حسبي قَبَستُ السنا مِن جَذوة رقصت في مُجتلى الشِعر ألقت عنديَّ الخبر اآنستها ميعة الريعان فاشتَعلتْ مجنونة الوهج تُزجي دَمعها شررا أبدت لي المُشتهى فاخترتُ خافيةً في وجنة البرقِ أعيا خفقها البصرا قالتْ : فراشٌ هوى لم يدرِ في صفتي كم من فراش على أشواقه انتحرا
.................
الشاعر عبد القادر الكتيّابي
(2)
يذكره كثيرون من السودانيين بأغنيتين من شِعره باللغة العاميّة الفصيحة ، أعدّ ألحانهما وتغنى بهما المطرب المُبدع " مصطفى سيد أحمد" : ( لمحتِكْ ) و ( على بابك )،يقول مطلعيهما :
لمحتِكْ,,
لمحتِكْ وقلت بر آمِن بديت أحلمْ المّلِم قُدرتي الباقية وأشدّ ساعد على المجداف تلوح لي مُدن عينيك وترفع لي منارة بَسمتك سارية
*
علـى بابـــــك,,
على بابك نهارات الصّبُر واقفاتْ بداية الدنيا هِن واقفاتْ وكم ولهان وكم طائر بعد نتّف جناحو وراكْ لملم حَر ندامتُو وفاتْ
(3)
" التجاني يوسف بشير " شقيق والدته:
كيف لا يُشعِر " عبد القادر الكتيّابي " ؟ وشقيق والدته : الشاعر " التجاني يوسف بشير " . هرمٌ من أهراماتنا الشِعرية والثقافية منذ ثلاثينات القرن الماضي . منْ منا لا يذكر قصيدته " توتي في الصباح " :
يا درة حفّها النيل واحتواها البرُ صحي الدجي وتغشّاك في الأسرّة فجرُ وصاح بين الربي الغر عبقري أغرُ
شِعر " التجاني يوسف بشير "رومانسية شاعرية مُترفة. بحيرة هادئة وأوز يسبح وانت يُفتِنك توزيع الكائنات على الرؤية . في زمان كانت " مجلة الفجر " قد ضمته مُحرراً بعد أن طلَّقه " معهد أم درمان العلمي " ثلاث تطليقات ،لأنه مُبدع !! .إنها الجينة ركبت موج الإبداع ، والخروج عن المألوف. في زمن كانت الحياة راكدة ، إلا لدى المثقفين خاصة بعد تعيين " السير ستيوارت سايمز " حاكماً عاماً للسودان. لقد كان المثقفون يحملون راية ناهضة ضد التّيار حينها .
* لم يكن شاعرنا الكبير " عبد القادر الكتيّابي " ليخرج عن تلك الجينة الوراثية الملتبسة بالإبداع ، ولو شاء .إنه إرث يقبض على ميوعة الصلصال الأزلي، قبل أن يتشكّل .وفي مخبز الحياة بتنوعها وحيويتها ،أحزانها وأفراحها ، انتبهت تلك الجينة لموعدها الجديد. شكّلت شاعرنا الحياة ، وشكّلها هو بإصراره على الدرب وإن سار على الأشواك حافياً . وخرج إلى الوجود بعدها شاعراً مُكتملاً مبنى ومعنى . بَصمته على الشِعر العربي بادية للعيان .هكذا لمسنا في شِعره ،ثوباً رقيق الملمس ، غَض الإهاب . مارد الشِعر وقد أنطق سيدنا " عبد القادر الكتيّابي "، فكان كما نراه : شمساً خرج من موطنه ، حاملاً وطنه في قلبه قمراً .
(4)
شهِد التاريخ أن بلادنا مقبرة المُبدعين وأصحاب الرؤى طوال تاريخها . لا أذكر استثناء ، ولكن الذكرى تنفع الذين يهمهم أمر المبدعين . سكناتهم لها منْ يُحصي عدد أنفاسها ، فهم مُبدعون يسيرون بخلاف اتجاه الموج وإن غضب الريح ، فلتغضب الريح.. لا يهُم ! . يضربون على الرغو الصاخب . يقاومون الصبر ، حتى تمجّدت ابداعاتهم . كانت أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَهَاجِرُوا فِيهَا، قبل أن تنقضّ المفترسات عليهم في موطنهم الذي يحبونه . هاجر سيدنا " عبد القادر الكتيّابي " وللمرة الثالثة خارج الوطن وإلى الخليج ،في زمن صعب. تكالبت كل القوى المُتجبرة ، تهدف استنزاف ثروات أهل الخليج . وضاقت أرض المهاجر بما رحُبت .مثل كل المُحبين اليتامى : ضمّت حواصلهم نجمة صغيرة نُسميها الوطن ، عصية أن تخرج من روح البدن . ربما ينتبه الذين يهمهم الأمر ، وينظروا وكر المواجع ، وكهوف الظلام . عندها سوف يتحسسون رنين القلب الذي كاد من شدة طرقه أن يخفُت . ليس لديَّ بلسم شفاء المُبدعين من أحزانهم . الطيبُ أول مرة أعرف طعمه الحقيقي من أشجانهم . الزغب الناعم الملمس ، هو من حنينهم للطفولة الضائعة في موطني. فمن يملُك أن يأخذ الحُسنَ بملك اليمين ؟. للقادرين دون سواهم . في وطن انقسمت العشائر فيه إلى أقلية تملُك كل شيء ، وأغلبية " لها الله " .
(5)
انتبه الملأ في الوطن والشتات للشاعر الوطني " محجوب شريف " وللعالمِ في البحوث والدراسات " الدكتور حيدر إبراهيم " ، بعد أن بث الأخير ابنه تميمةً في " صفحة التواصل الاجتماعي ". وعرف الجميع حين ألمتْ به مِحنة المرض ، فمدت أعناق الطيبين مرونتها كلها لتعرف . وتنادى المواطنون السودانيون والمواطنات في الوطن وفي المنافي . وتلوّن الجسد السوداني النبيل ، بأسمى آيات العرفان .
*
هكذا أبناء وبنات شعبنا ، لم تنهزم فيهم خصلة التعاضُد والتآلف والمحبة . هكذا أنتم يا أبناء وبنات موطني ، لم يُغسل الجُفاة خصيصة التحمت بالجينات ،لن تغيرها الطوارئ ، رغم أن الطوارئ امتدت واستطالت عقوداً ، لا نعرف لها مدى .ابتلع الأسى الأفق الرحيب . شمسه وقمره وسماءه ، ليسوا كما نعرفهم ،عندما كان السودان " سودان "! . غير ما رغب الذين مشوا على أجسادنا بمجنزراتهم ، وعلّقوا مشاجب خطاياهم على المثقفين وأصحاب الرؤى، وعلى الشعب المغلوب على أمره .
*
هكذا أنت يا موطن النُبلاء ، تستنبت الورد من بين أحشاء حجارة الجهل النشط . الذي يحدِق بنا ، يخصف كل طيف حلمٍ تجاسر على العلو ، ليصطاده بالنبال! .
(6) كتبت عنه موسوعة الشعر العربي :
ولد الأستاذ" عبدالقادر عبدالله الكتيّابي" في مدينة أم درمان. في أسرة من قرية الكتيّاب المعروفة ـ و كان ميلاده في الثامن والعشرين من نوفمبر عام 1954 .وهي أسرة عُرفت بإرثها العلمي و الديني المتمثل في تعليم القرآن و توارث ألوان الأدب المختلفة ،حيث برز فيها خاله العبقري الراحل "التيجاني يوسف بشير" وشقيقه الشاعر والمفكر المرحوم " أحمد عبد الله الكتيّابي " الذي كان يباشر رعايته الأدبية ـ وابنا عمته الأديبان الشاعران " محمد عبدالوهاب القاضي" و " محمود عبد الوهاب القاضي" ،وجدّه الشاعر الثائر الساخر " محمد سعيد الكهربجي "وجدّتهم الشاعرة البليغة ( بت بدري).
*
أُلحق "عبد القادر الكتيَابي "في طفولته حسب تقاليد العائلة، " بخلوتهم " الملاصقة للغرفة التي وُلد فيها .وهي "خلوة " جدّه الشيخ "محمد القاضي" بأم درمان. حفظ فيها القرآن على رواية الدوري من شيخه وعمه " الفكي العوض علي مصطفى" ، بإشراف كل من والده وجدّه الشيخ "يوسف بشير الإمام "ـ ثم ألحقه بعدها خاله المرحوم "محمد علي يوسف بشير " بالتعليم الأكاديمي ، بعد أن تمّ قبوله بالمعهد العلمي لمواصلة التعليم الديني ـ فاجتاز مراحله الابتدائية والمتوسطة العامة والثانوية العليا بمدارس أم درمان، ثم توفي والده في يوم من أيام جلوسه لامتحانات الشهادة السودانية إلى الجامعة ، كما توفي بعدها بأشهر جدّه الشيخ" يوسف بشير ".وقد كان شاعرنا مرتبطا بهما ارتباطا وجدانيا بالغا ،لذلك كان الأثر عميقا عليه في تلك المرحلة. قطع حبل الدراسة وسجل سرا للالتحاق بالقوات الجوية، متدربا جويا ـ حيث قضى فيها سنتين ،ثم هاجر إلى مصر لاستكمال دراسته قبل فترة قليلة من موعد امتحان الشهادة الأزهرية وأصر على خوضها. وقد اجتازها بنجاح وسط دهشة زملائه فتأهل لدخول جامعة الأزهر لدراسة اللغة العربية وعلومها؛ لكنه لم يتمكن من المواصلة لظروف أسرية قاهرة، فعاد ليعمل في التدريس في كل من مدارس " أبو روف" و"الإنجيلية "، وغيرهما من مدارس أم درمان الأهلية؛ كما عمل في الصحافة والإذاعة بأم درمان وأيضاً من قبل في القاهرة ـ و كان أثناء ذلك يباشر نشاطه الثقافي والإعلامي من خلال الصحف والبرامج والمنتديات .
*
هاجر "عبد القادر الكتيَابي " للمرة الثانية في الخامس والعشرين من مايو 1986 إلى دولة الإمارات ،بعد عام واحد من انتفاضة أبريل 1985، بعد أن سقطت حكومة" 25 مايو" التي كان مختلفا مع طروحاتها حيث أُدرج في قائمة معارضيها المحظورين، مرصودا من أجهزتها منذ عودته من مصر عام 1982 . واصل "عبد القادر الكتيّابي "دراسته الجامعية على نظام الانتساب لا حقا خلال فترة هجرته الثانية . عمل شاعرنا في الإمارات في كل من جريدتي" الفجر" و"الاتحاد " الظبيانيتين ، و كذلك هيئة الإذاعة والتلفزيون في أبوظبي، كما تنقل في بعض أعمال القطاع الخاص لفترات قصيرة أثناء ذلك . *ظل الشاعر" عبد القادر الكتيّابي" منذ بداياته الأولى محط أنظار أساتذته، وأصدقاء الأسرة من الأدباء، أمثال : " عبدالله حامد الأمين" و "عبد الله الشيخ البشير" و"محي الدين فارس" و "محمد المهدي المجذوب" و "محمد عبد القادر كرف" و "مصطفى سند" و" دكتور محمد عبد الحي" و "الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي " و" مبارك المغربي" و" فراج الطيب السراج " ـ و الشاعر "محمد بشير عتيق "و "الدكتور حسن عباس صبحي" و الاستاذ "حسين حمدنا الله"
*
تنقل " الكتيّابي "بين منتدياتهم وحظي باهتمامهم البالغ ، على اختلاف مشاربهم .وقد سبق له أن أحرز المركز الأول في مسابقة الندوة الأدبية للقصة القصيرة على مستوى القطر عام 1976 ،كما أصدر ديوانه الأول ( رقصة الهياج ) بالقاهرة عام 1982 م، ثم ديوانه الثاني ( هي عصاي ) بإمارة دبي .وأصدر بعدهما ديوانه الثالث ( قامة الشفق ) عام 1998 م، في دبي أيضا .و شارك في عدد من المؤتمرات والمهرجانات الأدبية والحلقات الدراسية العلمية للمجامع اللغوية والجمعيات والروابط العربية في مجالات الآداب والفنون والشِعر .وقد كانت كل تلك المشاركات استجابات لدعوات شخصية مباشرة من تلك الجهات، حيث لم تتح له فرصة تمثيل السودان رسمياً ،بسبب المواقف المتشابهة ضده من أجهزة الدولة خلال فترتي مايو والإنقاذ .
*
أعد للنشر كتابه ( صريف الأقلام ) الذي يحتوي على مجموعة من المقالات والمباحث والخواطر المتنوعة ـ وله تحت الطبع ديوان العامّية ( أغنيات على سفر ). وهي مجموعة من قصائده العامية التي تغنى بها بعض أصدقائه وزملائه من المطربين الفنانين الأقطاب، أمثال الراحل المقيم الأستاذ " مصطفى سيد أحمد" والموسيقار " يوسف الموصلي" وصديقه الحميم المطرب " سيف الجامعة" و المطربة "منال بدرالدين "و من الرواد الفنان المطرب " هاشم ميرغني "والمطرب " عبد العزيز المبارك ، و لاحقاً "فرقة سكة سفر "وغيرها كثر.*أطلق "الكتيّابي "موقعه ، على الشبكة الرقمية العالمية للإنترنيت في يونيو 2004 ، نزولاً على رغبة الكثيرين من أصدقائه وقرائه ومعجبيه ،كما ظل متواصلاً عبر الشبكة العالمية للإنترنيت مع أصدقائه وقرائه عبر موقع (سودانيز أون لاين ) المعروف.
*
صدرت له المجموعة الكاملة للشعر الفصيح عام 2014 ، الطبعة الثانية.
(7)
عاد الشاعر " الكتيّابي " للوطن فترة من الزمان ...، ولكنه اضطر للهجرة مرة أخرى إلى دولة الإمارات العربية المتحدة ، فأرض الله واسعة ، و في قرارة نفسه :
بلادي وإن جارت علي عزيزة .. وأهلي وإن ضنّوا على كرام
وإن الشاعر "الكبير عبد القادر الكتيابي " يتأبي أن يُنسب دوماً لخاله الشاعر " التجاني يوسف بشير " ، ليس لعظم تراث الشاعر الرقيق ، بل لأن شاعرنا اختط طريقه وحده، له أخيلته ولغته الخاصة ، وتجاربه . وللمدقق الحصيف ، سيدرك كم يفترق الشاعران .
*
05-05-2017, 03:56 PM
عبدالله الشقليني
عبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة