|
السودان : الوطن المقبرة عثمان نواي
|
وتستمر الفاجعة فى التكرار , دون ان يبدو فى الافق نهاية جذرية لتلك الدماء السمراء التى تتدفق بلا توقف لسنوات طويلة, بل لعقود. لم تصبح كلمات النعى الاليم والشعور بالحزن العميق على ريعان شباب الشهداء , تسرى عن القلوب. فقد تعدى الواقع قدرة الكلمات والاوصاف وكافة انواع التعبير المكتوب على التعامل مع حالة هذا الوطن " المقبرة" , الذى يقتلع مستقبله الذى يحاول الصمود على سطح الارض ليدفنه فى باطنها. والسؤال العصى حد المستحيل على كل الاجابات الممكنة, هو حتى متى؟؟ , حتى متى يستمر هذا العبث بحياة البسطاء المقهورين والمحرومين من ابسط حقوقهم فى المساواة والتنمية والكرامة الانسانية والاحترام للثقافة والاعتقاد, ام ان حرمانهم من كل تلك الحقوق لم يكفى اصحاب السلطان, فقرروا حرمانهم من حقهم الالهى الاول , الا وهو حقهم فى الحياة. ترى كيف يشعر القتتلة بعد رؤية تلك القبور التى تنمو اكثر من اى شجر او نبات على اطراف هذا الوطن. ان على موسى شانه شان العشرات من الذين قتلوا عبر السنوات العشر الماضية من اهله فى دارفور وغيرها من اراضى الوطن المكلومة . مات مغدورا, مستهدفا , وللاسف مغبونا مظلوما. وربما لقصر حياته التى عاش, لم يستمتع بالكثير من الحرية ولم يتثنى له الوقت ليكتشف المزيد عن نفسه وقدراته وامكانياته بل وحتى احلامه التى دفن كثير منها معه, على الاقل تلك التى تخصه هو شخصيا. اما احلامه لشعبه ووطنه, فهى ترويها دمائه, لتبقى حية فى من بقى خلفه , رغم ان الامنيات كانت ان يروي هو تلك الاحلام , بعلمه وعرقه وعمله, ولكن رصاصات الموت تلك ارادت قتل حلم على موسى بالوطن الذى يسعنا جميعا , ويحس بنا جميعا, ويحترمنا جميعا, لكن من بقى حيا من رفاق علىْ يحيون بهذه الاحلام وعليها ولها. لقد سال حبر كثير, فى الايام الماضية واصفا وحشية الجانى, وقدرته على الاجرام الذى لا حدود له. فبشاعة جرائمه اعتبرت , وبالادلة الدامغة جرائم ضد الانسانية طبقا للقانون الدولى, فهذا اذا امر مفروغ منه, اى ماهية الجانى وفظائع جرائمه. لكن ما لا يجد العقل طريقا لاستيعابه, هو الصمت على هكذا جرائم وهكذا مجرمين. ان ضحايا هذا النظام يقفون وحدهم يصرخون فى فضاء يبدو انه خاوى من اى ضمير انسانى حقيقى او رغبة جادة فى تحقيق العدالة . فعلى مستوى الوطن, يقاتل اهل الهامش هذا النظام المجرم باقصى ما يمتلكون من قدرة, وهم افقر اهل هذه البلد, يقضون مضاجعه ويهزون عرشه من تلك الاطراف البعيدة عن ذلك العرش بعشرات الاميال, ولكنهم مازالوا وحدهم اصحاب الصوت الاعلى فى وجه هذا النظام, هل لانهم هم من يقتلون عمدا , ويقصفون يوميا و تحرق بيوتهم وقراهم, وان كان هذا هو حالهم , فلماذا لا يستمع احد لاصواتهم. تلك الاصوات التى كان الشهيد على ورفاقه فى جامعة الخرطوم , يحاولون ترديد صداها من قلب عاصمة السلطان لعلهم يسمعون, واذا سمعوا لعل احد ما يخرق الصمت القاتل. ان الموت المجانى الذى ظل عنوان حياة ملايين البشر من شعوب مناطق الحرب فى هذا البلد, لن يستمر مجانيا الى الابد. وان الاصوات التى اراد الشهيد على ايصال صداها الى اهل السلطان قد وصلت فى مأتمه, ومن فوق قبره هتف المشيعيون ضد المجرم والجانى, وتفجرت اصوات كثيرة تتلاقى فى مطالبتها بمحاكمة المجرم وانهاء النظام السفاح. ولكن تحقيق الحلم فى وطن لا يموت فيه احد بلا ثمن , ولا تلغى فيه ثقافة احد او لغته او دينه , وطن يسمع فيه صوت الجميع بالتساوى ويمثل فيه الجميع بحرية تامة, ان تحقيق ذلك الحلم يحتاج الى كل الاصوات الحية التى لا زالت تستطيع الصراخ عاليا وترفض العيش فى مقبرة, والتى تامل فى وطن تنمو فيه الامال وتتنوع الرؤى وتتكاثر فيه الالوان بلا خوف من رصاصات الغدر و ظلام الفكر وقسوة القهر. [email protected]
|
|
|
|
|
|