ان كنت ترغب في كسب ود الانسان السوداني ، فما عليك سوى بالونسة او الدردشة ..والمقصود ليس بالحديث الجاد بل بالحديث الذي يفتقد لأي جدية محتملة ...اذا دخلت مرفق عام ولم تجد الموظفين فهذا طبيعي وسيكون طبيعيا أكثر اذا علمت أنهم خرجوا اليوم خصيصا من أجل العزاة في وفاة أحد زملائهم والوصول قبل دفن الجثة ، ثم البقاء في العزاء حتى وقت متأخر ..وقضاء الوقت في بيت البكاء ولكن بدون بكاء بل بدردشة وونسة في شتى المواضيع التي لا رباط بينها . وتحلو القعدات او الجلسات وتزدان وتبرق وتتلألأ بالونسة العامرة وتبادل الأخبار الجديدة بدون أي جدية سوى قتل الفضول... ذهبت مع مجموعة ومعنا مصري لمسؤول سوداني متوسطين لهذا المصري، ودلفنا الى مكتب المسؤول واندمج الجميع في ونسة لا علاقة لها بموضوع المصري ، واستمرت الونسة الجميلة لساعات حتى فقد المصري صوابه وصاح: بص حضرتك يا فندم نحن جايين اساسا علشان كذا وكذا ... صمت الجميع وانتهى الامر في النهاية لصالح المصري الذي شرب كوب الشاي بهدوء وترك الباقين يتونسون ويدردشون كما يحلوا لهم ... هناك شعوب تحب الدخول في الموضوع مباشرة .. لا تحب المقدمات الطويلة بل ولا حتى الونسة في قضايا غير جوهرية ولا تهمهم في شيء ، ولذلك غالبا ما يتضايقون من الأسلوب السوداني هذا ، ويتحملونه على مضض... مثلا شخص صيني ، اعتاد منذ نعومة أظافره على الاهتمام بقضيه معاشه وركز فيها ، بالتأكيد لن يتحمل نقاشا خارجا عنها اي عن اهتماماته المباشرة . أما في السودان فليس بعيدا أن تتم ونسة داخل وزارات حكومية بل وربما كان هذا هو أهم ما يفعله المسؤولون خلال اليوم . الهزل مختلط بالجد طوال الاوقات ، العمل والونسة متلازمان كالليل والنهار ، الخطاب الجاد غير محبذ حتى في البرامج التلفزيونية ، التعامل خارج البروتوكول حتى مع الضيوف الأجانب... والحالات الفردية لأشخاص جادين تؤدي الى اسقاطهم من الحسابات الاجتماعية . أما أهمية الوقت فلا وجود لها في الساعة البيولوجية للانسان الوقت يتآكل بسرعة والناتج ضعيف جدا والبطء هو السائد.. البطء هو نوع من تأكيد القاء كل شيء على عاتق القدر ... فلا شيء يستحق الاسراع من أجله.. والمتعة هي الأهم.. والونسة هي المتعة الأكبر ... رئيس روسيا البيضاء زار السودان قبل حوالي السنة... ومنذ هبوط الطائرة لاحظ البطء الذي يلفه .. ربما لم يتمكن من كتمان ملاحظته هذه فطلب من الشعب أن يتوقف عن هذا البطء ... هو جاء لانجاز مواضيع جادة..التقى بالبشير وباقي المسؤولين وبالتأكيد لم يجد منهم أي جدية.. هو يتحدث عن أمر محدد وهم في وادي آخر ... وفي النهاية وعدهم بقمر صناعي... (ربما من باب التهكم) أحد المسؤولين المصريين قال في التلفزيون أنه حين يلتقي بوفد حكومي سوداني لا يعرف ماذا يريد هذا الوفد بالتحديد ... الأجندة غير واضحة ... انهم يريدون الونسة والدردشة وفي اخر الامر قليل من الجدية .. وخليها على الله
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة