباقي الأجراء المعنوية، إلى جانب تحسين أوضاعهم المادية، وأمام السعي إلى تحقيق طموحات مجموع كادحي الشعب المغربي، عن طريق العمل المشترك مع التنظيمات الأخرى، التي تجمعها بالنقابة قواسم برنامجية مشتركة، يؤدي الالتزا بها إلى تحقيق نفس الأهداف المشتركة لصالح مجموع الجماهير المستهدفة.
ه ـ القيام بالنضالات المطلبية، التي تجمع بين العمل على تحسين الأوضاع المادية، والعمل على تلبية المطالب الاجتماعية، والثقافية، والسياسية، ذات الطابع السياسي، الأمر الذي يجعل النقابة تزداد احتضانا من قبل العمال، وباقي الأجراء، ومن قبل عموم الكادحين، وتحظى باحترام التنظيمات الجماهيرية والحزبية، التي تجمعها بها قواسم مشتركة، حتى يصير ذلك وسيلة للإنخراط في النضال المشترك، لتحقيق طموحات الكادحين، وطليعتهم الطبقة العاملة ف تحقيق الحرية، والديمقراطية، والاشتراكية.
والشهيد عمر بنجلون، عندما كان يحرص على الربط الجدلي بين النضال النقابي والنضال السياسي، على مستوى البناء التنظيمي / النقابي، وعلى مستوى بناء الملفات المطلبية، وصياغة البرنامج المطلبي، والقيام بالنضالات المطلبية، ما دام ذلك الربط يقوى النقابة، ويقوى العمال، وباقي الأجراء في نفس الوقت، مما يجعل ريادة النقابة، والعمل النقابي، حاضرة في الممارسة الجماهيرية اليومية، وفي المارسة السياسية للكادحين بصفة خاصة، مما يؤهلها إلى امتلاك الوعي بمصالحها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية في نفس الوقت، الأمر الذي ينعكس إيجابا على مجمل الحركات: الديمقراطية، والتقدمية، واليسارية، والعمالية، التي تنتعش على اساس ما تشيعه النقابة، والعمل النقابي، في صفوف العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، من وعي اقتصادي، واجتماعي، وثقافي، وسياسي، مما يجعلها تتقوى بالنقابة، وعن طريق العمل النقابي الصحيح، كما تصوره الشهيد عمر بنجلون، وكما ناضل من أجله، من خلال مواجهة الممارسة البيروقراطية الخبيثة، المتفشية في صفوف أجهزة الاتحاد المغربي للشغل.
2) الارتباط بالحركة الديمقراطية، الذي يقتضي من النقابة:
ا ـ أن تبنى النقابة على أساس ديمقراطي، من اجل قطع الطريق أمام استفحال الممارسة البيروقراطية، وأمام جعل النقابة تابعة لأجهزة الدولة، أو لحزب معين، أو لأي جهة تستطيع توجيه القرارات النقابية، وأمام صيرورة النقابة نقابة حزبية، وجزءا لا يتجزأ من حزب معين، ومهمتها الوحيدة تنفيذ البرنامج الحزبي، والقرارت الحزبية في صفوف العمال، وباقي الأجراء، وأمام إمكانية اعتبار النقابة مجالا للعمل على الهيمنة على حزب معين، أو من أجل تأسيس حزب معين، حتى يصير البناء الديمقراطي للأجهزة النقابية، وللملفات المطلبية، وللبرامج النقابية: القطاعية، والمركزية، وللقرارات النضالية، التي تتخدها النقابة هو السائد في مجمل الممارسة النقابية.
ب ـ وقوف النقابة إلى جانب الحركة الديقراطية في نضالها المتواصل، من أجل تحقيق الديمقراطية بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، وعن طريق إقرار دستور ديمقراطي، تكون فيه السيادة للشعب، واقرار قوانين انتخابية، بضمانات وضع حد لأشكال التزوير المختلفة، وإجراء انتخابات حرة، ونزيهة، خالية من كل أشكال التزوير، والفساد الانتخابي، لإيجاد مؤسسات تمثيلية حقيقية: محلية، وإقليمية، وجهوية، ووطنية، تعكس إرادة الشعب المغربي، وتعمل على خدمة مصالحه الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والعمل على إيجاد، وملاءمة القوانين المحلية، مع الواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان العامة، والخاصة، حتى تتحول الممارسة الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، إلى ممارسة ديمقراطية يومية، بالإضافة إلى دخول النقابة مع الحركة الديمقراطية في العمل المشترك، على أساس القواسم المشتركة القائمة بينهما، سعيا إلى تحقيق نفس الأهداف، التي يترتب عنها امتلاك العمال، وباقي الأجراء، للوعي الديمقراطي الذي يدفعهم إلى الانخراط في الحركة الديقراطية، ومن بابها الواسع.
ج ـ وقوف الحركة الديمقراطية إلى جانب الحركة النقابية، في نضالها المرير، من أجل تحسين الأوضاع المادية، والمعنوية للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، حتى تصير النقابة قوية بدعم الحركة الديمقراطية، التي تتقوى، بدورها، بدعم الحركة النقابية، الأمر الذي يترتب عنه تشكيل ضغط سياسي، إلى جانب الضغط النقابي الممارس، لفرض احترام حقوق العمال، وباقي الأجراء، حتى يتأتى له المساهمة الفعالة في البناء الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسايسي؛ لأننا، إذا أردنا أن نبني كل ذلك على يد العمال، وباقي الأجراء، علينا أن نحترم تمتيعهم بحقوقهم المختلفة، كمحفز لهم على الاستمرار في العطاء المتواصل لهذا الوطن، الذي هو وطنهم.
ووقوف الحركة الديمقراطية إلى جانب النقابية، يعتبر أكبر وسيلة للمحافظة على دمقرطة النقابة، والعمل النقابي، والممارسة النقابية اليومية، والنضال النقابي اليومي. وهو ما يضمن قيام قواسم مشتركة بين الحركة الديمقراطية، وبين النقابة، تعتمد في القيام بعمل مشترك، من أجل تحقيق الأهداف المشتركة.
3) الارتباط بالحركة التقدمية، انطلاقا من ديمقراطية النقابة، التي تعتبر، في نفس الوقت، ممارسة تقدمية، وانطلاقا، كذلك، من أن سعي النقابة المتواصل، من اجل تحقيق التحسين المستمر للأوضاع المادية، والمعنوية، وانطلاقا من أن النقابة المنظمة، والقائدة لنضالات العمال، وباقي الأجراء، لايمكن أن تكون إلا تقدمية. وهذا الارتباط يجب أن يستحضر:
ا ـ دمقرطة النقابة، ودمقرطة الحركة التقدمية؛ لأنه لا حركة تقدمية بدون ديمقراطية، كما أنه لا نقابة منتجة للعمل النقابي التقدمي، بدون ديمقراطية. فالديمقراطية شرط وجود تقدمية النقابة، وتقدمية الحركة التقدمية، باعتبارها حركة سياسية؛ لأن التقدمية لايمكن فهمها فهما صحيحا إلا في إطار السعي المستمر إلى تغيير الأوضاع المادية، والمعنوية إلى الأحسن على المستوى النقابي، وفي إطار السعي المستمر إلى تغيير الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي/ والسياسي بما يخدم المصالح العامة للمجتمع ككل على المستوى السياسي.
