|
السودانيون يستحقون . . ويستطيعون أن يصنعوا السلام ومفاجأة العالم
|
يستحق أهل السودان أن تتاح لهم فرصة للتحاور والنظر في حاضر ومستقبل بلادهم، بعيدا عن قعقعة السلاح وضجيج التطرف وسياط القمع. والسودانيون أكثر الناس قدرة -إذا ما جلسوا إلى طاولة واحدة - على الوصول إلى حل وسط . فالسوداني وسطي بطبعه ، متسامح بالتراضي وهذه الأخيرة بالذات قد تكون هي مصدر الداء، لأن بعضهم لم يدرك أنها نتيجة لتراكمات التجارب عبر القرون واعتقد أنها ليست أكثر من (ضعف دين) فحاول إصلاحه، فخرج عن المعادلة - خلال فترات طالت حينا وقصرت حينا آخر - ليدخل السودان وأهله في متاهات الحرب والمجاعة ومختلف المظالم التي سادها التشريد والاقصاء، وإن اشتملت أيضا على الاسترقاق والقتل الجماعي. وفي اعتقادي أن تجربة السنوات الأخيرة تعطينا مثالا صارخا ، للمآسي التي يتمخض عنها الخروج على معادلة التسامح والتراضي.. ولأن الطبع يغلب على التطبع، اعتاد السودانيون أن يفاجئوا العالم بعودة جماعية إلى الأصل في تناغم مع معادلة الوسطية التي لا يكون السودان سودانا إلا بها. ولعل عوامل عدة تداخلت في صنع هذه المعادلة التي اتمني أن يعكف على سبر أغوارها أهل العلم والاختصاص، منها في اعتقادي أن السودان بأنهاره وغاباته وسهوله ومراعيه الممتدة إلى ما لا نهاية جعل الحياة سهلة على أهله وجعل أهله يقبلون بكل قادم جديد، ولا يشعرون أبدا بأنه يشكل عبئا عليهم ، فكان السودان أرضا تستقبل القادم وتستوعبه، أرضا مفتوحة على العالم . . جاءها العرب وغير العرب من الشرق والشمال قبل الاسلام. . ودخلها المسلمون بعد خروحهم من الاندلس، ووجدت الصوفية القادمة من المشرق والمغرب أرضا خصبة في هذه الطبيعة الوسطية والمتسامحة، فهذبتها إذ انتشرت في شماله وشرقه وغربة، واستقبلت القبائل السودانية في الجنوب الهجرات، وبقيت في غالبيتها على دياناتها المحلية السامية المتعالية كغابات الاستواء والممتدة مثل مراعي الجنوب، تتعاطى مع الشمال والغرب والشرق بالسامح والتراضي ،وتفتح صدرها الواسع لكل القادمين. . اعتنق بعضها الاسلام واعتنق بعضها المسيحية وبقيت الغالبية على دياناتها المحلية السامية . هذه هي حقيقة السودان . . كل من حاول أن يقفز عليها اصطدم بواقع السودانات الكثيرة التي تتحالف ضده . فالمعادلة في السودان لا يمكن لها أن تقوم - على الأقل في حدود الخريطة السياسية التي انتهت إلى حيث انتهت جيوش محمد على باشا - إلا على التراضي .. ومفهوم التراضي هذا بأبعاده الاثنية والثقافية والدينية والسياسية والاقتصادية لايجد تعبيره إلا في الدولة الديمقراطية التعددية التي تحتكم لدستور يفصل بين السلطات ويضمن استقلالية القضاء والحريات الأساسية المنصوص عليها في المواثيق الدولية ، دستور منفتح باتجاه مزيد من الحرية منغلق بوجه كل ما يمكن أن يفتح بابا لتقييدها. ما يجري الآن في السودان ليس هو نهاية المطاف، إنها عودة إلى نقطة البداية الصحيحة، محاولة لاسترجاع لحظة تاريخية تركناها تفلت منا عام 56 ، بمعنى أن المطلوب الآن هو إعادة تأسيس للسودان .. السودان الجديد.. وهي مسألة ليست سهلة على الاطلاق .. ولكن السودانيين يستحقون هذه الفرصة التي أعتقد أنها لم تتح لغيرهم من قبل ، وهم يستطيعون أيـضا. أن يصنعوا السلام . يستطيعون لأنهم يعشقون مفاجأة العالم. منصور شاشاتي
|
|
|
|
|
|