الملاحظ ان الانسان السوداني -وايضا عند بعض العرب - يفتقد لشعور مهم جدا وهو الشعور بالذنب .. ليس الذنب لمخالفته لله بل الذنب من ايقاعه ضرر ولو غير مقصود بالآخرين ...نادرا ما يشعر مسؤول حكومي بالذنب لأصابة المواطنين بالضرر من خطأ وقعت فيه الدولة أو تقصير في درء الخطر عنهم.. لاحظت هذا الشعور متوفرا بقوة عند اليابانيين ... بعد الحرب العالمية الثانية شعر الشعب الياباني كله بخطأ دخوله في حرب عالمية ومن ثم اجتاحه شعور عام بالذنب .. فقدم الشعب الياباني اعتذاره للعالم عبر وفود شعبية تشعر حقيقة لا كذبا بذنبها... عندما يحدث تسريب اشعاعي نووي يعتذر الوزير المختص وهو يشعر بالذنب لمقتل الكثيرين جراء هذا التسرب .. هذا الشعور غير متوفر لدينا لا على المستوى الجماعي ولا على المستوى الفردي بل هناك شعور مقابل يقفز بمجرد ان يتضرر الآخر وهو الشعور التبريري .. عندما تمت ابادة جماعية للجنوبيين في أبيي قبل عقود لم يشعر أي مسؤول بالذنب .. ناهيك عن الشعور بالعار... وعندما تمت ابادة قبائل كاملة في الغرب لم يشعر أي مواطن بالخزي والذنب ، وعندما يموت الالاف من وباء الكوليرا لا يشعر أي مسؤول بالذنب ..وعندما يخطئ شخص فيتضرر آخر ضررا بسيطا أو جسيما لا يشعر الفاعل بالذنب ... بل حتى القاتل لا يشعر بالذنب .. بل كل شخص يبحث عن مبرر لخطأه .. فالجنوبيون مثلا قتلوا الشماليين عام 55 وبالتالي هذا يبرر ابادتهم .. ومن يقتل يبرر قتله بالشيطان اذا لم يجد مبررا آخر ومن يسبب لشخص عاهة مستديمة يفكر أولا في الافلات من العقاب وليس في الشعور بالذنب ... الشعور بالذنب شعور انساني عالي الانسانية .. يميز الانسان عن سائر الكائنات الحية... للأسف لا يتعلم الطفل عندنا هذا الشعور منذ الصغر لأن هذا الشعور لا يتم اكتسابه وانما تعزيزه وتطويره داخل نفس الانسان .. ان الانسان الذي لا يشعر بالذنب مصاب في الحقيقة بعاهة شعورية ... ويمكنه تحت مبررات بسيطة اقتراف كافة الشرور وتوقيع كافة الاضرار الجسيمة بالآخرين...
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة