بقلم: السفير برنستون إن. ليمان** ترجمة: غانم سليمان غانم*** [email protected] تمهيد أود أن أعرب عن تقديري الشديد لشرف التحدث اليوم في معهد أبحاث السلام بجامعة الخرطوم. إن معهد السلام الأمريكي، الذى أنتمي إليه، يشابه معهد أبحاث السلام بجامعة الخرطوم وهو مهتم ويهدف إلى إنهاء عنف النزاعات وتعزيز السلام. إننى أعتقد بأننا نتفق جميعاً بأن هذه الأهداف في الغالب بعيدة الوصول. في السودان ودولة جنوب السودان رغم عديد السنوات من جهود التفاوض المكثفة والعديد من الإتفاقيات والجهد المخلص من العديد من الناس، يظل السلام ليس أمرا صعب المنال فحسب بل تم افتقاده تماماً في دولة جنوب السودان وأجزاء أخرى من السودان. ومع ذلك لن نيأس أو نتراجع عن جهودنا لتحقيق السلام. هناك الكثير من الناس الذين يعانون من الحروب وعدم الاستقرار وهناك الكثير من الموارد التى ضاعت وتلوح في الأفق الكثير من الأخطار لفقدان الأنفس والأروح وعلى كل يجب علينا تكثيف جهودنا لتحقيق السلام. ولذلك، فإنني أود أن أغتنم هذه الفرصة لأجل أن يعمل معهدينا بشكل لصيق لاستكشاف إمكانية وكيفية قيامنا بتعزيز جهودنا لتحقيق السلام. كما يعلم الجميع، وأنا متيقن من ذلك، فقد قضيت أكثر من عامين أعمل نيابة عن حكومتي في تعزيز جهود السلام بين السودان ودولة جنوب السودان والتنفيذ التام لإتفاقية السلام الشامل المبرمة في عام 2005م. وقد كنت أزور السودان خلال ما يزيد عن ثلاثين عاماً وعندما أفكر في السودان فإننى لا أفكر فقط في التحديات الراهنة والنزاعات المستمرة ولكننى أفكر في التاريخ الطويل لقياداته الذكية المتخصصة في القانون الدستوري والدين الاسلامي نظرياً وتطبيقاً والطب والعديد من الجوانب الأخرى الأكاديمية. إننى أتذكر أجواء الترحاب والتسامح وطيبة الكثير من السودانيين الذين أعرفهم. في اعتقادي ستظل هذه الخصائص والشمائل حجر الأساس بالنظر للسلام والديموقرطية والرخاء في هذه البلاد. ولكل ذلك، فإننى مسرور جداً بأن أكون هنا في جامعة الخرطوم التى تعتبر جزءا من تلك الشمائل السودانية. اتفاقية السلام الشامل اليوم، وعلى أية حال، ساركز في حديثي عن جهود السلام - الوطنية والعالمية - المرتبطة بالسودان ودولة جنوب السودان وعلى وجه الخصوص نتائج اتفاقية السلام الشامل المبرمة في عام 2005م وأتساءل لماذا هناك جزء مفقود – السلام – في نتائج تطبيقها؟ بالتأكيد، كانت اتفاقية السلام الشامل شاملة. إنها لم تسهم فقط في حسم حربين طويلتين بين شمال وجنوب السودان وخلق مسار لتقرير مصير جنوب السودان لكنها كذلك وضعت الأساس - من خلال انتخابات 2010م – لمساريحقق مزيداً من الديموقراطية في الشمال والجنوب وفتحت من خلال هذه الانتخابات مجالاً للعمل السياسي ولإزدهار ديموقراطية التعدد الحزبي في كل منهما. لقد اسهمت اتفاقية السلام الشامل في خلق عملية مبتكرة وإن كانت غير واضحة المعالم – المشورة الشعبية - لأجل معالجة مشاكل جنوب كردفان والنيل الأزرق ولأجل إجراء إستفتاء لحل النزاع حول أبيي. لا يستطيع أحد أن يقول إن الإتفاقية غير شاملة بالنظر لمجالها وغاياتها. وكان هناك بعد ذلك المزيد من الإتفاقيات بحيث لم تشمل هذه الإتفاقيات فقط توقيع وابرام اتفاقية السلام الشامل بل كان هناك العديد من الإتفاقيات غطت مسائل الديون والنفط والمواطنة و الأصول وترسيم الحدود واستحداث ترتيبات جديدة لحفظ السلام والإدارة المشتركة لأبيي وغيرها. بعض من هذه الإتفاقيات تم مراعاتها بينما تم إلقاء بعض الإتفاقيات الأخرى في قارعة الطريق، ولكن كان هناك العديد من الإتفاقيات المثمرة. لكن مع ذلك لم يتحقق السلام، و ظل السودان منهكاً بالحروب الداخلية في جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور وتم اجتذاب السودان مرة أخرى للدخول في نزاعات مع دولة جنوب السودان. ودخلت دولة جنوب السودان في حرب أهلية أدت لخسائر بشرية باهظة ومعاناة كبيرة. كانت المشكلة تتمثل في الأهداف الطموحة لإتفاقية السلام الشامل مع إنه كان من الممكن جمع الأطراف سوياً عند استقلال دولة جنوب السودان ولم يكن بوسع كل من الوسطاء أو المجتمع المحلي التأثير – والسيطرة بكل تأكيد – على تطور مسار الحراك السياسي الداخلي في كلا البلدين. لم تؤدى انتخابات 2010م الى مرحلة ديموقرطية التعدد الحزبي أو المزيد من الفضاء السياسي الحر بل على العكس أدت إلى قبضة قوية لطرف واحد في كل من الشمال والجنوب. لم يتم تحديد مفهوم المشورة الشعبية بشكل محدد وواضح ولم تكن مقبولة من قبل قيادة السودان لتؤدي إلى عملية سياسية أكثر جدوى ولذلك فهي قد فشلت في معالجة المشاكل المرتبطة بهاتين المنطقتين. نتائج هذه المشاورات في النيل الأزرق ظلت محفوظة في المخزن في تسجيلات محفوظة بشكل دقيق في صفوف متراصة من الأرفف ولكن لم يتم أبداً استعمالها (أي تم تجاهلها). ولم يتم على الإطلاق إجراء الإستفتاء حول ابيي. في دولة جنوب السودان، رغم المساعدات الضخمة والنصائح المقدمة من الخبراء العالميين والمساندة السياسية الكبيرة، توجه النظام بشكل مطرد وملحوظ لمزيد من إجراءات الرقابة على وسائل الإعلام وحرية التعبير وتم انتهاك حقوق الإنسان بواسطة قوات الأمن وتم تدريجياً تجاهل محددات حكومة الحزب الواحد والانحدار الى حرب أهلية ضاحنة. نحن في المجتمع الدولي راقبنا هذه التطورات باهتمام كبير ولكننا ركزنا بشكل أكثر على النزاعات المستمرة ومخاطر تجدد الحرب بين السودان ودولة جنوب السودان. نحن منهمكون في معالجة النزاعات الحدودية وتدخل الجيش السوداني في أبيي وايقاف دولة جنوب السودان لانتاج النفط وتأثيرات عودة الصراع في جنوب كردفان والنيل الأزرق ليس فقط لتحقيق السلام في السودان بل لتعزيز العلاقات بين السودان ودولة جنوب السودان. يقوم قادة السودان و دولة جنوب السودان بفعل نفس الشيء، ولكنهم يلومون بعضهم البعض، ويعزون كل ما يعكر السلام في بلدهم - مهما كانت طبيعته – إلى تصرفات وممارسات الطرف الآخر، مثلاً: السودان يعزو تدهور الأوضاع في المنطقتين (جنوب كردفان والنيل الأزرق) إلى دعم دولة جنوب السودان للحركة الشعبية لتحرير السودان – قطاع الشمال وتعزو دولة جنوب السودان جميع مشاكلها لسعي السودان المستمر لأجل إسترجاع حقول النفط ولدعمه المستمر للمليشيات المناهضة لحكومة دولة جنوب السودان وأشياء من هذا القبيل. كان كل طرف منهما يرى أنه من المناسب تركيز الإنتباه على المشاكل القائمة بين البلدين وتشتيت الإنتباه عن المسائل والشئون السياسية الداخلية المربكة. هذا ما توصلت إليه اتفاقية السلام الشامل وقدرات الوسطاء العالميين: وبسبب الصعوبات المرتبطة بالسلام في كل دولة فإن مسائل نظام الحكم والحوكمة والتمثيل النيابي الأساسية يمكن معالجتها فقط من خلال التزام الشعب – وخاصة القيادة – بمعالجتها في كل بلد. بالتأكيد يمكن للدول المجاورة والمجتمع الدولي الكبير أن يلعب دوراً مهماً في ايقاف النزاع ودفع الأطراف المتنازعة إلى طاولة الحوار وتسهيل وتذليل الإتفاقيات التى تحول الصراعات العسكرية إلى توافقات سياسية. تعتبر الضغوط السياسية والمقاطعة والحظر وقوات حفظ السلام أدوات فعالة لتحقيق هذا الهدف، لكن السلام الداخلي في بلاد مثل السودان ودولة جنوب السودان يتطلب تغيير وتحول سياسي: أي أسلوب جديد وشامل ومسئول وقابل للمحاسبة في مجال الحكم والحوكمة. كانت هناك حالات قليلة استطاعت فيها القوى الخارجية انجاز تلك المهمة. ومع ذلك كانت هناك العديد من الحالات التى استطاعت فيها دول بنفسها القيام بمثل ذلك التحول السياسي. قامت دول مثل البرازيل وتشيلي وغانا وأندونيسيا والمكسيك والفلبين وبولندا وجنوب أفريقيا وتايوان وكوريا الجنوبية وأسبانيا بمثل هذا التحول السياسي من دولة استبدادية أو دولة حزب واحد وقامت بذلك بدون حرب أهلية طاحنة. واختلفت الأوضاع السياسية في هذه البلدان ولكن العديد منها – مثل أندونسيا وجنوب أفريقيا وتشيلي ... ظهرت للوجود مرة أخرى من عملية تحول من صراع داخلي كبير. وقامت دول أخرى مثل كوريا الجنوبية وتايوان بالتحول السياسي حتي عندما واجهت تهديد خارجي مستمر. يمكن للسودان بكل تأكيد القيام بذلك. ولذلك دعوني أبدأ من هنا. السودان: الحوار الوطني ليس كافياً أصبحت الحوارات الوطنية وسيلة شائعة لمعالجة النزاعات والإنقسامات الداخلية الكبيرة داخل الدول. اليوم، وعلى أية حال، ساركز في حديثي عن جهود السلام - الوطنية والدولية - المرتبطة بالسودان. في وقت مضى قمت وزميلي جون تيمان بكتابة مقال لمعهد السلام الأمريكي عن مسار الحوار الوطني في السودان. وقامت زميلتي، سوزان استيجانت، الموجودة هنا اليوم، بالكتابة عن مثل هذه التجارب في بلدان أخرى. وركز تقرير أخر صادر من معهد السلام الأمريكي بشكل خاص عن التجربة في اليمن. أنا لن أناقش كل ما قد قيل في هذه الموضوع لأن العديد منكم قد أطلع على هذه الكتابات. النقطة التى أريد التركيز عليها هنا هي أن الحوار الوطني يجب أن يكون جزء من عملية تحول كبيرة. وفي هذا السياق يجب تحديد أهدافهما وآليتهما بشكل دقيق. يمكن إختصار المفاهيم والمبادىء وبعض المشاكل المرتبطة بالحوار الوطني على النحو التالي: • الشمولية (عدم الإقصاء) أمر مهم: لأجل ضم المجتمع المدني وأحزاب المعارضة بما في ذلك الحركات المسلحة والمثقفين والتكنوقراط للحوار. الشمولية (عدم الإقصاء) أمر مهم فقط ليس لتحقيق الأهداف الوطنية بل لتبني اهتمامات الجماهير التي حرمت من التعبير عن آراءها في ظل نظام استبدادي متسلط. • الحوارات الوطنية عندما تضم متحاورين كثر بأجندات كثيرة تنحدر إلى مناقشات سوفسطائية ومن ثم يتم تنظيمها وترتيبها بشكل ضعيف لمعالجة بعض المسائل السياسية المهمة. ولذلك، فإن الحكومات وبعض القادة السياسيين يرفضون المشاركة الواسعة أو يسعون للسيطرة عليها. وكما قال أحد القادة السياسيين اليمنيين: "من الصعب الدخول في مفاوضات سياسية مثمرة بوجود هذا الجمع من النسوة ومنظمات المجتمع المدني". • وهذا يدخل في صميم تحديات الحوارات الوطنية. المسائل السياسية الصعبة نادراَ ما يتم التفاوض حولها في محافل ومنتديات عامة. وهذا ما أوضحه السيد ألكس دي وال في كتابه الجديد عن القرن الأفريقي: لأن معظم المفاوضات السياسية تتم فيما أسماه "السوق السياسي" حيث يتم تحديد أسعار الإتفاقيات وإجراء الصفقات. • لذلك، يجب أن تنطلق وتسير الحوارات الوطنية من محافل ومنتديات وعمليات أخرى تعالج بعض المسائل السياسية الصعبة التى يقررها القادة السياسيين الرئيسيين من مختلف ألوان الطيف السياسي. ومن ثم يمكن إضفاء الصبغة الرسمية للمسائل الحيوية الكبرى مثل التطور الدستوري وحقوق الإنسان والحكم الإتحادي أو اتفاقيات اقتسام الثروة و السلطة التى ستنبثق مبادئها من الحوار الوطني. في السودان: جرى الحوار الوطني منذ عدة شهور وهو في الطريق إلى نهاياته. لا شك أن المشاركين في الحوار قاموا بمناقشة بعض القضايا الحيوية جداَ كما ناقشوا بعض المسائل الحساسة جداً بجدية وحماس، ويمكن أن تكون النتائج عميقة الأثر. ومع ذلك لم يتم تنسيق الحوار ليسير فى اتجاه سياسي معين، حيث تسير مفاوضات السلام بين الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان – قطاع الشمال بدون نتائج ملموسة. وتدهور الوضع في دارفور إلى مستوى معقد وحملة سلاح وقضايا لايمكن أن يتم مناقشتها في عملية سلام واحدة. ويفتقد الحوار الوطني مشاركة الجماعات والقيادات السياسية الرئيسية. وفي نفس الوقت، يجرى حظر النشاط السياسي وملاحقة منظمات المجتمع المدني والأفراد وهذا بالتأكيد أمر غير متسق مع فكرة الحوار الوطني. إننى أعتقد أنه من صميم المشكلة أنه لا يوجد بعد التزام بتحول ديموقراطي حقيقي خاصة من طرف السلطات الحاكمة. كما إننى متفهم تخوف الجماعة الحاكمة من مثل هذا التحول الديمقراطي. غالباً ما يبدو لمثل هذه الجماعة الحاكمة أن الحوار لعبة خاسرة، لأن الديموقراطية لا تعني فقط بالنسبة لها فقدان السلطة بل ربما الثارات والسجون أو أسوأ من ذلك. أو ربما من الضروري قد تعني لها استئصال الأسس والموجهات الدينية من القوانين ونظام الحكم. ومع ذلك، وبتجربة الدول التى ذكرتها سابقاً والتى قامت بمثل هذه التحولات السياسية لم تتحقق هذه المخاوف. في جنوب أفريقيا لم يتم فقط المحافظة على امتيازات الأفريكانر في الخدمة المدنية بل تم حماية حقوق الضباط العسكريين كما تم صيانة الأوضاع الإقتصادية للسكان البيض كذلك، وتم ضمان الحريات السياسية لتحرير السكان البيض ليس فقط من الإدانة الدولية بل ليستطيعوا ضمان وحماية حقوقهم الخاصة من خلال دستور محكم ومحكمة دستورية مستقلة وحرية التعبير ووسائل الإعلام وجميع الضمانات الأخرى في دولة ديموقراطية. في كوريا الجنوبية، وهي دولة أعرفها جيداً، حيث عشت هناك في ستينيات القرن الماضي، فإن رئيس كوريا الجنوبية هو رئيس حزبها الرئيسي. وفي معظم الدول التى قامت بعملية التحول الديموقراطي حيث كان هناك سجل من انتهاكات حقوق الإنسان كان هناك عمليات تفاوض حول المحاسبة والعدالة التى استوفت اهتمامات كل الأطراف. قادة الفكر الإسلامي في السودان أشاروا للطرق التى يمكن ويجب أن يتعايش فيها الإسلام والديموقراطية في هذه البلاد. أصحاب السلطة الأقوياء يمكنهم إدارة مرحلة التحول لضمان عدم الوصول إلى نتيجة خاسرة، وينبغى أن يكون هناك التزام قوي بالتغيير. إننى أتذكر موقف أحد كبار المستشارين للرئيس اف. دبليو. ديكليرك عندما أخبرني بأن قادة الحزب الوطني اعترفوا في ثمانينيات القرن الماضي بأنهم يستطيعون المحافظة على نظام التفرقة العنصرية لوقت طويل ولكن ليس للأبد. كان هذا استنتاج جيد منهم أن يكونوا في عجلة القيادة للتحضير والتفاوض حول التغيير بدلاً من أن يكونوا ضحايا. وقد بدأوا عملية التفاوض مقرين بأنها ستؤدي للديموقراطية وصوت الرجل الواحد ويمكنها أن تحمي جماهيرهم. في السودان: أولئك الناس الأكثر اهتماماً بعملية التحول وأولئك الناس الأكثر تشككا أو المعارضين المباشرين يجب جعلهم جزءا من عملية الحوار الوطني ويجب أن لا يظلوا خارجه. ومن يحارب الحوار الوطني فلن يستمر ذلك طويلاً وهؤلاء يشملون بشكل خاص أولئك العاملين في قطاع الأمن والأخرون الأكثر مقاومة للتغيير. والتحول والتغيير متى ما تمت إدارته بشكل جيد يمكن أن يكون متسقاً مع الديموقراطية وخدمة المصالح الذاتية. والتحول والتغيير متى ما تمت إدرته بشكل سيء، كما اعتقد بأنه الوضع اليوم، سيطيل من عمر الأزمة. قبل أن يصل الحوار الوطني لمرحلة الإجماع على ضرورة التغيير الجذري وبأن لا يكون مهدداً رئيسياً يجب رعايته وبالتالي إقراره بواسطة القيادة. نقطة توضيحية: إدارة التحول والتغيير بواسطة النظام لا تعني إدارة وتوجيه جميع جوانب العملية، وهذا بالذات سيجهض الثقة. سيكون من الأفضل مباشرة الحوار الوطني الموسع برئاسة مستقلة ومحايدة. وهذا يضمن حرية التعبير وطرح أفكار جديدة ومداولات حقيقية. و في نفس الوقت يجب أن يقوم النظام بمفاوضات مع الفاعلين السياسيين الرئيسيين على نطاق عموم البلاد لتحديد أساسيات صياغة نظام ديموقراطي تجمع عليه كافة الأطراف وتدعم نتائجه. وفي نفس الوقت يمكن إجراء مفاوضات إقليمية مستقلة. في نهاية الأمر، يمكن أن تتم المفاوضات السياسية والحوار الوطني الموسع بشكل ودي يتم تعزيزه بالإتفاق على عملية اصلاح دستوري ومؤسسي رسمية. ولأجل انجاح ذلك، يجب أن تتوحد المعارضة بالنظر إلى أهدافها ومبادئها، وهذا يتطلب في نظر من قاموا بدراسة تلك التحولات: "تجسير الخلاف حول الأهداف والاستراتيجيات والتكتيكات". وفيما يتعلق بالسودان بشكل خاص، هم يزعمون أنه لأجل: "إقناع العناصر داخل النظام لتكون منفتحة للتحول والتغيير يجب على المصلحين تقديم ضمانات جادة بأنهم لن يقوموا بالثأر أو مصادرة أموال عناصر النظام". كانت هناك عدة جهود من أطراف المعارضة، المسلحة وغير المسلحة، لتحقيق هذا المستوى من الإجماع. أعتقد أن الحكومة قامت بارتكاب خطأ عندما شوشت هذه العملية من خلال قيامها بمنع سفر أو معاقبة المشاركين في المؤتمرات واللقاءات الخارجية. إن المعارضة المنقسمة على نفسها في السودان تعزز فقط قضية الذين يحملون السلاح أو يريدون استخدام العنف وأنها تجعل الحوار الوطني بأكمله أكثر تشويشاً وغير مثمراً. على المعارضة المتحدة كذلك نبذ فكرة اسقاط النظام بالقوة، وهذه الفكرة ليست من الحكمة أو فكرة عملية. التحول والتغيير بواسطة قوة السلاح قد برهن بأنه يؤدى إلى نتائج كارثية في العديد من الدول وغالباً ما يؤدى للفوضى أو سلطة جديدة مستبدة بدلاً من أن يؤدي للديموقراطية. من الأفضل أن يتم التحول والتغيير من خلال التفاوض. ومع ذلك، فإن نبذ فكرة اسقاط النظام بالقوة المسلحة يعتبر مسألة أكثر صعوبة بالنسبة للجماعات المسلحة التى أربكتها مقترحات السلام الكاذبة أو عدم الوفاء بالوعود السياسية. وهناك سابقة في هذا المجال للتوافق السياسي، لقد كان نيلسون مانديلا حريصاً على مصالح مرجعيته ودوائره السياسية التى كانت تشعر بأنها قوية فيما يتصل بالكفاح المسلح والفرص التى تم تقديمها له للدخول في مفاوضات مثمرة عندما واجه مطالب حكومة ديكليرك التى كانت متمثلة في نبذ "الكفاح المسلح" كشرط للمفاوضات. وكان رده "تعليق" الكفاح المسلح لأطول فترة ممكنة طالما يتم الاستمرار في مفاوضات جادة لتحقيق الديموقراطية. كان ديكليرك عاقلاً بما فيه الكفاية بقبول هذه التسوية. وبعد فترة عندما أثبتت المفاوضات نجاحها صار أمر الكفاح المسلح غير ذى جدوى. وهذا سيكون من الصعب تحقيقه في السودان ولكن ينبغي أن يكون الوجهة التى تسير إليها المفاوضات. في هذا الخصوص يمكن أن تخدم المنتديات والمحافل والملتقيات المختلفة الجميع. يجب أن تركز المفاوضات الجارية الآن مع الحركة الشعبية – قطاع الشمال وجماعات دارفور المسلحة على وقف اطلاق النار وعلى وصول الإغاثة والمساعدات الانسانية لمنطقة جبل مرة في دارفور والمنطقتين، باعتبارها حجر زاوية لعملية سياسية كبيرة يتم فيها مناقشة قضايا الحكم الاتحادي وإصلاح قطاع الأمن والإندماج في القوات المسلحة والمسائل الأخرى الحيوية. إن المفاوضات الجارية الآن بين الحكومة والحركة الشعبية – قطاع الشمال لا يمكنها حل هذه القضايا والمسائل الكبرى. لا يمكن للمرء أن يتوقع الاتفاق على حجر الزاوية (القضايا الإقليمية) ما لم يتم ايجاد المحافل والملتقيات (الوطنية) الكبرى، لذلك يجب أن يكون هناك تحرك لتوسيع عملية الحوار الوطني وعلى مباشرة محادثات سياسية موازية بخصوص القضايا والمسائل الكبرى حتى يتم خلق الثقة بأن إلإتفاقيات حول الأوضاع المحلية (الإقليمية) لن يتم إساءة استخدامها أو إستغلالها من طرفي النزاع. إن تشدد الحكومة السودانية تجاه وصول الإغاثة والمساعدات الإنسانية غير مساعد على احراز الثقة في نوايا الحكومة بشكل خاص. يعتقد المسؤلون في قطاع الأمن أن وصول الإغاثة والمساعدات الإنسانية سيتم استغلاله وسوف يعزز ويساعد في تسليح الحركة الشعبية – قطاع الشمال مع أن الحركة الشعبية – قطاع الشمال ظلت تقاوم لمدة أربعة سنوات بدون الحصول على الإغاثة والمساعدات الإنسانية وستظل تقاوم. في الجانب الآخر، فإن السماح بالإغاثة والمساعدات الإنسانية سوف يعزز بشكل كبير وضع الحكومة داخلياً وكذلك عالمياً. دعوني ألخص الموضوع، إن السودان مثل دولة جنوب أفريقيا في ثمانينيات القرن الماضي من منظور واحد حيث أنه يستطيع المحافظة – لوقت ما – على سياسة تولي قيادة السودان تقليدياً بواسطة عناصر وسط السودان ويستطيع تقسيم أو قهر عناصر المعارضة عسكرياً ولكنه لن يستطيع هزيمة المتمردين في جبال النوبة ولكنه يستطيع أن يحتويهم وإنه يستطيع أن يتعايش مع الفوضى السائدة في دارفور طالما إنها لا تهدد المركز ويمكن أن يعتمد اقتصاديا على ايرادات قليلة أو مساعدات انسانية أو استثمارات أجنبية متقطعة للمحافظة على معيشة مناصريه. بالطبع يمكنه القيام بكل ذلك لبعض الوقت ولكنه يستطيع القيام بذلك فقط بتكلفة باهظة على المدي البعيد. لن تستطيع البلاد تطوير مواردها الإقتصادية ولن تستطيع استقطاب استثمارات أجنبية ذات أهمية ولن تستطيع تجاوز إزدراء المجتمع الدولي لها بسبب انتهاكاتها لحقوق الإنسان ولن تعرف السلام أو الرخاء الحقيقي. وفي وقت ما لن يتماسك النظام. تستطيع اللجنة رفيعة المستوي التابعة للإتحاد الأفريقي وبعض جماعات تعزيز السلام والناشطين في المجتمع الدولي المساعدة في صياغة سيناريو بديل والمساهمة في عملية الحوار لكن فقط السودانيين: القادة يجب عليهم عقد الصفقات والمثقفين يستطيعون تحديد وتعريف الهوية والأكاديميين ورجال الدين يستطيعون الإرشاد في مجال التسامح والاحترام المتبادل وعدم الإقصاء ... فقط السودانيون هم من يستطيع القيام بذلك. عندى مثال آخر من دولة جنوب أفريقيا. في عام 1992م، تعثرت المفاوضات وتجدد العنف في المدن ووصلت المحادثات إلى طريق مسدود وتوقفت الأطرف عن التفاوض مع بعضها البعض, وبدا وكأن العملية في طريق الإنهيار. قام الرئيس الأمؤيكي جورج اتش. دبليو. بوش بالاتصال بقادة جنوب أفريقيا وعرض عليهم المساعدة بالتوسط من خلال وزير خارجيته، لكن كل من ديكليرك ومانديلا رفضا التوسط وأخبرا الرئيس بوش قائلين: "هذه بلادنا وينبغي علينا نحن حل مشاكلها"، وقد قاما بذلك. دولة جنوب السودان ضعف المؤسسات من المؤلم جداً لأمريكي عمل نيابة عن دولة جنوب السودان لأجل ممارسة حق تقرير مصيرها أن يشهد مأساة دولة جنوب السودان: إنه إحباط كبير وإنه خذلان كبير لآمال وأحلام مواطني دولة جنوب السودان. كما ذكرت سابقاً، اندلعت الحرب الأهلية رغم المساعدات التى بلغت مئات الملايين من الدولارات ورغم تزويد حكومة دولة جنوب السودان بمئات إن لم يكن بالألآف من الخبراء ورغم وجود بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. إن هذه المأساة مثال واضح يدل على التأثير الضعيف للمجتمع الدولي عندما يسير الحراك السياسى الداخلي في اتجاه مضاد. هذا لا يعني تقديم اعذار ومبررات. لقد جافاني النوم، وإننى ألح بالسؤال على الذين كانوا جزءاَ من تفجير هذه المأساة أن يقدموا الإجابة عن الكيفية التى كانت ستمكننا من تجنب هذه الكارثة. حتى الآن لم أجد إجابات ترضيني ولكن بتفهم حدود التدخل والتأثير الخارجي - من قبل والآن - سوف يساعد ذلك في تفهم إمكانيات السلام اليوم. لا يمكن مقارنة الوضع في دولة جنوب السودان بالوضع في دولة السودان. في دولة جنوب السودان هناك شبه إنهيار تام لحكومة غير مقبولة جماهيرياً وحرب مستمرة وأجزاء من البلاد تعيش في أجواء غير آمنة بسبب الجريمة أو عنف الأفراد والجماعات المسلحة وحملات الثأر. هناك حوالي 200,000 نسمة تحت الحماية بمعسكرات الأمم المتحدة وهناك ما يقارب 1,7 مليون نازح ويخيم على البلاد شبح المجاعة. إنها أكبر كارثة ومأساة إنسانية في العالم في الوقت الراهن. إننى أناشد كل إنسان مهتم بدولة جنوب السودان أن يطلع على تقرير لجنة تقصي الحقائق التي يرأسها الرئيس النيجيري الأسبق أولسون أوباسانجو. التقرير ليس سهل المطالعة لأنه يشمل تفاصيل بعض الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ومع ذلك يحلل التقرير بشكل مطول ضعف المؤسسات التى كان ينبغي أن تقف في مواجهة اشتعال الحرب الأهلية: الحزب الحاكم، السلطة القضائية، السلطة التشريعية، القوات المسلحة، البرلمان والمجتمع المدني. كل هذه المؤسسات اتسمت بضعف أساسي حد من قدراتها. لم تكن الحركة الشعبية لتحرير السودان على الإطلاق حزباً سياسياً مستقلاً بل كانت جناحاً سياسياً للجيش الشعبي لتحرير السودان. عندما تحدى نائب الرئيس ريك مشار الرئيس سالفا كير في الانتخابات الرئاسية لم يستطع الحزب (الحركة الشعبية لتحرير السودان) إدارة الوضع بل تم تجاهل الحزب تماماً من جانب الرئيس سالفا كير. ولم يكن كذلك ممكناً السيطرة السياسية للجيش وهو يمثل إحدى مرتكزات الديموقراطية. لقد صار الجيش بنفسه تكتل مليشيات جمعها الحرص على الحصول على الثروات البترولية التى تم استغلالها من جانب زعماء المليشيات المختلفة، ولم تندمج هذه المليشيات في جيش وطني حقيقي. وعندما نشب الصراع إنهار الجيش كذلك. إعتمد كل مرشح رئاسي والعديد من قادة وضباط المليشيات على الحشد العرقي (القبلي) والخصومات القبلية لتعبئة المناصرين ولتبرير تصرفاتهم. لم تكن هناك أجندات (أهداف) سياسية سوى الصراع حول السلطة والحصول على الموارد والثروات الوطنية. يجب على السودان عدم استغلال تطورات الوضع في دولة جنوب السودان للانتقام أو الشماته، لقد أنشأت ودعمت حكومة السودان مختلف المليشيات في جنوب السودان خلال الحرب الأهلية وما زالت مستمرة حتى اليوم في خلق الفوضى وتعقيد جهود السلام. لم يقم السودان ببذل جهده لخلق مؤسسات قوية في دولة جنوب السودان والتى ربما كانت ستعمل بشكل فعال عند الاستقلال. يعاني السودان حالياً من فقدان ايرادات النفط ووجود مئات الالآف من النازحين من دولة جنوب السودان واضطرابات في الحدود وتنافس شديد مع يوغندا للتأثير على دولة جنوب السودان. من يحقق السلام لدولة جنوب السودان؟ لقد تم تكليف المنظمة الإقليمية، الإيقاد، بعملية تحقيق السلام في دولة جنوب السودان، ولقد إجتهدت الإيقاد كثيراً لجمع الفرقاء لمائدة التفاوض وإنهاء القتال. وتستحقق الإيقاد الإشادة والتقدير لنجاح مهمتها في تحقيق اتفاقية شاملة في طبيعتها. تنص الإتفاقية على مرحلة انتقالية يتم فيها صياغة دستور جديد والعديد من القوانين الجديدة وتشكيل لجان وإصلاح القطاع الأمني ومراقبة لصيقة للشئون المالية ومحكمة مختلطة للقيام بالمحاسبة وعملية مصالحة وطنية، ويتم تنفيذ كل ذلك للدخول في مرحلة جديدة ونظام حكم ديموقراطي. وإننى أقول إن الإيقاد تستحق الإشادة والتقدير لأن ضعف المؤسسات - حسب ما أوردت لجنة تقصى الحقائق - أسهم في اشتعال الحرب الأهلية، وبدون إصلاح هذه المؤسسات فإن البلاد - بكل تأكيد - ستعود مجدداً للحرب الأهلية في المستقبل. هناك في هذه الإتفاقية جانب سلبي مشابه لإتفاقية السلام الشامل رغم أن هذه الإتفاقية شاملة الغايات والأهداف إلا إن المجتمع الدولي ليس في وضع مريح لإنفاذها. تم إسناد جزء كبير من مسئولية تنفيذ معظم الإصلاحات على كاهل الزعيمين اللذين بسبب تنافسهما على السلطة اندلعت الأزمة. وهناك سبب بسيط للاعتقاد بأن أي من الزعيمين ليس ملتزماً بالاصلاح خاصة إذا ما قيدت الإصلاحات طموحاته المستقبلية. وبينما تم تكليف أشخاص آخرين لشغل مناصب في حكومة الوحدة الوطنية إلا أن سلطاتهم وصلاحياتهم تعتبر أمراً مشكوكاً فيه. يمكن تلخيص ما حدث بأنه خلال تطور عملية السلام تم التركيز على الاصلاح الشامل لإيقاف القتال ودفع الزعيمين المتحاربين لطاولة المفاوضات وللاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية (مرة أخرى، هذا ما كان قائماً فعلاَ من قبل). في الصراع المحتمل بين الإصلاح الجذري والتركيز على "حملة السلاح" فإن الخطأ المعروف والمثير للأسى هو الخيار الأخير. وهذا مثلما حدث في اتفاقية السلام الشامل عندما ركز الوسطاء على المشكلات والمسائل العالقة بين الشمال والجنوب وتجاهلوا عملية الإصلاح الداخلي، وقد تبنت الإيقاد نفس المسار في دولة جنوب السودان بالتركيز على ايقاف القتال أولاً وأخيراً حتى لو أدى ذلك لتسليم السلطة مجدداً لمن بدأ القتال. بخلاف اتفاقية السلام الشامل استحدثت الإيقاد دور قوي للمجتمع الدولي، حيث تم تشكيل لجنة رقابة وتقييم مشتركة للقيام برقابة عملية السلام ويترأس اللجنة الرئيس السابق فستوس موجا. سيرفع السيد موجا تقاريره للايقاد وللاتحاد الأفريقي ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، كما تم تشكيل محكمة مختلطة يترأسها قاضى أفريقي من دولة أخرى للنظر في انتهاكات حقوق الإنسان وتحديد مسئولية الجناة. والسؤال المطروح هل ستكون هذه الآليات أكثر فعالية للاصلاح الداخلي من عمليات اتفاقية السلام الشامل؟ إننى أزعم أنه في ظل الوضع المأساوى في دولة جنوب السودان لا توجد هناك فرصة للسلام دع عنك فرصة للاصلاح المطلوب بدون تدخل دولي كبير. وبدون التدخل الدولي لن يكون لأي من الهيئات واللجان والخبراء المستقلين أو المجمع المدني أو أي آليات لعدم الإقصاء حسب ما طالبت به الإتفاقية صوت أو صلاحية. وقد لا تستطيع لجنة الرقابة والتقييم المدعومة تماماً بواسطة الإيقاد من القيام بهذه المهمة نظرا لأنه، أولاً وقبل كل شيء، الإيقاد منقسمة على نفسها. وثانياً لأن كل من السودان ويوغندا لديهما مصالح متضاربة وقاما بحرب وكالة جديدة في دولة جنوب السودان خلال هذه الفترة، كما لا تقوم كل من أثيوبيا وكينيا بمراقبة لصيقة لعملية السلام. والعديد من دول الإيقاد لديها مصالح اقتصادية ومتورطة في مبيعات سلاح لأطراف النزاع وهي مصالح تتضارب مع المناداة بإجراءات صارمة من قبل الإيقاد مثل المطالبة بحظر مبيعات الأسلحة أو الإلتزام بالمقاطعة والحظر الإقتصادي للطرفين المتحاربين عندما يفشلا في التقيد باتفاقياتهم والتزاماتهم. أما الدول الأفريقية الأخرى فهي ملوثة السمعة بالنظر لعملية السلام مثل ما حدث في أروشا ولديها مصالحها الخاصة. أخيراً دولة واحدة عضو في الإيقاد وهي كينيا تتمتع بنظام ديموقراطي حقيقي، فكيف تستطيع الإيقاد فرض تحول ديموقراطي حقيقي في دولة جنوب السودان؟ إننى متخوف من عدم تحقيق السلام في دولة جنوب السودان، وإذا ما فشلت العملية الحالية فيجب رفع المسألة لمستوى دولي أعلي. يجب إن تتولى المسألة هيئات مشتركة من الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي. يجب أن تكون هناك مقاطعة وحظر صارم ضد الأشخاص الذين يعيقون عملية السلام، ولقد تم تحديد أسماء العديد من هؤلاء الأشخاص بالفعل بواسطة لجنة تقصي الحقائق والحظر التابعة للأمم المتحدة. فوق كل ذلك يجب على الدول الأفريقية أن تقررأن السلام أهم من أى مصالح مرتبطة باستمرار الصراع. ورغم المجازر والآف النازحين المتدفقين عبر الحدود فإن الدول الأفريقية غير مهتمه وعندما تهتم الدول الأفريقية بإيقاف تدفقات السلاح وايقاف الدعم المقدم من الدول المجاورة لمختلف الأطراف المتحاربة وتبنى بعض آليات اتفاقية السلام مثل المحكمة المختلطة فسوف يساعد ذلك في ايقاف المجازر. مع كل الأسباب والمبررات التي ذكرتها بخصوص السودان، فإن الفاعلين الدوليين لن يستطيعوا المساعدة في تطبيق تحول وتغيير ديموقراطي في دولة جنوب السودان، فقط مواطني دولة جنوب السودان هم الذين يستطيعون القيام بذلك، ويمكن دعمهم ومساندتهم بإجراءات من المجتمع الدولي توقف الحرب وتحمي المدنيين من المذابح الجماعية وتوفر دعم مالى واستشاري للتغيير المؤسسي وتراقب عمليات التحول والتغيير. هذا سيقدم للبلاد الفرص المطلوبة، وعندما تكون هناك فترة سلام نسبي ووقت للتراجع عن عمليات القتل والثأر والغضب الكامن ووقت يسمح بظهور أصوات ومؤسسات جديدة يمكن لهذه العملية أن تمضي قدماً. هذا ما ستقدمه عملية السلام الجديدة فقط عندما يتم تطبيقها وتكون هناك مساندة ودعم كبير من المجتمع الدولي للجنة تقصي الحقائق التابعة للاتحاد الأفريقي وتكبيد من يعترضونها تكاليف وخسائر كبيرة. ولذلك يجب على الأفارقة والمجتمع الدولي الكبير تقديم كل شيء ممكن لتحقيق السلام مرة أخرى ولخلق الأجواء المناسبة لفترة من الاستقرار والنمو المحلي. في تلك الأجواء يمكن لدولة جنوب السودان القيام مرة أخرى بمهام التطور الديموقراطي التى تم اختطافها بالقوة. إن ذلك سيستغرق وقتاً طويلاً. خاتمة ما زالت مهام السلام تتخطى حدود السودان ودولة جنوب السودان، وإن الصراعات داخل أي دولة منهما تؤثر على الأوضاع فى الدولة الأخرى، كما أن عدم الاستقرار والإضطرابات في اي دولة منهما تؤثر في الدولة الأخرى. إن السودان ودولة جنوب السودان لم يعودا مرتبطين قانونياً ونظامياً ولكن باعتبارهما دولتين جارتين ستستمران دائماً ملتحمتين وملتصقتين بشكل لا فكاك منه. إن عمليات الحوار الوطني والتحول والتغيير الديموقراطي التى تقوم بها الدولتان كل على حده يمكن أن تتحطي الحدود وتؤثر ايجابياً على إمكانيات السلام في كلا البلدين. دعونا جميعاً نجدد جهودنا لتحقيق أجواء ديموقراطية لكل السودانيين. أشكركم لإتحاتكم الفرصة لي لمخاطبتكم اليوم.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة