|
السيسي .. والرقص في درجة الغليان /محمد رفعت الدومي
|
السيسي .. والرقص في درجة الغليان
يلزمنا ، اذا أردنا أن نجترح استبصارات المشهد كاملاً ، وهو مشهد معقد ومزدحم بالنذر السوداء ، أن نضع الوقائع في اطارها الصحيح ، ويلزمنا قبل كل شئ الاعتراف بأن مصر تعيش أشد لحظاتها التباساً ، ومثل هذه اللحظات تكون علي الدوام مستقطبة ، وبتصرفات مرتفعة ، وجديرة بتماهي المشهد وتحريفه التام في أي وقت ، وكل وقت ، ليس هذا فحسب ، وانما تواصل الركض صوب ذروتها بخشونة صاعدة الوتيرة .. أكتب هذا الكلام في وقت يضطر فيه الذين ينسبون أنفسهم لمؤيدي حدث نهاية منتصف العام ، وأنا أحدهم ، الي غربلة كل أفكارهم التي اعتبروها صحيحة ، ومقدسة ، ولا تقبل القسمة علي اثنين !!
وهؤلاء كانوا في وقت ما لا يعدمون الصواب تماماً .. فالاخوان المسلمون ، ربما لعدم انخراطهم في الحالة المصرية واستيعابها ، وانتهاك سرها ، وربما لأنهم كانوا يتوقعون الطاعة ، بل الصمت ، لم يتركوا ولو بضعة ملليمترات تتحرك خلالها نظرة للأفق من زاوية أخري ، أو ضوء آخر خارج رقابة (حسن البنا) ، ووصاية (سيد قطب) ..
كما أن الدم الذي كان ، ولا يزال ، وسوف يظل الاشارة الي سعي الانسان من أجل تجاوز الوضع الراهن بالبحث عن قانون أنبل للحياة واكتسابه وترسيخه ، لم يجد لصراخه موطأ في أولويات العام الاخوانيِّ ، بعدما أصبح من غير المقبول أن يسيل كل ذلك الدم ، فوق كل الأرصفة ، ثم تتخثر كل الأرصفة دون أن تهتز الثوابت والقيم التي سال من أجلها ..
لا شك أن الاخوان المسلمين أنفسهم كانوا يتصرفون بتلقائية الجيتو ، وما تفرضه عزلة الجيتو من تعبيرات شهيرة تجد التعبير عنها في ذلك التشابه المقيت في طريقة تناولهم لفكرة ما ووحدة السياق ، بل في طريقة الحديث ، وحتي ملامح الوجوه !! فضلاً عن انعكاسات أحلام اليقظة التي تصحب السجن عادة ، والحرب دائماً ، علي القناعات المركزية ..
لكنه الجيتو السلبيِّ علي أية حال ..
ربما لأنهم لم يقدِّروا ، كما قدَّرَ اليهود حجم المياه التي جرت في النهر بعد مفكريهم ، وأدركوا أن خير وسيلة يزيِّنون بها ذكري (دانيال) و(حبقوق) هي تجاوز فكرهم أو الانطلاق من خلاله وتجاوزه في الوقت نفسه الي آفاق أكثر رحابة ، في حين آمن الاخوان ايماناً طليقاً أن موكب الفكر وصل بـ (البنا) و(سيد قطب) الي نهاية المطاف !!
ربما ، لهذا السبب ، ندر أن نجد منهم مبدعاً ..وربما ، لهذا السبب أيضاً ، بالرغم من فداحة رصيدهم في الشارع ، واحساسهم بفداحة هذا الرصيد ، لم يستطيعوا وحدهم أن ينتفضوا انتفاضة منظمة تمطر في أوجاع النظام أبداً ، هذا يؤكد أن التردد هو السمة التي تلمع كالخنجر في شخصية الاخوان كجماعة ، ظهر هذا جلياً في انخراطهم المتأخر في ثورة 25 يناير ، لكن يجب ألا يمنعنا الغرور أن نعترف أن نزولهم كان المدد الذي منح الثورة زخمها الشهير ، وقبلة الحياة المؤدية ، فلولاهم لما انتهت الثورة الي ما انتهت اليه ..
لم يصل الاخوان والاسلاميون عامة الي السلطة تعقيباً علي امتياز ثقافي أو فكري أو حتي أخلاقي ، وانما وصلوا الي الحكم تعقيباً علي منهجهم ، وما لمنهجهم من جذور مقدسة ، ومكدسة في القلوب ، وفي قلوب أصحاب الحد الأدني علي وجه التحديد ، ذلك الوله المطلق الذي كان طبيعياً أن يترجم الي أصوات في صناديق !!
حقيقة لا تحتاج الي الوقائعية للحكم علي امتلائها ، أن الاخوان صعدوا الي قلب التجربة علي زند الدين بنعومة ، وانحازت لهم الفرصة أن يصعدوا بالفكرة الي ذروة النقطة بنعومة أيضاً ، لكنهم بدلاً من ذلك ، أثبتوا أنهم الأغبياء بالقدر الذي يكفي ليلهمهم الغرور، ويلهمهم أن شركاء الوطن ، ما داموا خارج السياج الاسلامي ، لابد خصوم يشكلون خطراً علي منهجهم ، فضلاً عن كونهم صوبوا منذ البداية أنظارهم الي أكثر نقاط التاريخ الاسلاميِّ خشونة وبشاعة واستبداداً كنموذج جدير، ونقطة انطلاق لاستاذية العالم !!
أرادوا استعارة نموذج الدولة العثمانية ، أو الخلافة العثمانية ، دون أن يدركوا أبداً أن البلد الذي آل اليهم حكمه أقدم عمراً لا من الخلافة العثمانية وحدها ، بل أقدم عمراً من الاسلام نفسه ، انهم لم يستوعبوا جلال اللحظة فقط ، وانما أرادوا الاستمرار علي ركام التداعي وان كان بعضه مدبرا ..
ومن هنا ، وهنا تحديداً ، وجد أبونا الذي في مجلس قيادة الثورة المضادة ، والذي في كلِّ مكان ، الخاصرة اللينة لطعن الظاهرة الاخوانية في مركزها .. ان الممر الي ما حدث في نهاية منتصف العام ينسحبُ مباشرة الي اليوم التالي للتنحي الشهير ، وربما قبل تنحي مبارك ، مبارك الذي استطاع ككل ديكتاتورأن يباشر تربية رجال لوقت الحاجة ، وهذا ليس غريباً ، ولكن الغريب ، بل الأغرب ، أنهم لم يخذلوه !! ليس الممر الي عقاب الاخوان قصيرا كما يعتقد الأغبياء ، وكما يروج محللو البلاط والمرتزقة ، فقد وصلنا الي قاع لا نكاد نتعرف فيه الي علي كبرياء الناقصين ..
ان البحث عن تعريف لما حدث في نهاية منتصف العام لا يحتاج الي معجزة نسترخي فوقها .. كل ما نحتاجه لتعريف ما حدث أن نفتش عن مكان د. البرادعي في صورة المشهد ، فهو الرجل الذي اشتري ، وله السابقات ، بعرضه ، وسيرته ، مرآة بحجم الشمس ليري فيها وجوههم القابضة علي جذورالقبح ، أولئك الصحابة الجدد كـ (ياسر برهامي) ، الذي رأي أن شباب حزب النور سيشعرون بصدمة اذا تولي البرادعي رئاسة الوزراء !!
كأنني لم أسمع شيئاً عن صدمة شباب النور لاقتحام المساجد ، وقتل رفاق الدرب وتظاهرات أيِّ شئٍّ والشريعة!! وكأنني سمعت عن صدمة البرادعي الذي .. كما كان الراهب (صافونارولا) الطعنة الأولي في الظاهرة الكنسية ، كان الطعنة الأولي ، وبلا منازع ، في ظاهرة الحاكم الاله المسنة ، والتي اكتسبت بانقلاب عبد الناصر الشهير غابة من الأبعاد الاضافية ، والمظلمة .. هذا جعله المحور الذي تدور حوله الأحداث قبل وبعد ثورة يناير في كل أطوارها ، وجعله أيضاً كالاصبع المبتلِّ ، به يعرف اتجاه الريح ، ولعل وجوده الآن في ظلال منفاه الاختياري ، يحتسي الخمر محاطاً بالذين أنهكهم الزمن والحرية ، يرشد ظلالنا لتعريف ..لانقلاب نهاية منتصف العام ، فضلاً عن توقف الحريات والعودة الي أساليب دولة مبارك ..
وأزيدكم من الشعر بيتاً ..
اذا استدعينا من جيوب الذاكرة القريبة الدول التي كانت تدين مصير مبارك ، وتتباكي من أجله ، سنرتطم بنفس الدول التي رحبت بانقلاب يونيو وتدعمه ، وتواصل دعمه ، لا لشئ سوي أنها واعية بالقدر الذي يكفي ليلهمها أن وجود نظام ديمقراطي في الجوار، تهديد صريح لدول القبيلة .. ليس صالحُ مصر من الدوافع الحاثة كما يتصور البالون !
ثم ، أين اختفت الهالات السوداء حول عيني (جمال مبارك) ، مشروع رئيس مصر السابق ، وربما المؤجل ، فماذا يحتاج لغسل سيرته ، واسترداده الي الحمل القديم الذي كانه في الاعلام قبل يناير سوي حزمة من برامج التوك شو ، وقطرات من الدموع المتداخلة في الكحل الفرنسيِّ من عيني السيدة الثائرة (مني الشاذلي) ؟!
يلزمنا هنا أن نعترف بفشل ثورة يناير ، لكن أهم مكتسباتها أنها وضعت المصريين في مفترق للطرق لكل أنواع العبث والتعاسة يؤدي الي قانون جديد ، ويزرع في الأعماق الرغبة في بث الحياة في هذا القانون .. لقد أدرك المصريون أخيراً غربتهم ، وخرجوا من نطاق أنفسهم تماماً ..
لم تولد الحرية من رحم ثورة يناير ، ولكنها مع ذلك ، خلقت جيلاً جديراً بالحرية في كل لحظة !
انه الانقلاب ..
الانقلاب الذي لم يترك توترا في أفق العلاقة بين المواطنين فقط ، بل ترك توتراً في أفق المواطنة نفسه، وبتصرفات مرتفعة ، يتجسد في أغنية ذلك المتصابي (علي الحجار) ، احنا شعب وانتوا شعب !!
ومن المؤكد ، والثابت ، أن الكثيرين ، الكثيرين جداً من مؤيدي انقلاب يونيو لم يتوقعوا أن تسير الأمور علي هذا النحو المقيت ، فضلاً عن كونها مرشحة للترهل الي قمع منقطع النظير سوف يطال الجميع ..
ان اختلاف معظم المختلفين مع الاخوان كان اختلافاً فكرياً بالدرجة الأولي لا انسانيَّاً ، ولم يطلع أحد منهم علي ما كان يدور وراء كواليس نية السيسي ودوافعه !!
لقد سلك السيسي للوصول الي حلمه القديم أكثر الطرق التواءاً ######افة ، أو علي وجه الدقة ، تصيد حلمه القديم من خلال الأجنحة المتصارعة من طلل نائم وردئ ، حيث توقف الوقت وتجاوز الأساليب وأهملت الانسانية في مسيرتها نحو الرقيّ مفهوم الانقلاب كوسيلة للتجاوز تماماً ..
ربما كانت مباركة الانقلاب كوسيلة للتجاوز طبيعة مرحلة ما بعد الحرب الثانية ، وتعبيراً محميَّاً علي ارادة أمريكية وغربية ، وبرعاية أمريكية مغرضة ، ولها ما بعدها ..
أدرك أنه من الصعب أن يصدق الذين استقوا ثوابتهم الوطنية من روايات (يوسف السباعي) و(عبد الرحمن الشرقاوي) وأغاني ( عبد الحليم حافظ ) الوطنية ، وسينما ذلك العهد ، وذلك الالحاح المدبر جيلاً بعد جيل لرؤية الصورة من زاوية النظام ، وفي مساحة الضوء التي يعايرها مثقفوه وأدواته بدقة بالغة ، من الصعب أن يصدقوا أن انقلاب جمال عبد الناصركان أكبر لطمة تاريخية وجهتها القوي السلبية في الطبيعة لمصر ، وأنه صناعة أمريكية خالصة ، وان كنت لا أرتاب في حقيقة خصومته لها ..
كما من الصعب أن يصدقوا أن ما نعيشه الآن هو تعقيب مباشر وضروري علي ذلك الانقلاب لا مجرد صدي له ، أو يصدقوا أن العهد الملكيَّ لم يكن بكل هذا السوء !!
واذا كان المصريون يتزاحمون حول عشق عبد الناصر ، بل تغلغلت سروته في الافق المحتشد من الماء الي الماء ، فالحقيقة ليست هي الاجماع علي الدوام ..
ولأن الأخلاق هي المدخل الأكثر صدقاً لارتباط الجماعة بالرقيِّ ، ولأننا شعبٌ بلا أخلاق في خصومته ، ولأنَّ الذين يعرفون أكثر ، يردُّون هشاشة أرواحنا الي ما خلفته في أرواحنا غابة السنوات الممتدة من عبد الناصر الي مبارك , فلأن ذلك علي الأرجح هو الذي حدث !!
ويلزم الذين يريدون أن يكتشفوا مدي ما وصلنا اليه من انحطاط روحي وهشاشة ، أن يقرأوا فقط ترجمة خطيب الثورة العرابية (عبد الله النديم) ، وأن يسقطوا انعكاسها في أروحهم مباشرة علي (مظهر شاهين) خطيب ثورة يناير ، سيكون الفارق رحباً الي مدي بعيد ، والي مدي أبعد انعكاساً صائباً لمساؤي الحكم العسكريِّ !
إنَّ للخصومة عادة أخلاقاً ..
إذاً .. السيسي انحاز الي حلمه لا الي ارادة المصريين ، والاَّ ، فكما يقولون في تراث لغة هذيل : كذبوني ولو بلقمة !!
ألم يكن الرجل جزءاً أساسياً في معادلة نظام مبارك ؟ أين ، ولا أين ، كان الرجل ، وكانت غيرته علي المصريين ؟
أنا هنا أتكلم من داخل اطار للوقائع لا يقيم وزناً للوعود المؤجلة ، ولا يقيم وزنا لكلام مرسل من الرجل وهو مسوَّرٌ بملائكة أنيقة ، وغيمةٌ علي وجهه ، عن مصر التي ستصبح (أدَّ الدنيا) ، ومن الطبيعيّ ألا أقيم وزناً لـ (بطل هذا الزمان) ، ذلك التعريف الذي وضعه خصيُّ من ألمع لاعبي السيرك السياسيِّ في مصر للرجل ، وغيرُه ، دون أن يكلفوا أنفسهم أن يرشدوا عقولنا الضحلة الي موطن البطولة فيما ارتكب ، ولا أقيم وزنا لوشاية أبينا الذي في مجلس قيادة الثورة المضادة ، وفي اصرار واضح وركيك علي العزف علي أوتار القطيع الروحية أنَّه كان يؤم المسلمين في الصلاة أثناء دراسته بأمريكا !!
احالة صريحة ، بل مبالغة في الاحالة ، ولكنها تضع الواقع في اطاره الصحيح ، لا شئ تغير ، المتاجرة بالدين كالمتاجرة بالدين ، وزيت وسكر الاخوان كعطايا القوات المسلحة ، والطعام مقابل الحرية ، والهراوات التي تربِّي الأعماق تستعيدُ لياقتها من جديد ، وبقوة !!
والحقيقة أنّ ملامح البطل المطبوع لا تتوفر في الرجل ، فالظاهر لابد أن يتواصل مع الباطن لبلورة الذات الاستثنائية لتتشكل حالة خاصة لا نتعرف فيها الا علي حساسية البطل وحدها ، بمعني آخر ، لا يحتاج البطل أن يقدم البراهين علي بطولته ، أو يكلف أحداً بترسيخها في الأذهان ، وانما للبطولة حيزاً داخليّاً مشحوناً يفصح عن نفسه من تلقائه ..
ليس المظهر الخارجيُّ سوي استجابة لحاجة ضرورية أو مرتقبة ..
أيُّ بطولة في مجزرة ضدّ العزل كان من الممكن الحيلولة دونها بطقوس بسيطة ؟
فلعله بطل من صناعة الصدفة اذاً ؟!
ولا حتي هذا التعريف من الممكن أن يتزاحم الجميع حوله ، لقد كان الرجلُ عصا المتضررين من حكم الاخوان التي أمطرت في أوجاع الاخوان لا أكثر، وسوف يكون مكسر العصا اذا استمرالاخوان في ثورتهم ، او فارجموني بغابة من اللعنات ما لم تكتشفوا بعد سلة من الشهور، ولعل الأمر الآن أصبح معلَّقاً في مشنقة الضوء الجارح ، أن بطلكم هذا قد قادكم بأناقة الي مربع البداية الخائف آمنين ، نقطة الصفر ما أعني !!
فهو ككل العسكريين ، مهما كانت أوجه الاختلاف بينهم ، الاَّ أنهم ينتمون جميعاً الي خندق واحد ، وعائلة واحدة تعتبر بكل بساطة أن السلطة لابدَّ أن تكون تعبيراً محميِّاً علي الذين يجيدون تربية المعارك ، وللقطيع السياط !!
السيسي انحاز الي حلمه القديم لا الي ارادة المصريين ، ولكن السؤال المتطلب ، هل انحاز الي حلمه القديم دون مراقبة العواقب ، أم أحصي الرجلُ قبل الاقدام مخاوفه من ردود أفعال القوة القارية ؟؟
أعتقد أنَّه ، وهو الذي شديد الحذر وتعاليم الثعالب ، ما كان ليقترف هذه الخطوة الحاسمة لو لم يري ضوءاً أمريكياً أخضر ، لعلَّه يستدعي من الذاكرة ذاك الضوء الملتبس الذي لوَّحوا به لصدام قبل أن يسترخي علي أكبر حماقاته علي الاطلاق ويغزو الكويت ، وقبل أن يتحول كل العراق الي حيز خائن للطرائد يخونه هو شخصياً في النهاية !
ولعلَّ مصر الآن تتصدر لائحة الرحي وأولويات النطاق النظيف !
ولعلَّه استرخي فوق أكبر حماقاته علي الاطلاق ، وظنَّ أنَّه يستطيع أن يتَّقي تعقيب أمريكا بالاختباء في ظلِّ روسيا ، دون أن يدور بباله أنَّ مصر بكلِّ مقدراتها لعقود قادمة ، لا تفي ببعض الذي قدَّمه لها (صدام) تكريماً لترتيب مخبأ آمن للعراق في ظلِّها من شرور أمريكا ، قبل أن تتخلي عنه لقاء حزمة من عقود اعادة الاعمار !!
فقط أصحاب الحد الأدني وحدهم الذين يصدقون أن مصر أفسدت خطة أمريكا للسعي نحو شرق أوسط جديد ، كما ينهش عقول البسطاء بهرطقاتهم الفضائية أولئك الأنصاف المدربون علي الرقصة الاشبيلية ، بحكم شهرتها لتهدئة قلب السلطان وارضائه ..
ربما لأن النظام الحالي يدرك ان اعتماد طابع الفوضي العميق في أوقات الأزمة يؤدي بالضرورة الي عجز حتي العقول المسيجة بأفكار صلبة عن التقاط الواقع ، لذلك لا أستغرب موقف بعض المثقفين الحقيقيين مما يحدث !!
أيضاً ، فقط أصحاب الحد الأدني وحدهم الذين يصدقون أن النظام الحالي يريد فعلاً التخلص من الاخوان نهائياً ، فاذا كان الحال هكذا ، فماذا ستكون مبرراته لقانون الطوارئ للسيطرة علي أدق نوازع القطيع ، بل يلزمنا أن نعترف أن الداخلية المصرية لا تستطيع العمل الاَّ في ظلاله ، فكل أفرادها يعتبرون الشعر مجرد أخلاط لغوية !!
وأخيراً ، فقط أصحاب الحد الأدني وحدهم الذين لا يصدقون أن السياق الحالي اذا استمر فلابدَّ أن تستعيد الفعاليات السياسية القادمة الي المشهد كلََّ وجوه نظام مبارك السحيقة وبانتخابات نزيهة !!
تلك الحزمة من العائلات التي ، تبدلت ألوان الجدران ، وجرت غابات وغابات من ملايين الأمتار المكعبة من مياه النيل من الجنوب الي الدلتا ، وفقدت النجوم الأليفة وضوحها ، ولا تزال تديرُ الحياة في مصر جيلاً بعد جيل !!
لقد لمس الاخوان مفهوم الدولة العميقة دون أن يدركوا حقيقة أن لعمقها أبعاداً معقدة لا تطالها حتي مخيلاتهم الخصبة ..
ربما كان السيسي قد أحصي كل الاحتمالات الممكنة ، لكنه بالتأكيد ، نسي ، أو تناسي في نشوة اقتطاف الحلم أن ينتبه لذاكرة المصريين المستهلِكة بامتياز حتي أنها لا تختزن الا اليوميَّ ، ولا لكونهم توقفوا عن التنازل عن الديمقراطية التي كانت ، حتي في العام الاخوانيِّ ، تولدُ علي السياج كنجمة هزيلة ، وأظنُّه الآن علي المحك ، وأظنُّ فعاليات الاخوان ، وإن بدت هزيلة ، فضلاً عن اتساخ سيرة النظام كونيَّاً تعقيباً علي مجزرة رابعة ، سوف تجعله طويلاً كالراقص في درجة الغليان ، وتفسد كل خططه لربح حلمه القديم ..
لقد استطاع (أردوغان) في لحظة الهام نادرة أن يجعل من رابعة شعاراً يوازي شعار (تشرشل) الشهير ، وان كان للشعار نفسه جذور ماسونية مشوشة ، وهذا يدفع الأمور لصالح الاخوان بالتأكيد ، فانَّ للماسونية في الغرب حمي لا يُرعي ، بل قداسة صارمة ، وليس رضا الغرب الطليق علي العائلة المالكة في الأردن سوي صدي لارتباطها الشديد بالماسونية المركزية !!
لكن هل سوف يواصل الاخوان اصرارهم علي استرداد ما يظنون أنَّه حقهم ، بل معركتهم الأخيرة ؟
عصر يوم مجزرة رابعة ، وينتابني عند التعرض للحديث عن مجزرة رابعة نفس شعور (مينا دانيال) لحظة الموت العامرة بالأحلام المحترقة ، عصر ذلك اليوم ، رأيت( البلتاجي) يتحدث لاحدي الفضائيات ، ويؤكد مقتل ابنته (أسماء) ، في هذه اللحظة تحديداً ، لمستُ في عينيه نظرة اسكاتولوجية لا تتمسك بهذه الحياة ، وتري السعادة باعتبارها في الرحيل عنها ، فأدركت أن الأمور سوف تبقي معلقة طويلاً ، وأنه يوم له ما بعده ، وأكد لي موقف الدكتور(محمد مرسي) من محاكمته ، أنني لم أتجاوز الحقيقة أبداً !
لكأنِّي بالمصريين ، المزدحمين جداً ، يخرجون علي السيسي ، وهذا يعني أنهم سوف يخرجون علي الجيش ، وهنا مكمن الخطر الباهظ ، و هنا الذريعة التي يجلس الغرب في انتظارها !
فلن يسمح المصريون ، المزدحمون جداً ، أن تدار مصر مجدداً من حفلات الأعراس الأسطورية وأندية الكبار ومراكز التجميل والأسرَّة المحرمة !!
قلت منذ البداية أنه مشهد معقد ومزدحم بالنذر السوداء .. وأضيف ، لقد قضي الأمر ، ولا أود أن أنهي كلامي بما يشبه الرجاء من أجل التفهم الصحيح ..
لقد أخطأ كلُّ أطراف اللعبة تقدير الأمورحيث لا يوجد تراجع ، وعلي كل طرف أن يكمل خطأه حتي النهاية ، فالخطأ الناقص هو أكبر الأخطاء علي الاطلاق !!
محمد رفعت الدومي
|
|
|
|
|
|