ب ـ وقوف الحركة النقابية الديمقراطية، والتقدمية، إلى جانب الحركة التقدمية، في نضالها من أجل نشر الوعي التقدمي في صفوف الجاهير الشعبية الكادحة، وفي سعيها إلى تكريس الديمقراطية بمضامين تقدمية على مستوى المجتمع ككل، وفي نضالها من أجل تقدمية الأنماط الاقتصدية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، بصيرورة المجتمع برمته مجتمعا تقدميا، وفي سعيها لمحاربة كافة أشكال التخلف الإيديولوجي، والتنظيمي، والسياسي، وفي مواجهة استغلال الدين في الأمور السياسية، والحد من الاستغلال الإيديولوجي الرسمي للنظام التعليمي، وللوسائل السمعية / البصرية، وللمؤسسات الثقافية الممولة من الشعب، حتى يصير الدين بعيدا عن الاستغلال الإيديولوجي، ويصير التعليم، والوسائل السمعية / البصرية ديمقراطية.
والحركة النقابية عندما تقف إلى جانب الحركة التقدمية، إنما تضمن شرطا من شروط قوة النقابة، والعمل النقابي، ويضمن تفعيل الضغط الممارس على المسؤولين في القطاعين: العام، والخاص، في افق الاستجابة للمطالب النقابية، ومطالب الحركة التقدمية في نفس الوقت.
ووقوف النقابة إلى جانب الحركة التقدمية، سيؤدي، ولا شك، إلى التفاعل معها، في أفق فرز قواسم مشتركة، تصلح أساسا لقيام عمل مشترك، بوسطة تنظيم مشترك، للعمل انطلاقا من برنامج مشترك، لتحقيق أهداف مشتركة، الأمر الذي يؤدي بالضرورة إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية، والثاقفية، والسياسية، التي ترتقي بمجموع أفراد المجتمع إلى الأحسن، وسعيا إلى فرض تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية.
والشهيد عمر بنجلون، الذي كان حريصا على تقدمية النقابة، كان يدرك جيدا دلالة هذه التقدمية، التي تصير معبرا إلى الإرتباط بالحركة التقدمية، والتفاعل معها، سعيا إلى تطور، وتطوير النقابة التقدمية، وتطور، وتطوير الحركة التقدمية في نفس الوقت.
ج ـ وقوف الحركة التقدمية غلى جانب النقابة التقدمية، في تنظيمها للعمال، وباقي الأجراء، وفي بنائها للملفات المطلبية، وفي صياغتها للبرمج المطلبي، وفي تنفيذ قراراتها النضالية المطلبية، ودعمها في ممارسة الصراع في مستواه النقابي المطلبي، من أجل انتزاع مكاسب مادية، ومعنوية لصالح العمال، وباقي الأجراء.
وهذا الوقوف، ومن هذا النوع، ينسجم مع مبدئية النقابة، ومبدئية الحركة التقدمية في نفس الوقت. وإلا فإنه إذا صار يسعى الى تحقيق أهداف أخرى لا علاقة لها بالمبدئية، فان ممارسة الحركة التقدمية تصير ممارسة تحريفية بالدرجة الأولى.
ومبدئية الحركة التقدمية تقتضي احترام كون النقابة منظمة ديمقراطية، وتقدمية، وجماهيرية، ومستقلة، ووحدوية. وهذا الإحترم، ومن هذا المستوى، يفرض عدم السعي إلى تحقيق أهداف سياسية رخيصة، من وراء الوقوف إلى جانب النقابة التقدمية، حرصا على تجنب دفع النقابة إلى إنتاج ممارسة نقابية تحريفية، تسيء إلى العمال، وباقي الأجراء. وفي المقابل فان مبدئية النقابة تقتضي اعتبار دعم الحركة التقدمية مسالة مبدئية، تقتضيها طبيعة الحركة التقدمية نفسها.
قيام قواسم مشتركة تنظيمية، ومطلبية، وبرنامجية، ونضالية، تهدف إلى القيام بالعمل المشترك بين النقابة التقدمية، والحركة التقدمية، سعيا إلى تحقيق الأهداف المشتركة، سعيا إلى تحقيق التغيير الآني، والمرحلي، والإستراتيجي، لجعل الجماهيرالشعبية الكادحة، وطليعتها الطبقة العاملة، تقوى على الموجهة المستمرة للجهات التي تمارس استبعادها، والاستبداد بمصيرها، واستغلالها إلى ما لا نهاية، وفي أفق فرض تقرير مصيرها الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، والانتقال إلى بناء الدولة المدنية الديمقراطية العلمانية، باعتبارها دولة الحق، والقانون.
والشهيد عمر بنجلون، كان كذلك يدرك أهمية قيام عمل مشترك بين النقابة التقدمية، وبين الحركة التقدمية، على أساس الربط الجدلي بين النضال النقابي، والنضال السياسي. وهذا الربط الجدلي هو الذي يعطي للحركة الجماهيرية زخما لا حدود له، يقود إلى الحصول على نتائج مهمة لصالح الجماهير الشعبية. ولذلك كان الشهيد عمر بنجلون يحرص على بناء الحركة النقابية التقدمية، وعلى بناء الحركة التقدمية في نفس الوقت، وعلى أسس سليمة، تنتفي بسببها الممارسة التحريفية في صفوف الحركة النقابية، وفي صفوف الحركةالتقدمية، حتى يتأتى قيام الشروط الموضوعية الكفيلة بوجود عمل شترك بين الحركة النقابية التقدمية، والحركة التقدمية، كما هو الشان بالنسبة للشروط التنظيمية ،والشروط المطلبية، والشروط الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.
4) التغلغل ف صفوف العمال، وباقي الأجراء بقطع النظر عن انتماءاتهم العرقية، واللغوية، والسياسية، حتى تتمكن النقابة الديمقراطية / التقدمية من استيعاب جميع العمال، وباقي الأجراء، على أسس مبدئية.
وحتى تتمكن النقابة من ذلك، عليها أن تعمل على:
ا ـ أن تكون ديمقراطية على جميع المستويات: التنظيمية، والمطلبية، والبرنامجية، والنضالية، وفي علاقتها مع العمال، وباقي الأجراء، وفي علاقتها مع التنظيمات التي تجمعها بها قواسم مشتركة، سواء كانت نقابية، أو جماهيرية عامة، أو حزبية؛ لأن التمرس على الديمقراطية، يجعل التنظيم النقابي مفتوحا على الجميع، ومحتضنا من قبل الجميع.
ب ـ أن تكون تقدمية، تسعى باستمرار إلى تحسين الأوضاع المادية، والمعنوية للعمال، وباقي الأجراء، وإلى جعلهم يمتلكون وعيهم بأوضاعهم المختلفة، في علاقتها بالأوضاع العامة للجماهير الشعبية الكادحة، وبعمق الاستغلال المادي، والمعنوي، الممارس عليهم، وبالجهة التي تقف وراء ممارسة ذلك الاستغلال.
ومن أجل ماذا تتم ممارسته؟
وماذا يأخذ العمال، وباقي الأجراء من الإنتاج؟
وإلى أين يذهب فائض القيمة؟
وماذا يترتب عنه؟
وما العمل من أجل القضاء على الاستغلال، بالقضاء على شروطه الفارزة له؟
وهل يمكن أن تكون النقابة التقدمية وسيلة لذلك؟
أم أنه لا بد من وسائل أخرى اكثر تفعيلا من أجل الوقوف في اتجاه انعتاق العمال، وباقي الأجراء؟
ذلك أن الوعي الطبقي شرط لتفعيل العمل النقابي الصحيح، في علاقته بالنضال السياسي الصحيح.
ج ـ أن تتغلغل في صفوف الجماهير العمالية، وجاهير باقي الأجراء، عن طريق انفتاح التنظيم على تلك الجماهير، والاهتمام بمشاكلها، وبمطالبها الاقتصدية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، وإدماج كل ذلك في الملفات المطلبية المختلفة: القطاعية، والمركزية، لضمان ارتباط كافة العمال، وباقي الأجراء، بالنقابة التي تعتبر نقابة وحدوية.
د ـ أن تحقق المطالب الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، من خلال النضالات المريرة، التي يخوضها العمال، وباقي الأجراء، بقيادة النقابة الوحدوية، حتى يصير ذلك وسيلة لتحقيق الوحدة الطبقية، كنتيجة للوحدة النقابية بين العمال، وباقي الأجراء، وكوسيلة لامتلاك الوعي الطبقي، الذي هو أساس قيام الوحدة الطبقية، التي تشكل قوة داعمة، ومفعلة للنقابة، وللنقابيين، في أفق تحقيق الأهداف النقابية المحددة.
والشهيد عمر بنجلون، الذي كان يواجه الممارسة البيروقراطية بلا هوادة، كان يحرص على أن تصير النقابة، بديمقراطيتها، وتقدميتها، نقابة لجميع العمال، وباقي الأجراء، لتحقيق الوحدة النقابية، التي تقف وراء إنضاج شروط قيام الوحدةالطبقية، التي تعتبر الوسيط الشرعي للعلاقة القائمة بين النضال النقابي، والنضال السياسي، كما كان يسعى الشهيد عمر بنجلون إلى ذلك.
5) الاستقلال عن أجهزة الدولة عن الأحزاب السياسية. وهذا الاستقلال الذي يعتبر امتدادا لديمقراطية النقابة، ولتقدميتها، وأساسا لجماهريتها؛ لأنه بدون استقلال النقابة، تصير هذه النقابة نخبوية، مرتبطة بمصالح قياداتها المحلية، والإقليمية، والجهوية، والوطنية، في علاقتها بالإدارة في القطاعين: العام، والخاص.
والشهيد عمر بنجلون، كان يدرك أهمية أن تصير النقابة مستقلة عن أجهزة الدولة، وعن الأحزاب السياسية، من منطلق أن الاستقلالية هي المدخل لجعل النقابة مفتوحة أمام انخراط جماهير العمال، وباقي الأجراء، ومحتضنة من قبلهم، وقوية بهم، وجديرة بقيادة نضالاتهم المطلبية: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.
والاستقلالية، لا تكون كذلك إلا ب:
ا ـ وضع حد للممارسة البيروقراطية، التي وقفت وراء الكثير من الأمراض النقابية، التي تسيء إلى النقابة، والعمل النقابي، وإلى العمال، وباقي الأجراء، وإلى كادحي الشعب المغربي، الذين تأذوا كثيرا من الممارسة البيروقراطية، التي لا تخدم، في نهاية المطاف، إلا مصالح البيروقراطيين المتحكمين في الأجهزة النقابية.
ب ـ القطع مع التعبية لأجهزة الدولة، التي تحول النقابة إلى إطار لتصريف توجيهأاجهزة الدولة، ليصير بذلك تنظيما ملحقا بتلك الأجهزة، التي تبقى لها الكلمة الأولى، فيما يجب ان تقوم به النقابة.
وما هي المطالب التي تطرحها؟
وما هي المطالب التي يجب ان تتجنب طرحها؟
حتى لا تقوم النقابة بإزعاج الحكم، وحتى لا تقف النقابة وراء فرض خضوع الدولة إلى تلبية المطالب في أبعادها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية.
ج ـ القطع مع تبعية النقابة لحزب معين، أو لأي حزب سياسي، حتى لا تتحول إلى مجرد مجال لتصريف التوجيهات الحزبية.
فالتبعية للحزب تعتبر ممارسة تحريفية بامتياز، وهذه الممارسة تشكل خطورة على النقابة، والعمل النقابي، خاصة وأنها تعتبر الممارسة الديمقراطية، من خلال الممارسة النقابية، التي تصير تحت رحمة الحزب، حتى وإن كان هذا الحزب تقدميا، كما أنها تلغي، بطريقة مباشرة، تقدمية النقابة.
وعندما تقبر الديمقراطية، والتقدمية، في الممارسة النقابية، تنتفي جماهيرية النقابة، ووحدويتها.
ولذلك فالقطع مع تبعية النقابة لحزب معين، أو لأي حزب آخر، يعتبر شرطا للقطع مع التبعية كممارسة تحريفية مفسدة للعمل النقابي المبدئي الصحيح.
والشهيد عمر بنجلون، كان يدرك خطورة التبعية، كممارسة تحريفية، على العمل النقابي، سواء كانت هذه التبعية لأجهزة الدولة، أو لأي حزب سياسي، لوقوفها وراء نخبوية النقابة، ووراء انحسارها، وعدم تأثيرها في قطاعت عريضة من العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكاحين. ومواجهته للممارسة البيروقراطية، ما هي إلا مواجهة لكل أشكال التحريف المتربة عن لممارسة البيروقراطية، بما فيها ممارسة التبعية التحريفية.
6) تحقيق الوحدة النقابية، التي كانت هاجسا حاضرا في ممارسة الشهيد عمر بنجلون، من خلال مواجهته للممارسة البيروقراطية، المتحكمة في ممارسة أجهزة الاتحاد المغربي للشغل.
فالوحدة النقابية شرط قوة النقابة، وتحقيق ديمقراطية النقابة، وتقدميتها، تعتبر اساسية في تحقيق جماهيرية النقابة، واستقلاليتها.
والجماهيرية، والاستقلالية شرطان ضروريان لتحقيق بناء النقابة الوحدوية.
والنقابة الوحدوية تستطيع وحدها أن تصير نقابة لجميع العمال، وباقي الأجراء، وأن تناضل من أجل تحسين الأوضاع المادية، والمعنوية لسائر الكادحين.
ووحدوية النقابة لاتتأتى إلا ب:
ا ـ بناء التنظيم النقابي على أساس انفتاحه على جميع العمال، وباقي الأجراء، حتى يتقووا جميعا بالنقابة، وبالتنظيم النقابي، وحتى تصير النقابة قائدة لنضالاتهم المطلبية، مما يجعلهم ينتظمون في إطارها، وينضالون بواسطتها، وتحت قيادتها، وينتزعون بواسطة ذلك النضال، مكاسب مادية، ومعنوية لصالح مجموع العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.
والبناء التنظيمي الوحدوي، لا يكون، كذالك، إلا بمساهمة جميع القطاعات، التي ينتمي إليها العمال وباقي الأجراء، بعد امتلاكهم للوعي النقابي الذي يدفعهم إلى الانتزام في إطار النقابة. هذا الوعي الذي لا يمكن أن يشيع بين العمال، وباقي الأجراء، إلا إذا كانت النقابة المعنية تنتج ممارسة نقابية ديمقراطية تقدمية جماهيرية مستقلة، ووحدوية، تستجيب لحرص العمال، وباقي الأجراء، على انتاج وحدة الممارسة النضالية، في أفق انتزاع مكاسب مادية، ومعنوية.
ب ـ بناء الملفات المطلبية المستجيبة لحرص العمال، وباقي الأجراء على حضور مطالبهم المادية، والمعنوية، ضمن الملفات النقابية، سواء كانت تلك المطالب ذات طابع عام، أو ذات طابع خاص، حتى يصير ذلك وسيلة للانخرط في النضال النقابي المحقق للوحدة النقابية، على مستوى الساحة في القطاعين: العام، والخاص.
وبناء الملفات المطلبية يقتضي من النقابة المعرفة الدقيقة بالواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي، وباهتمامات العمال، وباقي الأجراء، الأمر الذي يتحدد معه:
ما العمل من اجل بناء المطالب المستجيبة لمتطلبات الواقع، ولحاجيات العمال، وباقي الأجراء؟
وهو ما يمكن اعتباره تحفيزا للعمال، وباقي الأجراء، من أجل الانخارط في النقابة، والنضال بواسطتها، وتحت قيادتها، ووسيلة لجعل النقابة تتفاعل مع الواقع في تجلياته الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسة. وهو ما يعني أن الوحدة المطلبية تؤدي إلى جعل العمال، وباقي الأجراء، يمتلكون وعيهم النقابي المتطور، في اتجاه امتلاك الوعي الطبقي الحقيقي، الذي يقف وراء احتداد الصراع في مستوياته الاقتصدية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، المؤدى إلى تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، في أفق القضاء على الاستغلال، بتحقيق الاشتركية.
ج ـ بناء البرنامج النضالي النقابي، الذي راعى فيه أن يصير شاملا لحركة النقابة في جميع القطاعات العامة، والخاصة، حتى تتمكن النقابة من تنظيم حركتها، وبالشكل الذي يجعل تلك الحركة وحدوية، انطلاقا من البرنامج الوحدوي، حتى تؤثر في صفوف العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وحتى يستجيبوا، جميعا، لتنفيذ البرنامج النقابي في شقه التنظيمي، وفي شقه المتعلق بالمساهمة في بناء الملفات المطلبية، في شقها النضالي الهادف إلى تحقيق المطالب المادية، والمعنوية، حتى يصير البرنامج متكاملا، وقابلا للتفعيل في الواقع، بوسطة جميع العمال، وباقي الأجراء؛ لأن وحدة البرنامج، تقود مباشرة إلى وحدة العمال، وباقي الأجراء.
د ـ بناء المواقف النضالية الوحدوية، المنسجمة مع وحدوية التنظيم، ووحدوية المطالب، ووحدوية البرنامج، ومع طموحت العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.
ذلك أن المواقف النضالية هي الخلاصة المركزة لمجمل الممارسة النقابية الوحدوية، نظرا لدور تلك المواقف في رفع مستوى التعبئة، وفي خوض المعارك النضالية النقابية، وبمساهمة جميع العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.
وبناء المواقف النضالية، يحتاج إلى عمق في معرفة الواقع في تجلياته المختلفة، وعمق في امتلاك العمال، وباقي الأجراء، للوعي النقابي، وضبط التنظيم النقابي على جميع المستويات، ومعرفة عميقة بالمطالب النقابية: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، وبالبرنامج النضالي النقابي، حتى يتأتى للمواقف أن تجد طريقها إلى النفاذ في الساحة النقابية، وحتى تصير وسيلة لتحقيق المكاسب المادية، والمعنوية لمجموع العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.
والشهيد عمر بنجلون كان يدرك جيدا أهمية الوحدة النقابية، وخاصة تلك التي تتحقق في إطار النقابة الواحدة، ودونما حاجة غلى أي شكل من أشكال التنسيق، أو التحالف، أو الجبهة النقابية، لإدراكه، كذلك، أن الوحدة النقابية ما هي إلا مظهر من مظاهر الوحدة الطبقية، التي يعتبر امتلاك الوعي النقابي مقدمة لإمتلاك الوعي الطبقي الحقيقي بها، وكان يدرك، كذلك، أن الوحدة النقابية لا يمكن ان تتحقق في إطار النقابة الواحدة، إذا لم تكن النقابة ديمقراطية، تقدمية، جاهيرية، مستقلة. وكونها كذلك هو الطريق الصحيح لوحدة العمال، وباقي الأجراء.
وغدراك الشهيد عمر بنجلون لكل ذلك، ما هو إلا نتيجة لحرصه على تنظيم الطبقة العاملة، وإعدادها لامتلاك وعيها الطبقي، الذي يقودها إلى بناء حزبها الثوري، الذي يقود نضالاتها السياسية، في أفق التغيير الجذري للواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، سعيا إلى تحقيق الحرية، والديمقراطية، والشروع في بناء الدولة الاشتراكية، بمؤسساتها التشريعية، والتنفيذية، والقضائية، على أساس الفصل بين هذه المؤسسات، حتى تقوم بدورها في عملية التغيير العميق للمجتمع، الذي ينتفي فيه استغلال الإنسان للإنسان، وتصير الخيرات المادية، والمعنوية لجميع أفراد المجتمع، الذين يساهمون جميعا في إنتاجها.
7) التنسيق بين النقابات التي تجمعها قواسم مشتركة: تنظيمية، ومطلبية، وبرنامجية، ومواقفية، في حالة وجود تعددية نقابية قائمة في الواقع: قطاعيا، ومركزيا، الأمر الذي يترتب عنه تفتيت العمال، وباقي الأجراء، واضعافهم أمام الإدارة في القطاعين: العام، والخاص، ويجعلهم عاجزين عن تمتيعهم بالحق في ايجاد تنظيم نقابي مبدئي، وفي الارتباط بهذا التنظيم، الذي يقود نضالاتهم المطلبية: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، مما يجعلهم ممزقين بين نقابات بيروقرطية، أو تابعة لأجهزة الدولة، أولأي حزب سياسي، أو مجرد نقابات حزبية تصير مهمتها مقتصرة على تنفيذ القرارات، و مجرد إطار للعمل على احتواء حزب سياسي معين، تعمل على توجيهه، والتحكم فيه، او للعمل على تأسيس حزب سياسي معن.
وللوصول إلى قيام تنسيق بين النقابات، من اجل القيام بنضال مشترك معين، لا بد من:
ا ـ أن يكون هذا التنسيق مبدئيا، ومحترما للديقراطية، والتقدمية، والجماهيرية، والاستقلالية، والوحدوية؛ لأنه بدون المبدئية وبدون احترام المبادئ المذكورة، لا مجال لقيام عمل مشترك بين النقابات المتواجدة في الساحة، والتي تدعي كل منها أنها هي التي تمثل العمال، وباقي الأجراء، وتنظمهم، وتقود نضالاتهم.
ب ـ ان ترتكز القواسم المشتركة على الجوانب التنظيمية، والمطلبية، والبرنامجية، والنضالية، التي تسهدف قيادة مجموع العمال، وباقي الأجراء، من أجل تحقيق المطالب المشتركة، المؤدية إلى تحسين الأوضاع المادية، والمعنوية لمجموع الكادحين.
ج ـ أن تكون العلاقة القائمة بين النقابات التي تجمعها قواسم مشتركة، وبين العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، علاقة ديمقراطية، حتى تصير العلاقة الديمقراطة محفزة لمجموع العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، من اجل الانخراط في العمل النقابي المشترك، وفي النضالات المطلبية المشتركة.
د ـ أن لا تكون النقابة بيروقراطية، أو تابعة لجهة معينة، أو حزبية، أو مجرد مجال للإعداد، للهيمنة على حزب معين، أو للعمل على تأسيس حزب معين؛ لأن النقابة التحريفية، لا تقود إلا إلى تنسيق تحريفي. ولذلك تعتبر مبدئية النقابة شرطا في انخراطها في التنسيق بين النقابات.
ه ـ أن ينسجم التنسيق مع طبيعة الأهداف التي يسعى العمل النقابي إلى تحقيقها للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، حتى لا يسعى إلى تحقيق أهداف أخرى، لا علاقة لها بالأوضاع المادية، والمعنوية للمعنيين بالعمل النقابي، مما لا يخدم إلا اهداف الإدارة في القطاعين: العام، والخاص، ومصالح الأحزاب التي تعمل باستمرار على توجيه العمل النقابي، أو تحزيبه.
فالتنسيق بشروطه القائمة، يقف وراء قوة العمل النقابي. وهذه القوة، هي التي كان يسعى إلى تحقيقها الشهيد عمر بنجلون، ولكن عندما ينحرف التنسيق عن مجراه الصحيح، بتغيير الشروط الصحيحة بشروط أخرى، لا يمكن أن يؤدي إلا إلى قيام شروط أخرى لخدمة أهداف أخرى لا تنسجم، ولا يمكن أن تنسجم مع طموحات العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، ولا يمكن ان تؤدي إلى تحسين اوضاعهم المادية، والمعنوية.
وهكذا يتبين أن بناء التنظيم النقابي على أسس مبدئية: ديمقراطية، وتقدمية، وجماهيرية، واستقلالية، ووحدوية، ينعكس إيجابا على الممارسة النقابية المنتجة، التي تصير مجالا للربط الجدلي بين النضال النقابي، والنضال السياسي، والارتباط بالحركة الديمقراطية، والحركة التقدمية، ووسيلة للتغلغل في صفوف الجماهير الشعبية، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، والاستقلال عن أجهزة الدولة، وعن الأحزاب السياسية، وتحقيق الوحدة النقابية، والقيام بالتنسيق المبدئي بين النقابات التي تجمعها قواسم مشتركة، لتحقيق الأهداف المشتركة، المستجيبة لطموحات العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكدحين، الذين يقفون ورء قوة النقابة كميا، وكيفيا، مما يجعل دورها قائما في الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي لمجوع أفراد المجتمع. وهذا الدور هو الذي كان الشهيد عمر بنجلون يسعى إلى تحقيقه، في مواجهته للممارسة البيروقراطية في الاتحاد المغربي للشغل، وفي حرصه على ديمقراطية النقابة، وتقدميتها، وجماهيريتها، وفي نضاله من أجل الربط الجدلي بين النضال النقابي، والنضال السياسي، الذي يصير معبرا إلى الارتباط بالحركة التقدمية، والحركة العمالية، باعتبارها حركة يسارية ديمقراطية.
وإذاكانت الشروط التي كان يعمل فيها الشهيد عمر بنجلون، لم تساعده على تحقيق الأهداف التي حرص على تحقيقها، من خلال انتمائه إلى الاتحاد المغربي للشغل، فإن ذلك لا يعني أن المناضلين الأفياء يتوقفون عن العم،ل من اجل تحقيق نفس الأهداف، بل إن هؤلاء المناضلين، عملوا منذ الستينيات، وإلى الآن، على قيام عمل نقابي مبدئي صحيح، يسعى إلى تحقيق طموحات العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وبنفس توجه الشهيد عمر بنجلون وعلى نفس نهجه وسيستمر هؤلاء المناضلون على العمل من أجل ذلك، حتى تحقيق قيام نقابة ديمقراطية، وتقدمية، وجماهيرية ومستقلة،ووحدوية.
خاتمة / خلاصة:
وما يمكن أن نستخلصه مما رأيناه في موضوع: "الشهيد عمر بنجلون ومقاومة التحريف السياسي والنقابي"، أن أول ما وقع بعد استشهاد الشهيد عمر بنجلون، هو الانكباب على تحريف شخصيته النضالية، حتى تنسجم مع الأهداف التي كانت تسعى إلى تحقيقها قيادة الحركة الاتحادية بعد استشهاده، سعيا إلى الحيلولة دون الاستمرار في تحويل الحركة الاتحادية إلى حركة عمالية، خاصة، وأن الحركة الاتحادية الأصيلة، هي الحركة التي تصير قابلة للتحول في اتجاه صيرورتها عمالية. وهو ما لم تكن تسعى إليه قيادة الحركة الاتحادية التي قاومت الشهيد عمر بنجلون في حياته، وعملت على تحريف شخصيته بعد استشهاده. وهذا التحريف الذي استهدف شخصيته هو نفسه، الذي قاومه من خلال الستينيات، السبعينيات، إلى أن استشهد، وهو نفسه الذي قاومه الشهيد المهدي بنبركة قبل استشهاده، وهو نفسه الذي تجب مقومته بعد استشهاده، وهو ما مارسه المناضلون الأوفياء من بعده، الذين منهم من توفي، ومنهم من ينتظر، وهو الذي سيوقاومه المناضلون المقتنعون بمنهج الشهيد عمر بنجلون، ومن قبله الشهيد لمهدي بنبركة.
ويتجلى تحريف شخصية الشهيد عمر بنجلون كما رأيناه في: 1) اعتباره شهيد صحافة الحركة الاتحدية، وليس شهيد الحركة العمالية.
2) اعتباره قائدا اتحاديا، وليس قائدا عماليا.
3) اعتبار انطلاقه في تحليله العلمي لخصوصية المجتمع المغربي، يتناقض مع طبيعة هذه الخصوصية، لكون منهجه دخيلا على المجتمع المغربي.
فهل كان الشهيد عمر بنجلون شهيد صحافة الحركة الاتحادية؟
وهل كان قائدا اتحاديا مجردا؟
أم ان قيادته كانت عمالية، انطلاقا من قيادته للحركة الاتحادية؟
وهل كان، ولا زال المنهج العلمي صالحا للتعامل مع جميع الخصصيات؟
أم أنه لكل خصوصية منهجها؟
وهل قوانين التحليل الاشتراكي العلمي واحدة؟
أم ان هذه القوانين تتعدد بتعدد الخصوصيات؟
وإذا صار تحريف شخصية الشهيد عمر بنجلون ساريا في صفوف معظم المنتمين إلى الحركة الاتحادية، بعد استشهاد عمر بنجلون، فإن الغاية من من هذا التحريف تتحدد في:
1) الحيلولة دون صيرورة الحركة الاتحادية حركة عمالية.
2) الحيلولة دون استمرار إيديولوجية الطبقة العاملة إيديولوجية الحركة الاتحدية.
3) الحيلولة دون سعي الحركة الاتحادية في العمل على تحقيق طموحات العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، في الحرية، والديمقراطية، والاشتركية.
4) توجيه الحركة الاتحادية إلى خدمة مصالح البورجوازية الصغرى، والمتوسطة، لضمان انتماء هذه البورجوازية إلى الحركة الاتحادية.
5) الاستمرر في تضليل العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، عن طريق توهيمهم بالاستمرار على نهج الشهيد عمر بنجلون.
وهذه الغايات، مجتمعة، هي الأساس الذي يعتمد لمحاربة منهج الشهيد عمر بنجلون العمالي في صفوف الحركة الاتحادية.
ورغم التحريف الذي استهدف شخصية الشهيد عمر بنجلون، فان الشهيد عمر بنجلون بوفائه، وبعظمة تضحياته التي لا حدود لها، لأجل الكادحين، وطليعتهم الطبقة العاملة، يصير رمزا فذا لهم:
1) على مستوى النضال، والتضحية، في افق بناء الحركة الاتحادية / العمالية: إيديولوجيا، وتنظيميا، وبرنامجيا، وسياسيا، وجماهيريا، في أفق تحقيق الحرية، والديمقراطية، والاشتركية، كأهداف استراتيجية للنضال الديمقراطي، الذي كانت تقوده الحركة الاتحادية / العمالية.
2) على مستوى التنظير للحركة الاشتراكية المغربية، حتى تصير مقتنعة بالاشتراكية العلمية، كوسيلة، وكهدف، من منطلق أن الاشتراكية واحدة، كقوانين، وكأسلوب متبع من أجل التوزيع العادل للثروة، من أبناء الشعب المغربي، ومن أجل أن يصير هذا الإقتناع وسيلة لتوحيد الحركات الاشتراكية في إطار واحد، يقود النضالات السياسية لسائر الكادحين، وطليعتهم الطبقة العاملة، في أفق تحقيق الاشتراكية، وبناء الدولة الاشتركية التي تشرف على أجرأة التوزيع العادل للثروة.
3) على مستوى بناء الحركة العمالية، من خلال العمل على تحويل الحركة الاتحادية إلى حركة عمالية: إيديولوجيا، وتنظيميا، وبرنامجيا، وسياسيا، حتى يصير ذلك البناء أداة، ووسيلة بيد العمال، والأجراء، لتنظيمهم، وقيادتهم، في أفق القضاء على الاستغلال، بتحويل ملكية وسائل الإنتاج، من ملكية فردية، إلى ملكية جماعية.
4) على مستوى ترسيخ الاشتراكية العلمية في الواقع المغربي، من خلال التحليلات التي قام بها، والتي يوظف من خلالها قوانين الاشتراكية العلمية: المادية الجدلية، والمادية التاريخية في التعامل مع الواقع في تجلياته الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، الأمر الذي ترتب عنه انتشار هذا التناول الاشتراكي العلمي بين المفكرين، والباحثين، والمثقفين، والسياسيين، من خلال الستينيات، والسبعينيات من القرن العشرين.
5) على مستوى التحليل السياسي، الهادف، والمحنك، من اجل جعل الكادحين، وطليعتهم الطبقة العاملة، يمتلكون الوعي السياسي بما يجري على جميع المستويات، في مختلف المجالات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وخاصة عندما يتعلق الأمر بتشريح الممرسة السياسية للتحالف المخزني / الرجعي / الظلامي المتخلف، الذي يسير بالمجتمع على المستوى السياسي إلى الهاوية، مما يجعل الشهيد عمر بنجلون، الذي كان يدير جريدة المحرر، حاضرا في الصورة كمحلل سياسي هادف، وماهر، في ممارسة الكادحين، وطليعتهم الطبقة العاملة، وكمحلل سياسي غير مرغوب في بقائه على قيد الحياة، في ممارسة التحالف المخزني / الرجعي / الظلامي المتخلف.
6) على مستوى الإعلام المتميز، الذي يستقطب أنظار مستهلكي الإعلام اليساري بصفة خاصة، وخاصة وان توجهه الإعلامي الذي كان يمارسه عبر صحافة الحركة الاتحادية / العمالي،ة كان يستهدف جميع اليساريين، بالإضفة إلى استهدافه للكادحين، وطليعتهم الطبقة العاملة، سعيا إلى تحقيق الإعلام اليساري / الجماهيري / الوحدوي، الذي سوف يقف وراء وحدة اليسار، وقوته التي تعتبر قوة للجماهير الشعبية الكادحة، الأمر الذي يعني أن المنهج الإعلامي للشهيد عمر بنجلون، كان رائدا، وفذا. ولذلك كان يضايق التحالف المخزني / الرجعي / الظلامي المتخلف، الذي تآمر على الشهيد عمر بنجلون، وقرر التخلص منه، عن طريق اغتياله بتاريخ 28/12/1975، حتى يتيح الفرصة أمام إعادة النظر في المنهج الإعلامي للحركة الاتحادية بعد اغتيال الشهيد عمر بنجلون.
فهل يمكن النيل من رمزية الشهيد عمر بنجلون في النضال، والتضحية، التي وصلت غلى حد التضحية بالجس،د في مواجهة التحالف الخزني / الرجعي / الظلامي المتخلف.
وهل يمكن التنكر لتنظيره للحركة الاشتراكية المغربية، في مرحلة التكون، وفي مرحلة البناء، وفي مرحلة التحول؟
هل هناك شك في تأسيسه للحركة العمالية المغربية، عن طريق العمل على تحويل الحركة الاتحادية إلى حركة عمالية؟
ألم يكن عمل الشهيد الفكري، والسياسي، مساهمة كبرى في ترسيخ الاشتركية العلمية في الواقع المغربي؟
ألم يكن تحليله السياسي المحنك، والماهر، مساهمة في جعل الكادحين، وطليعتهم الطبقة العاملة، يمتلكون الوعي السياسي بالواقع.
ألا يعتبر منهجه الإعلامي وسيلة لتوحيد اليسار، من أجل العمل المشترك على تغيير الواقع في مستوياته المختلفة، وفي مختلف المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسايسية؟
وإذا صار الشهيد عمر بنجلون رمزا لجميع المناضلين الأوفياء، وإذا كانت رمزيته متعددة الجونب، فإن هذاه الرمزية اكتسبها من خلال تحوله، ومنذ شبابه، كنتيجة لتربيته النوعية، كمثقف عضوي، إلى مقاوم لــ:
1) لممارسة الطبقة الحاكمة: السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، عن طريق تشريحه إعلاميا، وجماهيريا، وتقديم البديل الاشتركي، من أجل أن يمتلك الكادحون وعيهم بالسياسة الرسمية، وبالبديل الاشتراكي في نفس الوقت، والعمل على مقاومة السياسة الرسمية، والنضال من اجل تحقيق البديل الاشتراكي، من خلال تحقيق الحرية، والديمقراطية، والاشتركية، كما كان يسعى إلى ذلك الشهيد عمر بنجلون، خلال الستينيات، والسبعينيات من القرن العشرين، قبل استشهاده.
2) لممارسة الطبقة الحاكمة الإيديولوجية، عن طريق التشريح العلمي للأوهام الإيديولوجية الرجعية، والظلامية، التي يعتمدها الجهاز المخزني، والدولة المخزنية، من أجل تضليل الكادحين، الذين يصيرون ضحايا تلك الأوهام، والعمل على كشف خطورتها، حتى يكن ذلك وسيلة للوعي بها، والشروع في مقاومتها، بإشاعة إيديولوجية الطبقة العاملة، القائمة على أساس الاقتناع بالاشتراكية العلمية، كوسيلة، وكهدف، والتي سوف تلعب دورها في توحيد الكادحي،ن وتنظيمهم في حزب الطبقة العاملة، الذي كان يراه الشهيد عمر بنجلون في الحركة الاتحادية، التي اقتنعت بالاشتراكية العلمية كمنطلق لبناء التصور الإيدلولجي للطبقة العاملة المغربية، والنضال بواسطة الحركة الاتحادية العمالية، من أجل تغيير الواقع، بما ينسجم مع طموحات الكادحين، وطليعتهم الطبقة العاملة.
3) لممارسة التحالف المخزني الرجعي، الظلامي المتخلف، للسياسة التي لا تخدم إلا مصالح هذا التحالف، وفي مختلف المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، عن طريق تشريح هذه السياسة، من أجل بيان انعكاساتها السلبية على الكادحين، الذين يقعون، بسبب تلك السياسة، تحت طائلة الاستغلال الهمجي العميق، لصالح التحالف المخزني / الرجعي / الظلامي، الذي يستبد بالاقتصاد، وبالاجتماع، وبالثقافة، وبالسياسة، وفي المقابل العمل على إشاعة المواقف السياسية للحركة الاتحادية / العمالية بين الكادحين، من أجل أن تتحول إلى سلاح للمقاومة، في أفق جعل السياسة الرسمية للتحالف المخزني / الرجعي / الظلامي المتخلف، واضحة المعالم، والأهداف، حتى يتسنى عرقلة تحقيق أهدافها القريبة، والمتوسطة، والبعيدة، مقابل فرض الانصياع للمواقف السياسية للحركة الاتحادية / العمالية، كما كان يسعى إلى ذلك الشهيد عمر بنجلون؟
فهل تستمر مقاومة الطبقة الحاكمة، باعتبارها مستغلة للكادحين، وطليعتهم الطبقة العاملة؟
وهل تستمر المقاومة الإيديولوجية لأيديولوجية الطبقة الحاكمة، ولسائر الإيديولوجيات الرجعية العاملة على تضليل الكادحين؟
وهل تستمر قاومة سياسة التحالف المخزني / الرجعي / الظلامي المتخلف، كما كان يحرص على ذلك الشهيد عمر بنجلون؟
واذا كانت مقاومة الشهيد عمر بنجلون للطبقة الحاكمة، ولإيديولوجياتها، ولسياستها، ومعها التحالف المخزني / الرجعي / الظلامي المتخلف، تهدف إلى تحقيق الانتباه الى أن الطبقة الحاكمة وحلفاءها الرجعيون، لا يمكن أن يعملوا إلا على تكريس التخلف بمظاهره الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، السياسية، على سائر الكادحين، فإن هذه المقاومة غير كافية. ولذلك، لا بد ان تنتقل إلى مستوى المواجهة. وهو ما جعل الشهيد عمر بنجلون ينتقل إلى النضال من اجل:
1) بناء الحركة العمالية، القائمة على أساس طليعية الطبقة العاملة، عن طريق تحويل الحركة الاتحادية إلى حركة عمالية، ابتداء بإصدار المذكرة التنظيمية سنة 1965، ومرورا بمحطة 30 يوليوز، وبجعل المتنتمين غلى الحركة الاتحادية يقتنعون بالاشتراكية العلمية، وبالإعداد لعقد المؤتمر الاستثنائي في يناير 1975، الذي اقر اعتبار غيديولوجية الطبقة العاملة، هي الإيديولوجيته الرسمية، كما جاء في تقديم الشهيد عمر بنجلون للتقرير الإيديولوجي امام المؤتمر الاستثنائي، لتصير الحركة الاتحادية، بذلك، حركة عمالية، ولتصير الاشتراكية العلمية بشقيها المادية الجدلية، والمادية التاريخية، هدفا، ووسيلة، وجزءا من الفكر السياسي للحركة الاتحادية / العمالية. وهو الأمر الذي وضع التحالف المخزني / الرجعي / الظلامي المتخلف، في زاوية الحرج، فلم يجد في طريقه إلا التخطيط لاغتيال الشهيد عمر بنجلون، الذي ارتقى بالفكر الاشتراكي العلمي إلى فكر إنساني، وإلى منهج صالح للتعامل مع جمع الخصوصيات، مهما كانت مغلقة، من أجل الانتقال بالتشكيلة الاقتصدية، والاجتماعية القائمة، ومهما كانت طبيعتها، إلى تشكيلة اقتصدية / اجتماعية اشتراكية.
2) ترسيخ إيديولوجية الطبقة العاملة بين الكادحين، باعتبارها إيديولوجيتهم التي توحدهم، وتجعلهم يمتلكون وعيهم الطبقي، الذي يجعلهم ينخرطون في الحركة الاتحادية / العمالية، أو أي حركة أخرى تسعى إلى تحقيق الاشتراكية في المجتمع المغربي، والنضال بواسطتها، في افق تغيير الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، بما ينسجم مع مصالح الكادحين.
بناء المواقف السياسية، المناهضة لسياسة الطبقة الحاكمة، عن طريق المطالبة بدستور ديمقراطي، وإجراء انتخابات حرة، ونزيهة، من أجل إيجاد مؤسسات منتخبة، معبرة عن احترام إرادة الشعب المغربي، وقيام حكومة من الأغلبية البرلمانية، تكون في خدمة مصالح الكادحين تشريعا، وتنفيذا، من اجل تحقيق الحرية، والديمقراطية، والاشتراكية، ليبقى بذلك الشهيد عمر بنجلون وفيا للكادحين، ومضحيا من أجل الكادحين، ومن أجل الطبقة العاملة طليعة المجتمع برمته.
فهل يستمر المناضلون الأوفياء في النضال من أجل بناء الحركة العمالية؟
وهل يعمل هؤلاء المناضلون على الاستمرار في ترسيخ إيديولوجية الطبقة العاملة؟
وهل يحرصون على بناء المواقف السياسية المناهضة لسياسة الطبقة الحاكمة؟
وإذا ناضل الشهيد عمر بنجلون من أجل بناء الحركة العمالية، وترسيخ إيديولوجية الطبقة العاملة، وبناء المواقف السياسية المناهضة لسياسة التحالف المخزني / الرجعي / الظلامي المتخلف، فإن الشهيد عمر بنجلون كان يدرك، ومنذ التحاقه بالعمل في المغرب، بعد رجوعه من فرنسا، أهمية الارتباط بالعمال، وباقي الأجراء، من خلال الالتحاق بالمنظمة النقابية، حينذاك، الاتحاد المغربي للشغل، كمنااضل نقابي متميز، من أجل:
1) الارتباط بالعمال، وباقي الأجراء، ليرسخ فيما بينهم الفهم الصحيح للممارسة النقابية، وللعمل النقابي، وللتنظيم النقابي المبدئي.
2) بناء الحركة النقابية المبدئية المخلصة للعمال، وباقي الأجراء، والمدافعة عن مصالحهم المكتسبة، والمناضلة من أجل تحسين الأوضاع المادية، والمعنوية لمجموع الكادحين، ومواجهة التنظيم غير المبدئي، المتمثل حينذاك في اجهزة الاتحاد المغربي للشغل البيروقراطية، التي وقفت وراء انفراز اشكال متعددة من التحريف.
بلورة الأسس، والمنطلقات التي يقوم عليها العمل النقابي الصحيح، الذي كان مفتقدا حينذاك.
فهل يستمر المناضلون النقابيون الأوفياء في الارتباط بالعمال، وباقي الأجراء؟
وهل يحرصون على بناء حركة نقابية مبدئية، والتصدي للتحريف النقابي؟
وهل يحرصون على استحضار الأسس التي يقوم عليها العمل النقابي الصحيح؟
والشهيد عمر بنجلون لا يتوقف عند حدود الارتباط بالعمال، وباقي الأجراء، وبناء حركة نقابية مبدئية، وبلورة أسس قيام عمل نقابي صحيح؛ بل نجد أنه وفى غمرة كل ذلك، كان يتصدى للتحريف النقابي المتجسد حينذاك في بيروقرطية الاتحاد المغربي للشغل، التي افرزت أشكالا أخرى من التحريف، الذي تجسدت مظاهره في:
1) مظهر الممارسة البيروقراطية، الذي يعتبر أساسا، ومنطلقا لممارسة أشكال أخرى من التحريف، التي وقفت وراء نخر النقابة، أي نقابة، والعمل النقابي، مما جعله لا يحقق الأهداف المتوخاة منه.
2) مظهر تبعية النقابة لأجهزة الدولة، أو لأي حزب سياسي، مما يفرغ النقابة من محتواها الديقراطي، بصيرورتها موجهة من خارج الأجهزة التقريرية، والتنفيذية.
3) مظهر تحزيب النقابة، كما حصل من خارج الإتحاد المغربي للشغل، حيث شرعت الأحزاب بتكوين نقابات حزبية، كما هو الشان بالنسبة لحزب الإستغلال، الذي أنشأ نقابته.
4) جعل الإطار النقابي مجالا للإعداد، والاستعداد لهيمنة النقابة على حزب معين، كما هو الشان بالنسبة للإتحاد المغربي للشغل في علافته بالحركة الاتحادية خلال الستينيات من القرن العشرين، أو لتأسيس حزب معين، كما حصل بعد ذلك في نقابات أخرى.
فهل يعمل المناضلون الأوفياء على موجهة الممارسة البيروقراطية؟
وهل يضعون حدا لتبعية النقابة لأجهزة الدولة، أو لأي حزب سياسي؟
وهل يواجهون عملية تحزيب النقابة؟
وهل يتصدون لجعل لنقابة مجالا للإعداد والاستعداد للسيطرة على حزب معين، أو لتاسيس حزب تابع للنقابة؟
والشهيد عمر بنجلون، في نضاله النقابي، لم يتوقف عند مواجهة التحريف فقط؛ بل كان يعمل على بلورة الأسس المنتجة للتنظيم النقابي المبدئي، وللعمل النقابي الصحيح. وهذه الأسس تتمثل في:
1) الحرص على ان تكون النقابة ديمقرطية في بناء تنظيماتها، وفي إيجاد ملفاتها المطلبية، وفي صياغة برامجها، وفي اتخاذ مواقفها النضالية، مما يؤهلها للإصطفاف إلى جانب الحركة الديمقراطية، من أجل العمل على تحقيق الديمقراطية في المجتمع ككل.
2) الحرص على أن تصير النقابة تقدمية على مستوى البناء التنظيمي، وعلى مستوى تكوين الملفات المطلبية، وعلى مستوى البرنامج النقابي، وعلى مستوى اتخاذ المواقف النضالية، حتى تكون مؤهلة للارتباط بالحركة التقدمية، والنضال إلى جانبها، من أجل تغيير الواقع بما فيه مصلحة لجميع الكادحين.
3) الحرص على ان تكون النقابة مفتوحة على جميع العمال، وباقي الأجراء: تنظيما، ومطالب، وبرامج، ومواقف نضالية، حتى تصير النقابة للجماهير، وبالجماهير، ومن أجل الجماهير.
4) العمل على أن لا تصير النقابة تابعة للدولة، أو لحزب سياسي معين، حتى تتكرس استقلالية النقابة من أجل أن تصير حرة في اتخاذ قراراتها، بعيدا عن توجيه أجهزة الدولة، والأحزاب السياسية، التي تعودت على حشر أنفها في الأمور النقابية للنقابات التابعة لها، مما يتنافى مع ممارسة العمل النقابي الصحيح، الذي تتجسد فيه استقلالية النقابة، التي كان يحرص على تفعيلها الشهيد عمر بنجلون.
5) الحرص على وحدوية النقابة في مختلف المستويات: التنظيمية، والمطلبية، والبرنامجية، والنضالية، من اجل أن تصير نقابة لجميع العمال، وباقي الأجراء، مما يحقق الوحدة التنظيمية، والمطلبية، والبرنامجية، والنضالية في الساحة النقابية، ويجنب النقابة السقوط في التنسيق مع النقابات اللامبدئية، التي تساوم الإدارة في القطاعين: العام، والخاص، على حساب العمال وباقي الأجراء.
والشهيد عمر بنجلون الذي كان يحرص على بلورة هذه الأسس، كان يدرك جيدا أهميتها في قيام عمل نقابي صحيح.
فهل يستمر المناضلون الأوفياء في السعي إلى احترم ديمقراطية النقابة، والعمل النقابي؟
وهل يحرصون على تقدمية النقابة، والعمل النقابي على جميع المستويات؟
وهل يستميتون من أجل صيرورة النقابة المبدئية نقابة جماهيرية بامتياز؟
وهل يستطيعون فرض استقلالية النقابة عن أجهزة الدولة، وعن الأجهزة الحزبية؟
وهل يعملون على أن تصير الوحدوية هي السمة المميزة للنقابة المبدئية؟
والشهيد عمر بنجلون، في بلورته لهذه الأسس المشار إليها، كان يسعى إلى:
1) تكريس الربط الجدلي بين النضال النقابي، والنضال السياسي، الذي يؤدي غلى تعميق الوعي بالواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، والمدني، وبعمق الاستغلال الممارس على العمال، وباقي الأجراء، مما يعطي للنقابة، وللعمل النقابي زحما خاصا.
2) الارتباط بالحركة الديمقراطية، عن طريق الدعم المتبادل، وفي افق بلورة قواسم مشتركة فيما بين النقابة الديمقراطية، والحركة الديمقراطية، من أجل القيام بنضال مشترك يهدف إلى تحقيق الديمقراطية بمضامينها الاقتصدية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، حتى تستفيد منها الجماهير الشعبية الكادحة، وطليعتها الطبقة العاملة.
3) الإرتباط بالحركة التقدمية، عن طريق الدعم المتبادل بين النقابة التقدمية، والحركة التقدمية، في افق بلورة قواسم مشتركة، من أجل اعتمادها في النضال المشترك، سعيا إلى تغيير الواقع بما يخدم مصلحة العمال، وباقي الأجراء.
4) التغلغل في صفوف الجماهير العمالية، وجماهير الأجراء، وسائر الكادحين، عن طريق خوض المعارك النضالية في صيغها المختلفة، من أجل تحسين الأوضاع المادية، والمعنوية لعموم الجماهير التي تفرض احترم النقابة المبدئية، والانخراط في تنظيماتها.
5) الاستقلال عن أجهزة الدولة، وعن الأجهزة الحزبية، حتى تصير النقابة حرة في بناء تنظيماتها، ووضع ملفاتها المطلبية، وصياغة برنامجها، واتخاذ مواقفها النضالية، بعيدا عن أي توجيه، وسعيا إلى خدمة مصالح العمال، وباقي الأجراء، ولا شيء آخر.
6) تحقيق الوحدة النقابية التي تصير علامة كبرى على مبدئية النقابة، لضمان وحدة النضال المطلبي، ووحدة المصير، ولقطع الطريق أمام تشرذم العمال ،وباقي الأجراء، كما يسعى إلى ذلك التحالف المخزني / الرجعي / الظلامي المتخلف، وكما هو ممارس في الساحة النقابية.
فهل يسعى المناضلون الأوفياء إلى المحافظة على الربط الجدلي بين النضال النقابي، والنضال السايسي؟
هل يحرصون على الارتباط بالحركة الديقراطية؟
هل يعتبرون النقابة التقدمية جزءا لايتجزأ من الحركة التقدمية؟
هل يسعون إلى جعل النقابة المبدئية مفتوحة أمام جماهير العمال، واقي الأجراء؟
هل يحرصون على استقلالية النقابة عن أجهزة الدولة، وعن الأحزاب السياسية؟
هل يعملون على تحقيق الوحدة النقابية؟
إن ما ركزناه في هذه الخلاصة، هو الذي عملنا على بسطه في موضوع: "الشهيد عمر بنجلون ومقاومة التحريف السياسي، والنقابي"، وصولا إلى أن اغتيال الشهيد عمر بنجلون ليس قدرا، بقدر ما تم التخطيط له، انطلاقا من التراكمات التي راكمها الشهيد عمر بنجلون، في نضاله السياسي، والنقابي، وفي مقاومته لأشكال التحريف النقابي، والسياسي، ولمواجهته للتحالف المخزني / الرجعي / الظلامي التخلف على المستوى الإيديولوجي، والتنظيمي، والسياسي. فهذا التحالف هو الذي خطط لعملية الاغتيال، وهو الذي سعى إلى تصفيته جسديا، لإتاحة الفرصة أمام شيوع أشكال التحريف السياسي، والنقابي، التي واجهها، ما دامت تخدم مصالح التحالف المخزني / الرجعي / الظلامي المتخلف، الذي يوظف قواه الإيديولوجية، والتنظيمية، والسياسية، لتكريس الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال، لإقامة سد منيع دون قيام المناضلين الأوفياء لنهج الشهيد عمر بنجلون بتحقيق:
1) حرية الإنسان، وحرية الأرض.
2) ديمقراطية الدولة، والمجتمع، والتنظيمات السياسية، والنقابية، والجماهيرية.
3) اشتراكية النظام الاقتصادي، والإجتماعي، والثقافي، والسياسي.
واغتيال الشهيد عمر بنجلون على يد التحالف المخزني / الرجعي / الظلامي المتخلف، لا يعني أنه مات، بقدر ما هو حي في المناضلين الأوفياء فكرا، وممارسة. والنضال الذي قاده لا زال مستمرا على نفس نهجه، لتحقيق نفس الأهداف التي كان يسعى إلى تحقيقها. وهذا الاستمرار ناتج عن كون شخصية الشهيد عمر بنجلون شخصية متكاملة، لا يمكن الفصل فيها بين السياسي، والنقابي، والجماهيري، بقدر ما يحضر كل ذلك مجتمعا في اهتماماته وهو يناضل من أجل الحرية، والديمقراطية، والاشتراكية، التي هي حلم مجموع الكادحين في هذا الوطن المغربي، الذي انجب هذه الشخصية الفذة التي قدمت الكثير حتى الاستشهاد، من أجل بناء مغرب جميل، ينعم فيه الكاحون بالخيرات المادية، والمعنوية التي يزخر بها، كما هو الشأن بالنسبة للبلدان التي تحققت فيها الاشتراكية.
ابن جرير في : 09/02/2009 محمد الحنفي
|
|
|
|
|
|