كنا في زمان سابق إذا صادفنا في طريقنا حادثاً مرورياً ، و نتجت عنه إصابات في الشارع ، لانتردد البته في حمل المصابين في مركباتنا الخاصة و إسعافهم عبر إيصالهم للمستشفيات ، و ربما إمتد الأمر لإكمال الإجراءات و التوقيع على الضمانات الإجرائية الخاصة بتلقي المصاب للعلاج ، و كان ذلك في ذاك الزمان يُعد مرؤةً و شهامة و ( حرورية قلب ) ... أما الآن إن فعلت ذلك فذلك لن يكون إلا ( عواره ) .. و سوء تصرف و ( شلاقه ) ، نسبة للصعوبات و المضايقات و المشاكل التي لا تحصى من ناحية ما سيصيبك من مساءلات و تحريات و إجراءات قانونية و غير قانونية ، غالباً ما ستجعلك نادماً على ما فعلت من خير ، و الأمر ليس متعلقاً فقط بالحوادث و المستشفيات ، فحتى البلاغات التي يتم فتحها بمراكز الشرطة و التي تُعبِّر عن الدور الإيجابي للمواطن في دعمه للأمن الإجتماعي العام أو حتى البلاغات العادية التي يقوم بها المواطن كالإبلاغ عن سرقه أو تعدي على أملاك خاصة ، تأخذ إجراءاته من طالب الخدمة وقتاً و زمناً و عنتاً إدارياً ، لا يمكن أن يتحمله صاحب حق ، بالقدر الذي يجعل المُبلغ و كأنه مذنب أو متهم ، أنا شخصياً ( ركبت موجة الهاشمية ) يوماً ما ، حيث عُدت إلى منزلي متأخراً لأجد أمامه سياره تقف بصورة غير طبيعية و أبوابها مفتوحها ، و حالتها من الداخل توحي و كأن معركةً ما دارت بداخلها ، فذهبت مباشرة إلى مركز شرطة الجريف غرب مربع 84 و إستقبلني الضابط المناوب بحفاوة و إحترام ثم حكيت له الموضوع ، فأعلمني أن السيارة المعنية لا يمكن أن يتخذ حيالها أيي إجراء قانوني قبل أن تكتمل على وضعها ذاك 48 ساعة ، غير أنه وافق على تحريكها إلى القسم تحت بند تضرري الشخصي و منعها إياي من إستعمال باب بيتي الرئيس ، ثم وجهني الضابط بفتح البلاغ و قمت بذلك ، و هممت بالخروج من القسم على أن الموضوع قد إنتهى ، غير أنهم أبلغوني بلطف أن أنتظر دوري لأمر على وحدة التحري ، و تساءلت عن ماذا سيتحرون ، و أنا صاحب البلاغ و المتضرر ، و طفقت جالساً لأنتظر دوري مع المتحري الذي كان يتحرى مع مجموعة من الناس أُنزلوا من دفار فاق عددهم العشرين ، بإختصار خرجت من القسم الساعة الثانية صباحاً ، لأجد اهل بيتي و قد أوشكوا على التحرك لفتح بلاغ بإختفائي ، هكذا و بكل بساطة .. ضياع للوقت و إجهاد للجسد و الفكر ، لمجرد أنك فكرت أن تؤدي دورك كمواطن يساهم في بسط الأمن الإجتماعي الشامل ، على إدارة الشرطة أن تكثف البحث في كيفية إيجاد الوسائل الملائمة الكفيلة بتسهيل و تسريع إجراءات المراجعين في الأقسام ، و عليها أيضاً أن تكثف دوراتها التأهيلية لمنسوبيها في مجال التعامل الجمهور و ترسيخ مبدأ أن مراكز الشرطة المنتشرة في الأحياء هي مؤسسات خدمية في المقام الأول قبل أن تكون ثكنات عسكرية أو حراسات جنائية ، كل ذلك في سبيل أن لا تندثر المروءة و الشهامة و ( حرورية القلب ) .. و إيجابية المواطن في درء المخاطر الأمنية التي تحدق بالمجتمع .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة