احتراما للمساهمة العلمية والمهنية.. بل والسياسية القيمة التي قدمها مستشار وزير النفط المهندس صلاح وهبي أمام مؤتمر النفط والبنى التحتية بجوبا.. فلن نسمح لأنفسنا بالقول إن تمثيل السودان كان ضعيفا.. بل العكس.. في تقديري الخاص أن المعلومات القيمة التي قدمها المهندس وهبي مستصحبا خبرته الطويلة وعلمه الغزير.. مما كان ذلك المؤتمر في حاجة إليها.. ثم الجرأة والشجاعة التي ظهر بها وهو يرد مباشرة على كثير من النقاط التي أثارها السفير إيزيكل جاتكوث وزير النفط بجنوب السودان.. كانت في الواقع أفضل بكثير من أي خطاب سياسي.. مزدحم بالشعارات كان يمكن أن يقدمه أي مسؤول سياسي يصل هنا على رأس وفد السودان..! المهندس وهبي وجد نفسه ممثلا للسودان بعد أن غاب (الكبار).. ولكنه أثبت أنه أكبر من كل الغائبين..! ولعلى أكتفي هنا فقط بنقل رأي وزير النفط الجنوبي حين التقى الصحفيين السودانيين على هامش مأدبة عشاء كان قد أقامها للوفود المشاركة في مؤتمره عشية الافتتاح.. وقد بدا الوزير مبهورا بما قاله وهبي.. ولم يخف إعجابه بما ورد في كلمة السودان من معلومات.. ومن معرفة.. ومن إجابات على أسئلة طرحها.. غير أن المفاجأة بالنسبة لمن استمعوا للوزير ليلتها.. هي ترديده بالعربية والإنجليزية.. على حد سواء.. وبوضوح شديد.. على السودان مساعدتنا.. على السودان ألا يتخلى عنا.. على السودان أن يمد يد العون لنا.. لمصلحة البلدين.. ثم يردف الوزير دون أن يطرف له جفن.. بل وهو يعلم أنه يتحدث أمام صحفيين.. ماذا تفيدنا يوغندا..؟ ماذا ستضيف لنا كينيا..؟ المهم بالنسبة لنا هو السودان..! ثم ينهي الوزير حديثه بسؤال عابر.. أليس غريبا أن يتغيب كل الوزراء الذين دعوناهم للمؤتمر..؟ نتفق معه أنه فعلا غريب.. ولكن حين يفاجئنا الوزير بسؤال آخر.. لماذا غابوا ..؟ نعتذر عن الإجابة بحجة أننا لا نعلم.. رغم أننا نعلم كل شيء..! ولكننا سنعيد هنا ذات التساؤل.. حقا لماذا غاب كل الوزراء الذين دعتهم حكومة الجنوب للمشاركة في مؤتمر النفط والبنى التحتية؟.. ليس الوزراء فحسب.. بل حتى القطاع الخاص سجل غيابا واضحا.. رغم أنني ما زلت عند رأيي بأن الاسم الحقيقي لذلك المؤتمر كان هو.. فرص الاستثمار في جنوب السودان.. كان المدعوون من الحكومة هم.. نائب رئيس الوزراء ووزير الاستثمار.. ووزير النفط.. ووزير التعاون الدولي.. ووزير التجارة.. ولئن يحمد لوزير النفط أن اهتم بالأمر فبعث بمستشاره الخاص المهندس صلاح وهبي يرافقه المهندس الشاب أمين هاشم مسؤول العلاقات الخارجية بوزارة النفط.. فقد كان محيرا الغياب المفاجئ للسيد مبارك الفاضل.. الذي اكتفى فقط بإرسال كلمته على طريقة (فاتحة السيد)..! لقد تفاوتت أشكال الاعتذار من وزير لآخر.. ولكن كان جليا أن ثمة سببا واحدا.. وهو عدم تشكل القناعة السياسية الكاملة بضرورة النظر إلى جنوب السودان كصديق محتمل.. إن لم يكن صديقا حاليا يمكن التواصل معه.. والاستثمار في هذه الصداقة.. بل ودعمها وتطويرها إن كانت ضعيفة.. بل وصنعها صناعة إن كانت غائبة.. ترى ماذا يمكن أن تفعل جوبا اكثر من استجداء السودان للحضور إليها.. وفتح أبوابها وذراعيها لتستقبل هذا السودان..؟ وما هي المصلحة في استمرار حالة العداء مع دولة تشترك معك في حدود تتجاوز الألفي كيلومتر.. ويتمدد على حواف هذه الحدود ملايين السكان من الجانبين.. تتداخل أجناسهم.. وتتشابك مصالحهم.. لا يفقهون في السياسة ولا يطيقون الساسة.. لا يعرفون الحدود والمعابر.. فحدودهم تنتهي حيث تنتهي مصالحهم.. ومعابرهم هي تلك التي تحملهم إلى حيث الماء والكلأ.. هذا عند البعض.. وتنقل العيش والملح عند البعض الآخر..! تحدثني عن المهددات الأمنية ومحدداتها.. أقول لك.. إن استقرار المواطن وتيسير نشاطه ومعاشه هو أكبر ضامن لتأمين الحدود.. لأنه حينها.. وحينها فقط.. سيتحول المواطن نفسه إلى عنصر تأمين ..لا خميرة عكننة..! غدا نواصل.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة