|
الشريعة والأسلمة في السودان الثروة دينُهم، والسُلطة شرُعهم (7) بقلم محجوب التجاني
|
05:45 PM Apr, 10 2015 سودانيز اون لاين محجوب التجاني-تنسى-الولايات المتحدة مكتبتى فى سودانيزاونلاين
10 أبريل 2015
علي المخاطر الجارية، وتعثر التسوية لمنطقة أبيي، وانشغال العالم بأزماتٍ متفجرةٍ إقليمية وقارية أخري، أتي تحليل بروفسور كارولاين فلوهر- لوبان في دقةٍ علي عوامل الأزمة الداخلية التي أزاحت عن السلام أثقال حمله وأحبطت نجاحه، وفي قمة التعويق معاداة الأخوان، رئيسا وحزبا، عطآء شعبنا الغالي لصون الوحدة وتدعيم السلام، واستبداد الأخوان بالسلطة لقهر الجماهير بجبهةٍ ضلالية. إن ما اجتاح العاصمة خاصة والأقاليم عامة من غضب شعبي عارم إشتمل حجما سكانيا بالغ التمثيل للأمة السودانية، ردا علي الإغتيال الشآئن لزعيم الوحدة المُخلص جون قرنق دي مبيور. وبنظرةٍٍ كُلية للمشهد السياسي، يتكور إحتدام الأزمة تطورا صاعدا يزداد تأثيرا في الحاضر والقابل. إن علينا أن ندرك أن الملعب الرئيس يترامي أمام حركة الجماهير المناضلة في المدن وأرياف الهامش في زحفٍ صارم يلتف المركز لإنهآء تهميش السالف. سوف لا تجدي مهاجمات صبية الأمن وقطاع الطرق لصّد الملايين. فهل للأخوان من عاقل! وللقارئ الكريم أن يتمعن في أنثربولوجيا الباحثة أمرا واقعا و درسا عمليا، نجد له في العرض خلاصة هامة: • غياب الإرادة السياسية "بوتيرة التطبيق البطيئة" لدي الأخوان حال دون تطبيق إتفاقية السلام بإخلاص. أغلق تمادي الأخوان في مكايدة حكومة الجنوب منافذ العملية، وبخاصةٍ تعديهم علي حق قادتها في اتخاذ القرار علي غرار ما أقدم عليه نآئب رئيس الأخوان علي عثمان طه ومساعدوه حين عّينوا بمحض إختيارهم - بدلا عن أصحاب القرار من الجنوبيين – عُدّة وزرآء في حكومة الجنوب دون أي اكتراث للإتفاقية، ثم اتبّعوا قراراتهم الظالمة بحملةٍ إعلامية لآئمة لحكام الجنوب! • إحباط مصيرالسلام والوحدة برحيل الزعيم الوحدوي جون قرنق دي مبيور في أشد الأوقات حاجة لقيادته. إن تغييبا أكبر كان ماثلا وفاعلا لكل القوي الجماهيرية الوطنية الديمقراطية التي انطلقت قيادة قرنق من صفوفها، ونهلت زعامته من إرثها وطموحاتها، وكان هو حريصا كل الحرص علي محالفتها والعمل المخلص مع كافة فصآئلها مما أكسبه تأييدها الراسخ، واستقبالها له في عاصمة الوطن القومية إستقبال القادة الميامين الموثوق بهم من جماهير الشعب لإيفآء العهود وإنجاز البرامج. • ليس في الإمكان شرح اندلاع العنف بأعلي مستوياته دون إدراك لأجوآء العداوة التي عمل الأخوان علي تصعيدها بين حكومتهم وجماهير الشعب، رغم أنف إتفاقية السلام التي لا ينتمون لها أصلا كإنقلابيين إسلاميين، جآؤا قطعا لضرب السلام في مقتل والإنفراد بطاغوت السلطان، ثم "استولوا" علي اتفاقات القوم علي ما تبين من مقارنة مواثيق التجمع واتفاقية ماشكوس، مثلما "استولوا" علي الدولة لمصلحتهم الخاصة آنفا. • كان متوقعا تماما أن يُوّظف الأخوان أقصي درجات العنف بقوانين "فرض أحكام الضرورة بهراوة السلطة لتأديب العصاة"، وشرطها الرئيس إزكآء أجوآء العداوة في البلاد بما يحقق أهداف الأخوان الإستراتيجية المتمثلة في إستبعاد السودانيين المهمشين من المشاركة في السلطة، إستئثارا لأنفسهم بالقرار، وإضعافا لدور الجماهير الواعية علي امتداد القطر، وفصم احتضان الحركة الجماهيرية لأبنآء السودان المناضلين في المركز والهامش علي صعيد واحد لبنآء سودان الوحدة والتنمية السوية. • سبيل الأخوان الأول لتحقيق أهدافهم التقسيمية بما "استولوا" عليه من سلطات لم يخرج أبدا عن تفعيل حزبيتهم دينهم جهالتهم شرعهم تخلفهم فكرهم وعرقيتهم جنسهم لضرب التحالف التقدمي الصاعد بين سودان الهامش بزعامة جون قرنق وحركته في الجنوب، وفصآئل التجمع الوطني في الشمال لنقل السودان إلي مواطنة دستورية حقة دون تمييز أو تقسيم بين أوطانه وقومياته المتعددة. إن سبيل الأخوان المعوج، هو بالضبط ما تمخض عن وحشية السلطة الممعنة في قمع خروج الجنوبيين الطبيعي وبصحبتهم آلاف الشماليين في شوارع العاصمة القومية للتعبير المشروع عن فقدهم الأليم لزعيم سوداني أصيل.
في ذاكرة الشارع، قمعت سلطة المركز ستينات القرن الماضي هّبات الغضب من أهل الجنوب علي إهمال النازحين في العاصمة، وسياسات الحكم العدوانية في الجنوب بتسعير الحرب الأهلية لتخريب القري البريئة وتشريد أهلها الطيبين في أركان الأرض، مما عزز خيار الإنفصال أمام ضحايا الإضطهاد. وقد تجلي علي مر السنين تشوق الشعب للحل السلمي والتمسك بالوحدة بصيغة الحكم الإقليمي لسودان واحد. بذلته حكومات عابرة وأخفقت أنظمة غابرة. إلا أن تجاهل الأخوان الشامل لحاجات النازحين من الجنوب ومناطق الهامش الأخري، وتسوئ حياتهم في المركز والأصل، واستخدام الأخوان للعاطفة الدينية والعقوبات الشرعية لقمع الجنوبيين وإجبارهم بالقوة علي كبت مشاعرهم فاق كل سابق- فكان تجهيزا عمليا للإنفصال. وفي الهامش تسمو زعاماتٌ نبيلة زخيرة الثورة السودانية وقيامها منشؤها البادية، ثآئرتها القرية، وثورانها المدينة. إنطلقت زعامة بليون صيني من ماو زي تونغ في الأرياف؛ وعاش المهاتما غاندي زعامته، مئات الملايين في الهند الريفية. وتسامت سير الزعمآء في قارتنا لتفانيهم في خدمة الهامش والزود عن حياضه ضد الإستعمار، جآء في التاريخ فوديو، والمختار، ونكروما، وسيكوتوري، وناصر. وفي السودان، تمحورت زعامات الوطن الكبيروانطلقت من القرية وأحيآئها الشعبية في المدن: يتلقفون فيها المؤازرة والمدد، ويتلقون من أهلها الطاقة والأمل. وما تمتع زعمآء الثورة السودانية بالمركز والجاه إلا بمخالطة الغبش والفقرآء، والتصدي لمستغليهم مواجهة وحسابا عسيرا. كشف أستاذنا محمد سعيد القدال في لوحته للإمام محمد أحمد المهدي، ثآئرا سودانيا، عن "المخالطة"، أحد أهم قوانين الزعامة الشعبية في السودان. ومن هذا، وضع الإمام سر نجاحه الساحق في كلمات بليغة: "إنما أنا عبدٌ مسكين، أحبُ المسكّنة والمساكين" - صارفا في صوفيةٍ شامخةٍ عطايا التركية المجرمة. وعلي النبراس سارت قيادات الثورة السودانية في مسيرها الظافر، جيلا إثر جيل، يفارقون جيئة وذهابا مدآئن الحضر مناصبا مقيدة ودوآئرا ضيقة ليخالطوا الأهالي في الهامش الفسيح، يعايشون لحظة بلحظة معاناتهم؛ يدركون ثقافاتهم ويُجّلون قيمهم؛ يوقرون آمالهم ليصنعوا معهم ولهم روآئع الإنجاز. من هؤلآء الزعمآء النابهين، نخصُ بالذكر المعلم السوداني الثآئر يُوسف كُوّه، فقد كان نموذجا رآئعا للقآئد الشعبي النبيل، ترك الوظيفة وقناع المدينة ليخالط الفقرآء ويرعي المساكين، مشيا علي الأقدام في الجبل والغابة، والصحرآء والشكابه، في حُبٍ واقتناع. ولعل السبب واضح الآن، لما يسّخر شعبنا من رئيس الأخوان حين يتشدق بالزعامة وأعوانه سكان عمآئر السراميك والأراضي المنهوبة وقصر الرئاسة "المستولي عليه" مع باقي اموال البلد المسروقة، وما يحيط به الأخوان ركب السلطة من هرج وإسراف لا تري عين شعبنا الفاحصة ورآءه شيئا غير الإضاعة والفراغ.
ما بشرع الله تكْبّت حرية أويُمْنّع سّلام الحرية حقيقة تتنفس ثقافاتنا، والسلام ممارسة يومية في ضمير شعبنا. عبّر الشيخ ودالرضي أجمل تعبير عن هذه القيم الرفيعة أشعار شعبية، قال: "أحرموني [فلكم حرية الإختيار] ولا تحرموني سنة الإسلام السلام [لأنه أمر الخالق الأعلي]". والقاعدة ثابتة في الشريعة "الحق حقٌ والعدل عدلٌ" - لا محيص عنها لإستقرار الحياة، ومبدأ جوهري فطن له القانون الدولي لاحقا في عهد الحقوق المدنية والسياسية علي ستينات القرن العشرين، فنص علي تقييد الخروج علي الحقوق في أضيق نطاق للصالح العام وحسب"حماية للمجتمع" من الأوبئة والكوارث. ما بشرع الله ولا في قانون دولي أمْرٌ بكبت الحرية وقمع المعارضة"لحفظ النظام".
هذه اللحظات، يقابل شعبنا الواعي غش الأخوان المُبّيت لتزييف الإنتخاب الرئاسي ونهبه بمقاطعةٍ جماهيريةٍ مبتكرة، رفضا للزعامة المصطنعة لرئيس الأخوان وأعوانه علي طريق نبذههم المحتوم.
سينتصر في كل الحالات تراث هذا الوطن الحبيب ونهجه الراقي الفريد؛ ويا لبؤس الضلال من شعبٍ عريق عظيم المراس: يُعّلم السياسة، ويحذق الإبداع!
نواصل عرض الكتاب وننهي التعليق عليه في حلقتين قادمتين بإذن الله.
وغدا يومٌ جديد.
مواضيع لها علاقة بالموضوع او الكاتب
- الشريعة والأسلمة في السودان (6) بقلم محجوب التجاني 04-06-15, 03:48 PM, محجوب التجاني
- الشريعة والأسلمة في السودان (5) تحولاتٌ سكانية: قصُور وكُهوف! بقلم محجوب التجاني 04-03-15, 01:29 PM, محجوب التجاني
- الشريعة والأسلمة في السودان (4) بقلم محجوب التجاني 03-29-15, 03:31 PM, محجوب التجاني
- الشريعة والأسلمة في السودان (3) بقلم محجوب التجاني 03-25-15, 08:54 PM, محجوب التجاني
- الشريعة والأسلمة في السودان (2) بقلم محجوب التجاني 03-20-15, 04:57 AM, محجوب التجاني
- الشريعة والأسلمة في السودان (1) بقلم محجوب التجاني 03-15-15, 01:21 AM, محجوب التجاني
- علي شرفِ جماهير منتصرة بقلم محجوب التجاني 03-11-15, 05:51 AM, محجوب التجاني
|
|
|
|
|
|