السودان الذي كان ... بقلم بدور عبدالمنعم عبداللطيف

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-04-2024, 05:23 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-26-2015, 07:11 PM

بدور عبدالمنعم عبداللطيف
<aبدور عبدالمنعم عبداللطيف
تاريخ التسجيل: 10-26-2013
مجموع المشاركات: 55

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
السودان الذي كان ... بقلم بدور عبدالمنعم عبداللطيف

    06:11 PM Sep, 26 2015
    سودانيز اون لاين
    بدور عبدالمنعم عبداللطيف-
    مكتبتى فى سودانيزاونلاين



    mailto:[email protected]@gmail.com
    في سبتمبر من عام 1969، شددتُ الرحال بصحبة زوجي إلى "المملكة المتحدة"، حيث استقر بنا المقام في مدينة "كمبردج" الجامعية .. وكشأن القادم لأول مرة من بلادٍ يفصل بينها وبين الحضارة متاهات ووديان من الجهل، والفقر، والتخلف، كنت أعيش حالة انبهار نادرة من عمر الزمن امتدت إلى كل شيء.
    ومضى من العام أكثره لينحسر الانبهار من داخلي كما تنحسر الأمواج عن شاطئ البحر، وأخذ الوجه الآخر للحضارة يفصح عن مكنونه ويصبغ الكون بلون أسود قاتم.
    ذلك الكهل الذي انتبذ له مكاناً قصياً في إحدى الحدائق وقد أكبّ على صحيفته يقلِّب صفحاتها بآليةٍ وإهمال بما يوحي أنه قد قرأها وأمعن النظر فيها عدة مرات، ثم ما لبث أن طواها ووضعها بجانبه على المقعد الخشبي.
    كانت الحديقة رائعة بكل المعايير وقد ازدان بساطها الأخضر بمجموعات مختلفة من الزهور الملونة .. وتناثر الأطفال على جنباتها كما تتناثر حبات اللؤلؤ على الثوب الجميل.
    حانت مني التفاتة نحو الكهل.. كان لاهياً عن ذلك كله يحدِّق في الأفق البعيد وقد خبت نظرات عينيه.. خُيِّل إليّ أنني أرى دمعة حرّى تسيل ببطءٍ عبر غضون وأخاديد وجهه.. على مقربة كانت تقف - وحيدة - شجرة سامقة طويلة تكاد فروعها تصافح الشمس.. كانت قطرات من الندى تنهمر من أعلى الشجرة على جذعها - لعلها بعض بقايا أمطار الأمس - فتبدو كأنها تذرف الدموع.. لا أدري لماذا راح خيالي يربط بين تلك الشجرة العتيقة والعجوز؟
    سرت البرودة في الجو وأخذ الجميع يغادرون الحديقة.. تأبط كهلنا صحيفته وواصل سيره بخطواتٍ بطيئة .. أوصله خيالي إلى منزلٍ خاوٍ باردٍ حيث أشعل المدفأة وجلس قبالتها يستجدي الدفء، ولكن هل تستطيع كل مدافئ العالم مجتمعة أن تقضي على برودة الوحدة التي تسري في أوصاله ويتضاعف شعوره بها مع انبلاجة كل فجرٍ جديد.

    غادره أبناؤه واستقلوا بحياتهم واكتفوا ببضع بطاقات معايدة وربما بهدايا يبعثونها له بمناسبة أعياد الميلاد، وكأنَّ العواطف الإنسانية -في ظل الحضارة -قد أصبحت تُعبَّأ في صناديق مزركشة بلا روح.
    وقد يستوقفك ذات يوم خبر صغير في إحدى الصحف المحلية مفاده أن الشرطة قد عثرت على جثة كهل في بيته إثر بلاغ من "اللبَّان" الذي شك في الأمر بعد أن تراكمت زجاجات اللبن أمام باب بيت المتوفى، ويفيد تقرير الطبيب الشرعي أن الوفاة قد حدثت قبل بضعة أيام.
    وتحملني الذاكرة على أجنحة الخيال عبر الآلاف من الأميال إلى تلك القرية الرابضة في أحضان النيل، حيث يتوسد ذلك الكهل ذو السُحنة السمراء «عنقريباً» قد تآكلت حباله وتقطَّعت، وقد راح مستغرقاً في موجة عارمة من الضحك كشفت عن فمٍ خالٍ من معظم الأسنان الأمامية، ولكنك تراه يضحك وكأنه يهزأ من حبال «عنقريبه» المقطوعة وقد ملكت يمينه حبالاً أخرى لا تطالها يد الزمن، تربط بينه وبين أبنائه وأحفاده بوشائج لا تنفصم عراها.
    كانت عيناه تضجّان بالحياة وقد أحاطت به أسرته الكبيرة.. يراه الصغار كما الهرم الأكبر يجوب بهم عظمة الماضي ويزرع في وجدانهم الانتماء للأرض .. وينظر إليه الكبار بكل التجلة والاحترام يزوّدهم بالمشورة ويستقون منه الحكمة.
    ويوم ألمّت به تلك الوعكة طارت الأفئدة وجلاً .. ووجم الصغار وقد استشعرت دواخلهم هول الأمر .. التف الجميع حوله وألسنتهم تلهج بالدعاء.. حتى جاء الطبيب وأوصى له ببضع جرعاتٍ من الدواء.. وسرعان ما تمالك الكهل عافيته وعادت ضحكته ترِنُّ في أرجاء الدار .. وعادت عيناه تعربدان بالحياة.. هل كان لقارورة الدواء كل ذلك المفعول، أم أن جرعات الحب التي تعاطاها هي التي عجّلت بالشفاء؟
    والآن.. وفي غفلةٍ من الزمان أقبل "الطاغوت" بجيشه وعدّته وعتاده .. جاء "الفرعون" يسوق في ركابه الفقر.. والفاقة .. والحرمان، فانهدَّت الأرواح والأبدان، وما عاد «للعواطف» ولا للفرح من مكان.
    تربّع "الطاغوت" في الميدان فشتَّت شمل "العناقريب" في الحيشان .. وقطَّع حبال الوصل بين الإخوان .. ولم تسلم من بطشه صينية طعامٍ تحلَّق حولها الجد والوِلْدان والوالدان .. واكتملت الأحزان بتشرذم العشيرة في المهاجر والبلدان .. وكان يا مكان، في قديم الزمان، وسالف العصر والأوان .. بلاد اسمها السودان ..
    ملاحظة: أقول هذا وفي ذهني عدد من "الأسماء" ممن عُثِر على جثامينهم بعد أيامٍ من رحيلهم، دون أن يشعر بهم أحد سواء من الجيران أو من الأهل والأقارب.

    أحدث المقالات
  • المهدية والانقاذ شبه شديد (5) .. بقلم شوقي بدري 09-26-15, 02:44 PM, شوقي بدرى
  • بعد الراكوبة السعودية تتأمر مع النظام للأفلات من البند الرابع بقلم lلفاضل سعيد سنهوري 09-26-15, 02:40 PM, الفاضل سعيد سنهوري
  • لا يهمك ياوليد ! بقلم على حمد إبراهيم 09-26-15, 02:37 PM, على حمد إبراهيم
  • معركة جنيف.. بين الحق والزيف ! بقلم خضرعطا المنان 09-26-15, 02:34 PM, خضرعطا المنان
  • مدارات الاشواق بقلم ايليا أرومي كوكو 09-26-15, 02:31 PM, ايليا أرومي كوكو
  • سودانيون يتسابقون للحصول على الفياجرا!! بقلم فيصل الدابي/المحامي 09-26-15, 05:55 AM, فيصل الدابي المحامي
  • هل ستكون السعودية اولى ضحايا ممالك الربيع العربى ؟؟ بقلم جاك عطالله 09-26-15, 05:50 AM, جاك عطالله
  • الفداء :عيد حزين !! شعر حافظ نعيم 09-26-15, 05:48 AM, نعيم حافظ
  • آليات حماية حقوق الإنسان في النظرية والتطبيق..!! بقلم د. محمود شعراني المحامي 09-26-15, 05:44 AM, د. محمود شعراني
  • ممارسات خاطئة باسم الثورة..مركز بثوب الهامش... بقلم ادم ابكر عيسي 09-26-15, 05:42 AM, ادم ابكر عيسي
  • آخر نكتة (العرسان بشر والشهود حيوانات)!! بقلم فيصل الدابي/المحامي 09-26-15, 05:40 AM, فيصل الدابي المحامي


  • صورة للفنان محمد السنى دفع الله 09-26-15, 04:11 PM, صور سودانيزاونلاين
  • صورة للفنان راشد دياب 09-26-15, 04:07 PM, SudaneseOnline Images
  • صورة للفنان طارق الامين و الشاعر الراحل محجوب شريف 09-26-15, 04:05 PM, صور سودانيزاونلاين
  • صورة للفنانة السودانية فائزة عمسيب 09-26-15, 04:02 PM, SudaneseOnline Images
  • شهداء الثورة السودانية الشهيد عبد القادر ربيع عبد القادر 09-26-15, 03:58 PM, صور سودانيزاونلاين























  •                   


    [رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

    تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
    at FaceBook




    احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
    اراء حرة و مقالات
    Latest Posts in English Forum
    Articles and Views
    اخر المواضيع فى المنبر العام
    News and Press Releases
    اخبار و بيانات



    فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
    الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
    لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
    About Us
    Contact Us
    About Sudanese Online
    اخبار و بيانات
    اراء حرة و مقالات
    صور سودانيزاونلاين
    فيديوهات سودانيزاونلاين
    ويكيبيديا سودانيز اون لاين
    منتديات سودانيزاونلاين
    News and Press Releases
    Articles and Views
    SudaneseOnline Images
    Sudanese Online Videos
    Sudanese Online Wikipedia
    Sudanese Online Forums
    If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

    © 2014 SudaneseOnline.com

    Software Version 1.3.0 © 2N-com.de