كان يوم الجمعة الماضي يوماً طويلاً وعصيباً لأعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني، نظرا لأنها ستبت في توصيات لجنة التحقيق التي كونتها قبل حوالي أربعة أشهر، للنظر في حيثيات معينة تتعلق بـ(بلاغ) حزبي، قدم من أحد الأعضاء ومفاده أن خمسة أعضاء من العيار الثقيل عقدوا اجتماعا خارج الأطر التنظيمية، من بينهم (الشفيع خضر، حاتم قطان، هاشم تلب)، وهي القضية التي شغلت اليسار السوداني، وبعض من الشعب السوداني، لأن قرار اللجنة المركزية الذي كشف عنه السكرتير السياسي للحزب، محمد مختار الخطيب، قضى بإيقاف (المتهمين) عن النشاط الحزبي، وكل المهام الموكلة إليهم، وشكل لجنة تحقيق للنظر في هذه الوقائع، وصار عمل اللجنة وسيرها حاضراً في كل اللقاءات الصحفية التي عقدها الخطيب مع الصحف السودانية، وهي دلالة على أن القضية تحظى بمتابعة كبيرة ولصيقة من الصحافة والمهتمين بالشأن العام. وبعد أن جلس الجميع يوم الجمعة، للنظر في تقرير لجنة التحقيق التي كونها الحزب كانت (توصيتها) التي خرجت بها هي رفع الإيقاف عن الأعضاء مثار التحقيق، وأن اللجنة لم تجد ما يدينهم، وأوصت اللجنة بأن تتم (محاسبة) الأعضاء الذين رفعوا هذا (البلاغ) لما سببوه من (شوشرة) داخل الحزب. وبحسب لوائح الحزب الشيوعي وتقاليده التنظيمية في مثل هذه الحالات فإن لجنة التحقيق تقوم برفع (توصية) للجنة المركزية؛ إما أن تعتمد هيئة الحزب العليا هذه (التوصية) بعد إخضاعها للنقاش، وإما أن تقوم برفضها، ويحق لها أن تشكل لجنة (جديدة) أو (تضيف) أعضاء جددا للجنة التحقيق إن كان ثمة داع لذلك. وما حدث ـ بحسب العالمين ببواطن الأمور داخل الحزب الشيوعي ـ والذي استوثقت منه عبر مصادر مختلفة، وبعد أن كتبه أحد أعضاء الحزب القياديين في بريطانيا، على صفحات التواصل الاجتماعي هو: أن اللجنة المركزية عند تسلمها لـ(توصية) لجنة التحقيق، التي تضم (قانونيين) لهم باع في التقصي والعمل القانوني، أخضعت الأمر لنقاش مستفيض، وجرت فصول مواجهة قوية، حيث أصر أعضاء اللجنة على اعتماد توصية لجنة التحقيق، ورفع الإيقاف عن الموقوفين، بعد أن ثبت أنهم غير مخطئين في حق الحزب، وأن المرحلة تحتاج لأن يتفرغ الحزب لقضايا أكبر تهم المواطن السوداني، وأن النقاش استمر إلى الساعات الأولى من صباح السبت، وأن التعب بلغ مبلغه بأعضاء (المركزية) من كبار السن والمقام، ليغادر بعضهم الاجتماع، ثم أخضعت توصية اللجنة بعد ذلك للتصويت، والذي كانت نتيجته أن (16) عضواً صوتوا على رفض (توصية) لجنة التحقيق، وأن يستمر الإيقاف للأعضاء مثار القضية، مقابل (15) صوتوا لرفع الإيقاف عن الموقوفين، واعتماد مقترح اللجنة بمحاسبة (المبلغين) بالواقعة. أي أن التصويت كان على رفع الإيقاف ومحاسبة (المبلغين)، وهو ما أكده مصدر مطلع آخر قال إن إرجاء إعلان نتائج التحقيق ليس خاصاً بالموقوفين الخمسة فقط، ولكن اللجنة المركزية فضلت أن ينتظر الجميع إلى حين الفراغ من كل أعمال لجان التحقيق التي يجريها الحزب، وأن يصدر قرار حول نتائج لجان التحقيق مجتمعة، وأن الموقوفين في حال صدر قرار ضدهم، يحق لهم استئناف القرار أمام المؤتمر العام لأنه أعلى سلطة في الحزب. حاولت الاتصال بالشفيع خضر، وهو أحد الموقوفين، لمطابقة هذه المعلومات معه وإن كان لديه بها علم.. رفض التعليق جملة وتفصيلا، وطالبني بالانصراف عن هذا الأمر إلى ما هو أهم، أو انتظار ما سيكتب في صحيفة الحزب الرسمية. ومن جانبه قال القيادي بالحزب الشيوعي صديق يوسف إن اللجنة لم تصدر بيانا نهائيا حول القضية مثار التحقيق وإنه حال الانتهاء من عملها سيتم نشر ما خرجت به في صحيفة "الميدان" الناطقة باسم الحزب. ودعا يوسف إلى عدم صرف الحزب عن قضاياه الحقيقية وطالب الأشخاص الذين قالوا هذا القول بإثبات ما أخرجوه إلى وسائط التواصل وتوضيح من أين أتوا به. ولأن العمل الصحفي لا ينتظر فقد أحلت المعلومات إلى مصدر مطلع وموثوق به، قال إن اللجنة المركزية تتجه لضم تهم جديدة وتغيير في لجنة التحقيق الخاصة بـ(الخمسة الموقوفين)، بالإضافة أو التغير الكلي، وهو ما يعيد إلى الاذهان إعدام الشهيد بابكر الـنور، عندما تمت محاكمته برئاسة العميد تاج السر المقبول، فأصدرت المحكمة العسكرية قرارها بالسجن اثني عشر عاما، ورفض النميري قرار المحكمة العسكرية، وأرجع الأوراق إلى المحكمة العسكرية، أعيدت مرة أخرى المحاكمة وصدر قرار الحكم بالسجن 30 عاما، رفض النميري قبول قرار المحكمة للمرة الثانية، وعندما وجه النميري بإعادة المحاكمة للمرة الثالثة، رفض العميد تاج السر أن يترأس المحكمة، وكنوع من الاحتجاج أيضا - رفض كل الضباط الكبار الذين كلفوا برئاسة المحكمة العسكرية الاستمرار في عملهم كقضاة ـ على اعتبار أن نميري يريد قسرا فرض حكم الإعدام، علق أحد الضباط بغضب عن حالة بابكر النور: (دا كان عضو في مجلس "الضباط الأحرار" تحاكموه كدة؟!!)، اتصل النميري بالمقدم صلاح عبد العال تلفونيا، وكلفه برئاسة المحكمة العسكرية، حضر صلاح وتسلم أوراق المحكمة، وفي نفس اليوم صدر قرار حكم الإعدام على الشهيد بابكر النور رميا بالرصاص. مربط الفرس من هذه القصة ومن الحيثيات اعلاه يبدو أن هناك جهة داخل (المركزية) تريد (توصية) بعينها من لجنة التحقيق، تقضي بـ(الإعدام) السياسي، حتى تعتمده بأغلبيتها (المكانيكية)، وتقصي القيادات الشيوعية من قيادة الحزب وإلى الأبد، وكلو (بالديمقراطية). لكن من الوقائع أعلاه هناك نقطة مهمة للغاية، وهي أنه لا توجد أغلبية واضحة لمن يتبنون هذا التوجه إن صح، لأن الكفتين تبدوان متساويتين 16 إلى 15، بغض النظر عن الذين غادروا قبل نهاية الاجتماع والتصويت، إن صحت هذه الرواية. وهناك مشرب آخر في هذه القضية يبدو سائغا للشاربين، وهو أن يعقد المؤتمر السادس للحزب في ظل استمرار حالة الإيقاف لأعضاء الحزب البارزين هؤلاء، وأن تنتخب قيادة جديدة في ظل هذا الغياب، وإن كان هذا الاحتمال بعيد المنال، في ظل شبه (تساوي الكفتين) لكنه يظل واردا، في حال لم يجد الحزب (صلاح عبد العال) جديدا، يقضي بإعدام الموقوفين. لكن هب أن هذا الأمر حدث وعقد المؤتمر العام السادس، أو فصل الموقوفين، نجد أن هذا (التوقع) يحيلنا بالضرورة إلى حالة مشابهة في الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، عندما قرر السيد محمد الحسن الميرغني فصل قيادات بارزة في الحزب ومن العيار الثقيل، لجأ هؤلاء إلى مسجل الأحزاب السياسية، وقدموا طعنا، ورغم أن (الطاعنين) في الحزب الاتحادي كانوا مناوئين للحكومة، ومناصبين لها العداء إلا أنهم بحكم تخصص البعض منهم في القانون وأن لهم فيه باعا كبيرا، استطاعوا أن يحصلوا على قرار من مسجل الأحزاب يقضي ببطلان فصلهم من الحزب، مع العلم أن البون شاسع بين تقاليد وتاريخ حسم الصراعات في الحزب الشيوعي والحزب الاتحادي، وإلى ذلك الحين تظل كل الاحتمالات مفتوحة ومتوقعة، لكن الظاهر أن (موقوفي) الشيوعي سيستمرون في إدارة الصراع داخل الحزب وليس خارجه.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة