|
السلام على الأبواب...والحرب على النافذة
|
ما من شك ان ثمة تفاؤل في الأوساط الشعبية، يقابله تشاؤم نسبى يسود أفكار المثقفون والساسة ممن ليسوا روادا للحركة الشعبية لتحرير السودان ولا المؤتمر الوطني، وهولاء المتشائمون يتمسكون بالحجة الذرئعية القائلة: المفاوضات الجارية في نيفاشا ليست إلا حوار بين طرفين لا يمثل احديهما الغالبية العظمى من الشعب السوداني سؤا كان الحركة في الجنوب أو المؤتمر الوطني في الشمال، وبالتالي استثنى القوة السياسية الأخرى. واطرح السؤال التالي لهولاء: هل يمكن ان يصدق احد ان الحركة الشعبية تحارب طيلة هذه الفترة من اجل السلطة فقط؟؟ وبطريقة أخر: أليس الحرب في السابق بين الحركة والحكومة، فماذا نتوقع إذن عندما يحين وقت التفاوض؟؟.
الحرب تقود إلى حرب أخر، في الوقت الذي قد تقود الطرفين إلى السلام، ففي نقطة التزامن بين (نهاية) حرب الجنوب، و(بداية) حرب جديد في دارفور كانت ذلك إيذانا بدخول السودان في تاريخ سيأسى جديد ـ فكانت حتمية الحل ـ تستحوذ على جلسات الفرقاء في نيفاشا وانجمينا للتخلص من مشاكل السودان دفعة واحدة، فغرب السودان على سبيل المثال لا الحصر يندلع فيه حرب الإبادة والتطهير العرقي مما اقتضى ذلك تدخل الأمم المتحدة بقوة، والتهديد بتدخل عسكري دولي على لسان الأمين العام إذا لم تتخذ الحكومة السودانية خطوات عملية لمعالجة المشاكل الأمنية في الإقليم الغربي المغلوب على أمره. أما في جنوب السودان فالاتفاق المبرم بين الحكومة والحركة الشعبية حول وقف العدائيات والذي ترجم مؤخرا على انه وقف مؤقت لإطلاق النار، قد نال كفايته من الوقت، كما هو المفاوضات، حتى سام الناس وملوا، مما أدى إلى تزايد ونمو الفكرة المضادة لذلك ومفادها:ان السلام مع الحكومة السودانية قد لا تتحقق من خلال المفاوضات الجارية! في نيفاشا، فربما الحرب بعد انضمام دارفور إليها هي السبيل الوحيد لتحقيق السلام في السودان.
ولكن، إذا ما تناولنا الأمر بنظرة واقعية نجد ان السلام أصبح قاب قوسين أو أدنى من التحقيق، وبغض النظر عن الوعود والتصريحات التي يطلقه المقربون من ساحة المفاوضات تذهب بعضها إلى تحديد سقف ذمني وفى أخر المطاف لا تتحقق، إلا ان الواقع السياسي في السودان ـ والتغيرات الدولية الراهنة ـ يوحى باتفاق وشيك. فالآمال لن تتضاءل أبدا طالما هناك وفدين في نيفاشا يقودان مجريات التفاوض ويسيطر عليهما رغبة طامحة للتوصل إلى نتائج تتوج بها هذه المهمة الشاقة، والذين يصدقون المثل: ربما بعد الدموع ابتسامة.
ولكن، هناك مهمات كثيرة أخرى أكثر الحاحاً قد تتطلب تضامن الجهود ليس بين الحكومة والحركة وحسب، بل بين جميع فئات الشعب السوداني قاطبة. فما لم تعمل القوة الشعبية على بلورة رؤية سودانية واضحة، للسودان، لها ملامحها الوطنية وخصائصها القومية الواضحة، وترسيخها في الواقع السوداني حتى تتغلغل جذورها في الوعي والوجدان، لن تستطيع اى قوة سودانية أخرى تحقيق أدنى تطلعات وطموحات الشعب السوداني ، ناهيك عن تحقيق الوحدة الوطنية.
فان مسالة تحقيق السلام ليست الصعب في حد ذاته، وإنما الأصعب هو المحافظة على عليه. بيد ان السلام نفسه لا يمكن ان ينهار، وليس هناك قوة تستطيع ذعذعته لو كان راسخا في وجدان الشعب. وحتى أوضح ما أقول أتساءل:هل يستطيع الحكومة أو الحركة الشعبية على سبيل المثال إطلاق دعوة لتدمير عملية السلام بعد توقيعه، بحجة إنها اكتشفت عدم انسجام السلام في السودان مع خطتها السياسية؟؟. يكفى ان الرئيس الأسبق جعفر محمد نميرى أطلق دعوته الذي انسف به اتفاقية أديس أبابا بمقولته الشهير: الاتفاقية ليست قرانا أو انجيل".
وإذا كان من الأهمية إيجاد تفسير حقيقي لنجاح خطة نميرى بنقض الاتفاقية سؤا كان بوعي منه أو دون وعى، يمكن القول: ان الجنوبيين والشماليين لم يجمعهم رأى موحد خلف السلام، لان الفئة الأخيرة ترى ان الاتفاقية لم تكن إلا هدنة بين الرئيس نميرى والجنوبيون. ولو كان راسخا السلام الذي حل عام 1972 في وجدان الشعب السوداني، لما أل حال السودانيين إلى هذا التردي المهين.
ومضمون الرسالة: علينا ان نتعلم من التاريخ حتى نستعيد مجدنا وقوتنا، والإقلاع عن الأفكار المتطرفة والغريبة على الشعب السوداني، وان نعتني بمشاكلنا أمر ضروري دون نترك لها أثرا يستغلها اى طرف خارجي للتدخل في شاننا الداخلي. وبالتالي نكون قد أغلقنا النافذة التي قد تجلب علينا ـ لاحقاـ رياح الحرب!!.
|
|
|
|
|
|