|
السودان: لا بد من وقفة صارمة في وجه الفساد المستشري/محجوب محمد صالح
|
[email protected]
حديث استشراء الفساد في السودان أصبح الحديث الذي يطغى على كل ما عداه هذه الأيام وقد تصاعد الحديث عنه بين أفراد الشعب إلى درجة جعلته يتجاوز في أهميته الحديث عن الحوار "الحوار الجامع" الذي تسيَّد الساحة السياسية مؤخراً. وقد تفجرت عدة قضايا فساد دفعة واحدة خلال الأيام القليلة الماضية فسلطت الأضواء على هذه القضية المحورية التي ظل الحديث عنها يتجدد من فترة لأخرى ولكنها أصبحت الآن هي القضية الأولى خاصة أن المجتمع السوداني يواجه أزمة اقتصادية حادة أدت إلى تدهور قيمة العملة الوطنية وارتفاع معدلات التضخم وغلاء المعيشة وأصبح المال عزيزاً ونادراً، بينما قضايا الفساد التي تفجرت تتحدث عن أرقام فلكية من المليارات التي استولى عليها البعض بغير وجه حق. ولم يعد الحديث عن الفساد حديثاً مرسلا يتبادله الناس في جلسات أنسهم بل بات حديثاً موثقاً يقدمه وزير العدل تحت قبة البرلمان ويتداوله القانونيون في أروقة المحاكم وهيئات التحكيم وتنشر وثائقه الصحافة الورقية والصحافة الإلكترونية وقد دخل الحديث (الحوش) حسبما يقول أهل السودان عندما وصلت المشاكل إلى مراقيها العليا! لقد طالت الاتهامات هيئات تساهم فيها الحكومة بنسب مقدرة والاتهامات تشير إلى مليارات الدولارات التي حصل عليها السودان من مصادر تمويل خارجية بالدولار واليورو والريال وتكشف الاتهامات عن تجاوزات خطيرة وإهدار للمال العام لا يزال أمره متداولا أمام المحاكم، بل ولحقت به عمليات تحكيم متهمة بأن دوافعها إهدار المزيد من المال العام، كما طالت مؤسسات حكومية (مكتب والي الخرطوم نموذجاً) واعترف الجناة بجرمهم وسددوا المال الذي نهبوه لتبرأ ساحتهم عبر مواد قانون للثراء الحرام يمد لسانه لمتطلبات العدالة والمساواة أمام حكم القانون ولا يعاقب ولا يردع، كما طالت الاتهامات شركات لم تبدأ نشاطها العملي بعد وهي ما زالت في مرحلة التأسيس (سكر مشكور نموذجاً) – وإذا كان الفساد قد تمدد في هذه الساحة الواسعة فلا بد أن يكون ما خفي هو الأعظم. الموضوع ما بات يحتمل تأجيلاً ولا بد من حراك سريع لمحاصرة هذه الظاهرة الخطيرة التي تهدد مجتمعاً فقيراً تعيش نسبة مقدرة من أهله على المعونات ومواد الإغاثة بينما يستحوذ بعض النافذين على المليارات من القليل المتاح! ولا يمكن أن يستقيم الأمر وفي القوانين ما يسمح للمعتدي على المال أن يستولي عليه ويستغله ويستثمره ثم إن انكشف أمره سدد ما عليه واحتفظ بما ربح منه وعفا الله عما سلف – هذه أمراض تصاحب الأنظمة الاستبدادية التي تعطل مفهوم الرقابة المجتمعية وتغمض عينيها عن تجاوزات أهل (الولاء) وهذه قوانين تغري بالجريمة ولا تردعها بأي حال من الأحوال، ثم إن نطاق السرية الذي يفرضه البعض على الأداء الحكومي يوفر الغطاء المشروع للقيام بالممارسات الفاسدة في الظلام والتستر بسرية المعلومات وإخفاء الحقائق وإضفاء هالة من الخصوصية على الممارسات المكتبية والتنفيذية مما يتعارض تماماً مع مبدأ الشفافية في النشاط العام وحق الناس في امتلاك كل المعلومات والحقائق في الأمور العامة التي تهمهم، لأن ذلك هو المدخل الصحيح لفرض الرقابة والمساءلة والمحاسبة وهو مبدأ قد غاب تماماً ولعقود من الزمان لأن أهل (الولاء) لا يسألون عما يفعلون، أما الآن وقد انكشف المستور وفاحت الروائح الكريهة فلا مكان (لفقه السترة) ولا مكان لإخفاء الحقائق البينات بعد أن بانت عليهم آثار الثراء المفاجئ المجهول المصدر. نحن ندرك أن الفساد يطال أنظمة استبدادية وأنظمة ديمقراطية ولكن الأنظمة الديمقراطية بسبب ما توفره من رقابة مجتمعية هي الأقدر على اجتثاثه ولذلك فإن التحول الديمقراطي الكامل والراشد يشكل أهم الأسلحة لمحاربة الفساد، بينما الأنظمة الاستبدادية توفر البيئة الأصلح لنمو الفساد وازدهاره! ونحن نتطلع إلى مجموعة من القانونيين الشرفاء يصوغون مسودة قانون للشفافية وللمحاسبة والمساءلة في كل ما يخص الشأن العام ثم يتقدمون به للبرلمان عبر عضو أو أعضاء يتبنونه بحكم حقهم في تقديم قوانين الأعضاء الخاصة (private member bills) لأننا لا نتوقع أن تستعجل السلطة الحاكمة بمحض اختيارها فتقدم مثل هذا القانون للبرلمان، كما أننا نتوقع من مثل هذه المجموعة القانونية أن تقترح تعديلات على القوانين القائمة الآن حتى تصبح أكبر قدرة على مكافحة الفساد وفوق هذا وذاك نتوقع أن تصبح محاربة الفساد المستشري ركناً أساسياً في أي حوار جامع يدور لإنقاذ البلاد حتى لا نسمح لذلك الفساد بإحداث انهيار كامل للوطن!!
|
|
|
|
|
|